سيف الدولة حمدناالله
قبل يضعة أسابيع كتبت مبشراً بقرب انطلاق القناة الفضائية التي تتحدث باسم المعارضة ، وقد كان وراء بشارتي ما تلقيته من تأكيد مباشر بلغني من مجموعة من الشباب المقيمين بالخارج الذين قطعوا لي بأنهم قد فرغوا من جميع الترتيبات لانطلاق البث التلفزيوني، وأنهم بلغوا مرحلة اعداد خريطة البرامج التي سوف تُعرض على القناة.
ولا أدري السبب الذي أدى لتعطيل انطلاق هذه القناة حتى الآن، بل لا أدري سبباً لمرور كل هذه السنوات الطويلة على الحديث عن القناة الفضائية دون أن ترى النور، فالمعارضة السورية استطاعت خلال شهور قليلة من تنظيم صفوفها من اطلاق قناة فضائية تتحدث باسمها، رغم أن المعارضة السورية ليست في حاجة – مثلنا – لأن تقوم بتخصيص قناة فضائية لخدمة قضيتها، فالشعب السوري – ليس كحالنا – لديه دلال في نفوس الحكومات العربية، وهي تضعه في حدقات عيونها، فقد فتحت له قنواتها الفضائية لتقوم بخدمة قضية الشعب السوري ضد نظامه الحاكم بأفضل مما تفعل قناة المعارضة، فقناة الجزيرة تخصص ساعات طويلة من برامجها اليومية لفضح جرائم النظام السوري فتلهب الحماس في نفوس الشعب وتزيد من اشتعال الثورة، وكذلك تفعل القنوات العربية الأخرى، وحينما تلتفت تلك القنوات الى حال شعبنا تأتي اليه بالمحامي (المعارض) غازي سليمان ليحدثه عن نسبه للشيخ ابوعصاية.
ليس لدينا معرفة دقيقة بطبيعة الصعوبات التي يمكن أن تواجه انطلاق قناة فضائية، ولكن لا بد أن تكون التكلفة المالية على رأس تلك المشاكل، ومهما بلغ حجم تلك التكلفة، فمن العيب أن تكون كل القوى الوطنية في السودان عاجزة عن تحقيق مشروع قام بتنفيذه المواطن معتصم الجعيلي لوحده (قناة هارموني) وهو ليس في ثراء جمال الوالي، فثمن شحنة واحدة من سيارات (التاتشر) التي تحشدها الحركات المسلحة في حربها ضد النظام الحاكم تكفي الحاجة وتزيد لانشاء قناة فضائية، وتستطيع تلك الحركات من خلال القناة أن تكسب معركتها مع النظام دون أن تكون في حاجة لاطلاق رصاصة تزهق بها روحاً بشرية من جانبها أو روح واحد من الأبرياء الذين تدفع بهم الحكومة لمقاتلتها بالتضليل أو بمقتضى الوظيفة.
ومن العار أيضاًعلى القوى السياسية التي تعارض النظام أن تجعل مهمة انشاء مثل هذه القناة الفضائية ضمن واجبات شباب يقومون بتدبير مواردها المالية من حصيلة عملهم كسائقي ليموزين وحرٌاس للمباني في منافيهم رغم شهاداتهم ومؤهلاتهم العلمية العليا، وبيننا من ضحايا هذا النظام عشرات الآلاف من المهنيين الموسرين الذين يعملون في دول الخليج واوروبا الذين يرفدون النظام بما يفرضه عليهم من ضرائب وزكاة وهو يشتري بها السياط التي يلهب بها ظهورنا والرصاص الذي يفتك بصدورنا وأحالت أركانه الى أثرياء.
ان الأثر الذي يمكن أن تُحدثه الكلمة المسموعة والصورة المشاهدة ليس كأثر الكلام المكتوب، فالأثر الذي خلٌفه بث مقطع صغير لشريط الفيديو الذي تحدث فيه “البوشي”، فضح النظام وكشف عن سوءاته وبذر روح الثورة في نفوس أقرانه من الشباب بأفضل ألف مرة مما فعلته مئات المقالات التي كُتبت حول ما قال به البوشي، فالقناة تصل للناس في بيوتها وتخاطبهم باللغة التي يفهمونها، لا بلغة ثروت قاسم وعبدالوهاب الأفندي، فالمقال الجاذب يطٌلع عليه بضعة مئات من القراء ممن يتيسر لهم بلوغ الصحف الورقية أو الاليكترونية، بينما القناة الفضائية يشاهدها عشرات الملايين، وهي تتيح لهم المشاركة بالرأي في قضايا الوطن عبر الاتصال الهاتفي والرسائل البريدية، وقد كشفت التعليقات التي تتيحها بعض المواقع الأليكترونية على ما تنشره من أخبار ومقالات أهمية مشاركة الجمهور فيما يثار من قضايا، كما كشفت عن درجة الوعي والاستنارة والالمام لدى جمهورالناس بما يجري من أحداث في أرض الوطن، وهي تعليقات تضيف كثيراً وتتفوق على ما يكتبه أهل الصحافة ويقول به أهل السياسة في تلك المواقع.
تستطيع القناة أن تنقل الأخبار من مواقع حدوثها لحظة بلحظة في كل بقعة من أرض الوطن، وهي لا تحتاج في تحقيق ذلك لشبكة مراسلين على الأرض، فحتى القنوات العريقة تستقي المشاهد المصورة التي تقوم بعرضها مما يردها من مشاهد يتم تصويرها بواسطة الهاتف النقال بأيدي مواطنين عاديين لا يكلفهم ذلك سوى الضغط على ذر التحميل بالموقع الاليكتروني.
لقد كان من الممكن أن تتحول الثورات الشعبية التي اندلعت في مدن السودان المختلفة بوادمدني وعطبرة ونيالا والحصاحيصا وكوستي وبابنوسة الى انتفاضة شاملة في عموم أرجاء الوطن، وما كان لها أن تخمد بتلك السهولة اذا كانت قد تمت تغطيتها وذاع أمرها بالصوت والصورة عبر البث التلفزيوني.
مما يؤسف له أن شعبنا لا يشاهد الاٌ ما تبثه قنوات الانقاذ الفضائية، وهي تطلق الصورة التي تريد أن يراها الناس، ولها من البراعة ما يجعلها تقيم حفلة فرح في خيمة المأتم، وتحويل هزيمتها لانتصار، وفشلها لنجاح، ولا أدري الكيفية التي تجعلها قادرة على فعل ذلك، فقد شاهدت استطلاع للقناة الفضائية بمدينة الدمازين حكى فيه (كل) المشاركين عن فرحة مواطني النيل الأزرق باقامة الهادي بشرى والياً عليهم، وكأنما الذين منحوا مالك عقار أصواتهم بأغلبية ساحقة كانوا من سكان منطقة القطينة.
والأهم من كل ذلك، هو ما ننتظره من قيام القناة الفضائية بلعب دورها الهام في اعادة روح (القومية) بين أبناء الوطن، فمن أسوأ ما فعلته بنا الانقاذ، هو ما بذرته من عنصرية وقبلية وجهوية بين أبناء الوطن الواحد، فقبل الانقاذ كانت قد اختفت القبلية بالقدر الذي اختفت فيه (الشلوخ) التي كانت تميز أهلها، فالشعب السوداني لم يكن يعرف القبيلة التي ينحدر منها زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر أو بهاء الدين أحمد ادريس أو بقية رجال مايو الأقوياء، ولكنه الآن يعلم كل شيئ عن (شوقنة) عوض الجاز لوظائف وزارة المالية والبترول، و (دنقلة) جلال محمد عثمان للقضاء، و (جعلنة) وظائف الأمن والشرطة على يد الرئيس، وقبل الانقاذ كان الموظف الحكومي في أسفل السلم يشمله كشف التنقلات وهو من أهالي العيلفون للعمل في كادوقلي من الدامر وبعدها ينقل الى كسلا.
كلنا أمل في أن تُحقق لنا القناة الفضائية الموعودة حلمنا القديم بجمع مايقال له بالاغلبية الصامتة التي ظلت غائبة عن المسرح السياسي منذ الأستقلال ليكون لها كيان سياسي يجمع بينها، فالقوى التي تشكل الأغلبية بين أفراد الشعب وتتشارك الحلم دولة الحرية والعدالة والمساواة في حقوق المواطنة في ظل سيادة حكم القانون ليس هناك ما يجمعها، ولا يوجد بين الأحزاب القائمة ما يلبي طموحاتها سواء من واقع حصيلة تجاربها السابقة أو مما يجري أمام أعينها اليوم.
اننا من خلال هذا المنبر ندعو كل الوطنيين والناشطين من أبناء هذا الشعب أفراداً وكيانات، ونخص بالذكر الجبهة الثورية بقيادة مالك عقار والجبهة الوطنية العريضة بقيادة علي محمود حسنين والحركات المسلحة في دارفور وأبناء الوطن الخيرين للمساهمة في هذا المشروع بالتنسيق مع القائمين عليه بعد تقديمهم لانفسهم، فقد أثبتت الأيام أنه ليس في الامكان نجاح ثورة دون آلة الاعلام المشاهد والمسموع، ومن العبث ان ننتظر هبوب رياح التغيير من خلال الأخبار والمقالات النارية التي تنشرها صحيفة (الراكوبة) مع كامل تقديرنا لأهلها.
سيف الدولة حمدناالله
[email protected]