سلمى التجاني
لا أدري كيف تبدأ الكتابة وأنت تضحك، فقد بدا لي بيان الخارجية السودانية الصادر الجمعة الماضي، حول أحداث جبل مرة، كحال الطفل الذي تم ضبطه وهو يكذب، فقرر أن يبكي، مكثراً من الصياح حتى يغطي على خيبته.
بدأت الحكاية بعد يومين من إعلان وقف إطلاق النار، من طرف الحكومة، في الثامن والعشرين من مارس الماضي، حيث انفتحت أبواب الجحيم على جبل مرة من جهتي الشرق والجنوب، من قبل مليشيات حكومية على السيارات والحمير والخيول. صمت العالم لأربعة أسابيع وأفواج النازحين تترى صوب معسكرات النازحين بالمناطق الآمنة، وصور القرى المحروقة تملأ الأسافير، بعدها أبدت الخارجية الأمريكية قلقها العميق من القتال الذي يدور بالحبل، ثم عادت لصمتها المجيد.
المتابع لتطورات الأحداث بدارفور يمكنه أن يقف على مدى التواطؤ الدولي بغرض طي ملف الحرب هناك، على قاعدة أن ليس بالإمكان أفضل مما كان، لذلك صمت الجميع على ما يجري بجبل مرة على أمل أن تنهي مليشيات الحكومة مهمة الإستيلاء عليه بأسرع ما يمكن، وبأقل الخسائر.
بذلت الحكومة جهدها بعد أن حشدت ما استطاعت من آلياتٍ وجندٍ، لكنها ووجهت بقواتٍ تقاتل على أرضها.
في الثامن من يونيو الماضي كتبت مقالاً عنوانه (في استراتيجية الفشل بنجاح) أوردت فيه أن الحكومة ومليشياتها لم تفشل في السيطرة على جبل مرة فقط، لكنها تسببت في تأزيم الوضع الإنساني برفد المعسكرات بآلاف النازحين الجدد. وأن (خطة الحكومة، وإن وجدت الدعم والمباركة من المجتمع الدولي فإنه لن يستمر في دعمها للأبد، وهو يرى نتائجها في مزيد من القتل والنزوح) انتهى
لذلك جاء بيان دول الترويكا (المملكة المتحدة، النرويج والولايات المتحدة)، الثلاثاء الماضي مندداً بما يجري بالجبل وداعياً لمعاقبة مخربي السلام، كأن هذه الدول قد تفاجأت بما يجري هناك، ثم وأين هو السلام الذي يحتاج لتخريب ؟. لقد كان في صمتهم دعوة مبطنة للحكومة لإنهاء ما بدأت دون ( شوشرة )، وعندما تطاولت الفترة وتضاعف عدد الضحايا بدأت إشارات التنبيه تترى، لكنها وقعت على أذنٍ صماء ؛ فبعد ثلاثة أسابيع من القتال قلِقت الخارجية الأمريكية، عشرة أيامٍ أخرى أعلنت بعدها الأمم المتحدة، عبر مكتب تنسيق شئونها الإنسانية أن عدد النازحين فاق العشرة ألف، وانتظرت اليوناميد حتى الثالث عشر من مايو الماضي لتقول، ويا لمسكنتها، ان القوات السودانية منعت قوات حفظ السلام من الوصول للنازحين الذين شردتهم المعارك بجبل مرة. لم تجذع دول الترويكا على تدهور الوضع الانساني، لكنها أُصيبت بالحرج عندما بدأت بعض المنظمات الإنسانية تنذر بكارثةٍ إنسانية.
جاء بيان الخارجية السودانية، الجمعة، ليقول أن الجيش وُوجه بهجومٍ استفزازي من قوات تحرير السودان، وأنها تأسف ل(انطلاء أعمال الغش) على جهات دولية. المنطق يقول أن قوات عبدالواحد النور مرتكزة بالجبل، وأنها حوصرت وهوجمت من قواتٍ قادمة من جهتي الشرق والجنوب، كيف تُستفز مليشيات الحكومة وقد تم تجميعها من ولايات دارفور المختلفة، وشُوهدت جحافلها تعبر المدن،وهي بالأصل لا وجود لها في المناطق التي دارت فيها المعارك.
إن وزارة الخارجية (الحكومة) محقةٌ في غضبها، لكنها غضبت للسبب الخطأ، كان عليها أن تصرخ في وجه مليشياتها التي ما قصدت جبل مرة إلا وكان حصادها هزائم لا تُحصى، وآلافٌ من النازحين، وتوبيخٌ مبطن من دول التواطؤ الدولي.