قياساً على عبارة سفاح يوغندا الأسبق الحاج عيدي أمين أداد المشهورة (البوغندي الجيّد هو البوغندي المقتول( والذي استهدف بها قبائل الشمال اليوغندي، ومعنى قولته تلك، أنّ جميع أفراد تلك القبيلة، سيئين طال ما هم على قيد الحياة، ونحن نقول أنّ السياسي السوداني الجيّد، هو الذي لم يتولَ السلطة. والمقصود بالسياسي، كل من يتعاطى الفعل ساس يسوس، ويهتم بشأن الحكم في إطاره التشريعي أو التنفيذي أو التشريفي (السيادي)، وقد يكون السياسي منظما أو مستقلا.
الأمثلة متكررة علي الخيبات الكبيرة من ساسة كبار، ماثلة ومعادة منذ مؤتمر الخريجين إلي اتفاق جوبا “الماسورة” ومن اكثر الدوافع “لانبراش” وإنتكاسة الساسة، التشفي من الغبن، والكيد السياسي من الخصوم، يضاف إلي ذلك تسامح الشعب السوداني مع الساسة الخائبين بدوافع عشائرية وجهوية، يشجع علي عدم الاكتراث، وهناك من يعتقد أن الشعب السوداني يعاني من ضعف الذاكرة الشعبية، وانهم ضعاف أمام عبارات مثل باركوه، وصلي علي النبي التي غالبا ما تضع حدا “للحك” مع الخونة والانتهازيين، وأنّ النزعة الصوفية المتجذرة في الشعب السوداني، والمتغلغلة في الوسط الاجتماعي، ينظر لمن يتمسك بالماضي على أنه متحجرا وغير سمح سلوكيا.
شعار السياسي السوداني، اغتنم الفرصة، أحصل علي “تايتل” وتميز اجتماعيا (وبكرا ليها الف حلال). خلال عهد الإنقاذ القميء، أصبحت الوظيفة العامة المرموقة احدى سبل كسب العيش، وطرق الثراء السريع والمضمون، تسهيلات بنكية قابلة للإعدام، وأموال مجّنبة بلا رقيب ولا حسيب، وحصانات من المراجع العام، وقُماشة بدلات يفصلها كل مسؤول على مقاسه.
التمرغ في غمار الانتخابات الجادة والراتبة، هو السبيل الوحيد لسبر أغوار نزاهة الساسة، وهي الساحة المناسبة لكشف زيفهم وإلتزامهم الأخلاقي، إذ يتوجب عليهم الاغتسال المتأني قبل الولوج في ساحاتها التي لا ترحم، وطالما ظلت الساحة السياسية مرتعا خصبا للساسة “البروس”، لا نتوقع أن تفّرخ الكيانات التنظيمية كوادر سياسية جيّدة، تلتزم ببرامجها وتحترم طروحاتها ووعودها، والأنظمة الشمولية تهيئ البيئة المناسبة لتكاثر مثل هذه الأمثلة المنبتين جماهيريا، المتقلبين يمنة ويسرى “كفسّية” الديك حسب المصالح الآنية.
الانتهازية السياسة، لم يسلم منها جيل، وأفضل مثال لعدم المبدئية السياسية من جيل نادي الخريجين، أحمد محمد خير المحامي، الذي شارك في حكومة الإنقلابي الجنرال عبود، فقد تولى حقيبة الخارجية، مبرراً فعلته الشنيعة تلك أنه يخدم والوطن وليس ذاته، (ومن دييك وإييك) وخير نموذج لهؤلاء من جيل اليوم، هم “الأردالة”، الذين، قذفوا بمبررات نضالاتهم في أول منعطف سياسي يمرون به دون الشعور بوخز ضمير أو شوكة تأنيب الذات، متكئين على خيبات السلف غير الصالح.
الانقلابي تاجر الدين عيدي أمين يعتقد أنّ أيّ فرد من أفراد قبيلة البوغندي ظل علي قيد الحياة ليس جيدا، ويجب أن يقتل، وكذلك فإن السياسي الجيد هو السياسي خارج السلطة، ومن توّرط فيها، علينا أن “نقنع” منه، أو ألاّ نتوقع منه خيرا، والتهيؤ لأذاه.
لقد سمعتم بالسياسي الذي توّرط في مديونيات مليارية في صفقات المواد البناء، في عهد الإنقاذ مع تجار سوق السجّانة، وعندما حوصر من قبل دائنيه، وقد فقد منصبه الدستوري، طمأنهم بانه موعود بآخر أرفع منه، وعليهم إمهاله بضع أسابيع ريثما تعلن التشكيلة الجديدة، وعندما خرج منها بخفي حنيّن عبر “قد القفة” هوب إلي الخارج، وفيما بعد توّرط في محاولة انقلابية، ليعود لسلطة، ويسدد ديونه!!
قديما قيل الفي البحر عوّام، ومصداقا لذلك، هنالك أكاديميون ينتمون لمؤسسات تعليمية مرموقة، ظلوا يصّدعون رؤوسنا بالتنظير الفطير، غرقوا في شبر سلطة، وعجزوا عن النجاة منها، فادمنوا الفشل الزريع، واستمرأوا الهروب إلى الأمام!!
خلاصة قولنا أنّ السياسي الجيّد في زماننا الأغبر هذا أصبح كالعنقاء والخل الوفي، وعليه يجب علينا الركون إلى سلطة الشعب، واعتماد قراره وليس سواهما.