الحزب القومى السودانى .. نحروه .. أم إنتحر !!..
(٢ – ٢ )
بقلم/ آدم جمال أحمد – سدنى – استراليا
لقد تحدثنا فى الحلقة الماضية عن سلبيات وإيجابيات الحزب القومى السودانى ، وقمنا بطرح بعض الأسئلة والتى تحتاج لإيجابات من اقطاب الحزب للإيجابة عليها ، فذكرنا لماذا يتخلف الحزب القومى حتى الآن ؟!.. ولماذا تتعثر وتتعطل مسيرته فى الساحة السياسية فى مجابهة التحديات التى تحول دون تقدمه ولماذا بدأ يختفى ويتلاشى عن الساحة ؟ .. ولماذا فشل فى إستيعاب كل الإثنيات والعرقيات وبعض القيادات المنشقة منه أو الوصول معها الى حد أدنى من الإتفاق حول القضايا المصيرية لظرف المرحلة ؟.. وهل يستطيع أ، يتمكن الحزب القومى من المساهمة فى تصحيح المسار السياسى فى جبال النوبة ، إذا تم ترميمه وإعادة إحيائه من جديد والتى فشلت فيها الحركة الشعبية ؟!.. وما هى رؤيته لتصحيح الأوضاع المتردية فى ظل الغياب السياسى بجبال النوبة ؟.. وهل بإمكانه العمل على حشد الشعب النوبى ( جماهير وسكان منطقة جنوب كردفان ) حول المعانى والقيم والأهداف والبرامج الخاصة بالحزب ليجعلها حامياً وحارساً لسياساته ؟!.. ووضحنا كيف إستطاع الحزب المساهمة فى طرح القضية النوبية والممارسات اللإنسانية لمنظمات المجتمع المدنى ومن خلال منابر المحافل الآقليمية والدولية ، وكشف ممارسات النظام وتعريته أمام المجتمع الدولى ، وعن التحديات القادمة كبيرة .. والحزب سيواجه عدة تحديات تتمثل فى إحياء الحزب من جديد ، وبرنامج عمل ورؤية سياسية وطرح فكرى وعلاقات الخارجية وداخلية للإلتقاء مع الأخرين ، ولقد أوضحنا كيف ( إنتحر ) الحزب القومى السودانى فى مؤتمر ( كاودا ) فى سابقة هى الأولى من نوعها ، وخطأ فى العمل السياسى حينما فوضوا القائد المرحوم جون قرنق للتفاوض نيابة عن النوبة فى مفاوضات نيفاشا بكينيا .. وكيف بفترة وجيزة خلال شهر دب الخلاف مرة أخرى بين قياداته ، وتم ( نحر ) الحزب القومى السودانى من بعض قياداته التاريخية حينما توالت مع نظام الخرطوم الحاكم ، ثم جاءوا كممثلين عن النوبة فى وفد الحكومة للمفاوضات وفوضوا كذلك النظام للتحدث نيابة عن النوبة ، فكان التناقض الكبير والخزلان المبين ، وحينها خرج النوبة من مولد المفاوضات بما تسمى بالمشورة الشعبية.
فلذلك لا بد أن تشهد المرحلة الحالية والقادمة تصعيداً للعمل الإعلامى لمواجهة الإعلام المضاد لإبراز دور النوبة وتطلعاتهم الى الجماهير حتى تتمكن أن تقوم بتغطية مقدرة ومتواصلة سواء كان فى الداخل أو الخارج ، ونحن لا سيما نتابع المساحات الإعلامية الواسعة التى تتمتع بها بقية التنظيمات السياسية وصحفها الحزبية ، والحركة الشعبية فى جبال النوبة أو الحزب القومى السودانى ليس أقل شأناً أو وزناً أو ثقلاً من هذه الأحزاب والتنظيمات ، بل نعتبرها نداً لها لذا فلا بد من حركة إعلامية واسعة لهم فى مختلف المجالات لتمكنهم من فك وكسر طوق الحصار المضروب حوله من قبل أعدلئه سواء كان ذلك متمثلاً فى النظام الحاكم ( الحكومة ) أو الأحزاب الأخرى وخاصة التى فقدت مراكز ثقلها ودوائرها الجغرافية فى منطقة جبال النوبة ، لتصحيح كثيراً من المفاهيم الخاطئة عن الحركة الشعبية والحزب القومى السودانى.
فالحركة الشعبية والحزب القومى السودانى يحتاجان الى وضع رؤية وإستراتيجية واضحة لمعالجة نقاط الضعف التى تعيق عملهما لتساعدهما فى التقدم برؤية وفكر ناضج ، بتوسيع قاعدة المشاركة فى إدخال دماء وعناصر جديدة وفتح النوافذ والأبواب وتنشيط العمل من خلال مشاركة الشباب لتشكل نقلة جديدة وإنطلاقة نحو المرحلة القادمة ، لتساهم بعطائها فى تطوير الفكر والأداء والعمل على تطوير هياكل الحزب والحركة وتوسيع مساحة الحرية فى الحركة وإحترام المؤسسية وقبول الأخر والإعتراف بالقصور داخلهما ، والفصل بين إحتياجات المرحلة الحالية والقادمة ، وقبول النقد الذاتى البناء الذى يساهم فى دفع الحزب أو الحركة الشعبية ومؤسساتهما وتحسين أدائهما ، ومعالجة ضعف الجانب الإعلامى والعمل على إيجاد وسائل إيرادات مالية من خلال مشاريع إستثمارية وجمعيات تعاونية ومنظمات مجتمع مدنى لتساهم فى تمويل العمل لتنشيط وتفعيل برامجهما وحركتهما ، وكذلك الإهتمام بالتعليم فى كل جوانبه عبر مراحله المختلفة لأعضاء الحزب أو الحركة الشعبية ، والعمل على تأهيل وتدريب الكوادر من خلال تخصصات محتلفة .. ولا نبالغ إذا قلنا أن قيادات الحركة الشعبية والحزب القومى لقد أهملت أمر التأهيل والتدريب لكوادرها أكاديمياً وسياسياً وإدارياً وفكرياً وإقتصادياً ، وتنمية قدراتها فى إدارة فن الحوار والتفاوض .. لذلك نحتاج الى تنظيم جماهيرنا فى الداخل والخارج بتوجيه قدراتها وعطائها فى إطار المعركة القادمة قبل وبعد إنفصال الجنوب ، لأننا فى تناسى تام بأن نجاحات العمل فى الانتخابات والمشورة الشعبية فى أحسن أحوالها تحتاج الى خطط وبرامج وإستراتيجيات مدروسة ورصيد تنظيمى ليصبح سند جماهيرى .. لأن المعركة القادمة تختلف فى أدواتها عن مرحلة المعارضة والنضال الثورى فى الخارج عنها فى الداخل لتحقيق مستقبل جبال النوبة ، وهى مرحلة الدولة والمؤسسات التى يحكمها القانون والتى تحتاج الى مؤهلات وكفاءات وقدرات .. فأين رصيدنا فى جبال النوبة من كوادر مؤهلة ومقتدرة وفاعلة لقيادة دفة العمل السياسى فى المستقبل .. فى الجوانب الإدارية والسياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية والتربوية والتنموية وغيرها ، ولا ننكر بأن هناك فئات ومجموعات مقدرة قاموا بتأهيل أنفسهم أكاديمياً وفكرياً بقدراتهم الذاتية ، نعم لنا بعض من القيادات الفاعلة والمفكرة سياسياً لكن ماذا قدمنا لهم حتى يتفرغوا لهذا العمل مستقبلاً ، وهل لها الإستعداد بأن تغادر دول المهجر متى ما طلب منها ذلك بالرجوع الى الداخل لمجابهة المعترك السياسى للإنتخابات والمشورة الشعبية.
فلذلك نحن نحتاج الى التجرد من التفكير العشائرى الأفقى الضيق والتعصب الأعمى والإنتقال الى رحابة وسعى فهم المسائل فى إطار وعى جامع وشمولى لإستوعاب كل القضايا محل الخلاف والبحث عن الحلول الناجعة ، ويجب أن يكون هناك تقييم لأداء وتجربتنا سواء كانت فى الحركة الشعبية أو الحزب القومى السودانى عبر تاريخهما الطويل لمعرفة كوامن وبواطن الفشل والخلل التى صاحبتهما طيلة هذه الفترات من أجل تطوير الحزب وأدواته وكذلك الحركة الشعبية ، لأن كل الأنظمة فى العالم تخضع لتجربة تقييم لأدائها .
لذا فإن مشاركة الحزب القومى فى فترة الديمقراطية الثالثة كفيلة للتقييم والأداء ، إذا كنا حريصون للإرتقاء بالحزب من حيث التنظيم والفكر والأداء والتجديد بكل معانيه .. ونحن لا نتقص من حق القيادات التاريخية والتى تعتبرً من رموز نضال وتاريخ النوبة السياسى والاجتماعى .. سواء كانوا حركة شعبية أو حزب قومى نعتقد أنهم لقد أدوا بتجرد دورهم تماماً ، ولكن آليات وأدوات المرحلة والعمل السياسى والمشهد النوبى يختلف الآن ، لقد تغيرت المفاهيم وأصبح الواقع يحتاج الى فكر جديد بوعى يتماشى مع مقتضيات وظروف وسياسات المرحلة الحالية والقادمة ، فلذلك لا بد من تجتهد هذه القيادات حتى تستطيع أن تنال منطقة جبال النوبة حقوقها المشروعة ومطالبها العادلة وأن يتحقق فيها السلام ويسود فيها الإستقرار .. ثم التنحى جانباً ليصبحوا مرجعية وهم فى قمة مجدهم وشعبيتهم إسوة كما فعل ( المناضل نيلسون مانديلا ) الذى ترك الحكم والحزب وهو ما زال فى قمة مجده وشعبيته فى بلده جنوب افريقيا نابزاَ بذلك فلسفة الخلود .. ولكن نحن بكل أسف لم نحاول أن نقلد هذا الزعيم الكبير ، ولا سيما إن الإقتداء بالجوانب الإيجابية من تجارب الشعوب والأفراد والجماعات تعتبر من الأسس الجوهرية والمقومات المنطقية لتحقيق التطور فى كافة الميادين ، وذلك لإتاحة الفرص وفتح المجال للقيادات الوسيطة والشابة والمتحمسة لهذا العمل ، وهى تحمل من رؤى وأفكار وإستراتيجيات جديدة لقيادة دفة العمل السياسى النوبى على مستوى جبال النوبة بصفة خاصة والسودان بصورة عامة ، وهذا لا يعنى التبخيس لدورهم ومساهماتهم أو التقليل من شأنهم .. وقد يتفق معى الكثيرون فى هذا الرأى .. إذا نظرنا الى المسائل بشفافية ومن كل الجوانب المشرقة بأبعادها القريبة والبعيدة دون أى تعصب سياسى أعمى.
هذه محاولة وقراءة نقدية الى ما يجرى فى ساحة بلادنا منطقة جبال النوبة .. حاولنا فيها معالجة بعض القضايا النوبية وتشخيص السلبيات والإيجابيات والعمل على إبراز دور الحركة الشعبية بجبال النوبة والحوب القومى السودانى والأحزاب النوبية والقيادات السياسية والنخب والصفوة والمفكرين فى بعض مواقفهم الإيجابية منها والسلبية ، وتلخيص لبعض من أسباب التداعيات التى أدت الى أزمة فى الفكر والوعى والطرح غير الموضوعى وسط أبناء النوبة ، فلذلك كان لا بد من تحكم العقول للبحث عن الحكمة الغائبة فى تحليل علمى وبكل تجرد وشفافية لهذه المواقف والتناقضات وذلك بغرض فتح آلية جديدة للحوار والنقد البناء والطرح الموضوعى لخلق وعى قومى جديد ضد التعصب والرؤى القبلية والجهوية الضيقة التى ينطلق منها البعض .. وكذلك توضيحاً للحقائق مهما كانت مرارتها لمعالجتها بموضوعية وعلمية حتى ينبثق منها مفهوم الوحدة والولاء للنوبة.
لذا يجب علينا أن نعمل بمنطق الحوار والتسامح من أجل تحقيق الوفاق والمزيد من اليقظة وذلك بتحمل المسئولية التاريخية ، حتى يعود أبناء النوبة مظفرين بسلاح العلم والمعرفة والمال لخوض معركة التنمية والبناء فى المنطقة التى أهملتها كل الحكومات والأنظمة المختلفة التى تعاقبت على حكم السودان.
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل …….
استراليا – سدنى – 16 نوفمبر 2010