بسم الله الرحمن الرحيم
أين نحن اليوم من الأمس
أكثر من خمسين عاماً مضت على ذلك اليوم الذي تخرجنا فيه ضباطاً بالقوات المسلحة والنفوس وقتها ملأى زهواً وفخراً بأننا ننتمي إلى وطن أحببناه وتواثقنا على أن نفديه بالغالي والنفيس ، وأن ندافع عنه بالأبدان والمهج. وطن نحافظ على شعبه وأمواله وعتاده ومقدراته وأصوله ، كأشياءٍ مقدسة لا يطالها فاسد أو تعبث بها أيادٍ فاجرة. وطن فوق كل الأوطان عزة وشموخاً وإباءً.
هكذا تشبعنا بتلك القيم والأخلاق والشيم ، وما هي إلاّ منهج تدريب تنتهجه الكلية الحربية ومن قبلها قوة دفاع السودان مروراً بالمدرسة الحربية.
قيم تشبع بها الرعيل الأول من أجيال الاستقلال وقوة دفاع السودان والكلية الحربية بعد الاستقلال.
قيم وجدناها ولمسناها من خلال مسيرة قدامى المحاربين القامات السامقات ، الفريق أوّل أحمد محمد وصحبه ، والفريق عبود ورجاله والمشير جعفر نميري ورفاقه ، والفريق أوّل ركن عبد الماجد حامد خليل والعقد الفريد ، والمشير سوار الذهب ومجلسه الموقّر ، واللواء الركن شهيد عثمان بلول و رفقائه من الشهداء الاطهار.
قيم بنيت على الصدق والأمانة وعفّة اللسان وطهر الأيادي وحب الوطن. لم نسمع بقائد فاسد تحدث عنه النّاس ، ولا بضباط طالت أياديهم المال العام ،ولا مستثمرين بينهم يجنبون أموال الصادر ، أو يستأثرون بأموال البنوك ، أو يركبون الفارهات من العربات أو يسكنون القصور ويكنزون الأموال من فساد وحرام.
ألا رحم الله الشهيد الزبير ، ينسب إليه القول (إذا رأيتمونا نركب الفارهات من السيارات ونسكن القصور العوالي ، فتأكدوا أننا فسدنا).
وهكذا كنا نظن هذا ما ستسير عليه الإنقاذ ، ولكنهم فسدوا حتى خرجت إحداهن من داخل المجلس الوطني تقول ، (أصبحنا نخجل أن نقول أننا ننتمي للمؤتمر الوطني من شدة ما أُتهم رجاله بالفساد).
أين نحن اليوم من الأمس ؟
لقد مضى كل ذلك وسيصبح من الماضي ، وذهبت الإنقاذ بإرادة شعبية وضغط جماهيري أذهل الناس. فأين نحن من القيـم والأخلاق التي تحدثنا عنها ؟
هل سيعي ولاة أمرنا الدروس ووقائع الأحداث ، أم سيغرقون في دوامة الصراع على كراسي السلطة ويبقى الشعب يكابد نتائج صراعهم معاناة وضيق في الحياة والمعيشة ؟
هل سيخرج من بينهم عاقل وناصح يخرج الناس من الانسداد الذي نحن فيه ؟
أليس من بينكم عاقل ؟
إنني لا أرى مخرجاً من هذا الانسداد السياسي والاختلاف الكبير إلاّ بالرجوع إلى قيمنا وأخلاقنا وتربيتنا الوطنية التي نشأنا عليها.
إنني لا أرى مخرجاً إلاّ بتضحيات كبيرة وخطوات جريئة تضع الوطن وشعبه العظيم فوق الجميع.
إنني لا أرى مخرجاً (وهذا رجاء) بأن يتنحى الفريق أوّل ركن عبدالفتاح البرهان ، الفريق أول محمد حمدان ، الفريق ركن شمس الدين كباشي من المشهد السياسي والتفاوضي. وكذلك يتنحى الأستاذ صديق يوسف ومحمد يوسف والسنهوري ومحمد ضياء من جانب قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين، ويحفظ لهم جميعاً ما قدموه ، ويتم التوافق على لجنة وساطة قومية محايدة يكون على رأسها الفريق أول ركن عبد الماجد حامد خليل وعضوية ، البروف علي شمو ، البروف يوسف فضل ، اللواء الركن (م) عبدالعزيز محمد الأمين.
آمل أن تقبل كل الأطراف بمجلس سيادة ترأسه شخصية قومية محايدة ويكون أعضاؤه مناصفة بين العسكريين والمدنيين خلال الفترة الانتقالية.
كفى الوطن محناً ، وكفى الشعب ضيقاً ومعاناةً وحزناً.
أعقلوا أيها الكبار وإلاّ سيكتب التاريخ في صفحاته أنكم كنتم صغارا.
والله من وراء القصد
فريق ركن
إبراهيم الرشيد