اغتيال امن النظام الممنهج لابناء الزغاوة : حتما سيرتد السهم الي صدر من اطلقه
قبيلة الزغاوة قبيلة عُرفت بعصاميتها واصرارها علي البقاء مهما اشتدت عليها وطاة الظروف القاسية وتقلبات الدهر الاليمة وجور السلاطين المحليين والمركزيين . فخرجوا دائما منتصرين بفضل الله ومنه ورحمته وكلما عانوا وصمدوا كلما صاروا اقوي من ذي قبل , فالداء الذي لا يقتل يُقوي ويُحصن مما قد ياتي مشتقبلا من مصائب اشد فتكا.
ورغم حسن خلقهم وتحملهم لغيرهم من القبائل والشعوب وشفافية تعاملاتهم واتباعهم لكل ما هو شريف وفاضل من دروب وسبل التنافس الشريف واخذهم قصب السبق في كل المجالات في غالب الاحيان, وبشهادة كل من تعامل معهم واحتك بهم , الا ان الاخرين دائما ما يتعاملون معهم بتوجس وحذر خوفا من ان يتم اقصائهم لعدم قدرتهم ربما للتنافس الحر الشريف. وقد ساهمت الشائعات المجحفة التي داب علي نشرها من ادركوا استحالة فلاحهم ونجاحهم مع وجود الزغاوة علي الساحة في شتي المجالات , ساهمت هذه الشائعات في زيادة وتنامي هذه الفوبيا من كل ما هو زغاوي.
ولادراك المستعمر الانجليزي لما قد يسببه من يتصف بهذه الصفات علي حكمهم للبلاد , فانهم قرروا حصر الزغاوة في شمال دارفور والحيلولة دون اختلاطهم بقبائل دارفور الاخري حتي لا تنتقل حمي المقاومة المدفوعة بالروح الطموحة للزغاوة الي القبائل الاخري فتنتفض في وجه المستعمر , فكان قرار مستر مور الشهيربجعل منطقة الزغاوة منطقة مقفولة و ذكر في تقريره الي قادته في انجلترا بان هناك قبيلة ديناميكية مثل النحل , خروجها يمكن ان يكون خطر علي حكمهم ولا بد من حصرها حيث هي.
ثم بعد الاستقلال سارت الحكومات المتعاقبة علي نفس النهج وجاهدت بان يظل الزغاوة حيث هم وهمشتهم فلا تجد اثرا لاية خدمات من مدارس متكاملة او كهرباء او مياه نظيفة , حتي ان المواطن هناك يقضي يومه كله في الابار البعيدة والعميقة جدا ليعود بقليل من الماء لا يكفي ليوم واحد. ولكن , ولما ذكرناه من تمتع الزغاوي بروح المثابرة والطموح اللامحدود , فقد بداوا الخروج من خليتهم باتجاه عمق البلاد فبداوا بدارفور ولمع نجمهم في التعليم فكانوا الاوائل في المدارس بجميع مراحله , وكانت الفاشر الثانوية تغذي جامعة الخرطوم وحيدة زمانها انذاك بالمتفوقين وشهدت البلاد خريجين ممتازين منهم في جميع التخصصات. وفي الجانب الاخر برعوا في التجارة وفي وقت وجيز اكتسحوا اسواق دارفور ونافسوا التجار الجلابة ممن استمراوا اجواء بلا منافسة سنين عديدة ولكن بوصول الزغاوة لم يستطع هؤلاء الصمود طويلا فغادروا حتي ان البشير في احدي لقاءاته بوفد من ابناء الزغاوة لاحقا قال لهم بانكم طردتم اهلي التجار من دارفور !
ولكن طموح الزغاوة لا تحده حدود كما قلنا , فزحفوا نحو العاصمة والمدن الكبيرة في شتي انحاء السودان فنافسوا وبرعوا وتفوقوا وبزوا غيرهم وما وسام ابن السودان البار الذي منحه نميري للحاج ادم يعقوب رحمه الله الا شهادة بذلك. اما الان فالزغاوة في كل مكان في الدنيا تصحبهم صفاتهم النبيلة ومثابرتهم وعصاميتهم وثقتهم بنفسهم وكرازميتهم اينما حلوا ونزلوا , فصارت لهم روابط باسمهم في افريقيا واوربا وامريكا واسيا بعربها وعجمها من الصين واليابان الي الخليج العربي.
وجاءت نهاية الصبر علي التهميش الذي لابد ان ينتهي فكان الزغاوة هم راس الرمح في انطلاق الثورة المسلحة بعد تعنت الحكومات المتتالية وتهميشها المستمر خاصة هذه القائمة والتي ما هي الا عصابة من القتلة ابناء مساكين مسكنة بلا اخلاق ولا دين فتدثروا بدثار الاسلام وركبوا السلطة فظهروا علي حقيقتهم: قتلة منتهكي اعراض النساء والرجال علي سواء. فكان ان راي العالم صفة اخري اشد بروزا واكثر وضوحا وادعي للدهشة والرهبة والاعجاب في ذات الوقت , الا وهي صفة الرجولة والاقدام والفراسة والثبات يوم الزحف فكانت ضربة مطار الفاشر هي البداية تلتها ملحمات اصابت عصابة الانقاذ في مقتل والهبت جحيم الحقد في اهلها , كيف لا , ؟ فلولا ثورة دارفور هذه لنعمت هذه العصابة بالحكم الهادئ والطويل الي درجة الخلود بعد التوقيع علي نيفاشا واسكات المعارض الاكبر والاوحد علي الساحة . ولكن جاء اهل دارفور والزغاوة علي وجه الخصوص فخربوا اللعبة وادخلوا العصابة الحاكمة من مدعي الاسلام في كابوس سيستمر الي لاهاي. ووصل الحقد علي الزغاوة ذروته بدخول خليل وجيشه امدرمان نهارا جهارا في اول سابقة في تاريخ الصراع المسلح في السودان, ولولا شيئ من هفوات في التنسيق لكانت البلاد مرتاحة الان من هؤلاء القتلة تجار الدين والذهب والبنزين.
كان لا بد من هذا السرد التاريخي لندرك لماذا الحكومات المتعاقبة دائما ما تستهدف الزغاوة مضايقة في المعيشة وقتلا علي ايدي الجيش والشرطة وقوات الامن والمليشيات. ففي عهد النميري كانت البداية عندما بدا ما يُسمي بالتمشيط في عهد حاكم دارفور المكلف الذي خلف دريج والذي بدوره غادر البلاد مغاضبا بعد ان استهتر به بهاء الدين محمد ادريس وزير شئون رئاسة النميري وقتئذ ومنعه من مقابلة النميري للاستفسار عن منع ولاية سكسونيا السفلي الالمانية من اقامة مشاريع تنموية في دارفور , فبدا خلفه سيئ الذكر ابو القاسم سيف الدين والذي كان رئيسا للبرلمان الولائي, بدا بقتل الزغاوة في طلعات الجيش لتمشيط دارفور من عناصر النهب المسلح فقتلوا الابرياء ولم يقبضوا علي احد متلبسا بنهب مسلح او غير مسلح.
ثم توالت محنة الزغاوة فتم قتل 8 منهم بخزان جديد ايام الصادق المهدي في الديمقراطية الثالثة بعد سقوط حكم النميري . وجاءت حكومة الانقاذ لتبدا حقبة اكثر سوادا في تاريخ الزغاوة ليموت الالاف قصفا بالطائرات وحرقا علي ايدي الجيش والجنجويد .
وبدات مطاردة التجار من الزغاوة وابتزازهم باخذ اموالهم او القتل , فذهب كثيرون منهم غيلة في نيالا علي ايدي رجال الامن والجنجويد . وتواصل مسلسل استهداف ابناء وبنات الزغاوة فكانت الفاجعة الكبري باغتيال استاذة الجامعة ابنة عميد بالمعاش في نيالا طعنا بلا رحمة لتذهب شهيدة باذن الله وتلحق بالركب الطاهر. واشارت اصابع الاتهام الي والي جنوب دارفور انذاك الذي لا ندري اين هو الان والذي قال في ملا بان علي الزغاوة ان يجدوا كوكبا اخر ليذهبوا اليه, فذهب هو وبقوا هم.
وعقب غزو امدرمان تمت مطاردة ابناء الزغاوة بجنون وتعذيبهم وقتلهم وما زالوا يفعلون. واستهدفوا التجار منهم بالعاصمة والاقاليم ظنا منهم بانهم يمولون المتمردين , فقبضوا علي تاجر بامدرمان يسكن بحي المهندسين فعذبوه بامر مدير الامن والاستخبارات وكادوا يقتلونه فاصبح مشلولا . وفي منطقة أبو جابرة وفي يوم الجمعة(10/7/2009م) قتل رجال امن النظام الباطش (6) ستة تجار من أبناء قبيلة الزغاوة دون ذنب اقترفوه سوى أنهم من قبيلة الزغاوة. حيث جاءت مجموعة من قوات الأمن إلى سوق أبو جابرة حيث يعمل هؤلاء التجار واقتادوهم من داخل متاجرهم ومن أمام زبائنهم و أوسعوهم كل صنوف الأذى والتعذيب والتنكيل والشتم والتسفيه ومن ثم أخذوهم إلى الغابة وقتلوهم. وظل هؤلاء التجار يعملون في هذه المنطقة منذ سنوات ويشهد لهم سكان المنطقة بالصدق والأمانة والصلاح والاستقامة في الدين والخلق. وهؤلاء التجار الستة هم:
1- محمد على كتر.
2- موسى حسن على.
3- عمر عبدالله وادي.
4- حسن أدم محمد.
5- عبد الله قرضية محمد.
6- عبد الشافع حسن ضوالبيت.
وفي ذات السياق تسللت قوات أمن عمر البشير في الساعات الأولى من صباح يوم السبت (11/7/2009م) إلى منزل الأستاذ/ حسن عمر على بمدينة الجنينة وأطلقوا عليه وابلاً من الرصاص أمام زوجته وقتلوه. والأستاذ حسن من أبناء الزغاوة يعمل مدرساً في مدرسة الجنينة الثانوية.
وبالامس القريب اقتاد كلاب الامن ابن احد رموز التجار من ابناء الزغاوة , عبدالله عيشة, وبدعوي باطلة كسابقاتها من الدعاوي والافتراءات , واردوه قتيلا بحجة انه قاوم الاعتقال!! ولكن طفح الكيل ووصل الاستهتار بارواح الزغاوة مداه ولابد من هبة يردع كل جبان ويلجم كل خسيس سليط السان. فقد ان الاوان لتدرك هذه العصابة وكل من هو علي شاكلتهم بان الزغاوة ان هم صبروا علي بطش هؤلاء الذين لا اصل لهم ولا تاريخ , فليس ذلك من جبن او استكانة او ضعف او وهن , وانما لانهم ليسوا ممن يقتل الاخر هكذا بدم بارد , فللقتل ساحات وموجبات , وليس الغدر والغيلة ابدا من صفاتهم. ولكن , رب العزة والجبروت قد اذن للذين يُقاتلون بانهم ظلموا , وانه تعالي لايحب الجهر بالسوء الا من ظُلم , وانه يحب في الذين اذا اصابهم البغي هم ينتصرون. فالله الله علي الجهاد الحق والمشروع ضد هؤلاء بكل السبل ولابد من اذاقتهم من جنس كاسهم الذي يذيقونه للناس. فان هم فشلوا في الحاق الهزيمة والاذي بالزغاوة في ساحات المعارك وعلي العراء المنبسط في دارفور وكردفان , وان هم فشلوا كذلك في صد الزغاوة عن عقر دارهم في العاشر من مايو 2008 فصار كبيت العنكبوت في الوهن, ان هم فشلوا في كل ذلك وارادوا اصطيادهم في متاجرهم ومنازلهم وجامعاتهم, قليستعدوا للمجابهة والمعاملة والتعامل بالمثل. وليدركوا بانه من الحكمة ان لا يسلك المرء دربا لا يدرك خطورته ووعورة مسلكه. ولا يحيق المكر السيئ الا باهله وعلي الباغي دائما تدور الدوائر.
محمد احمد معاذ
[email protected]