سلفا كير يرفض الدعوات الدولية والإقليمية بالانسحاب من هجليج.. ويهدد بالتقدم في اتجاه أبيي
لندن: إمام محمد إمام ومصطفى سري واشنطن: محمد علي صالح بروكسل: عبد الله مصطفى
القاهرة: سوسن أبو حسين
* اتهم الرئيس السوداني عمر حسن البشير أمس جنوب السودان بأنه اختار «طريق الحرب»، بينما أكد سالفا كير رئيس دولة الجنوب أن قواته ستتقدم إلى منطقة أبيي المتنازع عليها إذا لم تخرج منها قوات الشمال. وقال البشير للصحافيين في مطار الخرطوم في ختام زيارة رئيس النيجر يوسوفو محمدو إلى السودان إن «إخواننا في جنوب السودان اختاروا طريق الحرب تنفيذا لأجندات خارجية لجهات كانت تدعمهم أثناء الحرب الأهلية». وأضاف البشير: «إن الحرب ليست في مصلحة جنوب السودان أو السودان، وللأسف إخواننا في الجنوب لا يفكرون في مصلحة السودان أو جنوب السودان».
من جهته قال سلفا كير رئيس جنوب السودان أمام برلمان بلاده إنه لن يأمر جيشه بالانسحاب من منطقة هجليج النفطية المتنازع عليها التي استولى عليها الثلاثاء من الجيش السوداني، رافضا دعوات دولية بهذا المعنى. وقال للبرلمانيين إنه أكد للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في اتصال هاتفي: «إنه إذا لم تنسحب قوات البشير من أبيي فسنعيد النظر في موقفنا وسنتقدم باتجاه أبيي». وأكد أنه قال أيضا لمون: «لست تحت أوامرك».
وتأتي تصريحات سلفا كير غداة دعوات صدرت عن مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي لسحب قوات جنوب السودان من هذه المنطقة الحدودية والنفطية. وقال: «هذه المرة لن أصدر أوامر إلى قوات (جنوب السودان) بالانسحاب من هجليج».
وفي 26 مارس (آذار) الماضي استولت قوات جنوب السودان على حقول النفط في هجليج التي استعادتها في اليوم التالي القوات المسلحة السودانية.
وقال العبيد أحمد مروح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية في بيان أصدره أمس، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، حول مواقف المجتمع الدولي بشأن اعتداء دولة جنوب السودان على بلاده: «إن وزارة الخارجية تابعت، بكل تقدير، مواقف المجتمع الدولي من الاعتداء المسلح السافر الذي قامت به دولة جنوب السودان يوم الثلاثاء الماضي، على منطقة هجليج بولاية جنوب كردفان، في واحد من أكثر أشكال انتهاك القانون والأعراف الدولية وضوحا». فقد وجه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون رسالة قوية ومباشرة لرئيس دولة جنوب السودان، طالبه فيها بالسحب الفوري وغير المشروط لقواته من منطقة هجليج، وعبر جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي عن رفضهم وإدانتهم لما حدث ودعوا دولة جنوب السودان لسحب قواتها المعتدية، حيث عبرت عن ذلك السفيرة الأميركية، رئيسة الدورة الحالية لمجلس الأمن في المحفل الإعلامي عقب الجلسة.
وجاءت مواقف الاتحاد الأفريقي قوية وصريحة في إدانة العدوان ومطالبة دولة جنوب السودان بسحب قواتها من هجليج فورا ودون شروط، في البيان الذي صدر يوم أول من أمس، وكذلك كانت مواقف منظمة الإيقاد والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، صريحة في إدانة العدوان ومطالبة القوات المعتدية بالرحيل الفوري. كما أدانت الاعتداء الغالبية الكاسحة من دول العالم في الغرب وفي الشرق، واعتبرته يشكل خرقا واضحا للقانون وتحديا صارخا لإرادة المجتمع الدولي.
وأضاف أن وزارة الخارجية السودانية إذ تعبر عن شكرها لدول العالم وللمجتمع الدولي ومنظماته الدولية والإقليمية وشبه الإقليمية، على هذه المواقف الواضحة والمسؤولة، لتجدد إدانتها للمواقف المتعنتة لدولة جنوب السودان برفض الانسحاب الفوري وغير المشروط من الأراضي السودانية، وبإصرارها على ممارسة التمرد والعصيان، والتهديد بتوسيع نطاق اعتداءاتها وبعدم الاكتراث إلى نداءات ومناشدات المجتمع الدولي والإقليمي. يشير بيان الخارجية السودانية إلى تهديدات سلفا كير بالتقدم في اتجاه أبيي.
من جانبه قال الدكتور برنابا مريال بنجامين وزير الإعلام في جنوب السودان لـ«الشرق الأوسط» إن قوات بلاده لن تترك حقلا نفطيا حيويا بالنسبة لاقتصاد الخرطوم قبل أن يزول خطر الهجمات القوات المسلحة السودانية عبر الحدود. وأضاف أن الرئيس سلفا كير شدد في خطابه في البرلمان على وجود آلية وقوات دولية يتم نشرها تضمن عدم شن الخرطوم هجوما آخر على جنوب السودان، نافيا إغلاق بلاده آبار النفط في منطقة هجليج، معتبرا أن ما نشر في الخرطوم غير صحيح.
ومن جهته قال فيليب اقوير المتحدث باسم الجيش الشعبي لـ«الشرق الأوسط» إن مواطنا قتل وأصيب أربعة آخرون في قصف جوي من قبل القوات السودانية على جسر رابط بين بلدتي بانتيو عاصمة ولاية الوحدة وربكونا، أمس. وأضاف أن قصفا آخر بالمدفعية استهدف مواقع في ولاية أعالي النيل أمس، نافيا وجود معارك عسكرية أمس حول بلدة هجليج التي تسيطر عليها قواته، لكنه أكد على وجود حشود للقوات المسلحة السودانية لشن هجوم على هجليج. وقال: «نحن مستعدون لصد الهجوم»، مشددا على أنها لن تنسحب من البلدة وتعمل الآن على تقدم قواتها إلى حدود دولته المعروفة بحدود 1956. وقال: «هجليج تقع في عمق أراضي بلادنا، ونحن نقوم الآن بتأمين حدودنا في منطقة الكيلك».
وفي بروكسل عبر الاتحاد الأوروبي في بيان صدر عن مكتب كاثرين أشتون منسقة السياسة الخارجية الأوروبي أمس، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، عن القلق البالغ إزاء تصاعد النزاع المسلح على الحدود بين السودان وجنوب السودان، واعتبر التصعيد من جانب قوات جنوب السودان لاحتلال هجليج أمرا غير مقبول، وكذلك استمرار القصف الجوي لأراضي جنوب السودان من جانب القوات المسلحة السودانية، ويجب أن يتوقف دعم كل طرف للجماعات المسلحة، الموجودة في أراضي الطرف الآخر. ودعت أشتون من خلال البيان إلى وقف القتال وسحب القوات مرة أخرى إلى داخل الحدود واحترام سلامة أراضي الطرف الآخر، حسب ما جاء في مذكرة تفاهم حول التعاون وعدم الاعتداء، جرى التوقيع عليها في العاشر من فبراير (شباط) الماضي مع ضرورة تنفيذ الالتزام بإنشاء الحدود المشتركة وآلية للمراقبة، ودون تأخير.
وفي القاهرة شدد السفير أحمد بن حلي نائب الأمين العام للجامعة العربية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أهمية سحب قوات دولة جنوب السودان، وعودتها إلى الحدود المعترف بها دوليا، قائلا: «إن الوضع الراهن يشير إلى مخاطر، وإن ما يهم الجامعة العربية هو احتواء الأزمة ومعالجتها بالحوار، وفي إطار اتفاق السلام الذي يحدد كل القضايا العالقة»، مشيرا إلى أن زيارة الأمين العام إلى دارفور قائمة، ولكن الجامعة تتابع هذا الأمر أولا وتعبر عن قلقها من تفاقم الأوضاع بين الدولتين إثر هجوم قوات عسكرية في جمهورية جنوب السودان على منطقة هجليج في جمهورية السودان.
وكانت الأمانة العامة قد أصدرت بيانا رسميا طالبت فيه القوات العسكرية لدولة جنوب السودان بالعودة إلى الحدود الدولية المتعارف عليها بين الدولتين، وناشدت الطرفين السودانيين إلى احتواء هذه الأزمة من خلال إعمال الوسائل السلمية، وتنفيذ الاتفاقيات الموقعة بينهما، واحترام المواثيق والأعراف الدولية، ووقف كل أشكال العداء، والعودة فورا إلى المفاوضات للوصول إلى حلول سلمية للقضايا العالقة.
وفي واشنطن انتقدت الخارجية الأميركية بشدة دخول قوات جنوب السودان منطقة هجليج النفطية قرب الحدود مع السودان. وقالت فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم الوزارة، في مؤتمر صحافي: «نحن قلقون جدا. وسنصدر بيانا يدين بشدة عملية التوغل الهجومية العسكرية في ولاية كردفان الجنوبية (التابعة للسودان) التي قام بها الجيش الشعبي لتحرير السودان (التابع لحكومة جنوب السودان)». وأضافت: «أيضا ندين القصف الجوي المستمر للمناطق المدنية من جانب القوات المسلحة السودانية. مرة أخرى نحن نطالب بوقف جميع الأعمال العدائية من جانب جميع الأطراف». وقالت إن برنستون لايمان، مبعوث الرئيس باراك أوباما للسودان، كان على اتصال خلال يوم أمس مع المسؤولين في الدولتين، ومع المبعوث الخاص للأمم المتحدة، ومع منظمة الوحدة الأفريقية. وإن لايمان سيواصل الاتصالات مع الأطراف مرة أخرى اليوم. وفي إجابة على سؤال عن هذا التشدد في الموقف الأميركي نحو جنوب السودان، أجابت بالإيجاب. وفي إجابة على سؤال بأن هذا التشدد شيء جديد، أجابت بالإيجاب أيضا.
ومن جانبه قال اتيم قرنق زعيم الأغلبية في برلمان جنوب السودان والقيادي في الحركة الشعبية الحاكمة لـ«الشرق الأوسط» إن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لم يكن منصفا في التعامل مع النزاع بين دولته مع السودان. وأضاف أن مون كان عليه الضغط على الخرطوم وليس جوبا في قضية بلدة هجليج. وقال إن المجتمع الدولي ترك القوات السودانية في أبيي رغم انسحاب الجيش الشعبي منها، ويطالب الآن جنوب السودان بالانسحاب من هجليج.