بسم الله الرحمن الرحيم
إحكام الخناق على نظام الخرطوم … خارطة طريق نحو نجاح الثورة في السودان (1)
د. أحمد حموده حامد
مقدمة:
لتحقيق أي هدف لا بد أولاً من تحديد الهدف ذاته بدقة وفهم طبيعته , ثم تحديد الوسائل والأدوات التي تقود إلى تحقيقه بأيسر ما أمكن. واليوم هدف السودانيين جميعاً هو إسقاط النظام القائم الآن في الخرطوم . في هذه الورقة نحاول تحديد هذا الهدف بدقة وفهم طبيعة النظام الذي نريد إسقاطه , وتحديد أماكن قوته وضعفه , ثم من بعد تحديد الآليات والوسائل التي يمكن بها اسقاطه بأقل التكاليف. تحدد خارطة الطريق هذه ثلاث محاور (تأتي في 3 حلقات) للفعل لإنجاح الثورة : (1) محور الجبهة الداخلية , و(2) محور الجبهة الخارجية و(3) محور الفترة الانتقالية.
تنويه:
ننوه بالمشاركين الكرام أن يضيفوا مقترحاتهم حول العمل الذي يمكن القيام به لإنجاح الثورة . المقترحات المقدمة في هذه الورقة تحتاج لجهد الجميع حتى تكتمل الصورة وتتضح معالم خارطة الطريف نحو نجاح الثورة. فالرجاء المشاركة بإبداء الآراء التي سوف نصيغها في النهاية في “خارطة طريق الثورة السودانية” تنشر وتوزع على كل المهتمين والناشطين والفعاليات في الثورة السودانية. الورقة تأتي في 3 حلقات متتالية لتسهيل وتوسيع المشاركة الرجاء متابعتها وإبداء مقترحاتكم.
المحور الأول: محور الجبهة الداخلية يشمل فهم طبيعة النظام القائم الآن في الخرطوم , نقاط قوته ونقاط ضعفه واستغلال هذا الفهم في توجيه العمل الذي ينبغي للثوار القيام به لإضعاف النظام وخلخلته في الداخل.
طبيعة النظام القائم الآن في الخرطوم:
يتكون نظام الخرطوم في نواته الداخلية من عمر البشير والدائرة الضيقة المحيطة به . وقد نجح البشير ومجموعته هذه على مدى 23 عاماً المنصرمة أن ينسجوا حولهم سياج معقد من مجموعات وحلقات أخرى متداخلة من الانتهازيين النفعيين والفاشلين الملتوين الذين لا وازع لهم من دين أو ضمير. كما نجحوا أيضاً بسبب الغش والكذب باسم الدين من إستقطاب مجموعات مقدرة من بسطاء الشعب السوداني المتدينين , حتى أصبح عمر البشير عن طريق غواية عصبته الشيطانية هو فرعون السودان , لا يري الناس إلا ما يرى. يمكن باختصار أن نحدد المجموعات المحيطة بفرعون السودان , والمؤسسات التي يتواجدون فيها حتى يمكننا فهمها ثم القضاء عليها. يمكن تحديد خمس مؤسسات يعتمد عليها حكم البشير هي: الجيش , المؤتمر الوطني , الحركات الاسلامية , المليشيات المؤدلجة المسلحة , وأجهزة الأمن والاستخبارات.
أولاً الجيش:
البشير كونه جنرالاً عسكرياً اتكأ باستمرار على المؤسسة العسكرية في تثبيت نفسه في سدة الحكم عبر منعطفات خطرة قضى فيها على منافسيه وأبرزهم الشيخ الترابي الذي اتى به إلى الحكم في الأساس. وخلال هذه السنوات تمت غربلة القوات المسلحة مراراً لإبعاد العناصر التي يشك في ولائها للبشير , خاصة أولئك الذين يشتم فيهم رائحة الولاء القديم للشيخ من اسلاميي القوات المسلحة. لكن من الخطأ افتراض أن القوات المسلحة يمكن تسييسها بالكامل وهي مؤسسة يفترض أنها قومية مهنية في المقام الأول من الخطأ الزج بها في أتون السياسة. فهناك الكثير بل الغالبية من أفراد وضباط الجيش غير المسيسين الذين لا يزالون يؤمنون بانتمائهم المهني للمؤسسة العسكرية. شئ آخر وهو أن الغالبية العظمى من الضباط في الرتب الوسيطة والدنيا – وهم غالباً من الشباب – من الصعب على البشير وزمرته ضمان ولائهم أو السيطرة عليهم . ثم إن بقية أفراد الجيش هم من عامة بسطاء السودان , يعانون كما يعاني بقية الشعب. هذا يجعل من الجيش بصفة عامة جهة غير مضمونة الولاء بالكامل . وهذا بالضبط يفسر لنا لماذا لم يلجأ البشير للجيش في لحظات حاسمة مثل دخول حركة المرحوم خليل ابراهيم أم درمان قبل ثلاث سنوات , بل لجأ لقوات الأمن. يقف مع البشير فقط القيادات العليا في الجيش – عبد الرحيم محمد حسين وبكري حسن صالح وبقية الرتب العليا ممن يشتركون في المصير الواحد (لاهاي). هؤلاء يغدق عليهم البشير من مال الشعب السوداني “لتحييد ” موقف الجيش , وليس لضمان ولائه بالكامل. وفي هذا الوضع فمن المرجح جداً أن ينحاز الجيش لصف الثورة في اللحظة الحاسمة كما فعل في ثورتي اكتوبر 1964 وأبريل 1985 , وكما انحاز الجيش المصري والجيش التونسي لصف الثورة العام الماضي , وكما يفعل الجيش السوري الآن رغم محاولات آل الأسد على مدى 45 سنة خلق جيش موال للأسرة ولاءًًًً تاماً. هذه الأمثلة تشير بوضوح – والعسكريين يدركون ذلك جيداً – إلى استحالة ضمان ولاء الجيش الكامل لأي نظام أو حاكم. وفقاً لهذا الفهم لطبيعة المؤسسة العسكرية يمكن للثورة القيام بالآتي :
خطة العمل للتعامل مع الجيش:
• استمالة وتشجيع الضباط في الرتب الوسيطة والدنيا على الانحياز للثورة في الوقت المناسب.
• تشجيع أفراد القوات المسلحة من قبل اسرهم وأهلهم للضغط على قياداتهم لتبني خط وطني مهني في الممارسة العسكرية وعدم الزج بهم في المعتركات السياسية التي لا تخدمهم ولا تخدم الوطن الذي يدفع لهم رواتبهم ومعاشهم.
• العمل التنويري والإعلامي المستمر لتأصيل الثقافة المهنية في صفوف القوات المسلحة وأن ولاءها الأول للوطن وليس لنظام عمر البشير أو أي نظام آخر غيره ,
اضف اقتراحك لكيف يمكن للثورة أن تتعامل مع الجيش كأحد أهم أركان النظام في الخرطوم …..
ثانياً : المؤتمر الوطني:
من الركائز الأساسية لنظام البشير هو المؤتمر الوطني. ذكرنا في مقام سابق إنه لا يوجد في الواقع حزب يسمى المؤتمر الوطني (راجع مقالنا بسودانايل : البشير حاكم عسكري يستقوي بحزب سياسي لا وجود له) , إذ أن طبيعة الأحزاب السياسية هي أحزاب مدنية ذات رسالة سياسية تخص الحياة المدنية في المجتمع , ولا يستقيم في منطق الأشياء أن يكون على رأسه جنرال عسكري , لأن طبيعة المهنية العسكرية هي السيطرة على مصادر القوة والعنف لحماية الدولة من العدوان الخارجي. ولذا فالمؤتمر الوطني ليس حزباً سياسياً بالمعنى الصحيح بل كياناً هلامياً خلقه الجنرال البشير ليضفي على دكتاتوريته العسكرية طابعاً مدنياً بقصد خلق نوع من الشرعية والقبول. فالمؤتمر الوطني – الذي لا يتجاوز عمره الاثنتي عشر سنة منذ انشطار الحركة الاسلامية بين جناحي المنشية والقصر – لا يعدو كونه خليطاً من الأحلاف المتطلعين إلى المال والمناصب ومتاع الدنيا دون وجه حق ودون ملكات , جوقة جلبها البشير يهللون له ويكبرون , يقومون إذا قام , ويرقصون إذا رقص. هو حزب الفرعون – كما حزب الفرعون حسني مبارك والفرعون القذافي وحزب الفرعون زين العابدين بن علي يذهب الحزب جفاء بذهاب الفرعون. ثم هناك الموظفون في كل مؤسسات الدولة هم منضوون تحت المؤتمر الوطني تلقائيا ًبحكم الأمر الواقع. ولذا فلا غرابة أن أهان البشير حزبه وصفع قادة حزبه صفعات مهينة , صفعاته لنافع وإجباره على نقض عهده الذي وقعه مع الحركة الشعبية شمال في أديس أبابا في يونيو 2011 , وصفعاته لصلاح قوش وبرفسير الطيب زين العابدين والكثير من قادة المؤتمر الوطني الذين هم في نظر عمر البشير ليسوا إلا حارقي بخور ونافخي أبواق في جوقته البلهاء كجوقة أي فرعون. والآن المؤتمر الوطني يقبع في غرفة التحنيط الأبدي. وقد سمعنا أخيراً أن الخال افتى الرئيس بأن “يقنع من خيراً ” في المؤتمر الوطني , ويسلم السلطة لحكومة قومية.
بالطبع لا نتوقع أن ينضم منتسبو المؤتمر الوطني للثورة , لكن من المؤكد أنهم ساخطون وناقمون على الأوضاع فهم يقفون موقف المتفرج. وهذا يفسر لنا لماذا لم يتم الزخم الكافي لحشد مسيرات مليونية للثورة في الخرطوم. لأن الكثير جداً من سكان العاصمة هم من منسوبي المؤتمر الوطني المدجنين بشتى الأساليب المستفيدين من النظام يقفون موقف المتفرج من الثورة رغم قنوطهم ويأسهم منه.
خطة العمل للتعامل مع المؤتمر الوطني:
• توثيق ملفات كل المنتسبين للمؤتمر الوطني وتذكير قادة ومنسوبي المؤتمر الوطني بما آل إليه حال الأحزاب الهلامية المماثلة التي يخلقها الديكتاتور لتكون أبواق له في بطشه وغروره ترين له الباطل , فهي شريك اصيل في كل الجرائم التي يرتكبها الديكتاتور وسوف تطالها المحاسبة والمساءلة , كما سيتم عزلها في العمل الوطني العام في المستقبل.
• نظراً لأهمية العاصمة القومية في أي ثورة جماهيرية للإطاحة بالنظام لأنها مركز قوة النظام ومؤسساته , ولأن الكثير من سكان العاصمة قد تم تدجينهم لصالح المؤتمر الوطني , فلا بد من زيادة زخم الثورة بجلب الثوار من خارج العاصمة , خاصة المناطق الريفية القريبة مثل الجزيرة – وهم الأكثر وجعاً من النظام والأكثر ثباتاً في الحارة , حيث يمكن للثوار أن يعودوا إلى قراهم في نهاية كل يوم للثورة. يجب على الإمام الصادق المهدي توجيه جموع الأنصار نحو الخرطوم لدعم الثورة إذا كان جاداً. وهذا ما كان يفعله نشطاء الثورة المصرية حتى أطاحت نظام مبارك , لأنهم كانوا يدركون أن غالبية سكان القاهرة كان قد تم تدجينهم لصالح نظام مبارك فكانوا يجلبون الثوار من القرى المجاورة للقاهرة وحشدهم في ميدان التحرير في مسيرات مليونية كما طالعتنا شاشات التلفاز.
• ولأن الموظفين والعاملين في مؤسسات الخدمة المدنية بالدولة هم منتسبون للمؤتمر الوطني بحكم الواقع (رغماً عن انفهم) فلا بد للثورة كي تنجح من الاسراع بإقامة نقابات وكيانات مستقلة في المؤسسات المدنية وسط الموظفين والعمال – كما فعلت نقابة الأطباء والمحامين لهم التحية. يتم حشد هذه النقابات المهنية في اللحظة الحاسمة لاستكمال العصيان المدني والإضراب السياسي العام.
اضف اقتراحك لكيف يمكن للثورة أن تتعامل مع المؤتمر الوطني كأحد أهم أركان النظام في الخرطوم ……
ثالثاً: جماعات الحركات الاسلامية:
تمثل الجماعات الاسلامية إحدى الركائز الهامة في نظام البشير. لكنه من دواعي الغبطة والسرور أن افتضح أمر العصابة الاخوانية في متاجرتها بالدين وأنها كانت تستخدم الدين الاسلامي الحنيف ستاراً تستتر من ورائه لارتكاب كل الموبقات وأنكر الجرائم والمحرمات . افتضح ذلك الأمر ليس فقط للشعب السوداني , يل للعالم أجمع. فهذا الانكشاف للعورة هو منة من الله سبحانه يجب الحمد عليها والشكر له. وليس ادل افتضاحا من أمر الجماعة الكذب باسم الدين – حين اختلف اللصان حول غنيمة السلطة – حين قال “أذهب إلى القصر رئيساً وأذهب إلى السجن حبيساً ” , إذ نسي كل فريق منهما أنه يكذب باسم الدين ليكسب الدنيا , “يحتال بالدين للدنيا ليجمعها ” كما قال الشاعر.
من بين المجموعات الاسلامية في السودان اليوم , يمكننا أن نتبين أربعة فرق ذات مواقف متباينة من نظام البسير:
1. مجموعة تقف في صف الثورة بصدق بعد ما وعت الدرس وبان لها الكذب والضلال الذي كان يمارس باسم الدين , ومدى الضرر الذي شاب سمعة الدين الحنيف بسبب الممارسات المسيئة للإسلام والتي ليست من الإسلام في شئ. هذه تقف في صف الثورة غيرة على الإسلام وعلى قيم الحق والعدل الذي يمثلها الإسلام والتي أضاعها الكاذبون.
2. مجموعة تقف مع الثورة بكل قوة وعنف , ولكن ليس غيرة على الإسلام وعلى الحق والعدل المهدرين , بل غبناً وانتقاماً وثأراً لما حاق بهم من مهانة وذلة وسجون.
3. مجموعة قررت أن تقف مع الثورة باعتبار واقع الحال , وأنه لا مكان لها ولا مستقبل في الداخل أو الخارج , بعد أن تنكر لها النظام في الداخل وأصبحت كوادرها مطاردة في الخارج.
4. مجموعة كانت سنداً قوياً للنظام حتى الأمس القريب تأمل في أن ينصلح أمره ذات يوم , لكنها الآن فقدت أي أمل في صلاحه وآثرت الابتعاد ورفعت أمرها إلى الله سبحانه , وربما في قرارة نفسها تتضرع لله بتعجيل رحيل النظام. وقد أساء الرئيس البشير لهذه المجموعة الأخيرة من قادة الاسلاميين الذين كانوا حتى بالأمس نصراء مخلصون أتوا الرئيس يمحضونه النصح ويطمعون في الإصلاح أهانهم إهانة بالغة وطردهم شر طردة مهددا إياهم بأنه لولا ما يقدره لأشخاصهم من احترام , لكان أمر زبانية أمنه أن يرموهم في السجون.
إذن يمكن القول باطمئنان أن المجموعات الاسلامية في السودان تقف في الغالب في صف الثورة , وإن لم يجهر بعضها بذلك.
اضف اقتراحك لكيف يمكن للثورة أن تتعامل مع المجموعات الإسلامية كأحد أهم أركان النظام في الخرطوم …..
رابعاً المليشيات المؤدلجة المسلحة:
أتت فكرة تكوين المليشيات المؤدلجة من إيمان الحركة الاسلامية وشيخها الترابي في الأيام الأولى بضرورة عدم الركون والاطمئنان للجيش تماماً. ولتحييد دور القوات المسلحة وإضعاف المؤسسة العسكرية , تم تكوين هذه المليشيات كقوات موازية للجيش مهمتها الأساسية حماية نظام الإنقاذ تحت كل الظروف.
تتكون المليشيات التي يعتمد عليها نظام البشير اعتماداً شبه كامل في تكوينها على أبناء المناطق المهمشة الآتين من الأسر البسيطة الفقيرة في الهامش السوداني. هؤلاء تم حشدهم وتعبئتهم وغسل أدمغتهم مذ كانوا أيفاعاً في المدارس تم تجنيدهم دبابين ومجاهدين ووقود نار لحروب الأنقاذ الجهادية في الجنوب. غالبية أفراد وقادة هذه المليشيات كانوا – ولا زالوا – من أنصار الشيخ الترابي يدينون له “بولاء الحيران” مثلما يدين الأنصار للإمام الصادق المهدي والختمية للسيد محمد عثمان الميرغني. وقد تكشف للكثير منهم عبر السنوات الزيف والغش الذي يمارسه عليهم كبراؤهم باسم الدين , وتكشف لهم مدى العنصرية والاستغفال والاستغلال البشع الذي وقعوا فريسة له والتغرير بهم للقيام بأعمال منافية للدين والخلق القويم , وتتعارض تماماً مع مصالحهم هم شخصياً ومصالح أهلهم والمناطق المهمشة التي أتوا منها. حتى أنه كانت هناك مواجهات ومواقف مشهودة في السنة الماضية بين الرئيس البشير وهذه المليشيلت في لقاءات عاصفة. وهناك حديث عن إبعاد بعض قادتهم مثل حاج ماجد سوار إذ لم يسمع صوت للرجل مؤخراً والناجي عبد الله أمير المجاهدين في المؤتمر الشعبي وما عرف بمذكرة الألف مجاهد. لا شك أن غالبية المجموعات المكونة للمليشيات لا زالت تدين بالولاء للشيخ الترابي وجماعته. ولما كان الشيخ الترابي وحزبه المؤتمر الشعبي من ألد أعداء النظام الآن ويقفون في صفوف الثورة فيمكن تحريك هذه المليشيات.
خطة العمل للتعامل مع المليشيلت المؤدلجة المسلحة:
• يمكن تحريك هذه المليشيات المؤدلجة لصالح الثورة عن طريق المؤتمر الشعبي , فأهل مكة أدرى بشعابها.
• نناشد كل أبنائنا المنتسبين لأي من المليشيات الذين هم من أبناء الفقراء والمهمشين أن يفيقوا إلى وعيهم ويفكروا في حالهم وحال أهلهم ويتركوا حماية نظام فاسد ويعودوا إلى أهلهم وقراهم قبل أن يحل عليهم غضب من الله وغضب الثورة التي سوف تقتلع النظام الذي يدافعون عنه , ولا عذر لمن أنذر.
• كما يجب على أهل وذوي أفراد المليشيات والأسر التي ينتمون إليها أن يناصحوا أبناءهم ويزيلوا عنهم الغشاوة التي ألقيت على أبصارهم وبصيرتهم حتى يتبرأوا من هذا النظام الذي يدافعون عنه وهو نظام على أتم الاستعداد أن يدفع بهم إلى المحرقة في سبيل أن يبقى فى السلطة , كما فعل بمئات الآلاف من أقرانهم الذين القي بهم في محرقة الحرب الجائرة على جنوب الوطن في التسعينات , كان جزاءهم أن وصفوهم أخيراً بأنهم “فطايس”.
• ليعلم هؤلاء المساكين المغرر بهم أنهم ليسوا بحاجة إلى الارتماء في أحضان نظام فاسد جائر ظالم ظهر جوره وظلمه أول ما ظهر فيهم هم أنفسهم (وفي أنفسكم أ فلا تبصرون) إذ أفقر أهلهم إفقاراً متعمداً وحرمهم هم من التعليم ليجبرهم على الانخراط في صفوف الجندية والمليشيات والأمن ليكونوا له بمثابة “كلاب حراسة” لحمايته , إنما يحتاجون لنصرة الحق والعدل والمساواة الذي يوفر لهم فرص التعليم الجيد والعمل الشريف والكسب الحلال والحياة الكريمة دون أن يحتاجوا لبيع ذممهم للشيطان وتعريض حياتهم للخطر في الدفاع عنه مقابل حفنة من الجنيهات لا تسمن ولا تغني من جوع.
اضف اقتراحك لكيف يمكن للثورة أن تتعامل مع المليشيات المؤدلجة كأحد أهم أركان النظام في الخرطوم …
خامساً الأجهزة الأمنية:
تركنا هذا العمود الأساس الذي يرتكز عليه نظام البشير في نهاية هذا الجزء لخطورته وتعقد مكوناته وتشعب خلاياه. فالأجهزة الأمنية تبقى هي الدعامة الأقوى التي يعتمد عليها البشير اليوم بعد أن فقد كل سند آخر , ما يجعله نظاماً بوليسياً بامتياز سينتهي إلى ذات نهايات الأنظمة البوليسية القمعية في التاريخ القديم والحديث , وليست أنظمة صدام حسين والقذافي ببعيدة . فلم يعد البشير يعول كثيراً على المؤسسة العسكرية رغم أن القيادات العليا في الجيش قد تكون معه (ربما في الظاهر) والله أعلم بما في الصدور. خسر البشير المؤتمر الوطني كما خسر جل الحركات الاسلامية , وتفرقت المليشيات وكبر صبيانها الذين كانوا أيفاعاً غرر وفهموا اللعبة. فلم يبق للبشير إلا أن يرتمي في أحضان الأجهزة الأمنية تفعل به وبالوطن كيف تشاء , وحسب أدوار مرسومة بعناية تنفذها هذه الأجهزة لصالح القوى الأجنبية في تفتيت السودان ونهب ثرواته.
يلزمنا إذن أن ندقق ونمعن النظر لفهم طبيعة وتكوين الأجهزة الأمنية وكيف يمكن للثورة التعامل معها.
من المعلوم أن أجهزة الأمن والمخابرات يمكن أن تتحول بسهولة إلى دولة داخل دولة لما لها من سلطة ونفوذ وأسرار وميزانيات مفتوحة تمكنها من السيطرة على مفاصل الدولة , حتى في أكبر الديمقراطيات كما في الولايات المتحدة , والشكاوى المتكررة من تجاوزات ال CIA أحياناً للحكومة والقوانين. وفي الأنظمة الفاسدة كما في نظام الخرطوم , تصبح الأجهزة الأمنية والمخابرات هي الدولة بواقع الحال تتحول فيها الدولة إلى دولة بوليسية , حيث تحتاج الحكومة الفاسدة ومتنفذوها إلى من يحميهم من غضب الشعب والمساءلة القانونية . فيتم تعطيل القوانين ويتم تدجين القضاء وتنتفي العدالة تقوم بكل ذلك الأجهزة الأمنية التي يتم تجنيد كوادرها من الفاسدين والمجرمين والفاشلين وذوي العاهات النفسية الحاقدين على المجتمع. هؤلاء التعساء من منتسبي الأجهزة الأمنية تنحصر حياتهم الشقية في شيئين : حماية النظام الفاسد وسدنته المجرمين بالباطل , والثاني أن يتمكنوا هم من تحقيق ذواتهم التعيسة بتعذيب الناس وإذلالهم لإرضاء أنفسهم المريضة والإثراء لإشباع شهواتهم الحسية والظهور بالتفوق على الآخرين لإرضاء شخصياتهم الناقصة .
الأجهزة الأمنية مثلها مثل أي قوات نظامية أخرى تعتمد على التراتبية العسكرية , فهناك صف الضباط الكبار والضباط والجنود ( الأفراد) الذين ينفذون الأوامر. هؤلاء الأخيرون – أفراد قوات الأمن الذين ينفذون الأوامر على الأرض هم الذين يصادمون الثوار في الشوارع ويقبضون على الثوار والسياسيين ويلاحقون ويبطشون ويعملون كل الأعمال القبيحة – ولكن “بالأوامر”. وهذا شئ مهم جداً يعني أن أفراد قوات الأمن حين يقومون بهذه الأفعال الشنيعة لا يقومون بها لأنهم يرغبون في ذلك وإنما هم مجبورون بالأمر العسكري وإلا تعرضوا لبطش وعقاب أعنف مما يتعرض له الثوار حين يساقون للسجون. هؤلاء التعساء في حقيقة الأمر هم بين نارين – نار الثورة أو نار العقاب والجزاء العسكري الذي ينتظرهم إن هم تقاعسوا عن مهامهم (والعسكريون خاصة ناس الأمن يدركون مدى هول هذا الجزاء والعقاب الذي قد يصل حد التصفية).
هؤلاء التعساء من أفراد أجهزة الأمن تم تجنيدهم من بين الفقراء والمحرومين والمجرمين وأطفال الشوارع (هناك مقال مطول كتبه أحد الكتاب عن هوية هؤلاء وكيفية تجنيدهم). هؤلاء جميعاً ومعهم قادتهم من الضباط مكانهم الصحيح هو السجون والإصلاحيات وليس دواوين الحكم ومؤسسات الدولة. أفراد قوات الأمن الذين ينفذون الأوامر على الأرض هم في ورطة – وإذا وجدوا مخرجاً من هذه الورطة فسيهربون. بمعنى آخر أنهم إذا وجدوا ملاذاً آمناً يبعدهم عن عملهم الدنئ هذا دون أن يتعرضوا للعقاب والجزاء العسكري سيلوذون بهذا الملاذ الآمن. فهل يمكن أن نوفر لهم ملاذات آمنة ؟؟ وإذا تمكنا من ذلك , نكون قد سحبنا البساط من تحت البشير وعصابيه من كبار المجرمين الحقيقيين الذين يستخدمون هؤلاء التعساء للدفاع عنهم بينما هم يربضون في أجحارهم كالحيات الخبيثة السامة ويبقى عليهم هم أن يخرجوا من أوكارهم لمقابلة الشرفاء في الضوء الكاشف.
نأتي إلى الضباط الكبار في الأجهزة الأمنية فهؤلاء هم الذين يشكلون الهدف الأول الذين يجب أن توجه إليهم السهام لأنهم لا يدافعون عن دين أو وطن أو قضية ولا حتى عن عمر البشير نفسه . هم يدافعون فقط عن تحقيق رغباتهم الدنيئة وإرضاء غرورهم المريض للتفوق على الناس والتلذذ بتعذيبهم وإذلالهم إرضاءً لنفوسهم المشوهة الحاقدة على المجتمع وعلى الأخلاق وعلى البشرية. هؤلاء يمكن أن يتخلوا عن أي فضيلة ويمكن أن يتعاونوا مع الشيطان – تحالفوا مع السي آي إي CIA الأمريكية ومع الموساد الإسرائيلي , تحالفوا مع الأسد البعثي ومع حسني مبارك , تحالفوا مع الصين الشيوعية والآن يتحالفون مع إيران الشيعية . ليس لديهم منهج أو صراط مستقيم بل يميلون حيث تميل أهواؤهم وأشرعتهم التي تمكنهم من السيطرة والهيمنة والطغيان. هؤلاء هم المجرمون الحقيقيون الذين يحيط عمر البشير نفسه بهم اتقاء غضبة الشعب واتقاء ملاحقة العدالة الدولية يغدق عليهم بلا حساب من حر مال فقراء الشعب الجائع لإشباع نهمهم من شهوات البطن والفرج. (راجع أيها القارئ الكريم الوصف الدقيق الذي أفاد به أحد الشباب الذين تم القبض عليهم يصف رجال الأمن وصنوف التعذيب والإذلال الذي تعرضوا لها في أيام الثورة خلال هذا الشهر : (صحيفة حريات الالكترونية تحت عنوان : حوار مع معتقل بعد الإفراج عنه .. الرباطة طالبونا أن نردد “الله البشير وبس” المنشور بتاريخ 13 يوليو 2012).
لا أمل في صلاح حال السودان في وجود هؤلاء الأشرار , وهم قليلون , بضع مئات أو قل بضع آلاف – هم خلف كل بلاء السودان وشقاء أهله. لذا يجب أن تكون المعركة حاسمة لاجتثاث شأفة هذا الداء الخبيث الذي أقعد السودان سنين عددا. يجب التعرف على هذه العصابة فرداً فرداً لحسابهم يوم الحساب وإنها معركة بين حياة شعب بأكمله وبين جلاديه وسوف ينتصر الشعب وهي سنة الله في أرضه إذ وعد سبحانه أن ينصرن الحق على الباطل وينصرن المظلوم على الظالم. يجب أن يتذكر السودانيون كافة أن الوطن قد تم اختطافه بواسطة هذه العصابة لصالح القوى الامبريالية والصهيونية العالمية , وأنه لا خلاص للوطن إلا بفهم هذا الوضع , وإنها معركة تحرير الوطن الثانية ولابد لأي معركة تحرير من تضحيات كبيرة يقدمها الشرفاء فداءً للوطن وعزته وكرامة أهله.
خطة العمل للتعامل مع الأجهزة الأمنية:
• استمالة واستقطاب أفراد الأمن – وليس الضباط – وإغراؤهم بالابتعاد عن هذا العمل الدنئ وإبعاد من ينسلخ منهم إلى ملاذات آمنة بعيدة حيث توفر لهم ولأسرهم الحماية والمعيشة فى القرى والأرياف .
• إغراؤهم بعمل إنساني شريف بعد نجاح الثورة.
• تكوين مليشيات من شباب الثورة في هذه القرى لحماية أفراد الأمن المنشقين من الأعتداء عليهم من قبل جهاز الأمن. وتلك تكون مشاركة هامة من شباب القرى المنضويين للثورة في توفير الحماية للمنشقين , وبذلك يمكن تشتيت طاقات الأمن حيث لا يمكنه ملاحقة عشرات الآلاف من المنشقين فى كل قرى وأرياف السودان.
• يتعين توفير المعيشة الضرورية لهؤلاء فى القرى والأرياف التي يلجأون إليها . تتم مناشدة المغتربين السودانيين في المهاجر وهم كلهم تقريباً من أنصار الثورة بالتكفل بإعالة هؤلاء وأسرهم لحين نجاح الثورة إن شاء الله . وهذا يكون دعماً قوياً من المغتربين للثوار في الداخل بإبعاد الرباطين الذين يضربون ويبطشون بالثوار ليس برغبتهم ولكنهم مأمورون من قادتهم المجرمين.
• التعرف من خلالهم على هويات قادتهم من الضباط الكبار وطبيعة الأوامر التي كان يصدرها لهم هؤلاء الضباط لينفذها هؤلاء الأفراد من الأمن. هذا يتيح التعرف على المجرمين الحقيقيين – الحيات السامة المتخفية الرابضة في الجحور وصولاً إلى أم الحيات.
• الاستعانة في هذا الجهد الكبير الذي يتطلب مهارات ومقدرات خاصة الاستعانة بقدامى ومخضرمي رجال الأمن الذين يقفون في صف الثورة والاستفادة من خبراتهم في هذا المسعى.
أما بالنسبة للضباط الكبار وصف الضباط في الأجهزة الأمنية , فنقترح خطة العمل الآتية:
• العمل على تأجيج الصراعات بين التيارات المتصارعة على السلطة داخل جهاز الأمن. هناك عدة تيارات داخل الأجهزة الأمنية تحاول كل منها القضاء على الأخرى والاستئثار بالكيكة كاملة , وتواترت الأخبار أن وصلت الصراعات مؤخراً حد التصفيات. ندعو الله القادر المقتدر أن يرد كيدهم في نحرهم.
• إغراء الضباط المستعدين للانشقاق واستمالتهم وتسهيل المخارجة لهم وتأمين خروجهم إلى خارج البلاد. يمكن لمناصري الثورة في المهاجر أن يسهّلوا مخارجة المنشقين من ضباط الأمن وذلك بالاستعانة بسلطات الداخلية والهجرة في البلدان التي يقيمون فيها لتأمين دخول هذه العناصر المنشقة.
• الغرض من كل ذلك – رغم كل الغبن والتجاوزات التي ارتكبها هؤلاء – هو حقن دماء أبناء وبنات السودان وإنجاح الثورة وإسقاط النظام بأقل التكاليف. والحكمة تقتضي أن “نبعد الشر ونبتعد عبه”. فإذا نجحنا في إبعاد هؤلاء الأشرار عن مسرح الأحداث , تكون الثورة قد نجحت بنسبة 80% إن شاء الله. لنتذكر أن الأجهزة الأمنية هي النظام نفسه (دولة داخل دولة) وليس فقط هي التي يعتمد عليها النظام , فالرباطة والبلطجية والشبيحة والكتائب هم من أصل واحد أعوان الشيطان على الإنسان وقبيل الباطل على الحق. هذا العمل يعني في جوهره تفكيك النظام من الداخل وتأمين الخروج الآمن لعناصره “بأسلوب حضاري ” دون إراقة الدماء.
• لكن يجب أن يكون مفهوماً أنه لا يمكن عمل شئ في حال تراخي الثورة. فاشتداد نيران الثورة هو الذي سوف يجبر عناصر الأمن في النهاية على البحث عن مخارج آمنة لهم. كما يجب التنسيق مع الفصائل الحاملة للسلاح لتكون قريبة لحماية الثوار بالسلاح إذا استدعى الأمر. ومن شأن كل ذلك أن يلقي ضغوطاً متزايدة على الأجهزة الأمنية حتى تصل لقناعة أنه لا يمكنها الاستمرار في مقاومة الثورة.
إذا نجحنا في تفكيك جهاز الأمن على هذا النحو تكون الثورة قد نجحت بنسبة 80% وهدم آخر الحصون التي يتحصن بها عمر البشير وعصابته. ويضطر من تبقى من فلولهم إما أن يواجه مصيره المحتوم على أيدي الثوار أو يواجه المجرم الأكبر والعصابة باستحالة استمرار الوضع وعليهم أن يستسلموا.
اضف اقتراحك لكيف يمكن للثورة أن تتعامل مع الأجهزة الأمنية كأحد أهم أركان النظام في الخرطوم ……………………
هذا ما كان في محور الجبهة الداخلية. الرجاء إضافة أي مقترحات يمكن أن تدفع بالجهد الثوري إلى تحقيق غاياته في إسقاط النظام. الحلقة الثانية من هذه الورقة تتناول محور الجبهة الخارجية , تحديداً دور السودانيين في المهاجر الذين يقدر عددهم بنحو 8 ملايين نسمة – كلهم تقريباً من المهجرين قسراً إلى خارج البلاد والمكتوين بنبران الغربة وعسف النظام – يقفون في طليعة الثورة السودانية , بل هم زخمها وعمودها الفقري.
د. أحمد حموده حامد
دكتوراة الاقيصاد السياسي – المملكة المتحدة
[email protected]
ألثلاثاء 24 يوليو 2012م الموافق 5 رمضان 1433هج