عبدالله عبيد
قبل يومين كتب الصحفي السوداني المقيم بسويسرا طه يوسف وهو أول صحفي سوداني معتمد لدى الأمم المتحدة بجنيف، كتب تقريرا او مقالا في موقع الراكوبة الالكتروني فضح فيه فساد البعثة الدبلوماسية السودانية بجنيف الذي سرد فيه قصة السفير السابق عمل نائب المندوب الدائم للبعثة السودانية بجنيف و مسؤولاً عن ملف حقوق الإنسان بالبعثة، الذي نجح في إقناع وزارة الخارجية ببيع بيت السودان (مقر المندوب الدائم).
يبدو ان الموضوع تفاعل بشكل كبير في وزارة الخارجية وجهاز الأمن والمخابرات للدرجة التي سلموا فيها معلومات لعضو بجهاز الأمن الالكتروني باحدى المواقع الالكتروني تقدح في سمعة الصحفي طه يوسف وتصوره وكأنه فاسد ومشارك في الفساد الدبلوماسي بجنيف، ونشر هذا العضو بالأمن الالكتروني أمس معلومات كثيرة عن علاقة طه يوسف بالتلفزيون زاعما بأن هناك خلافا بين الطرفين بسبب ايقاف مرتب شهري للصحفي المذكور، ومعلومات كثيرة ومثلها كانت تنشر كثيرا في هذا الموقع الالكتروني عن أي معارض يكتب في المسائل التي تعتبر حساسه لدى الجهات الرسمية فتٌوعز الجهات الأمنية لعضويتها في هذا الموقع بنشر معلومات يحاولون بها تصفية الكاتب معنويا حتى لا يكتب مرة أخرى في مثل هذه الملفات التي تفضح النظام.
في المقال الذي كتبه طه يوسف عن فساد بعثة السودان بجنيف لم يذكر فيه اسم السفير المعني بصفقة بيع البيت، لكن عضو الأمن الالكتروني ذكر اسمه بالكامل وهو السفير حمزه عمر حسن، وبرغم ان الموضوع تفاعل في سفارة السودان بسويسرا كما تفاعل كثيرا بمقر الخارجية بالخرطوم، ووصلت مطالبات عديدة لمكتب وزير الخارجية بضرورة كتابة بيان تفصيلي عن الموضوع خاصة وأن الكثير من السفراء يعلمون بأن (بيت السودان) في جنيف قد بيع بالفعل وكان ذلك مصدر غضب شديد في الأوساط الدبلوماسية، إلا أن وزارة الخارجية بواسطة جهاز الأمن الالكترونية رأت أن تعالج هذا الملف عبر موقع الكتروني كبير بنشر معلومات يظهر من طريقة نشرها أنها زائفة بل تؤكد بأن ما نشرته (الراكوبة) بقلم الاستاذ طه يوسف هو قمة جبل الجليد ليس إلا. وأن حقيقة الفساد في بعثة السودان بسويسرا فظيعة ووراءها رؤوس كبيرة لا زالت في السفارة بسويسرا وبوزارة الخارجية وهذه الرؤوس الكبيرة ترتبط بشكل أو آخر بشخصيات نافذة في رئاسة الجمهورية. فضلا عن علاقة وزير الخارجية علي كرتي بالكثير من ملفات الفساد في سفارات السودان بالاتحاد الأوربي.
ومن الجدير بالذكر أن الاستاذ الصحفي طه يوسف كما ذكرنا آنفا انه أول صحفي سوداني معتمد لدى الأمم المتحدة بجنيف وله صولات وجولات في اجتماعات حقوق الانسان واكتسب خبرة دولية مكنته من أن يكون في موقع صحفي واعلامي متقدم جدا وقد أصبح علامة سودانية بارزة ويشار إليه بالبنان وسط العرب المتواجدين في هذه الدولة المهمة، وقد عمل سابقا بعدة صحف سودانية، وقد كتبت من خلال موقعه في سويسرا العديد من المقالات ذات الأهمية بالنسبة للسودان وقد كشف في الكثير منها الفضائح التي تنوء بها الدبوماسية السودانية بجنيف.
ان الحقيقة لا يمكن تغطى بالطريقة القديمة التي لم تجدى نفعا لو كانت الجهات التي تتبع للحكومة السودانية.يجب مواجهة الفساد بالحقائق لا بالإلتفاف عليها.
عبدالله عبيد
[email protected]
مأساة بيع بيت السودان ..بعثة السودان بجنيف بلا حصانة دبلوماسية بسبب مليون دولار
سمسرة دبلوماسية في بعثة السودان بجنيف
طه يوسف حسن . جنيف
كل ما تملًُكه” بعثة السودان الدائمة لدى الأمم المتحدة بجنيف و سفارة السودان لدى سويسرا ” هو بيت السودان ” أو “مقر المندوب الدائم” الذي تم شراؤه أوئل تسعينات القرن الماضي أيام وزيرالخارجية و مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة بجنيف سابقاً المرحوم على سحلول.
البعثة الدبلوماسية السودانية في جنيف لا تملك رصيد علاقات دبلوماسية و لا انجازات تُذكر في مجال العلاقات الثنايية Bilateral relations مع الكونفدرالية السويسرية التي تتميز بدبلوماسيتها الناعمة و تلتزم الحياد في أغلب الأحيان تجاه الملفات الدولية الساخنة …. و ليس لها رصيد علاقات متعددة الأطراف Multilateral relations في محطة دبلوماسية مثل (المقر الأوربي للأمم المتحدة بجنيف ) الذي يُعتبر من أميز المحطات الدبلوماسية و أهمها بعد نيويورك.
سفير سابق عمل “نائباً للمندوب الدائم للبعثة السودانية بجنيف”و مسؤولاً عن ملف حقوق الإنسان بالبعثة نجح في إقناع وزارة الخارجية ببيع بيت السودان ” مقر المندوب الدائم ” في ضاحية Vesy بالقرب من جنيف بتكلفة تبلغ 2.885.000 (مليونان و ثمانمائة و خمسة و ثمانيون ألف دولار أمريكي) مقابل شراء آخر بفارق سعر 600 ألف دولار أمريكي ، لم يكن هناك مبرر مقنع لبيع ” مقر المندوب ” و استبداله بآخر بفارق سعر يزيد على نصف المليون ألف دولار أمريكي مع العلم بأن البيت المراد شرائه يقع تحت خط الطيران لمطار جنيف الدولي و بسسب ضجيج الطائرات تنخفض أسعار العقارات في تلك الضاحية.
تفاصيل القصة المؤلمة لبيع ورثة السودان بالخارج يمكن اختصارها مُجملاً في أن بعثة السودان لدى الأمم المتحدة بجنيف الذي يمثلها السفير السابق المعني بملف حقوق الإنسان آنذاك و الموُكل إليه بيع المقر ودون إتباع الاجراءات الإدارية المتعارف عليها في مثل هذه الحالات من تكوين لجان للبحث عن عروض لا تقل عن ثلاثة عروض و من ثم دراسة تلك العروض و ترشيح ما هو مناسب منها وهذا مالم يحدثاعِتبرالسفير المعني بهذه الصفقة أنُه لجنةً كاملة الصلاحيات.
عند توقيع العقد المبدئ بين الأطراف في 12 يونيو 2012 طلبت الجهة المسؤولة عن تنظيم بيع العقارات في جنيف أو ما يسمى ” بكاتب العدل” من البعثة باستكمال مستنداتها الخاصة بالعقار و أهمها شهادة” خلو الطرف” و قد أكدت البعثة أن شهادة خلو الطرف موجودة و سيتم إحضارها عند توقيع العقد النهائي في 30 أبريل 2013 و لكن تم تأجيل توقيع العقد بإتفاق الطرفين إلى تاريخ 19 يناير 2014.
و عند التوقيع النهائي أتضح أن شهادة خلو الطرف غير موجودة في مستندات البعثة و لا في رئاسة وزارة الخارجية بالخرطوم وبناءاً على غياب مستند مهم امتنع كاتب العدل عن التوقيع و تكون بذلك الصفقة قد إنهارت بكاملها و السؤال الحائر الذي لا إجابة له حتى الآن ما هو مصير هذه الشهادة التي تعتبر مستند مالي مهم جداً تقدر قيمتها بمبلغ 800 ألف فرنك سويسري.
مُجمل القول أن المشُتري طالب حكومة السودان بمبلغ 894.000 فرنك سويسري ما يقارب ( المليون دولار أمريكي) كتعويض ضرر لعدم التزام حكومة السودان بإكمال مستنداتها و قد تنازلت بعثة السودان بجنيف عن حصانتها الدبلوماسية لأجل هذه الصفقة الأمر الذي سيجعلها عرضة للمساءلة أمام القضاء السويسري وهذا رصيد يضاف للأخفاقات السابقة للبعثة.
و خرقاً للأعراف التجارية وقبل أن تتم عملية بيع البيت الأول و شراء الثاني طالٓب ( السفير المسؤول عن هذه الصفقة ) البعثة السودانية بجنيف بدفع أتعاب الوسطاء “عمولة السماسرة” قبل أن تتم تلك الصفقة و بالفعل تم دفع الأتعاب للوسطاء الذين يحتمون تحت اسم وهمي لوكالة عقارية غير مسجلة لدى الغرفة التجارية بكانتون( ولاية) جنيف قبل أن تكتمل تفاصيل الصفقة”.
إختفاء مستند مهم تقدر قيمته بمبلغ لا يستهان به لا تعلم وزارة الخارجية مصيره و لم يعثر عليه في أدراج البعثة السودانية بجنيف و لا في رفوفها يعزز الأصوات التي شككت في عدم مهنية الدبلوماسية بالخارج فالدبلوماسية التي لا تستطيع أن تحمي أصولها في الخارج لا تستطيع أن تضمد جراحات علاقات الوطن.
لو فرضنا جدلاً أن بعثة السودان كان لديها مبرراتها المنطقية لبيع “إقامة المندوب” و شراء آخر كان يتوجب عليها أن تستعين ببيوت الخبرة و أهل الاختصاص في مجال العقارات في جنيف بدلاً من الإستعانة بوسيط أو سمسار ليس لديه صفة قانونية وليس لديه اعتماد لدى السجل العقاري السويسري كمايتوجب على البعثة تكوين لجنة إستشارية لمتابعة عملية البيع و الشراء التي قام بها الدبلوماسي المذكور ( نائب المندوب بجنيف سابقاً) بدلاً من تشكيل لجنة صُورية تحكم في مفاصل قراراتها الدبلوماسي المذكور.
حكومة السودان كانت الخاسر الأكبر في هذه العملية التي ربح فيها المشتري الذي طالب حكومة السودان بمبلغ يقترب من ” المليون دولار أمريكي” نسبة للأضرار الناجمة عن خطاء دبلوماسي وربح الوسيط ( السمسار) الذي أخذ نصيبه بطريقة إستباقية و كأنه يقرأ تفاصيل الغيب بعدم نجاح هذه الصفقة و خسرت حكومة السودان لأنها مُطالبة بدفع مبلغ ( مليون دولار أمريكي) و في حال عدم السداد سَتُقدم حكومة السودان ممثلة في البعثة بجنيف إلى محاكمةٍ ومساءلة قانونية بعد أن تم رفع الحصانة عنها.
الوقت الذي أضاعه سفيرنا العبقري في البحث عن بيت بديل و مقابلة السمسامرة كان من الأفضل أن يستثمره في تقوية أواصر العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأعضاء في منظومة الأمم المتحدة و المجتمع الدولي وتطوير العلاقة مع دولة التمثيل و إنجاز مهمته الدبلوماسية دون إنصراف خاصةً و أنه كان مُمسكاً بمقاليد أهم الملفات ملف حقوق الإنسان الذي لم يشهد أي تقدم حيث لا يزال السودان تحت مطرقة مجلس حقوق الإنسان عبر ولاية الخبير المستقل الذي يراقب أوضاع حقوق الأنسان ليزود بها أعضاء المجلس في تقريرٍ يقدمه في سبتمبر القادم.
بالتأكيد ستقوم وزراة الخارجية بدفع المبلغ الذي سيُكلف كل بيت سوداني ربما دولار لتُسدِل الستار عن حلقة من حلقات مأساة السودان في الخارج دون مساءلة أو محاسبة السفير المعني بالصفقة بل ربما نسمع قريباً بتعيينه في سفارة ناصية في إحدى سفارات أوربا أو الأمريكتين.
لكن ضجيج الأسئلة الذي ينفجرُ في الذهن هو لماذا لم تتحرك وزراة الخارجية رغم علمها بجميع التفاصيل عن هذه الصفقة الخاسرة ؟ هل ما يحدث في السفارات بالخارج هو إرتداد وانعكاس لما يحدث بالداخل من فساد و عدم مساءلة.