نشرت مؤسسة ستانلي The Stanley Foundation ـ وهي مؤسسه غير ربحية تسعى لتعزيز السلام والحرية والعدالة عبر تبني مفهوم المواطنة العالمية ـ دراسة للمبعوث الخاص للرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش للسودان ريتشارد وليامسون Richard W. Williamson تحت عنوان “السودان وتطبيق مسئولية الحماية Sudan and the Implications for Responsibility to Protect”. تقوم هذه الدراسة على تبني عدة محاور من أجل التعريف بمفهوم قاعدة R2P وما جذورها، وما الأسباب التي أدت بالأمم المتحدة والمجتمع الدولي للتصديق على هذه القاعدة ،وكيف تعاملت السودان وإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع هذه القاعدة في تطبيقها على الأزمة السودانية؟
تعريف بنشأة قاعدة مسئولية الحماية R2P
وافق قادة العالم وعلى رأسهم جورج بوش الابن في اجتماع الألفية العالمي الذي عقد في الأمم المتحدة عام 2005 على حماية المدنيين من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية. واتفقوا على أنه ينبغي على المجتمع الدولي مساعدة البلدان في الاضطلاع بمسئوليتها في الحماية والاستجابة لتلك الجرائم في الوقت المناسب، بما يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة والقواعد والإجراءات، ومع قوانين السلطات الوطنية للدول وبما لا يتعارض مع مبدأ سيادة الدول. وكانت النتيجة هي الاعتماد وبالإجماع من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لوثيقة R2P .
وقد ساعدت هذه القاعدة الناشئة في الحصول على قدر أكبر من الشرعية، وفي حماية ضحايا الأعمال الوحشية وأكدت على ضرورة التزام المجتمع الدولي بمساعدة المجتمعات التي تحدث فيها جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي. ويوجد تقدم على أرض الواقع بشأن المساعدة في بناء قدرات الدول على تجنب حدوث المذابح ضد الإنسانية، عبر “نظم الإنذار المبكر”، ونحن في هذه الحالة نحاول تطبيق مدى تنفيذ هذه القاعدة على الأزمة الإنسانية في السودان وفي إقليم دارفور وكيف تعاملت إدارة أوباما مع هذه الأزمة.
ضعف تطبيق R2P في السودان، لماذا؟
بعد سنوات عديدة من المعاناة الشديدة والغضب الشعبي والدولي، فإن الحكومات لديها قلق إزاء الأحداث المأساوية المستمرة في السودان، كل ذلك دفع نحو التساؤل حول لماذا لم يكن للمجتمع الدولي دور في تحمل المسئولية عن الحماية R2P وتطبيقها على الحالة في السودان، ووضع حد للانتهاكات ضد الإنسانية؟ وكانت الإجابة كالتالي:
أولاً: المشاكل في السودان معقدة من حيث التنوع العرقي والديني، والتاريخ الطويل من التهميش، وضعف أنماط السلطة والنفوذ، وعادات العنف. كل ذلك كان من شأنه أن يسهم في تأجج الصراع. بالإضافة إلى وجود عدد من الجهات الفاعلة على مستوى جميع الأطراف في كل نزاع والتي لديها مصالح متعارضة.
ثانيًا: إن أي مسئول جديد يحتاج إلى وقت طويل لفهم الشأن السوداني، وتقوم الخرطوم بلعب دور الراقص الدبلوماسي لاستئناف برنامجها، وإعادة تدوير الحيل القديمة، والحصول على فسحة من الوقت لنفسها لاستمرار تعذيب الأبرياء.
ثالثًا: تستغل السودان ما يعرف بمفهوم الدبلوماسية العالمية في المنظمات الدولية والإقليمية لحماية نفسها من التعرض لأي ضغط حيث تستغل الجاذبية في الاتحاد الإفريقي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والهيئات الأخرى لحمايتها وزيادة تكلفة اتخاذ إجراء ضدها. وأكبر دليل على ذلك الحالة في دارفور، فقد شكلت الدبلوماسية العالمية عائقًا رئيسًا أمام اتخاذ إجراءات من جانب المجتمع الدولي.
رابعًا: مقاومة القوى الكبرى مثل الصين، وإلى حد أقل روسيا، اتخاذ إجراءات قوية ضد السودان، فكلاهما يستخدم حق النقض الفيتو، لمصالحها في السودان. فعلى سبيل المثال تستورد الصين 6 % من احتياجاتها من النفط من السودان، وروسيا تبيع الأسلحة لحكومة السودان.
خامسًا: اهتمام وسائل الإعلام والرأي العام بقضايا شمال السودان وجنوبه قد ظهر في الآونة الأخيرة فقط بالرغم من أن عمر الصراع أكثر من 50 عامًا، كذلك فإن هذا الاهتمام قد وجه نحو قضية دارفور واستمرار الأزمة الإنسانية فيها. للأسف تفتقر وسائل الإعلام إلى شد الانتباه لدعم عامة الناس نحو الوقوف مع هذه القضية. بالإضافة إلى أن الأزمة المالية العالمية وتأثيرها على كل شعوب العالم، جعلت اهتمام الرأي العام ينصب نحو أهدافه الشخصية في الخروج من وطأة هذه الأزمة المالية، لذلك فإن زعيم ماهر مثل أوباما يجب عليه لعب دور ماهر ونشيط ومتجدد للفت نظر الرأي العام العالمي إلى القضية السودانية وأزمة دارفور.
سادسًا : حشد المجتمع الدولي نحو المشاكل الصعبة يتطلب قوة وعملاً متواصلاً من قبل القيادة الأمريكية حيث تبقى الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة في العالم القادرة على تعبئة البلدان الأخرى للعمل في المجال الإنساني، ومواجهة التحدي المستمر في العراق وأفغانستان باكستان والتي تشغل بال الولايات المتحدة، والتي تشكل ضغطًا على الموارد الأمريكية، ودافعي الضرائب الأمريكيين، وبالتالي فهي بحاجة إلى حشد ودعم دولي للاستمرار في التدخل من أجل العمل الإنساني.
سابعًا: إن الوضع في السودان له عواقب وخيمة، وأولئك الذين يحاولون التقليل من الأزمة الإنسانية، ولاسيما في دارفور، بالقول “إنها أقل مما كان متوقعًا”. هو أمر خاطئ، فالنتائج المترتبة على الأزمة الإنسانية في دارفور قد تفتح أبواب جهنم على الاستمرار في حركة الإبادة الجماعية لكن بخطى بطيئة ويجادل البعض بأن هذا يفرض علينا واجبًا أخلاقيًّا لاتخاذ إجراءات حاسمة لوقف هذه الفظائع قبل فوات الأوان.
ثامنًا: يجادل المجتمع الدولي في أن هناك اختلافًا في رد فعله بين الإبادة الجماعية في رواندا عن دارفور. فقد قدم المجتمع الدولي الدعم للاتحاد الإفريقي في نشر بعثة لحفظ السلام في دارفور ابتداءً من عام 2004، ومنح منظمة الأمم المتحدة والدول المانحة مبلغ 400 مليون دولار لبناء معسكرات لقوات الاتحاد الإفريقي في دارفور، وفي عام 2007 أصدر مجلس الأمن للاتحاد الأفريقي / والأمم المتحدة قرارًا بإنشاء بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في دارفور يوناميد UNAMID أو بما يعرف بقوات الهجين، وهي قوات مشتركه بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي حتى يأذن القرار المشار إليه في تنفيذ “مسئولية الحماية”R2P،
وتطالب القوة بالمراقبة وتقديم تقرير عن الأعمال الوحشية، والتي يجب إيقافها، وقوات حفظ السلام نفسها تعاني من وفرة من المشاكل، وكثير من السلطة لهذه القوات مخولة إلى الخرطوم، وتيسير عمليات الانتشار ووقف الإبادة الجماعية تسير ببطء.
تطبيق الـR2P على الحالة السودانية
يكون بالمشاركة والتفاوض من منطلق القوة وليس من منطلق الضعف ونكون مستعديين لاتخاذ ما يلزم إذا لزم الأمر، وقد حث بعض مستشاري أوباما خلال الحملة الانتخابية إلى أن الحوار هو التكتيك الأفضل وإدراك أن العدالة والمساءلة أمران حيويان لإصلاح المجتمعات التي تتعرض لصدمة إزاء الوحشية، والعنف والتطهير العرقي.
إن ما حدث في جنوب السودان ودارفور من جرائم إبادة جماعية بالرغم من أنها كانت تسير بحركة بطيئة لكن ذلك قد أثار أنصار قاعدة الـR2P الذين يتفانون في مجال حقوق الإنسان، فقد كان من الخطأ استبعاد مشاكل السودان حيث إن نزاعاته بدأت قبل مؤتمر القمة العالمي لعام 2005 كذلك فإن السودان على درجة كبيرة من التعقيد إن لم تكن مستعصية الحل، أيضًا فقد فشل المجتمع الدولي في تلبية أي مسئولية لحماية المدنيين في السودان. إن الدعم الدولي وتقديم الإسهامات أو ما يسمى “ببناء القدرات” هو الوسيلة الأفضل لتجنب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، والتطهير العرقي وعليه فإن استخدام قاعدة الـR2P في الوقت المناسب وبطريقة حاسمة لحماية المدنيين الأبرياء هو جوهر هذه القاعدة. وإن تقديم الدعم لبرامج التنمية من قبل المانحين قد يكون نوعًا ما جديرًا بالاهتمام.
المعضلة الحقيقة التي تواجه تطبيق هذه القاعدة هو غياب الوضوح الأخلاقي والالتزام بسب فشل إضفاء تعهد جماعي من قبل المجتمع الدولي من أن مثل هذه الجرائم “لن يتكرر هذا أبدًًا”. إن الإخفاق الجاري في السودان ينبغي أن يكون له صحوة من قبل دعاة الـ R2P ويجب معاقبة كل المسئولين عن إخفاء كل ما يتعلق بالجرائم التي ارتكبت في مجال حقوق الإنسان في السودان وأن يكون ذلك بمثابة الجرس لملاحقة كل المتورطين في تلك الجرائم .
تقرير واشنطن ـ كريمة منصور شاهين