الخرطوم : تقرير : الهادي محمد الأمين
طغي وغطي الاعتداء الجوي الإسرائيلي علي مجمع اليرموك للتصنيع الحربي جنوبي الخرطوم بدخانه وسحبه الكثييفة التي تصاعدت في تلك الأمسية علي حدثين مهمين للغاية علي صعيد التيار السلفي الجهادي السوداني ففي ذات اليوم الذي ضربت فيه طائرات العدو الصهيوني اليرموك ودعت الخرطوم بحري وتحديدا – حي الشعبية – في تلك الأمسية أحد الجهاديين المنتمين لتنظيم القاعدة متسللا عبر جنح الليل من الخرطوم بحري ومنها إلي دارفور وعن طريق واحد من منافذها ومخارجها عبر الصحاري الليبية ووصل حتي مشارف دار الهجرة بأرض (مالي) في غرب إفريقيا واستقبلت الخرطوم ذات اللحظات جهاديا آخرا وصل لأرض البلاد من بلاد الشناقيط بطائرة خاصة بعد إنتهاء فترة محكوميته التي قضاها في السجن الحربي بعاصمة موريتانيا نواكشوط وبالرغم أن الحدثين طال عليهما الأمد والزمان حيث احتفت أسرة الثاني التي تسكن بحي الصافية بالخرطوم بحري ونحرت الذبائح مرتين – مرة فرحا بعودة ابنها الجهادي الذي كان محبوسا خلف القضبان الحديدية ومرة ثانية في صبيحة يوم عيد الأضحي المبارك بينما ضحي الأول مع المجاهدين الملثمين والموقعين بالدم والطوارق في مدينة (باماكو) بعد أن وصلها ملتحقا بالمقاتلين لكن أيّ من هاتين الواقعتين لم يكونا معروفتين إلا في أوساط ضيقة وصغيرة ودوائر محدودة وكانت معلومة وصول الأول لارض مالي سرية للغاية مثلما كان ذات الأمر أكثر سرية بالنسبة لصاحبنا الذي جاء عن طريق مطار الخرطوم مرحلا من نواكشوط حتي حي الصافية بالخرطوم بحري بعد قضاء فترة محكوميته هناك ..
صافرة البداية :
والطريف في الحكايتين أن (أبو حازم السوداني) عماد الدين محمود الذي يسكن مع أسرته في حي الشعبية العريق بالخرطوم بحري سلك ذات الطريق الذي سار عليه الجهادي أسعد عبد القادر – من أبناء حي الصافية بالخرطوم بحري حينما خرج في شتاء العام 1999م من حيه الصغير بالخرطوم متوجها صوب موريتانيا عبر دارفور ومنها لتشاد في الحدود الفاصلة بينها وليبيا وبعد رحلة الشتاء التي استمرت شهرا كاملا حطت قدما الرجل بأرض وديار الشناقيط ووضع عصا التسفار مستقرا بعاصمتها نواكشوط وهو ذات الطريق الذي سلكه صاحبه (أبو جازم السوداني) لكن بعد مرور 13 عاما علي هجرة أسعد عبد القادر بيد أن (أبو حازم) اختصر الطريق متخذا من ليبيا مركزا ونقطة عبور نحو (مالي) دون الحوجة للإنطلاق نحو (موريتانيا) حتي لا ينكشف أمره وجرت العادة في تاكتيك الجهاديين في خروجهم من البلاد من خلال عدة معابر لوصولهم إلي (الصومال) أو (مالي) إما أن يسلكوا – في طريق الوصول لـ(لصومال) عددا من خطوط السير بينها طريقان آمنان أحدهما عن طريق الشرق وتحديدا عبر دخول الاراضي الارترية ومنها الي (جيبوتي) ثم الاتجاه جنوبا الي الصومال ..
أو عن طريق سلسلة جبال البحر الاحمر مع السواحل (الارترية) ومنها الي مدينة (كيسمايو) التي يتمركز فيها شباب المجاهدين ذلك لان (إرتريا) تعد حليف للمجاهدين في الاوجادين بينما تطارد الحكومة (الاثيوبية) المجاهدين في الاقليم – الاوجادين -الذي تحاول (اثيوبيا) ضمه اليها منذ عهد بعيد من أجل فرض وجودها فيه والسيطرة عليه بالكلية بينما يرجح البعض ان الطريق الثاني عبر دخول جنوب (السودان) ومنه الي الصومال بواسطة عبور (كينيا) – أو عن طريق الجنوب ومنه لـ(يوغندا) أو (كينيا) وصولا لـ(لصومال) وفي حالة التوجه نحو مالي فان أفضل الطريق بعد سقوط الزعيم الليبي معمر القذافي هو اختراق الصحاري مرورا بـ(ليبيا) ومنها التوجه نحو شمال أرض (مالي) حيث ترتكز قوات وجيوش المجاهدين هناك ..
شح المعلومات :
معلومات نادرة وشحيحة عن الشخصين محل الحديث وما رشح وخرج من همس المجالس لا يشبع رغبة ونهمة الباحثين عن الحقيقة لكن ما يجمع بين الرجلين (أسعد عبد القادر – وعماد الدين محمود) القرب المكاني فالإثنان يسكنان في أحياء متقاربة تضمهما رقعة جغرافية واحدة وهي الخرطوم بحري هذا من جهة ومن جهة ثانية تقارب الاعمار والسنين فكلاهما من مواليد منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي بجانب التقارب الزماني فهما أبناء جيل واحد ..
وإذا أردنا أن نسرد سيرة صاحبنا الذي كان معتقلا بسجون موريتانيا واسمه أسعد عبد القادر فهو من أبناء الصافية بالخرطوم بحري بعد أن زحفت الأسرة من حلفاية الملوك للأحياء الوسطية ببحري والتحق منذ نعومة أظفاره بتنظيم الأخوان المسلمين حينما كان طالبا بمدرسة ود السائح الثانوية بشمبات وكان من أبرز من سكنوا في تلك المنطقة – أي – أحياء الصافية – المزاد- الدناقلة – شمبات والشعبية المراقب العام الاسبق الشيخ (صادق عبد الله عبد الماجد ومحمد محمد المدني سبّال وأحمد مالك وحسن عبد الحميد وعبد العزيز أحمد عبد الله ) وغيرهم كثير وفي الانشقاق الذي وقع داخل الجماعة في أعقاب انعقاد المؤتمر العام للجماعة في العام 1991م انحاز صاحبنا مثل كثيرين من الشباب لجناح الشيخ سليمان عثمان أبونارو وتزامنت تلك الفترة مع انقسام الجماعة بوجود انشقاق آخر حيث خرج جناح من أنصار السنة يسمي بجماعة (المسرة) الذين تحلقوا بمسجد (المسرة) وكان إمامه وخطيبه الشيخ السوري السلفي الداعية حسين خالد عشيش ومعه عدد من الشباب السلفيين أمثال الشيخ مختار بدري وحاتم عز الدين وأبو الحاشر محمد أحمد النور ومتوكل مصطفي عبد القادر ويسمون أحيانا بـ(الصفوجية) نسبة للصافية مركز إنطلاقة نشاطهم …
وعلي ذكر مسجد (المسرّة) بالخرطوم بحري فقد شهد هذا المسجد واقعة درامية في اعقاب حادثة الغارة الجوية التي أدت لمقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن حيث قام أحد المناصرين للقاعدة ويسمي مهند التيجاني ومعه 3 من رفقائه منهم عمر عبد الله – الموقوف علي ذمّة التحقيق في خلية الدندر وأبوحازم عماد الدين محمود – الذي وصل لأرض مالي مؤخرا بالدخول للمسجد من أجل الرد والتعقيب علي إمام المسجد (الدكتور المرتضي الزين أحمد) المحاضر بكلية جبرة العلمية والقيادي في جمعية الكتاب والسنة الخيرية الذي أكد خلال في خطبته ان بن لادن ليس شهيدا وهو تكفيري من فئة الخوارج الأمر الذي أدي لتصدي مهند التيجاني والرد علي الخطيب مشيدا ومدافعا عن بن لادن وأنه بطل مات شهيدا فوقعت إشتباكات بالأيدي سبقتها مشادّة كلامية وملاسنة حادة أثارت الهرج والفوضي داخل المسجد ووسط المصلين ورواد المسجد لدرجة تم فيها استدعاء قوات الشرطة لفض التجمع والتدخل للسيطرة علي الوضع الذي انتهي باقتياد المعتدين لقسم شرطة الصافية وحجزهم بالحراسات قبل أن يتم الإفراج عنهم بالضمان الشخصي ..
وقبل وقوع هذه الحادثة تم اعتقال مهند التيجاني علي خلفية تفجيرات السلمة 2007م وقبلها بشهور تم إبعاد وترحيل مهند التيجاني من دولة الإمارات العربية المتحدة – حيث كان يقيم هناك – بحجة الاشتباه في علاقته وصلته بتنظيم القاعدة بالخليج العربي رغم أنه من مواليد الامارات وتربي فيها وتلقي كافة مراحله الدراسية بها ..
وبالعودة لملف الرجل أسعد عبد القادر فقد من أوائل الطلاب الذين التحقوا بخلوة تحفيظ القرآن الكريم بالكلاكلة المنورة التي كانت يقف علي التدريس بها الشيخ محمد عبد الكريم –الدفعة الأولي – في الربع الأول من عقد التسعينات وبعدها تم فصل أسعد عبد القادر من التنظيم بسبب خلافات مع أمير الجماعة الشيخ أبونارو وفي العام 1999م غادر اسعد السودان متجها لبلاد المغرب العربي – عبر الطريق البري – عن طريق دارفور ومنها لتشاد عابرا النيجر وقصد موريتانيا من أجل التزود بالعلم الشرعي عبر ما كان يسمي بـ(المحاضر) وهي تشبه الحلقات العلمية والدروس المنهجية بالسودان وفي موريتانيا يطلق عليها مراكز تكوين العلماء ..
تغيير شكل اللعب :
وبعدها بفترة أعلن الامن الموريتاني القبض علي عناصر كتيبة عسكرية وخلية تتبع لتنظيم القاعدة قامت بتنفيذ كمين استهدف وحدة تابعة للجيش الموريتاني بالقرب من بلدة (تورين) شمالي البلاد واسفرت الحادثة عن مقتل 12 عسكريا ومن أبرز المشاركين فيها أربعة قيادات ميدانية وهم :
محمد ولد عبدو (سلمان)
محمد ولد أحمد (خالد أبو مسلم)
عبد الرحمن ولد إده
محمد ولد أشبيه وتردد أن أسعد عبد القادر كان من ضمن المجموعة حيث اعتقل لمدة عام كامل بالسجن الحربي المركزي بنواكشوط وقيل في ثكنة عسكرية بينما تشير روايات أخري أنه سجن في قاعدة عسكرية محصنة تسمي طائرة 14 وفيما بعد تم إصدار حكم في مواجهة عناصر التنظيم حيث أدانت محكمة الجنايات المتهمين الأربعة بتهمة القتل العمد والتمثيل بالجثث وتلقي تدريبات من الخارج والانتماء لتنظيم إرهابي وتم الحكم بسجن أسعد عبد القادر بسنتين لتكون مجمل المدة 3 سنوات و3 أشهر ليتم إطلاق سراحه في هذا العام بعد مفاوضات جرت بين الحكومتين الموريتانية والسودانية بعد التوصل لاتفاق قضي بترحيل أسعد عبد القادر ليصل إلي بلده قبيل عيد الأضحي بأيّام قليلة ..
ثم ظهرت روايات أخري من بينها أن اسعد عبد القادر شارك في عملية إختطاف أجانب وهي رواية قد تتطابق مع الواقع الحالي إذ غالبا ما يميل الجهاديون لعمليات إختطاف الاجانب خاصة الخبراء النوووين العاملين في التنقيب عن معدن اليورانيوم والنفط وخام الذهب حيث يتم الإفراج عنهم بعد تقديم فدية مالية تصل لملايين اليوروهات وقيل انه كان يقوم بالتخطيط لعمليات الإختطاف مع معاون موريتاني يسمي القاسم ولد محمد موسي لكن كشفت السلطات الموريتانية أن أسعد عبد القادر تم القبض عليه لتورطه في القيام بمهام استطلاعية واستكشافية تتعلق بتقديم بعض الخدمات لتنظيم القاعدة تتمثل في معرفة أسعار اجتياجات التنظيم من السلع والمؤن والعمل علي توفيرها وإبلاغ رئاسة التنظيم بالعناصر المحتجزة في السجون وكيفية تهريبهم من المعتقلات بجانب تجوله في موريتانيا والمناطق التي تسيطر عليها القاعدة بشمال مالي
وأثناء مكوث أسعد في السجن الحربي المركزي رفض بصورة قاطعة الدخول في برنامج المراجعات الذي شرعت فيه الحكومة بالتعاون مع علماء شناقيط منهم الشيخ محمد الحسن الددو – الذي زار السودان كثيرا وهو من أقطاب حركة الأخوان المسلمين وكان معتقلا أيضا لفترة طويلة بتهم تتعلق بالتطرف والارهاب خلال حملة واسعة شنتها السلطات علي عدد من الدعاة الذين كانوا ضيوفا ونزلاء بالسجون لكن وبعد عقد تسوية سياسية أو (صفقة) خرجوا بموجبها من المعتقلات ليكونوا فريقا من ضمن مهامه محاورة السلفيين الجهاديين المحبوسين في الزنازين ..
من أفغانستان إلي مالي :
أما (أبوحازم السوداني) عماد الدين محمود فقد رافق العشرات من المقاتلين للتوجه نحو مالي وتقول سيرته الذاتية أن بدايات إلتزامه كانت تميل نحو جماعة أنصار السنة عن طريق تأثره بأخيه الأكبر (غير الشقيق) الشيخ طارق محمود علي غير اتجاه رفيقه السابق أسعد عبد القادر الذي كان ولاؤه وانتماؤه للأخوان المسلمين وفي فترة الخلافات والصراعات التي قسمت وعصفت بوحدة الجماعة السلفية في بداية التسعينات انخرط الشاب عماد الدين مع مجموعة (المسرة) أو (الصفوجية) التي كان يقودها مختار بدري وأبو الحاشر محمد أحمد النور – الذي سافر للإلتحاق بكتائب المجاهدين بأفغانستان وسافر عماد الدين محمود للقتال جنبا إلي جنب مع المجاهدين والافغان العرب ثم جاء للسودان واستقطب عددا من شباب أحياء الصافية – شمبات – الشعبية – المزاد والدروشاب أمثال (عادل خضر – عبد الله الدروشابي وخلص وغيرهم كثير) الذين رافقوه لأرض أفغانستان وبعد نهاية مرحلة الجهاد ومجئ أسامة بن لادن واستقراره بالسودان تردد أن (أبوحازم) كان من المقربين للرجل غير أن عماد الدين محمود وفي فترة من مراحل مسيرته الدعوية والجهادية بدأ يتقرب مرة أخري لجماعة (المسرة) لكن لم يلبث الحلف طويلا نظرا لأن الجماعة شعرت أن (أبوحازم) يريد تجنيد واستيعاب شبابهم لصالح تنظيم القاعدة وبعد إعلان الولايات المتحدة لاستراتيجيتها في مكافحة ومحاربة الارهاب بعد وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م تم إعتقال (أبوحازم) عماد الدين محمود ومعه رفيقه (صلاح كاروري) لكن حبسهما لم يدم طويلا فقرر الرجل الهجرة خارج السودان للقتال في صفوف المجاهدين بالعراق مع أبو مصعب الزرقاوي ووصل حتي سوريا لكن المخابرات السورية ألقت القبض عليه وأرجعته مرة أخري للسودان وتكرر إعتقاله بالسودان عدة مرات والتحفظ عليه مرات أخري وسحب جواز سفره واصبح قيد الإقامة الجبرية أحيانا إلي أن أفلت من حاجز الرقابة وافلح في الهروب والخروج من الخرطوم لكن تم توقيفه ببورتسودان ليستقر بعدها في الخرطوم حواريا من تلاميذ الشيخ مساعد بشير السديرة قبل أن يختفي في الفترة التي تزامنت فيها حادثة الفيلم المسئ للنبي صلي الله عليه وسلم وما تلاها من الهجوم علي سفارتي أمريكا وألمانيا سبتمبر 2012م ليظهر الرجل المجاهد مؤخرا ضمن كتائب تنظيم القاعدة – بلاد المغرب الاسلامي متوشحا سلاحه في مالي لتنتهي فصول قصة الشاب الجهادي أسعد عبد القادر بختام رحلته ومشواره من نواكشوط حتي حي الصافية وتبدأ فقرات العرض الثاني من فيلم الخروج وبطله علي خشبة المسرح – هذه المرة – (أبوحازم السوداني) عماد الدين محمود ليبدأ الاستعراض من حي الشعبية بالخرطوم بحري وتتنهي المشاهد المثيرة في ديار أسود الساحل والصحراء و(الموقعون بالدم) في شمال مالي وبعدها يزف التيار السلفي الجهادي بلاد النيلين نبأ إستشهاد أبوحازم السوداني عماد الدين محمود قبل عدّة أيام بمالي ..!!