الشيخ الفقيه إبراهيم جمعة احمد.. رحلة عطاء يصعب حصرها مهما أطلقنا لليراع العنان..
فهو آية في الورع، وينبوعٌ مدفاقٌ في الحكمة، وصندوق متين لحفظ كتاب الله وعلومه.. ومكتبة متجولة في التأريخ السوداني الحديث.
وُلد الشيخ إبراهيم أبو سعدية، في أواخر العشرينات من القرن العشرين، في ضواحي منطقة “كرمجي” التابعة حالياً لمحلية شعيرية الإدارية بشرق دارفور، في أسرةٍ عُرف عنها الكرم والذكاء والشجاعة وحب الخير للغير..
فحفظ القرآن الكريم باكراً قبل بلوغه سن الثامنة، أي قبل ختانه، متفوّقا في ذلك على اقرانه ممن كانوا ينفقون السنين الطوال للحصول على ذلك.
عمل مع أسرته التي كانت تحترف مهنتي الزراعة والرعي،
بجانب عمله كمدرس للقرآن الكريم والفقه المالكي.. إذ درس على يديه المئات من الطلاب من مختلف الأجيال والبقاع.
وكعادة مجتمعه في ذلك الوقت، فقد تزوج الشيخ أبو سعدية من الجدة”حلّوم آدم تقيدي” قبل بلوغ سن العشرين، وذلك قبل أن يرتحل مع أخويه و أسرتهم الممتدة إلى منطقة “لبدو” في أواخر الخمسينات من القرن الماضي.. فكان له بصمات واضحة في تاريخ منطقة لبدو من نواحيه الاجتماعيّة ،والدينية،والاقتصادية، إذ ظلّ إماما لمسجد حي البحيرة بمنطقة لبدو لأكثر من أربعين عاما، ولاحقاً إماما لمسجد حي الوالي “سكلي” بمدينة نيالا لما يزيد عن عشر سنوات، وترأس لجنة إدارة مسجد لبدو العتيق لأكثر من دورة، كما ترأس المجلس التربوي لمدارس لبدو، بجانب عضويته الدائمة في اللجان الشعبية في المنطقة.
اضطر الشيخ للنزوح إلى معسكر كلمة بعد أن اجتاحت السلطات الحكومية ومليشياتها منطقة لبدو في السابعة عشر من شهر ديسمبر 2004، ضمن صراعاتها الدائرة ضد حركات الكفاح المسلح التي كانت تتخذ من المنطقة إحدى اهم مرتكزاتها..
فاستقر الشيخ وأسرته في “كلمة” ،إلى أن اشتعلت معارك طاحنة بين بعض مكونات النازحين الاجتماعيّة تحت أردية سياسية بأيادي من خارج المخيم، في العام 2008 ،فارغمت الكثير من النازحين إلى النزوح مجددا، كان من بينهم الشيخ وأسرته التي استقر بها المقام في معسكر “سكلي” “حي الوالي” الذي بات لاحقا كأحد أحياء مدينة نيالا العريقة.
رُزق الجد الشيخ أبو سعدية أو كما يحلو لنا تسميته ب”أبّا جدو” ب17 من البنين والبنات،توفي 6 منهم قبل البلوغ..بينما بقي الآخرون على قيد الحياة، ليخلفوا 93 حفيدا وحفيدة، إضافة إلى 86 من أبناء الأحفاد، و2 حفيد للأحفاد.
توفي الشيخ الفكي إبراهيم جمعة احمد “ابو سعدية ” ظُهر يوم الثلاثاء الموافق الحادي والثلاثين من شهر أغسطس 2021 عن عمر ناهز التاسع والتسعين عاما، أي بعد 23 يوم فقط من وفاة شقيقه الأصغر “الحاج آدم جمعة احمد (حاج سنين) الذي ارتحل عن دنيانا الفانية في الثامن من شهر أغسطس المنصرم.
ألا رحم الله الشيخ وشقيقه رحمة واسعة بقدرما قدما للدين والوطن من عطاء..
فهو ورغم الرحيل المُر، سيظل نجما ساطعاً ما بقي في البشريّة كبد رطبة.