بقلم:احمد قارديا خميس
قبل يومين شهدت ولاية شرق دارفور احتفال رسمي بعودة مليشيا الجنجويد الي مدينة الضعين من مناطق العمليات بكردفان بحضور كبار المسؤولين بالولاية وقادة مليشيا الجنجويد وأسرهم, بعد ان توالت عليهم الهزائم النكراء من قِبل قوات الجبهة الثورية السودانية في جنوب كردفان .
قد لا يُسأل أحد من الطراز الطارئ لبعض سياسيي دارفور ممن لا يفكرون فيما يمكن أن يصيب الدارفوريين من مصائب جديدة, اذا ما انزلق الوضع علي شاكلة ما حدث في 2004م علي يد الجنجويد, وما أصاب الشعب الدارفوري من التطهير العرقي والتهجير وحرق القري. غير أن الذين مروا بتجارب صعبة, يمكن أن يقعوا تحت حساب الضمير علي أقل تقدير, ان لم يقوموا في منع تكرار التجربة الجنونية علي أرض دارفور, وخصوصا أن النفعيين وذوي المصالح الأنانية من الدارفوريين قد أصيبوا بشلل الضمير, وتحولوا الي تجار حروب ومزايدين في وضع يدور في فلك التخلف الفكري, و(المثل حيّ) علي العقيد( الطيب عبدالكريم ) والي ولاية شرق دارفور, و”السافنا” قائد الجنجويد المعروف بالأمس مقاتل في صفوف قوات الحركات المسلحة.لقد خسر الكثير من سياسيي الصدفة تعاطف الناس, خصوصا من المناطق الملتهبة, لأنهم لم يقدموا شيئا يستحق الذكر لأهلهم ومناطقهم. وكانوا بالأساس شركاء فيما أدي اليه الوضع. وعندما يكون السياسي منتفعا من النظام القائم وعضوا أساسيا فيه – حتي لو وقع تحت الوصف الصوري – فلا يستحق الدعم والتعاطف في حالة انقلابه (لأسباب نفعية ذاتية ومصلحية أنانية). وكثير من سياسي اقليم دارفور- للأسف- ظهروا هكذا! ومنهم من تسبب في مشاكل حقيقية.
لا شك في وجود معضلات ومشكلات تعاني منها الشريحة التي ينتمي اليها هؤلاء, جراء ممارسات ومفاهيم وعقد ترتبت علي فترة عشر سنوات مضت في دارفور. وما يرتبط بمضاعفات التغيير. بينما كان كبار المخالفين (قادة الجنجويد) الآن في صلب نظام المؤتمر الوطني, يقومون بالخطب الرنانة عن الشحن القبلي عن الحسابات المناطقية, التي وقودها شباب الدارفور والابرياء منهم خاصة.
وبما أن الشحن القبلي وجد له أساساً ومسوغات يسهل تمريرها من قبل اطراف النظام الحاكم, وبما أن الادراك الأمني ضعيف لدي سياسيي الصدفة (قادة المليشيات), الذين بقيت حساباتهم تقييم التدخلات القبلية الفاشلة فقد حدث تزاوج غير عقلاني بين الفكر والممارسة والأهداف والنيات أتي بهجين عنف لم يتوقف, لا سيما أن موارد الدعم القبلي مستمرة من جهات قاصرة التفكير أو مفروضة, فضلا عن منابع فساد وتخريب اُسري لا يقل تاثيرا.
بالاساس, كانت متابعتي الشخصية لسياسيي الصدفة في دارفور أكثر من غيرهم بحكم انني من نفس الاقليم. لكن الذي حدث بالامس في الضعين بحضور معتمدي المحليات (الضعين – بحرالعرب –ابوجابرة – ياسين – عسلاية), وخطاب قائد الجنجويد أمام المواطنين بانهم عادوا للضعين بسبب توفير الأمن لمواطن الولاية وتطهير دارفور من الحركات المسلحة, وهذا تخطي الأسس اللازمة لاعادة ترسيخ العلاقات المجتمعية, ووضع تفكيك النسيج الدارفوري.. وها نحن اليوم نري (هلوسة) لا حدود لها من قبل بعض الأفراد تمس العصب الحساس وأمن الناس ومستقبلهم. فيتخاصم الاقرباء والاشقاء علي هامش رؤي مشوشة, وأفكار غير ناضجة, وارتباطات قبلية, علي غرار التدخلات القبلية خارج حدود دارفور بل خارج الوطن ..فيتحول الاقليم الي ساحة صراع قبلي مفتوح, يمكن أن يتطور علي طريقة التدهور الحاصل اليوم في مناطق وادي صالح بين (سلامات ومسيرية), ان لم يتم تفادي القراءات الخاطئة.
منطقة الضعين تختلف من أي مكان آخر, فأهلها اسرة واحدة. ومن نمط متطابق في العادات والتقاليد, وعانوا من تبعات نظام المؤتمر الوطني ودفعوا ثمنا غاليا لمواقفهم الوطنية, وما لا يخشي علي هذه المنطقة منه, يمكن أن ينتقل اذا ما فقدت السيطرة, لأن هذه المنطقة قابلة للتحول ألي مستودع متفجر, بحكم تعقيدات الارتباط وما سمي بالمكونات وفق فقه التقسيميين من أصحاب الغرض السيئ من الدارفوريين.
فتنة الضعين أبواب اقتتال أخوي, وبات الوضع متشكابا بعد عودة المليشيات وخطاب (الوالي) في مجتمع لم تفارقه تقاليد الثأر. وبعد أن ثبت خطأ التعويل علي الافتراضات المستندة الي أس نظرية لم تعد قائمة, أصبح من الضروري وقف التصعيد الخطابي والتهديد غير المبرر, واللجوء الي خيار الحوار والتفاهم. فعدم احتواء الموقف في الضعين من قبل خطاب الوالي التحريضي. والتأخر في تفكيك عناصر الفتنة ومسبباتها يؤديان الي المزيد من مخاطر لا مبرر لها في دارفور بصفة عامة وولاية شرق دارفوربصفة خاصة, وينبغي علي الدارفوريين دراسة الموقف باهتمام, بدل الدوران وراء سياسيين فاشلين ومتسلقي مواقع لا قدرة لهم علي فهم المعادلات والظروف المحلية, يبحثون عن مصالح ذاتية بعيدة عن الروح الوطنية المفترضة ..
[email protected]