بقلم : عباس فجار دفاع
يعيش الشباب في السودان أزمة حقيقية شاملة متعددة الأبعاد،ويعود ذلك إلي الروافد الثقافية التي تحدد رؤيته واسلوبه في التعامل مع الواقع ونظرته إلي نفسه وإلي الآخرين .أو يعرف اجمالاً بما اصطلح على تسميته بالوعي النفسي الا جتماعي ووعيه لذاته وبذاته ووعيه بالبيئة الإجتماعية والطبيعية والوعي الجمعي لعديد من مجتمعاتنا السودانية .
أولي عناصر هذه الأزمة، أزمة العلاقة بين الإطار الفكري أو الوعي المنتوج من أيديولوجية الإسلام السياسي وبين واقع التغيير الإجتماعي بأبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية.
إن الاتجاه العام لدى الشباب في السودان هو رفض الواقع المعاش بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والإجتماعية….الخ ومن ثم أنهم يطالبون بالتغيير وهنالك علاقة وثيقة ما بين الرفض واتجاه التغيير المطلوب إذأنها علاقة التفسير وفهم الأسباب أو تحديد اتجاه التغيير ورهنها بطبيعة الإطار الفكري الذي يرى من خلاله الشباب واقعهم ومهامهم المستقبلية وعلي
ضوء هذه العوامل ، ضرورة الاعتماد الكلي علي العقل البشري لحلحلة مشاكله ، والإيمان التام بأن الإنسان في مقدوره يمكن أن يعيد مجتمعه وترميمه دون أي تدخل قوة خارجية فجائية أخري.
يعيش الشباب واقعاً تتسارع فيه إيقاع التحول محلياً وعالمياً وتفرض رؤى عديدة وانماط وقيم سلوكية واجتماعية متباينة تناقض مورثنا الثقافي المتنوع مما يثير خللاً أوإختلالاً وتوتراًوصراعاً .
الواقع المعاش في السودان لا يلبي احتياجات الشباب ولا طموحاتهم ، بل يجعلهم يشعرون بالعجز والقصور والاحباط …..الخ والواقع العالمي يصدمه أويلطمه كل لحظة وأخرى بما يفرضه من جديد أو من تيارات فكرية أواجتماعية أو سياسية وإكتشافات علمية .
هذه الفترة يمكن وصفها بأنها حقبة القهر المتصل والهزائم النفسية ،كما تتسم هذه الحقبة بعجز كل التنظيمات السياسية المعارضة بشقيها العسكري والمدني من جهة ، والنظام الشمولي من ناحية أخرى .ويقف الشباب ما بين سندان النظام القاهر ومطرقة الهزائم المستمرة ويقع الشباب في الفراغ أي ما بين سندانين يجعلهم يتطلعون لتغيير الواقع الذي يلبي رغباتهم .
مع ذلك لم تكن هناك خطة موحدة وموجه نحوالتغيير لأسباب،إعلامية، اقتصادية، وثقافية ،سياسية .علي مستوى السياسي هناك قهر متصل له تاريخ طويل. ومن مظاهره الاستبداد السياسي والإنفراد بالسلطة هذا مما أدى إلي القتل والتصفيات الجسدية باسم الدين للمعارضين .
وبذلت جهود مكثفة من السلطات لتحطيم حرية الرأي والتعبير مما أدىإلي تفتيت المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وافرزالشعور بالدونية وفاقم من مشاعر الاحباط وفجر طاقات العدوان.
بهذا افتقدت مؤسسات الدولة دورها الخدمي وأصبحت تلعب دوراً خداعياً من أجل الهيمنة الثقافية عن طريق ما تشيده من جامعات ومدارس ماهي إلا عبارة عن دعاية من أجل برمجة الأفكار عبر مناهج التعليميةالمشوه والإعلام المضلل الذي تهدف به إلي تغبيش الوعي الجمعي لإعادة الانتاج وفقاً لما ترغب.إذا تسألنا سؤال ما هو الهدف من العملية التعليمية لدى الشباب في السودان؟ هل تعني أنها الوسيلة التي يقتات منها الشباب فتكون اداته في التعامل مع الواقع وركيزةنظرته الوطنية؟ أنا في تقديري التنشئة التعليمية في السودان عاجزة من حيث المنهج العلمي سواء كان في مجال التعليم التي تعزز الانتماء القومي ،أوفي مجال العلوم الإنسانية الأخرى. لأنها مصنوعة على هواء أصحاب السلطة ،لذلك أحادية النظرة تؤكد نزوع الامتثال والتماثل وتضع حجاباً كثيفاً علي كل ما من شأنه أن يؤكد أن حركة الفكر علي مدى التاريخ حركة الصراع أو حركة تباينات فكرية .
ويكرس مناهجهم إن الخروج من قاعدة الامتثال الفكري من كبائر الموبقات, ويعرف الطالب مبادئ الحرية الفكرية وأسس النهضة الاجتماعية والإنسانية. وأن جود تيارات فكرية مختلفة من خارج المنهج كأنه بصدد إرتكاب جريمة.
أصبح الشباب في السودان ضحايا النظام التعليمي والتربوي الذي يربي الناشئ علي الالتزام بالمنهج الايديولوجي ، وكذلك الإعلام يعمل علي تأكيد مبادئ الخضوع والتماثل والامتثال التي تعطل العقل من أجل خدمة النظام .
وهنا يعيش الشباب محنة يمكن أن نسميها بمحنة غسيل المخ ، وذلك تتمثل في كل ما تقدمهاأجهزة النظام سواءً كان المرئية أو المسموعة أو المقروءة من برامج سياسية أوترفيهية وعلمية لتأكيد رؤية النظام ، وتجريم أي إتجاه معارض ، لإلحاح الشباب عن القضايا المصيرية حتي يغرقوا فيما يلهيهم عن ذلك ليتركواالمشاكل الرئيسية وليهتموا بصغريات الأموروينسون قضايا المستقبل.ِ
E:[email protected]