إنّ الطُغاة وإنْ تمادى ظُلمهمْ حتماً سوف يتساقطُون 3-5
تطورات المحكمة الجنائيّة الدوليّة تجاه الوضعْ المأْساوى الخطير فى إقليم دارفُور السُّودانى
النيّة الإجْراميّة الخطيرة لبعضْ قادة متمردى دارفُور فى إسْتهداف القوات الإفريقيّة بمنطقة حسكنيتة – ش دارفور – أُمْ كدادة
السيّد/ بحر إدريس ابُو قردة مُتهماً بجرائم دوليّة خطيرة
حمّاد وادى سندْ الكرتى
المحامى والباحث القانُوى
[email protected]
إثر التطورات المتلاحقة للعدالة الجنائيّة الدوليّة , وذلك من خلال سعيها الدؤبْ ,المكللْ حتماً بالنجاح , وحرصها المحتُوم لملاحقة المتهمين بإرتكاب اشدّ الجرائم الدوليّة خُطورةً ( الإبادة الجماعيّة – الجرائم ضد الإنسانيّة – جرائم الحرب) , فى المنطقة النائيّة (دارفور الجحيم), الواقعة فى غربْ السُّودان ( حيثُ تم فتح نافذة من نوافذ الجحيم ضد المدنيين هناك) , تلكُم الجرائم التى ماتزال تُرتكبْ بطريقة او بأُخرى ضد المدنيين العزل منذ العام 2003حتى تاريخ اللحظة .
إن المحكمة الجنائيّة الدوليّة أُنشئتْ , من أجل مكافحة ومحاربة ثقافة الإفلات من العقابْ , حيث ينبغى على كل مجرم أن يأخذ حقهُ من العقاب آجلاً كان آم عاجلاً .
فمنذ ان تمّ تكليف الأمين العام للأُمم المُتحدة السابق السيّد ( كوفى انان- طيّب الخالق ذكراه ) , من قبل مجلس الأمنْ , وذلك بضرورة تشكيل لجنة دوليّة للتحقيقْ حول مزاعم الإبادة الجماعيّة , وغيرها من الجرائم ذات الطابعْ الدولى الخطير بغرب السُّودان , منذ ذلك الحين والتطورات المتعلقة بقضيّة دارفور تمضى تارةً أُخرى نحو الحقْ وفضح الجرائم وأعمال المجرمين, وتارةً اخرى تعتريها عواصف تغليبْ السياسة على العدالة ومصالح الدول على مصالح الضحايا .
وبعد إنتهاءْ عمل او مهام اللجنة الدوليّة , خلُص تقريرها الدولى الى تأكيد وقوع جرائم دوليّة خطيرة , ولكنها لم تؤكد وقوع جرائم الإبادة الجماعيّة الا أن اللجنة اكدتْ وقوع جرائم مشابهة لجرائم الإبادة الجماعيّة , ورأت اللجنة ان القضاءْ السُّودانى لايصلح البتّة فى النظر فى تلك الجرائم , لعدم الرغبة والقدرة , لذا فإنّ اللجنة , رأت ضرورة إحالتْ الوضع المأساوى الخطير الى المحكمة الجنائيّة الدوليّة , نسبةًً لفشل القضاءْ السُّودانى فشلاً زريعاً وسقوطه فى بحر الفشل وتشجيع المجرمين , سقوطاً مريعاً, لم يشهد له من قبل تاريخ القضاءْ فى السُّودان له مثيل .
وبالفعل تمّ إحالتْ الوضع السائد فى اقليم دارفور الى المحكمة الجنائيّة الدوليّة , عبر مجلس الأمنْ إستناداً الى الفصل السابع من ميثاق الأُمم المُتحدة , وبموجبْ القرار 1593 , الصادر فى العام 2005م , ومنذ ذلك الحين تتخذ المحكمة خطوات ثابتة فى الوضعْ الخطير , ولم تقتنع المحكمة بتقرير الأمين العام الدولى بل , بادرتْ بدورها الى ارسال بعثة دوليّة الى السُّودان لتقصى الحقائق وجمع الأدلّة , حيث ارسل مكتب مدعى عام المحكمة بعثة الى الخرطوم اكثر من مرة , وقد إجتمع محققى المحكمة مع المسئولييّن السودانيين الكبار مثل – وزير الذبح والقتل السابق – عبد الرحيم محمد حسين وغيره من المسئولييّن الكبار , وحرص مكتب المدعى على التأكُد ,ما اذا كان فى السُّودان إجراءات وطنيّة جادّة تُحققْ فى الجرائم الدوليّة فى اقليم دارفور , ولكن لم تجد للأسف , إلاّ التستُر على المجرمين وتشجيعهُم من قبل السُلطات العُليا فى السُّودان, كان ومايزال واضحاً وضوح الشمس فى كبد السماءْ , فلقد سقط القضاء السُّودانى الذى يأخذ تعليماته من السُلطة التنفيذية سقوطا مريعا وفشل فشلا زريعا .
وتتبعاً لتاريخ المحكمة الجنائيّة الدوليّة , فى قضيّة دارفور , كان لابدّ من أن نذكر وبصورة عامة قرارات الدائرة التمهيديّة الأولى التابعة للمحكمة , تجاه المتهمين بإرتكاب الجرائم الدوليّة , حيث تعتقد الدائرة التمهيديّة , أنّ كلاً من السيّد – أحمد محمد هارون – والسيّد – على كوشيبْ ( عقيد العقدة فى كامل شريط وادى صالح) , مُتهمين بإرتكاب جرائم ضد الإنسانيّة وجرائم حرب , وذلك من خلال تمحيص الأدلة الثابتة التى بحوزة مكتب المدعى العام , لذا فإن المحكمة اصدرت امرا قضائياً مفادها ضرورة تسليم أنفسهُم الى المحكمة الجنائيّة الدوليّة, لمواجهة التهم الموجهة اليهم , ولكن حكومة المؤتمر الوطنى فى السُّودان مازالت ترفُض بشدة قرارات الشرعيّة الدوليّة , بحُجة عدم تصديقها على نظام روما 1998م المنشئة للمحكمة الجنائيّة الدوليّة .
وفى العام 2008م , أصدرت الدائرة التمهيديّة الأولى التابعة للمحكمة الجنائيّة الدوليّة , قرارا تاريخياً , يقضى بضرورة إلقاءْ القبض على المتهم / عمر حسن احمد البشير .
ليس هناك أحدا فوق القانُون – عبارة اطلقها السيّد / لويس مورينوا اوكامبوا- مدعى عام المحكمة الجنائيّة الدوليّة ,وذلك فى إطار توجيه تُهم خطيرة لبعض قادة متمردى دارفور , ومما يُؤسف له , أن بعض قادة الفصائل المتمردة , قامت بإستهداف القوات الدوليّة , المتمثلة فى قوات الإتحاد الإفريقى التى لم تأتى إلاّ لحماية المدنيين العُزل الذين لاحول لهُمْ ولاقوة , ومع ذلك تم إستهدافهم بشكل عنيف وغير مبرر , حيث شكّل الهجُوم الذى نُفذ فى العام 2007م , جُرما دوليا خطيراً وصل الى حدْ جرائم الحرب المندرجة فى الإختصاص الموضوعى للمحكمة الجنائيّة الدوليّة , وبالتالى اثّر بشكل خطير على وضعيّة المدنيين .
وأفادت بعض التقارير الدوليّة , ان اكثر من (40) عربة خاصّة بالمنظمات الدوليّة الإنسانيّة العاملة فى الإقليم تم إختطافُها , والعديد من سائقى العربات تم إستهدافهم , فضلاً عن المفقودين , بل تجرأ بعض المسلحين على مهاجمة مقار بعض المنظمات الدوليّة الإنسانيّة , مما إضطر معه كثير من المنظمات على مغادرة دارفور , بحُجة عدم احترام اطراف النزاع للقانُون الدولى الإنسانى والقانُون الدولى لحقُوق الإنسان .
ومع كثرة الهجمات التى إستهدفت المنظمات الدوليّة , حرص مكتب المدعى العام للمحكمة الجنائيّة الدوليّة , الى ضرورة فتح التحقيقْ فى تلك الأعمال الإجراميّة بصورة عامّة , والتحقيق بشكل خاص فى الهجوم العنيف الذى وقع فى العام 2007م , ضد قوات الإتحاد الإفريقى المتمركزة فى منطقة حسكنيتة بشمال دارفور , حيث اسفر الهجوم السافر عن مقتل اكثر (10), من جنود قوات الإتحاد الإفريقى , وأُصيب اخرون بجروح فى غاية الخطورة تسببت فى عاهات مستديمة , وتلقى مكتب مدعى عام المحكمة الجنائيّة الدوليّة , العديد من المعلومات الموثقة التى تثبت تورط القادة المتمردين الثلاثة .
وفى وقت سابق من شهر نوفمبر 2008م , تقدّم السيّد/ لويس مورينوا اوكامبوا , بطلبْ الى الدائرة التمهيديّة يطلبْ فيه ضرورة , إصدار امر قبض ضد المتهم/ بحر ادريس ابو قردة , وشخصين اخرين , وفقاً للمادة 58 , من نظام روما , متهمون بالإشتراك فى الهجوم العنيف ضد قوات الإتحاد الإفريقى , وفى وقت سابق عدل المدعى عن طلبه ,وذلك بتعديل الطلب من امر القبض الى امر حضور ,وبالفعل اصدرت الدائرة التمهيديّة الأولى التابعة للمحكمة الجنائيّة الدوليّة ,امر بالحضور , ضد المتهم / بحر ادريس ابو قردة .
وللمرة الأولى فى تاريخ المحكمة الجنائيّة الدوليّة , يمثل متهم طواعيّة امام المحكمة (إنه المتهم / بحر ادريس ابو قردة ) , الذى مثل طواعيّة , وبهذه المناسبة العظيمة , نطرح بعض التساؤلات المنطقيّة على هذا النحو :
ما بال المُتهم – عمر حسن احمد البشير , يرفُض الإمتثال أمام العدالة الجنائيّة الدوليّة , ويثبت براءته امام المجتمع الدولى ؟ ما باله لايمثل طواعيّةً لكى يواجه العدالة الجنائيّة الدوليّة , ما بال الشيخ الكهل الذى لطخ كلتا يداهُ بدماء الأبرياء فى كامل شريط وادى صالح , ما باله يخشى من مواجهة الأدلة الدامغة ؟ ما بال حكومة المؤتمر الوطنى تمنع كل من المتهمين الهاربين من مواجهة العدالة ( احمد هارون – على كوشيب) , من تسليم انفسهم الى المحكمة الجنائيّة الدوليّة ؟ الإجابة واضحة للجميع ….!
وفى إطار قضية السيّد/ مدعى عام المحكمة الجنائيّة الدوليّة , ضد المتهم/ بحر ادريس ابو قردة , سمحت الدائرة التمهيديّة الأولى التابعة للمحكمة الجنائيّة الدوليّة , لثمانية وسبعين شخصاً , بالمشاركة فى اجراءات المحاكمة , وذلك كأشخاص ضحايا مجنى عليهم من قبل المتهم الجانى – بحر ادريس ابو قردة .
من هو المتهم – بحر ادريس ابو قردة :
تعتقد الدائرة التمهيديّة الأولى التابعة للمحكمة الجنائيّة الدوليّة , أن المتهم , يحمل اسم – بحر ادريس ابو قردة , من مواليد 1964م ,ولاية شمال دارفور – منطقة نانا , كما تعتقد الدائرة , أن المُتهم من المفترض فيه , أنه يحمل جنسيّة جمهوريّة السُّودان , وينتمى عرقياً الى قبيلة الزغاوة العريقة , ذو التارخ الضارب فى عمق الحضارة الدارفوريّة , ويتقلد المتهم حاليا, منصب – رئيس الجبهة المتحدة للمقاومة , والمنسق العام لعملياتها العسكريّة .
التُهم الإجراميّة الخطيرة الموجهة الى المُتهم / بحر ادريس ابو قردة :
ترى الدائرة التمهيديّة الأولى التابعة للمحكمة الجنائيّة الدوليّة , أن السيّد/ بحر ادريس ابو قردة , يتحمّل المسئوليّة الجنائيّة الفرديّة , وذلك من خلال مشاركته الإجراميّة غير المباشرة فى ارتكاب ثلاثة جرائم خطيرة تشكل جرائم حرب ,وهى :
النهب – تعمد توجيه هجمات عنيفة ضد موظفين دوليين – إستعمال العنف ضد الحياة , وذلك من خلال ارتكابه او الشروع فى ارتكاب عمليات القتل المتعمدة , وفقا للمادة (8) من النظام الأساسى للمحكمة الجنائيّة الدوليّة , وذلك فى سياق الهجوم الذى يُعد , اكثر دمويّة ضد الموظفين الدولييّن , والممثلين فى قوات الإتحاد الإفريقى المتمركزة فى منطقة حسكنيتة العسكرى .
نعم لقد قام ثلاثة من قادة الفصائل المتمردة , بتنفيذ هجوم عنيف ,وذلك من خلال قيادتهم , لركل من العربات التى كانت تحمل جنودا مدججين بالأسلحة الثقيلة منها والخفيفة , حيث قتلوا اثنى عشرة من جنود الإتحاد الإفريقى ( لكن الجنود المصريين لم يُقتلوا – اضبط ) , فضلاً عن جرح اكثر من ثمانيّة , فضلاً عن تدمير اليات ونهب اموال … الخ .
وفى وقت سابق من شهر اكتوبر المنصرم , تم فتح جلسة لإعتماد التُهم الموجه , ضد السيّد – بحر ادريس ابو قردة , أمام الدائرة التمهيديّة الأولى التابعة للمحكمة الجنائيّة الدوليّة , ويذكر ان المتهم مثل طواعيّة امام المحكمة وهذا شىء يُحمد للمتهم .
وفى الختام يُطيب لنا أن نؤكد للضحايا والمتهمين , أن العدالة قادمة لامحالة فى ذلك , وإن طال الزمان , وليتأكد المتهمون , إبتداءً من المتهم – عمر حسن احمد البشير الى اخر متهم , أنهم الى العدالة الجنائيّة الدوليّة مُستقدمون , وشاهدنا على ذلك , أنّ بوادر التضيق على المتهم – البشير , بدأت تلوح فى الأفق كالشمس الساطع , إبتداءً من تصريحات رئيس جنوب افريقيا , مرورا بتصريحات المسئوليين فى اوغندا وغيرها من الدول الإفريقيّة المصادقة على نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائيّة الدوليّة , وإنتهاءً بإلإلغاء المفاجىء للزيارة التى من المقررة الى تركيا لحضور قمة الدول التى تدعى الإسلام .
إن السيّد/ بحر ادريس ابو قردة , هو اول مُتهم يمثل طواعيّة امام المحكمة الجنائيّة الدوليّة , وذلك فيما يتعلق بالوضع المأساوى الخطير فى اقليم دارفور – المنطقة الواقعة فى غرب السُّودان الذى يشهد أكبر محنة انسانيّة على مستوى العالم فى الوقت الراهن .
تلكم الحالة التى أُحيلت مؤخراً الى المحكمة الجنائيّة الدوليّة ,من قبل مجلس الأمن بموجبْ القرار 1593 الصادرة فى العام 2005م .
إن المحكمة الجنائيّة الدوليّة , هى محكمة دوليّة دائمة هدفها وغايتها الأساسيّة ,وضعْ حد لإفلات مرتكبى اشد الجرائم خطورة من العقاب , تلكُم الجرائم التى ما زالت تُقلق مضجع المجتمع الدولى بشدة , لذا فإن المحكمة تسعى من اجل مكافحة ثقافة الإفلات من العقاب , من خلال اختصاصها الموضوعى فى اشد الجرائم خطورة – الإبادة الجماعيّة – الجرائم ضد الإنسانيّة, وجرائم الحرب .
حماد وادى سند الكرتى
المحامى والباحث القانوى
[email protected]