بقلم: احمد ويتشي
تابعت ولمدة أسبوع الا قليل الاستطلاع الذي أجراه كادر حزب البعث العربي” سيد الطيب ” في صفحته الشخصية على الفيس بوك الذي يتابعه الالاف وكان الاستطلاع يستبين اراء الناس حول موقفين في شكل سؤال . قد طرحه باي الطرق يفضل الناس التغيير في البلاد . هل يؤيدون اسقاط نظام المجرم عمر البشير بثورة شعبية أم بالانتخابات ؟ ومن الجيد أن تقريبا 87% من الذين شاركوا في التصويت وعددهم أربعة الف شخص أيدوا اسقاط النظام بثورة شعبية و 13/% منهم بالانتخابات. وهنا لسنا بصدد تبخيس هذا الاستطلاع الذي يجب أن ينصف من ضمن الاستطلاعات الكثيرة الرافضة لهذا النظام العنصري الإرهابي ورأسه المجرم المطلوب من العدالة الدولية . ولا حتي اسعي لخلق صراع شخصي مع سيد الطيب وهو شاب له مواقفه و احترمها بغض النظر عن فلسفة حزبه البعثي العربي في بلاد السودان . ولكن ما استوقفني هو تجاهله التام في استطلاعه لقصة النضال المسلح ورغم أنه يعمل من أجل التغيير باي شكل كان وعدم التنازل عن مبدأ اسقاط النظام . كان المامول ان يضع في استطلاعه ثلاثة خيارات و ليس فقط خياران . فيمكن أن يضع الناس آرائهم في التصويت . مثلا يقول هل تؤيد اسقاط النظام
1/ عبر بثورة شعبية
2/ ثورة عبر النضال مسلحة
3/ عبر انتخابات
وكان الأمر سيكون مفهوما جدا ولكنه اثر تجاهل القوي المسلحة التي ظلت ترفع السلاح منذ عقود ضد هذا النظام و بهذا يعني هنالك عدم تقدير و تبخيس لمن يقاتلون النظام و يقدمون التضحيات العظيمة ومئات الآلاف من الجنود وكبار قادة العمل المسلح الذين قدموا أرواحهم ثمنا للتغيير وعلي رأسهم عبدالله ابكر و عبدالسلام طرادة و الدكتور خليل ابراهيم و فضيل رحومة و ود البليل وجمالي حسن جلال الدين و ابراهيم ابو رنات و جمعة مندي و الدكتور الواثق بالله علي حمدابي و مئات الأسري مازالوا في أقبية جهاز الإرهاب و علي رأسهم اللواء نمر عبدالرحمن وأحمد ادروب وهم شباب لم يأتوا من كوكب المريخ بل هم ابناء السودان الذين اختاروا طريق النضال المسلح لا لمصلحة شخصية بل من أجل سودان جديد وليس سودان الفاشية و الفشل . اذن لماذا تبخيس نضالاتهم و تجاهل ما قاموا به و يقوم به بقية رفاقهم ؟ . وهذه واحدة من علل التغيير و تشتيت المقاومة ضد النظام . و الأمر الأكثر فضاحة هو ردود سيد الطيب . بعد احتجاج بعض الرفاق علي عدم طرح بند العمل المسلح ضمن أجندة الاستطلاع الداعية للتغيير ولقد رد سيد الطيب قائلا: ( العمل المسلح ينتهي بتوزيع الغائم و هنالك إتفاقيات كثيرة لم تاتي بجديد ولا بتغيير )!! وهذه نعتبرها مغالطة منطقية . نعم نتفق هنالك إتفاقيات كثيرة من اتفاقيات الهاربين بداية من اتفاقية مشار الذي سماه باتفاقية السلام من الداخل و انتهاءا بما يسمي بمصفوفة الدوحة التي رفضتها كل القوي المسلحة و وقعها أفراد قافزين من سرج المقاومة وهذه لن تكون الأخيرة كلما استمر قهر ووحشية النظام . لان النظام لا يركز أمامه إلا الابطال الذين يرتكزون علي القيم و المبادئ التي ليست من ضمنها مصالح شخصية ومنصب صوري لان الأمر اكبر من ذلك وهذه الاتفاقيات التي تطرق إليه هي ليست خلاصة المقاومة المسلحة. لان هنالك قوي مقاومة رفضت تماما الجلوس مع النظام وحتي التي جلست مع النظام لم تقبل بتوزيع الغائم و الوظائف الصورية علي حساب شعبنا الأبي وعادت الي الميدان رغم ما قدمه النظام من مناصب وزارية مقابل السكوت عن التغيير .
فبالتالي الحجة كون أن النضال الوطني المسلح غير مجدي و ينتهي بتولي المناصب . هو أمر يتم طرحه من قبل بعض القوي السياسية المعارضة الصغيرة في الخرطوم وبفعلها هذا نحن أنصار المقاومة المسلحة نعتبرها معادية للملايين من المهمشين وبل احتقار لدماء 800 الف شهيد من شعبنا .ففي هذه الحالة لا نري خلاف كبير بين هذه القوي و النظام المجرم . لان ما دفع الناس للقيام بالعمل المسلح من الاساس هو احتكار و مصادرة حق الآخر و لعب دور الأستاذية و توزيع صكوك النضال و الوطنية للبعض و وصم البعض بالفشل و ازدراء نضالهم والتنطع في حقهم الادبي و المعنوي . فالنظام يقول لثوار المقاومة عملاء اسرائيل و وبعض هذه القوي السياسية تصفهم بأنهم يعملون علي ابقاء النظام. أو إطالة عمره . وهذا عمل عنصري جبان لا يستحق منا الاحترام و في النهاية كل شخص سيذهب الي الإتجاه الذي يراه مناسبا له . لطالما لا يوجد ادني معايير للاحترام في العمل المعارض . و سيد الطيب الذي يحتفل يوميا بقادة حركة الخلاص الوطني الذين تم اعدامهم في العام 1990م بعد محاولة انقلابهم علي النظام بالقوة هو نفسه الان يأتي ويقول العمل المسلح غير مرحب به . هل في تقديره أولئك الشهداء من خيرة قادة الجيش السوداني دقسوا ودمائهم ذهبت هدرا أم أنه يريد الاحتفال بأولئك و من ثم في ضميره يصف العمل المسلح الذي يقوم به المهمشين بالفشل و لا يستحق النظر إليه . وهو أي سيد الطيب يعلم تماما هنالك مواجهات بالسلاح حدثت بين قادة حركة الخلاص الوطني و النظام في تلك العملية التي جرت و اعدم فيه قادة المجموعة . هل يريد تفسير ما قام به ضباط الجيش في حركة الخلاص الوطني بأنهم كانوا سلميين ام ماذا نفهم واذا كان كذلك ما الغرض من الاستيلاء على الدبابات و المدرعات و توزيع الزخائر و الأسلحة وفق ما ورد في شهادة أحد الناجيين من تلك المذبحة هو ضابط مشارك في العملية و نجا بأعجوبة وحكي قصة المحاولة من الألف إلى الياء ؟
وهنا اذا تغيرت قناعات سيد الطيب تجاه العمل المسلح و الانقلابات العنيفة المضادة . يمكننا تفهم ذلك ولكن لا يمكن أن يفرض علي كل الشعب قناعاته . بحيث يوجد ملايين المهمشين مازالوا مقتنعين تماما بأن العمل المسلح لا مناص منه إذا لم ينتفي الأسباب التي دفعت الناس للقيام به .رغم وحشية النظام و قساوته و عنفه الرهيب واستخدامه لكامل ميزانية الدولة في حربه ضد قوي المقاومة المسلحة و جماهيرها
ففي ظل وحشية النظام وتوجيه كل إمكانيات الدولة للحرب . من الطبيعي أن نشهد في بعض الأحيان تراجع العمل المسلح من قبل الحركات ولكن هذا لا يعني بأن الناس يخافون من النظام و يقولوا خلاص تبنا من النضال . فالحق حق مهما كانت قساوه العدو والمجرم لان نفس هذه الحركات قبل سنوات قليلة مضت ضربت قلب النظام في الخرطوم في عز ايام التمرغ في اموال البترول المنهوبة والتي ساعدت النظام في إنشاء شركات الموت لتصنيع الأسلحة الكيميائية لضرب شعبنا ولكن مع ذلك لم تستسلم هذه الحركات رغم قلة امكانياتها وقامت بضرب وكر النظام و مؤسساته الأمنية و العسكرية في الخرطوم . كما شاهده العالم أجمع في عملية الذراع طويل المجيدة التاريخية بقيادة زعيم المهمشين الدكتور خليل ابراهيم .
فالنظام هو من اعلن الحرب منذ البداية وقال بصريح العبارة بأن من يريد حقوق المواطنة كاملة من تعليم وصحة و حريات و مشاركة في صناعة القرار و احترام الهوية عليه أن يكون رجلا أو امرأة و يواجهنا بالسلاح وليس فقط الصراخ من خلال شخبطة حيط بيوت الناس بليل و الحديث عن الطماطم والفلفل في أطراف أسواق الخضار في الخرطوم . فإذا كان سيد الطيب لم يرغب في تفهم دواعي قيام العمل المسلح في أطراف السودان منذ الاستقلال هذا شأنه ولكن ليس من حقه التحدث باسم السودان بل عليه أن يختار من يحق له الحديث باسمهم وليس كل السودانيين .
فبالعودة الي الاستطلاع في ذاته . يمكنني القول انا لست ضد الاستطلاع و لا النتيجة ولكن انادي باحترام كل المقاومة وليس مقبولا التجزئة لان في قوي المقاومة المسلحة لدينا ثلاثة خيارات و ظللنا نطرحها و لن نحيد عن واحدة من هذه الثلاثة خيارات في سعينا للتغيير لكل السودانيين وهي
1/ الثورة الشعبية وهو خيار اولي مطروح في كل منفستوهات الحركات المسلحة
2/ النضال المسلح وهو عمل يقوم به بعض أطراف المعارضة وليس كل المعارضة ولقد حمل الناس السلاح لدواعي قسرية ولكن ليس حبا في الحرب أو الموت و التشرد لذلك وضعت هذه الحركات في بنود التغيير الثورة الشعبية كخيار اول حفظا لدماء السودانيين من الطرفين .
3/ قبول النظام بتفكيك نفسه طوعا و إجراء مصالحة وطنية تاريخية بين السودانيين من جانب و بين النظام و السودانيين من جانب آخر
لان الملاحظ حتي بين السودانيين أنفسهم بمختلف قواهم السياسية و المسلحة هنالك تنافر و عنصرية كما في حالة سيد الطيب البعثي المعارض الذي يسترخص دماء الناس وهذه العنصرية ليست واحدة اليوم وهي صنيعة النظام الحالي بل لديه جذور تاريخية. كامنة منذ ما قبل الاستقلال وهذا معروف لكل صاحب من يعرف اسباب الحروب الأهلية المستمرة منذ 16 اغسطس من العام 1955م وهو العام قبل الذي سلم فيه الإنجليز مقاليد الحكم لفئات محددة في الدولة و ظلت محتكرة لتلك السلطة و تدمر السودان وتفرض هوية أحادية وفاشية دينية نتيجيتها أفرزت لنا هذا الواقع الماساوي . التغيير يجب أن يكون وفق مبادئ وليس أهواء شخصية و كراهية مبطنة . التغيير الذي يأتي بسبب ارتفاع اسعار الخضار والفاكهة ليس تغييرا جذريا بل تسكين لمشكلة التغيير . الأسباب الحقيقية لهذا الوضع الكارثي ليست بسبب اسعار الخضار والفاكهة بل لأسباب أكثر عمقا .
احمد ويتشي