التحية لكل الاحرار فى الذكرى(42) لمحكمة الردة
تمر علينا اليوم الخميس 18 نوفمبر 2010 الذكرى 42 لمحكمة الردة التى جرت وقائعها فى مثل هذا اليوم من عام 1968 — فى عهد يفترض ان يكون ديمقراطيا تقدس فيه حرية الفكر والتعبير — لم اعاصر احداث محكمة الردة عام 68 — ولكنى عاصرت بحضور الاستاذ الشهيد محمود محمد طه الاحتفال بالذكرى السابعة لمحكمة الردة عام 1975 — ثم حضرت وعاصرت وشاركت فى توزيع منشور (هذا او الطوفان) كما عاصرت محكمة المهلاوى فى ام درمان وسط بشارع العرضة جوار البلدية مكان الساعة الواقفة المعطلة التى كانت تعبر عن ذلك الزمن الردئ — زمن المهلاوى والمكاشفى ومحاكم الطوارئ التى حاكمت الشهيد محمود وتلاميذه الاربعة بالاعدام بسبب (منشور) هذا او الطوفان — وقد استندت محكمة الاستئناف التى لا تمت الى العدالة بصلة برئاسة المكاشفى طه فى حكمها الى حكم محكمة الردة عام 1968 وهو حكم غيابى صادر من محكمة غير مختصة — لذلك لم تمتلك تلك المحكمة سلطة اجبار الشهيد محمود للمثول امامها — وقد ضم المكاشفى ملف هذا الحكم الغيابى الفاقد للشرعية الى ملف الدعوى الجزائية — وحول الدعوى من قضية امن دولة — توزيع منشور تحت المادة 98ط — حولها المكاشفى الى قضية ردة دون اى سند لان قانون عقوبات 1983 المعروف بقانون سبتمبر هذا القانون لم ينص على الردة كجريمة — ودون مواجهة الشهيد محمود بتهمة الردة ومنحة الفرصة القانونية للدفاع عن نفسه — وهذه هى الحجج التى استندت اليها المحكمة الدستورية لاحقا فى عهد الانتفاضة لالغاء حكم الردة وتبرئة الشهيد محمود — وقد كانت الحكومة الانتقالية برئاسة د الجزولى دفع الله من الكياسة بمكان حيث نات بنفسها عن هذه الجريمة النكراء — وقد سجل النائب العام الشهير فى تلك الفترة — عمر عبد العاطى اسمه فى سجل الخلود عندما امتنع عن الدفاع عن جريمة (مايو) الكبرى امام المحكمة الدستورية — واعطى حكما رضائيا بالغاء حكم محكمة الطوارئ بردة الشهيد محمود وتلاميذه الاربعة — واعادة الاعتبار لهم — وللقضاء السودانى — ولوارة العدل السودانية — والتلاميذ الاربعة هم عبداللطيف عمر — و محمد سالم بعشر– والتاج عبدالرازق — وخالد بابكر حمزة — فى هذا اليوم احى الاستاذ الشهيد فى قبره (المجهول حتى الان) — واطالب وزارة الدفاع التى اخذت جثمانه الطاهر من مقصلة سجن كوبر صبيحة الجمعة 18 يناير 1985 بتس ليم الخرائط التى توضح مكان دفن الشهيد محمود — لان قبره هو معلم ثقافى سودانى وتراث انسانى له صلة مباشرة بحرية الفكر وحرية التعبير الدينية
واحى فى هذه المناسبة الحزينة كل القيادات الجمهورية المعاصرة لهذا الحدث المشين فى حق السودان — واسمحوا لى ان اخص فى هذا الحيز الاستاذ امين صديق — الذى كان الشخصية القبادية الاولى بعد الاستاذ عند وقوع انقلاب مايو — هذا الانسان العظيم المولع بالحرية — وبالديمقراطية — والذى ترك لنا تراثا فى ادب الاختلاف– والثبات على المبادئ — فالاستاذ امين صديق لم يختلف مع الاخوان الجمهوريين حول الاصالة او ملاقاة الله (كفاحا) لاخذ الشريعة الفردية –وغير ذلك من القضايا الخلافية والجدلية الواردة فى الفكرة الجمهورية — وانما اختلف مع الجمهويين حول تاييد نظام مايو — حيث راى الاستاذ امين صديق ان الفكرة الجمهورية اكبر من ان تؤيد (انقلاب مايو) — وثبت العم امين صديق بكل سماحة على مبدئه الاخلاقى بكل ادب واحترام وتسامح مع اخوانه — تاركا لنا تراثا رائعا من ادب الاختلاف — وقد اثبت التاريخ صدق رؤيته — فكل من خطط — ودبر — او شارك فى انقلاب عسكرى — انقلب عليه الانقلابيون — وينطبق ذلك على كل من ايد — ودعم الانقلابيين — كما احيى فى هذه المناسبة روح شيخ الباقر الفضل — هذا الانسان العصامى الذى تعلم من مدرسة الفكرة الجمهورية — حتى صار قياديا فى الفكرة — وقد لقننا شيخ الباقر– نحن الجمهوريين– درسا فى الصبر والمصابرة — بعد اعدام الشهيد محمود — حيث رفض شيخ الباقر التوقيع على صك (التوبة — والتعهد) ونتيجة لهذا الرفض بقى شيخ الباقر فى سجن كوبر حتى انتفاضة ابريل عندما كسر الشعب السودانى بوابات سجن كوبر — باستيل السودان — وترك لنا شيخ الباقر كتابا مفتوحا فى الصبر والثبات على المبدا — والتحية لرفيقه المهندس مصطفى محمد صالح الذى اتخذ ذات الموقف من صك التوبة– ونال ذات المصير — فالتاريخ يصنعه الصابرون العنيدون الذين صنعوا من مادة الحديد — اننى من هذا المنبر اطالب اليونسكو بكتابة تاريخ الاخوان الجمهوريين– من يكتب تاريخ (مخير ابراهيم) — و (حسن عبدالكريم) — وجمعة حسن — وبكرى الحاج — ( وعم حمد) و(سيد شاهين) ؟ وهؤلاء على سبيل المثال — نضالات كل واحد من هؤلاء تملا مجلدا — ارجو من الاخوان الجمهوين طباعة ونشر تقارير وفود الجمهوريين — لانها تحتوى على نضالات الاخوان الجمهوريين — كما تحتوى على تاريخ السودان نفسه عن تلك الفترة
ادانة محكمة الردة — هى واجب كل انسان حر يحترم حقوق الانسان — وهى مسالة مبدئية لا علاقة لها بقناعة الانسان بافكار واطروحات الجمهوريين — فمن حق كل صاحب فكرة ان يطرح افكاره ويعبر عنها بالاساليب الحضارية — ووفقا لمبادئ حقوق الانسان المضمنة بالمواثيق الدولية — وقد اثبتت التجارب ان الدائرة تدور على كل من فرط فى حرية (الاخرين) — متناسيا ان السماح بالنيل من حياة الثور الاسود — هو تفريط فى حياة الثور الابيض والاحمر — والحكم بالردة والتجديف والزندقة يمكن ان يطال جميع الاحرار — وكل من يخالف السلطان — انه حكم سياسى — والجمهوريون حقيقة لم يحاكموا بالردة لافكارهم الجدلية — وانما بسبب (منشور) هذا او الطوفان — ولم يسلم الشيخ حسن الترابى زعيم الاصولية من حكم الردة عندما اختلف سياسيا مع نظام الانقاذ — فتهمة الردة ليست بعيدة عن احد وقد طالت مولانا النيل ابو قرون — وقد اتهم بالردة بسبب تداعيات الفتنة السياسية فى صدر الاسلام وما تبعها من اختلافات حول الشخصيات الفاعلة من (الصحابة) عليهم الرضوان فى ذلك الوقت
ان الدولة الدينية هى اكبر مهدد للانسان السودانى ولكرامته وحريته — وهى اكبر مهدد للسودان كوطن — وقد نبه منشور هذا او الطوفان الى هذه الامور قبل ربع قرن من الزمان — فالدولة الدينية هى المسؤولة عن تقسيم السودان — وعن نتائج الاستفتاء المرتقب — وجعل الوحدة غير جاذبة — واذكر فى هذا الخصوص ان الدولة الدينية قد نشرت الكراهية بين الجنوب والشمال — حين افتت بردة كل من ينضم للحركة الشعبية او حتى يؤجر منزله كدار للحركة الشعبية — فكيف يعيش الجنوبيون فى وطن لا يعترف بحقهم فى ممارسة حقوقهم السياسية؟ كان الجنوبيون هم صمام الامان من تغول زبانية الدولة الدينية على حرية التعبير الدينية للافراد والجماعات فى الشمال — الان بذهاب الجنوبيين الى دولة عزهم — يتعين على ابناء الشمال التصدى بقوة لحماية حقوق الانسان وحق التعبير الدينى والفكرى
واذكر بان الدولة الدينية العنصرية الانقاذية هى التى خلقت قضية دارفور — التى توسعت لتصير قضية (الغرب) لتشمل كردفان — ولم يشفع للغرابة انهم مسلمون — فقد طالتهم الابادة الجماعية والتطهير العرقى تماما مثل اخوانهم الجنوبيين — ان استمرار الدولة الدينية العنصرية فى الخرطوم سيكون كارثة على السودان — لان جماهير الهامش فى دارفور وكردفان الكبرى وفى الشرق قد وعت الدرس جيدا — وهى لن تحارب مدى الحياة — ولن تقبل فى ذات الوقت بالبقاء تحت فظاعات الدولة الدينية فى الخرطوم — ولن يبقى امامها غير السير فى طريق الجنوب بانتزاع حق تقرير المصير ومغادرة الدولة الدينية العنصرية — فلننظم الصفوف — فى جبهة عريضة –عسكريا وسياسيا لمنازلة الدولة الدينية وهزيمتها — واقامة الدولة المدنية (العلمانية الايجابية المؤمنة) التى تمتلك سعة الافق لتقيم دولة المواطنة التى تسع المواطنين جميعا — بدلا الدولة الدينية الفاشلة التى قسمت السودان — فالدولة المدنية (بشروط جديدة) هى الامل الوحيد لبقاء السودان موحدا
ابوبكر القاضى
الدوحة