.. مخاض عسير من الخدمات ”
حسن اسحق
[email protected]
منظر مدينة الحصاحيصا، وانت تدخلها لاول مرة، عابرا الكبري الجديد الذي يربط بين مدينة رفاعة في الجانب الشرقي للنيل والحصاحيصا في الغربي ، بعد ان غاب عنها (البانطون) النهري الذي يقل مواطني المدينتين وبضائعهما في السابق، المنظر الاول الكبري الذي يضئ الطريق من اعلي واسفل، وتجد المارة في المساء ويوم الجمعة يقضون اوقاتا جميلة علي ضفة النهر، ويتهامسون ويضحكون من علي الكبري، وانت تنظر الي الاحياء التي تقع بالقرب منه حي ود الكامل، والحلة الجديدة والامتداد بشجر( النيم ) الاخضر الذي يضيف جمالا اخضرا. وعند الاتجاه الي موقف المواصلات الولائي مدني الخرطوم، تجد تكدس العربات، والاصوات تعلو وتنخفض مدني الحصاحيصا، وسائقي الركشات فور مزد والكمبو. والمارة يحملون اكياس الخضار، والمسافرون يحملون امتعة سفرهم متجهين الي الولايات والعاصمة، وكأن العيد انتهي بنهاية ذبح الخروف.
والحصاحيصا تعاني من الخدمات،ويستنكر مواطنوها ان الطرق الداخلية التي تربط بين الاحياء سيئة، وبالاخص سائقي الركشات، والطريق الذي يربط بين حي فور والمزاد سيئ للغاية، ويستخدم سائقي الركشة فيه كل مهاراتهم، لتجنب الحفر والمطبات، وعند تقاطع السكة الحديد بين حي الزهور والحلة الجديدة وحي فور،تجد الاطفال الصغار من دون سن العاشرة،يحاولون ردم الحفر علي (الزلط) الذي هو مسؤولية المحلية، ويطلبون من سائق العربة والركشة العابر ان يدفع لهم مقابل ما قاموا به من عمل، احيانا يتم تجاهلهم،ويضحكون علي التجاهل بالنظرة الغاضبة، ومرات يمن عليهم سائقي الركشات بجنيه وجنيهين او 50 قرشا .
منظر الحصاحيصا وانت داخل عليها ، قادما من الخرطوم، او مدني، يخيل لك انها لا تعاني من شئ. فاحياء المزاد وحي فور وغيره من الاحياء، تتسرب المياه من عبر المواسير التي تربط بالمنازل، وبعض الشوارع بها (كسور)، والمياه تتدفق علي الشوارع، والصرف المائي (كعب) قالها احد سكان حي المزاد، يفترض ان يكون بمدينة الحصاحيصا افضل صرف مائي، لانهاء مدينة صغيرة، وبامكان الحكومة القيام بذلك، ولكنهم يجيدون فقط جمع النقود، وهذا ماهم ناجحون، ويفشلون في تقديم الخدمات مقابل من يأخذونه من نقود، واين تذهب الاموال التي يأخذونها؟.
الباعوض وبعض المياه الراكدة والمتدفقة عبر الانابيب المكسورة في الاحياء ظلت هاجس المواطنين منذ اشهر، لن تستطيع النوم الا بوجود الناموسية، والمحلية في المدينة بعيدة عن هموم المواطنين، وفي السابق كان برنامج الرش ضد الباعوض في الاحياء يتم علي العربات، ومن يحملون ادوات الرش، ويكافحون الباعوض داخل المنازل، وهذه الخدمة الان صارت كمحالج الحصاحيصا منتهية ونفدت..
ويوضح احد شباب المسرح في المدينة، وكل طرق الثقافة في المدينة مغلقة، واستولت الحكومة علي كل شئ، والمنافذ الثقافية صارت كالحدود التي تقوم بحراستها قوات حرس الحدود، والبيئة الثقافية يمكن ان تكون جيدة وممتازة اذا كانت الحكومة تحترم العمل المسرح الذي يخرج من عباءتها السلطوية، لان مواطني الحصاحيصا وضواحيها يعانون في كل شئ في التعليم والصحوة، والعطالة، وابرزها عندما تقوم بزيارة الي السوق، واماكن تناول القهوة والشيشة تدرك حجم الكارثة، كل هذا عمل مسرحي وثقافي ، تعكسه للذين يعيشونه، ختم كلامه ان الحصاحيصا انتهت مسرحيا وثقافيا ياعزيزي، ولذا تحولوا الي متعاطي قهوة غيره من المؤثرات العقلية …
يعقوب احد شباب الحصاحيصا يسكن في حي فور، كان صبورا منذ الصغر، يعمل في فترة الاجازات حتي اكمل الدراسة في جامعة افريقيا العالمية، خريج كلية علم النفس،عندما ضاقت به السبل، واغلقت الطرق امامه كسائر الشباب والخريجين، والوظيفة في السودان والحصاحيصا وغيرها من المدن شبيهة بانتظار ليلة القدر الرمضانية، كما وصفها احد العاطلين، قرر الذهاب قبل اشهر الي دولة ليبيا المضطربة، ومعه بعض شباب الحي، ولسوء الحظ الذي لازم الجميع، والاحباط الذي خيم علي المدن والقري والارياف، انقلبت بهم العربة التي كانت تقلهم، ومات من مات، وجرح من جرح،وانتشرت الشائعات ان يعقوب لقي حتفه بعد انقلاب العربة علي الحدود مع دولة ليبيا،وهيمن الحزن علي اسرته واصدقاءه في حي فور،والاحياء الاخري، وقامت الاسرة بواجبها تجاه ابنها الذي خاطر بحياته من اجلها، وتوفير وضع افضل لاخواته واخوانه ووالدته، وجاء المعزون الي الاسرة من كان مكان. وبعد يوم تجهيز الصيوان الذي كان مليئا بالاقارب والاصدقاء والاهل، هاتف يعقوب الاسرة، وكانت الوالدة واخواته واخوانه واصدقاءه ما بين الحلم والحقيقة، واكد لهم انه حي يرزق، ولكنه اصيب اصابة خطيرة اقعدته مؤقتا عن الحراك، وهو الان بين اسرته في الحصاحيصا حي فور، ويتلقي العلاج، واصيب في احدي رجليه، والحوض، وبدأ يتعافي تدريجيا من الالم، الا انه يتحرك بعصا ببطء. واستعاد جزء من عافيته وصحته وابتسامته، بفضل الاصدقاء الذين يزورونه كل يوم في بيته الصغير، ويقول ان السودان بصبح طاردا، ولولا الوضع السئ ما قررت ان اهاجر واترك الاسرة والاصدقاء…
.
انا تعبت من العمل في الركشة، وكان عندي الرغبة ان اكمل مسيرتي التعليمية حتي الجامعة، والظروف الاقتصادية حالت دون ذلك، والاسرة بها الكثير من الاطفال، واليد الواحدة مستحيل ان تصفق في هذا الزمن الصعب، ويضيف بكري ان الطريق الداخلي الذي يربط بين الاحياء، اقل ما يمكن وصفه ان خطير، ويمكن ان تنقلب الركشة في اي وقت، والحفر هي سيدة الموقف علي الزلط، وهذه الحفر تسبب لنا خسائر مادية، وما نوفره من مال يذهب في اوقات كثيرة للصيانة وشراء الاسبيرات من الدكاكين، ولا نعرف اين محلية الحصاحيصا من هذا كله، وكل تمتاز به المدينة وتحترفه التحصيل من الجميع ،وعند ظهور نتائج الخدمة، التقييم النهائي(زيرو) بامتياز، و صبرنا علي الوجعة، والصبر (ذاتو زعل مننا)…
بينما افصح عادل احد سكان المدينة انه ذهب الي مستشفي الحصاحيصا ثاني ايام العيد، فلم يجد الا الممرضات واطباء تحت التمرين، وسأل اين الدكتور المتخضص، لانه كان يشعر ان بالام في بطنه، وردت عليه ممرضة، ان الدكتور في فترة في اجازة، واضاف ان التجاوب جاء متأخرا من الممرضات والاطباء تحت التدريب، وشعر ان الالم يتملكه، قال اضطررت ان اذهب الي الصيدلية، واخذ بعض المهدئات، وكل يوم اكتشف ان المستشفيات في السودان لا تتقبل المريض، فاذا تأخذ رسوم الدخول الي المستشفي، عليها ان تقدم لنا الخدمة، من العيب ان ندفع الرسوم، وعندما ندخل نري الكارثة بأم العين امامنا، اهمال في الغرق، والذباب اينما تنظر تجده، والمستشفي اصبحت كالمزرعة، ينمو بها الشعب. وطالب وزارة الصحة ان تتهم بحق المواطنين الفقراء الذين لايستطيعون الذهاب الي المستشفيات الخاصة، ويشترون تكاليف العلاج منها والذهاب الي الصيدليات،
واكد ان الحصاحيصا في السابق كانت افضل حالا، الطرق الداخلية جيدة، والتعليم لا بأس به، والصحة، وكانت المحالج ومصنع النسيج القلب النابض لها، والرئة التي يتنفس بها المواطنون عيشة شبه كريمة، نسبة للاستقرار، اما الان، عندما تنظر اليها من الداخل تري انها طاردة، السوق ملئ بالاوساخ…