تذيّل الساسة قائمة إستفتاء عالمي عن الشخصيات العامة الذين يتمتعون بثقة المواطن، وتربّع الأطباء على هرم قائمة الثقة، تلاهم المعلمين، بينما خاب أمل رجالات الدين الذين يظنون أنهم أطهار، وشملت القائمة رجال الأعمال والصحفيين، والقضاة والمحامين والقادة العسكرين والبرلمانيين، عليه لا يحق لنا نحن السودانيون، الإعتقاد أنّ ظاهرة “حسن طرحة” من متلازمات النظام البائد حصرياً.
وما تميزت به ثورة 19 ديسمبر المجيدة، على سابقاتها أبريل 85 وأكتوبر 64 هو إستمرار الزخم الثوري لعدة أشهر بعد سقوط نظام الإنقاذ المشؤوم، ولو لا مليونية ال 30 من يونيو 2019م المفاصلة، لما إنصاع فلول العسكر مكرهين لحتمية مشاركة “المَلَكية” لهم صولجان السلطة، ولكن بكل أسف من ذلك الحين، ركن الشارع الثوري على عناصره في الحكومة الإنتقالية، بشقيه في المجلس السيادي، ومجلس الوزراء، ظانين ظن العشم، أنهم سيكونون حماة أمناء للثورة، من داخل “كابينة” القيادة الإنتقالية، ولكن بكل أسف، سحر المناصب الدستورية، جعل الكثيرين منهم، يمشون جنب الحيط، وسط دهاليز القصر الرئاسي، وردهات الوزارات وسرايا ولاة الولايات، والبعض الآخر “جابوه فزعة وبقى وجعة”، إلاّ من رحم ربه.
توقفت المليونيات التصحيحية، فيما نظن ركوناً على الرموز الثورية، في دفتيّ سفينة الحكومة الإنتقالية، فتطاول الأقزام على شعارات الثورة، وتبختر الخاطفون فوق ركام المتاريس، وداسوا “بالبوت” على مرتكزاتها، بينما “الثورجي” الأمين، ينافح من أجل الحفاظ على موقعه في صف رغيف الخبز! أو يبيت متلهفاً في محطة وقود من أجل الحصول على بضعِ لترات من بنزين أو ديزل أو أسطوانة غاز! ورغم الخيبات الكثيرة والبائنة، لم نجد رمز من رموز الثورة، ممن “تسيّدوا أو إستوّزروا”، من يقف “ألف أحمرا” في وجه صلف المكون العسكري، ومحالات جبروتهم، منحازاً للمبادئ، وفياً للشهداء الثورة الأبرار!
ما أكثر المخازي التي تطلب المليونيات الثورية؟ وما أعظم المواقف والإنحرافات التي يتوجب الخروج للشارع الثوري من أجل تصحيح مساراتها؟ العدالة العرجاء، المماطلة في تحقيقات مجزرة فض الإعتصام، المراوغة في تسليم المطلوبين دولياً لل ICC، إصرار العسكر على الهيمنة على مفاصل إقتصاد البلد، وإنتهاكات قوات الدعم السريع، عرقلة المكون العسكري لإحلال السلام الشامل، “تطنيش” حكومتيّ حمدوك المبهم عن الصراخ العالي بضرورة تغيير العملة، وتغيير النائب العام، لدرجة تقّربه من أسوار التخوين التواطؤ.
ما أكثر الخيبات التي لا سبيل لتصحيحها إلا بدوي هتافات الشارع الثوري، هو الشيء الوحيد الذي يخيف الساسة في مكاتبهم الفخمة، ويرعب العسكر في ثكناتهم المتربصة بالثورة، ويردع كل من تسول له نفسه العبث بمكتسبات الثورة، التي نجحت بأرواح الشهداء، ودماء الأبطال، ولا يليق بالشارع الثوري أن يخونهم، بالخمول أو الركون إلى حسن النوايا، أو الإعتماد على الساسة، فالساسة يتلونون كما تتلون الحرباء، إستناداً إلى فلسلة فن الممكن.
الأمل كل الأمل ألاّ تستكين لجان المقاومة، وقد تمددت إنبثاقاتها إلى كافة المدن والأحياء والفُرقان، وألاّ تتقاعس عن تسير المليونيات الثورية، هذه هي الضمانة الوحيدة لصون مبادي الثورة، والسبيل الوحيد للوفاء لشهدائها الأبرار، عليها أن تعد العدة لمليونيات متتالية لتشكيل المجلس التشريعي، وإقالة النائب العام، والكشف عن مرتكبي جريمة فض الإعتصام، وتحرير الإقتصاد الوطني من العسكر والمؤسسات الأمنية، وكذلك تحرير ملف السلام، وسند لجان إزالة التمكين، فالثقة المطلقة والعمياء في الساسة وحدها، مضيعة للوقت، وتفريط في مكتسبات الثورة.
(مقال معاد نشره لتجدد الحدث)
//إبراهيم سليمان//
3 يونويو 2021م