حسام عبد الحسين
إن الأخلاق في واقعها العملي ليس لها تعريف واضح ولا منهجية علمية، بل هي متغيرة التعابير من مجموعة لأخرى، ومن موقع لآخر. وأن هذه الفوضوية تجعل من العقل والعلم أن يشك في أصلها، ويدقق بانعكاساتها وفوائدها وسلبياتها.
اذا بدأنا بربط الممارسات الاخلاقية مع أخلاقيات الطبقة السياسية الحاكمة سنجدها متفقة تماما، بل سنجد أن السلطة ترعى هذه الأخلاقيات وتروج لها وتصرف الأموال، إذن؛ هل هذا الترويج من أجل إصلاح المجتمع؟ أم إنه لاهداف ربحية لافراد السلطة تتعلق بالانتاج؟
فأن قلنا لإصلاح المجتمع فهنا ذهبنا الى الغباء السياسي، لأن إصلاح المجتمعات تتم بالمساواة الإقتصادية والسياسية وتوفير حاجات الناس وحماية حقوقهم ومصالحهم بشكل متساوي، وهذه الاجراءات ليس لها علاقة بالاخلاق المجتمعية، إذن السلطة تروج لأخلاقها ليس لإصلاح المجتمع بل لتسيطر على قوى الإنتاج الذي يوفر أرباح إقتصادية لأفراد السلطة ويبقي على الوضع القائم للنظام السياسي الحاكم دون محاولات تغييره، لأن أي حركة تغيير هنا أو هناك سيهاجمها المجتمع نفسه بأنها ليست على نفس “أخلاقياته” وبالتالي أصبح المجتمع مدافعاً على افراد السلطة السياسية الحاكمة دون شعور وأن كان رافضاً لهم معنوياً.
ولو رجعنا الى الوراء سنجد أن الطبقات المالكة للحكم السياسي هي المسيطرة أخلاقيا وتعكس أخلاقياتها على المجتمع حتى تتجذر تلك الاخلاقيات في المجتمع وتتحول الى عادة بديهية تتدافع عنها الأجيال بغباء مركب، سواء في الأنظمة الرأسمالية أو الإقطاعية.
ولو تركنا كل ما سبق وطرحنا سؤالاً: هل الأخلاق يوما غيرت وضعاً سياسيا حاكماً متردياً وهل أرجعت حقاً !؟.
لذا الأخلاق مسألة نسبية وجزء من البنية الفوقية الى جانب الفلسفة والقانون والدين السياسي والاقتصاد، وتتغير مع تغيير المرحلة والعصر حسب تطور المجتمع فمثلا: ضرب المرأة كان جزء من الأخلاق واليوم من اللا أخلاق، وضرب الأب لابنائه كان جزء من الاخلاق واليوم من اللا أخلاق، وضرب المعلم لتلاميذه كان جزء من الأخلاق واليوم من اللا أخلاق، والسرقة والفساد المالي والاداري كان جزء من اللا أخلاق بينما اليوم جزء من الأخلاق بشرعنته وتبويبه.
إن الانطلاق نحو التغيير مستنبطاً من وقائع الوضع الإجتماعي للبشر ومن أتفاق حاجاتهم جميعا في أي بقعة في العالم، لذا حين تحل قاعدة عدم الإضرار بالغير بدل الاخلاق فأنها ستنتج حياة آمنة للبشر وحريات فردية وسياسية وإعلامية ومساواة وعدالة إجتماعية واقتصادية…، لان هذه القاعدة تعمل لجميع البشر ولها تعريف واضح ومنهج علمي يستند على أن البشر متساوون ومتشابهون في كل شيء ولهم حقوق واحدة وعليهم ألتزامات واحدة. وهذه القاعدة لا تتغير حسب الأهواء المزاجية والسياسية والمكانية والإجتهادية وليست فوضوية ولا نسبية وهي جزء من البنية الإنسانية.