بقلم / آدم جمال احمد – سيدنى – أستراليا
بالرغم أن عجلة التاريخ لا تعود الى الوراء إلا أن التعاطى مع شأن قضية جبال النوبة يجعلك تحس بأن دورة الأحداث تعيدك الى الماضى بكل تفاصيل السيناريوهات السابقة ، وخاصة فى ظل تعقيد مشكلة جبال النوبة نتيجة للتحليل والوصف الخاطئ لأسبابها الأساسية ، مما مهد الطريق الى سياسات متطرفة وفتح الباب على مصرعيه لأساليب لم تكن مألوفة ، وقد غيبت مطامع قلة نفعية الحكمة والعفوية ، حيث أن النوبة فى نظرهم شعب متمرد وغير مأمون ، وهذا بدوره قاد الى المزيد من الإستفزاز والتحريض وفقاً لمجريات الأحداث ، بسبب محاولة خلق صورة نمطية عن قضية جبال النوبة تحول دون التعاطف والتفاعل معها ، وإظهار النوبة بأنهم العدو الحقيقى المهدد لأمن الشمال وسلامته ، من قبل عناصر فى الحكومة تحاول إلصاق تهم العصبية والعنصرية والعمالة على قومية النوبة من خلال خطة أمنية متكاملة وحملة إعلامية منظمة ، وإنتهاج أسلوب المواجهة العسكرية والتصدى لكسر شوكة تمردهم ، دون أن تجتهد الحكومة فى عكس صورة تتصف بالحكمة والمسئولية الوطنية تسعى فيها للإعتراف بقضية جبال النوبة وخصوصيتها والسعى بإخلاص دون أى مرواغة فى عملية حلها.
لذلك يتضح أن شكل إدارة أوضاع النوبة أثناء فترة حكم حكومة الإنقاذ لم تأخذ الشكل الإيجابى ، فكان نتاج وإنعكاس طبيعى لشكل إدارة الأوضاع فى جبال النوبة بعقلية وقبضة أمنية ، بالإضافة الى التصريحات الإستفزازية والعدائية المتلاحقة التى بدأت بلاءات القضارف ووعيد وتهديدات رئيس الدولة فى مدينة المجلد ، مما ساهمت بطريقة أو أخرى فى إنفجار الأوضاع ونشوب الحرب مجدداً بالمنطقة ، بالرغم من كل النداءات الصادرة من مجموعات وكيانات النوبة ورفضهم للحرب مهما كانت المبررات ومناداتهم بعدم إستغلال مثل هذه الأجواء وتصعيدها حتى لا يتضرر المواطن وتجنب المنطقة تفجر الصراع وتجدد القتال ، حرصاً على أرواح ومكتسبات وحقوق شعب جبال النوبة. ، فلذك نؤكد بإن شعب جبال النوبة لهم قضية ولهم مظالم ومطالب ، وأن حملهم للسلاح وتحالفهم مع الحركة الشعبية يمثل مرحلة من مراحل النضال التى بدأت سلمية ، وأن النوبة شعب مسالم صادق الوعد والعهد مع كل من تحالفوا معهم ، ولقد خدموا هذا الوطن ودافعوا عن ترابه ، وهم عماد قوة دفاع السودان لقد ناصروا المهدية وناهضوا المستعمر ، وبالرغم من صغر رقعة جبال النوبة قياساً بحجم السودان ، إلا أن ثورات شعب جبال النوبة كانت هى الأكبر عدداً والأكثر شراسةً فى وجه الوجود الأجنبى ، ولكن ما أغفله التاريخ عمداً أو تجاهلاً سيظل حقائق لا يمكن إنكارها ، والنوبة لقد حطموا السياج الذى أُريد به عزلهم عن التفاعل مع المحيط الإجتماعى حولهم ، ولقد ظل باب جبال النوبة مشرعاً ذراعيه منذ مئات السنين لكل من وفد اليها وهو ما تعكسه التركيبة السكانية ونماذج التعايش السلمى الذى كان وما زال سائداً فى الإقليم ، وفى ذات السياق فإن أبناء النوبة طوال فترة الحكومات المتعاقبة فى السودان ، لم يحصل أحداً منهم على منصب نائب رئيس جمهورية أو مستشار بالرئاسة أو حتى مساعد رئيس جمهورية أو مجلس الوزراء أو وزيراً فى أحدى الوزارات السيادية ( الدفاع – الخارجية – الداخلية – المالية – النفط ) أو السلك الدبلوماسى.
ووفقاً لواقع الحال بالمنطقة يتضح أن مفاتيح الحل موجودة ، رغم هناك من يريد إخفائها ، لذلك نقول للأطراف المتساكنة أن القواسم المشتركة لحل المشكلة والوصول الى تسوية وسلام بالتراضى للتعايش ما زالت باقية ، فقط علينا تسوية منعرجاتها وسد تشققاتها ، مما يتطلب من الطرفين الحكومة والحركة الشعبية وبقية أبناء النوبة المعارضين أن يسعوا بهمة وجدية فى إتجاه ردم الهوة بما يكون ناتجه مصلحة شعب جبال النوبة والأثنيات المختلفة بالولاية ، ورأب الصدع ومد جسور الثقة بينهما مرة أخرى ، مما يتطلب حوار جاد ومثمر ، حتى نصل إلى النهايات المرجوة بتوطيد السلام ووضع أسس الحل الشامل للأزمة ، فلذلك نحن أبناء هذه الولاية والمكلومين لحالها ، نناشد ونطالب بشدة الإتحاد الافريقى وفريق الإتحاد الإفريقى الرفيع المستوى والأمين العام للأمم المتحدة بإنشاء منبر للتفاوض والسلام خاص بإقليم جبال النوبة (جنوب كردفان) لإمكانية حل شامل ومتكامل مع مجهودات أبناء المنطقة والمجتمع الدولى فى الإتجاه للضغط على الحكومة والحركة الشعبية لتعضيد ذلك المقترح ، وعلى الحكومة التخلى عن خطاب التعبئة العنصرية والإستهداف العرقى تجاه النوبة طوال الفترة الماضية .. لذلك نقترح الآتى:
أولاً : نقترح إنشاء منبر للتفاوض والسلام لإقليم جبال النوبة سعياً لتوحيد المواقف التفاوضية يشارك فيه أبناء النوبة بالخارج وجميع الفعاليات السياسية والقوى السياسية والأحزاب بولاية جنوب كردفان ومنظمات المجتمع المدنى ، والإتفاق على خارطة طريق ورؤية سياسية لحل قضية جبال النوبة حلاً جذرياً.
ثانياً : عدم الإنجرار وراء أية محاولات إستفزازية من قبل النظام تهدف للتصعيد العسكرى حول ضرورة وقف العدائيات ، والإسراع ب بوقف إطلاق النار وتكوين المسارات الآمنة إستناداً إلى خارطة فريق الإتحاد الإفريقى الرفيع المستوى ، والسماح العاجل دون إبطاء بإدخال المساعدات الإنسانية والغذاء للمواطنين المتضررين فى منطقة جنوب كردفان.
ثالثاً : ضرورة إشراك الممثلين الحقيقيين لشعب جنوب كردفان وكافة القوى السياسية بالمنطقة فى مسيرة التفاوض فضلاً عن حتمية وضرورة الإستعانة بالخبرات القانونية المختصة في القوانين الدستورية والدولية مع ضرورة الإلمام بكافة فنون إدارة التفاوض.
رابعاً : يجب أن يكون التفاوض بشأن جبال النوبة مع مواطنى المنطقة وأبناء النوبة بالحركة الشعبية وأبناء النوبة المعارضين بالخارج ، وكل من له شأن بالولاية أو المنطقة للوصول إلي تفاهمات سياسية سريعة ، بإعتبار أن أبناء النوبة بالحركة الشعبية وأبناء النوبة بالخارج ، وحتى أبناء النوبة الذين لا ينتمون الى تنظيمات ومعارضين لسياسات هذا النظام وبقية الأحزاب والتنظيمات السياسية بجنوب كردفان ومنظمات المجتمع المدنى بما فيهم النازحون واللاجئون والإدارات الأهلية والأثنيات الأخرى بالولاية هم أصحاب المصلحة فى إقليم جبال النوبة بمختلف كياناتهم السياسية والاجتماعية وشرائحهم التمثيلية يمثلون مقاربة سياسية للتعاطى مع القضية ، وأهل مكة أدرى بشعابها ، من أجل بلورة الإستحقاقات السياسية والاقتصادية والثقافية لأهل جبال النوبة (جنوب كردفان) ، ومن أجل المساهمة فى الوصول إلى سلام دائم وعادل فى جبال النوبة ، ومن أجل ترسيخ معانى الحوار والتسامح بين جميع مكونات أهل جنوب كردفان ، حتى لا يأتى بعد ذلك من يدعى بأنه لم يشارك فى الحل ولقد تم تجاوزه.
وحينما نتحدث فى إنشاء منبر للتفاوض والسلام لإقليم جبال النوبة .. ذلك من أجل إرساء دعائم السلام فى الإقليم ، ومحاولة إيجاد تسوية سياسية شاملة عبر مفاوضات مع أبناء المنطقة المعنيين بشأن منطقتهم ، وتمليك مفاتيح السلام للمستهدفين الحقيقيين الذين يدور التفاوض بإسمهم ، وكذلك السعى لوقف التبضع والمتاجرة بقضية جبال النوبة أكثر مما هو حاصل اليوم ، لأنه حينما إندلعت الحرب فى جنوب كردفان منتصف الثمانيات وحمل النوبة السلاح لم يكن هناك ما يسمى بقطاع الشمال أو الجبهة الثورية ، فلذلك نعلن موقفنا الرافض تاماً أن يمثل قطاع الشمال قضية جبال النوبة ، لأنه فيه نوع من التمييع والتذويب للقضية النوبية ، لأن محاولة الزج بقضايا لا علاقة لها بمشاكل المنطقة مثل الدستور والديمقراطية وكيفية حكم السودان وغيرها كما جاءت فى وثيقة ياسر عرمان فى الوقت الراهن ليست من أولياتنا نحن كنوبة ، إن أولياتنا هى وقف نزيف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية وتنمية الولاية والأمن والإستقرار والتمييز الإيجابى ، فلذلك أى حديث عن القضايا القومية أو إسقاط النظام نعتبرها ترف سياسى وتقويض للقضية النوبية ، فلذلك الذين يحاولون طرح هذه القضايا يريدون مجد شخصى وأن يجعلوا من قضية جبال النوبة حصان طروادة للوصول الى القصر وكراسى الرئاسة ، النوبة قوميون لا يستطيع أحد أن يقدح فى قوميتهم ووطنيتهم ، ولكن ما نريده هو الحصول على حقوقنا المشروعة ومطالبنا العادلة ، التى من أجلها قاتل وحارب النوبة وقدموا أرتال من الشهداء طوال هذه السنين ، من حكم وثروة وتنمية والإستقر فى التعليم والصحة نستشعر ونحس بأننا أصبحنا جزءاً من هذا الوطن ، الذى قيض الله أن نكون جزءاً منه ، ثم بعد ذلك نجلس ونفكر سوياً فى كيفية حكم السودان وعن الديمقراطية والإنتخابات والدستور وغيرها من المسائل التى تهم كل شرائح الشعب السودانى بأكمله وليس النوبة وحدهم.
ونؤكد بأن وجود منبر لإقليم جبال النوبة له أهمية فى وجود مساحة يتحرك داخلها الوفد من أبناء المنطقة يعزز من فرص نجاح الجولة فى إعتماد رؤية سياسية موحدة كوثيقة للسلام تعتبر خطوة جوهرية وضرورية بين مكونات أهل جنوب كردفان لترسيخ الإنجازات ، لتكون أساسا قويا للسلام ، وتفتح الباب أمام إتفاقيات لاحقة من خلال لجان فنية ، يسهم الجميع من خلالها في إعادة الأمن والإستقرار لجبال النوبة ، ولكي تكون هذه الخطوة أكثر فاعلية ونجاحاً ، فإننا ندعو الحكومة والحركة مباركة هذه الخطوة ومحاولة حث الجهات المعنية الشروع فى إنشاء هذا المنبر الذى سيشكل لحظة حاسمة فى عملية السلام هو أكثر الدلالات الملموسة على الرغبة بالمشاركة فى تحقيق سلام عادل وشامل يشمل كل الأطراف تركز على مقترحات محددة من أجل إحلال السلام تتمحور حول موضوعات وأجندة المفاوضات تشمل وقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية النهائية وتقاسم السلطة والثروة وحقوق الإنسان والعدالة وصندوق التنمية والإعمار والتعويضات والعودة الطوعية للنازحين واللاجئيين ، وآليات الحوار الداخلى لأهل مصلحة جنوب كردفان وطرائق التنفيذ الذى يقتضى توافر الثقة بين الأطراف ، فضلاً عن الدعم المالى والسياسى من الشركاء ، وإنشاء إطار دائم للتعاون والحوار داخل جنوب كردفان بهدف الترويج لثقافة السلام وتعزيز المصالحات ، وتيسير تنفيذ إتفاقيات السلام ومشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وتوفير فرص عمل للشباب وأنشطة مدرة للدخل للنساء ، وتنفيذ نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج ، وهذا كله بحاجة إلى دعم الجميع كى يصبح أساساً وإطاراً للسلام الإجتماعى والتنمية المستدامة والأمن ، مع تقديم التنازلات اللازمة من الحكومة لتيسير إبرام اتفاق سلام فى إقليم جبال النوبة.
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل …….
آدم جمال أحمد – سيدنى – استراليا – 12 أغسطس 2012 م
[email protected]