أبو بكر القاضي: هل تسمع حكومة الخرطوم غير العقلانية نصيحة ذوي القربى؟
من حق قادة حركتي التمرد في دارفور ان يتشككوا في نوايا القادة الافارقة الذين استجابوا لنداء العقيد القذافي وذلك لان هؤلاء القادة تربطهم بحكومة الخرطوم مصالح حيوية واتفاقات امنية كل حسب الحال كما تربطهم ببعضهم البعض مصلحة البقاء في السلطة وعدم تحويل النموذج العراقي بعزل صدام حسين من السلطة الى افريقيا.
القمة باختصار تضم دول جوار يرغب قادتها حقيقة في ايجاد مخرج لحكومة الخرطوم المتعنتة المراوغة التي اجادت بيع الحبال بلا بقر والجلوس على طاولة المفاوضات ليس من اجل الوصول الى حلول سواء في جبهة الجنوب أو دارفور أو التجمع في القاهرة وانما فقط من اجل كسب الوقت واطالة عمرها في الانفراد بالسلطة والثروة حصريا ولما كان الكذاب حده الباب فقد ادركت دول الجوار ومنها مصر التي كانت تطالب العالم بمنح حكومة الخرطوم الفرصة لتوفي بالتزاماتها لكوفي عنان والتزاماتها للسيد توني بلير الآن اقتنعت مصر نفسها بأن هذه الحجة ــ الامهال ــ قد انتهت بمرور اكثر من ثلاثة شهور على زيارة كوفي عنان لذلك قررت هذه الدول ان تبرئ ذمتها بنصيحة هذه الحكومة التي سبق لها ان نصحت بها صدام حسين حين طلبت منه التراجع عن احتلاله للكويت عام 1990/1991 الا انه رفض النصيحة لعناده وعدم ثقته بأحد من القريب والبعيد.
الاقربون من دول الجوار قد قرأوا المستقبل القراءة الصحيحة ادركوا دنو اجل حكومة الخرطوم باحدى الطريقتين او بالاثنتين معا وهما: الاولى: تدويل القضية ــ القضايا والتدخل بموجب قرار من مجلس الامن. لم يخف قادة دول الجوار الذين اجتمعوا في طرابلس مساء الاحد 17 أكتوبر 2004 الهدف من هذا اللقاء بل اعلنوه صراحة على لسان السيد احمد ابوالغيط وزير خارجية مصر الشقيقة الذي انتهت حيله للمطالبة بامهال الخرطوم وقال بالحرف: (ان قرار مجلس الامن رقم 1564 بشأن دارفور ادى الى تدويل المشكلة بالنظر الى ان المجلس يمثل المجتمع الدولي غير انه يتعين علينا جميعا خاصة الاتحاد الافريقي ان نسعى الى لم المسألة من خلال اعطاء الفرصة للقيادة والحكومة السودانية لكي تتعامل مع الموقف بعقلانية وتنفذ قرارات مجلس الامن ورؤية المجتمع الدولي لهذا الوضع). وتعليقا على هذا الكلام افيد بالآتي:
اولا: التدويل لقضية دارفور وقع وانتهى وعلينا ان نسأل الله اللطف فيه. فملف قضية دارفور اصبح بين يدي مجلس الامن والقضية معقدة جدا والادلة قاطعة ولا تستطيع الصين وروسيا توفير الفيتو لحكومة الخرطوم ومواجهة العالم في معارضة خاسرة 100%. ان ما تسعى اليه دول الجوار اذن هو تفادي التصعيد من قبل مجلس الامن وذلك باتخاذ المزيد من القرارات التنفيذية من عقوبات اقتصادية نفطية وتدخل عسكري لحماية شعب دارفور ونزع اسلحة الجنجويد ومحاكمة قادتهم ومحاكمة القيادة في السلطة المركزية التي سمحت لهم بارتكاب هذه (الابادة) وهذا الذي سيجعل مصير حكومة الخرطوم هو ذات مصير الصرب العنصريين ورئيسهم الذي يصر على ان يتولى بنفسه الدفاع عن نفسه امام محكمة جرائم الحرب. ان دول الجوار حين تنصح حكومة الخرطوم بتنفيذ قرار مجلس الامن رقم 1564 بشأن دارفور انما تخشى على نفسها من ذات المصير على قاعدة (يهوهو الكلب خوفا على ذنبه). ان وجود قوة عسكرية اميركية ــ اوروبية ــ استرالية وكورية جنوبية مع خدمات لوجستية يابانية في السودان ستكون شوكة في خاصرة كل هذه الدول وبالتالي فان كل حاكم انتهت فترة صلاحياته وجهز ابنه لخلافته على كرسي الرئاسة الجمهورية وكل حاكم غير منتخب ديمقراطيا لا بد ان يخاف على كرسيه. فضلا على ان الاصلاح السياسي في الشرق الاوسط الكبير يحتاج الى التلويح بالعصا الغليظة بعد ان رفضت جامعة الدول العربية الاصلاح من الخارج وهو في النهاية رفض لفكرة الاصلاح. اذن لقد جمعت المصائب المصابين في طرابلس من اجل انقاذ حكومة الخرطوم التي احكمت حبل المشنقة على رقبتها بتصرفاتها اللاعقلانية التي اشار اليها ووصفها حرفيا وزير خارجية مصر في المقتطف الذي اشرنا اليه اعلاه والذي جاء في تصريح صحفي علني نقلته كل وكالات الانباء. وللتاريخ نذكر بأن التدويل سببه الضمور العقلي الذي اصاب حكومة الانقاذ بعد المفاصلة لقد اصبحت دائرة اتخاذ القرار ضيقة جدا. باختصار اصبح جهاز الامن هو الكل في الكل والجيش غير مؤتمن لانه في نظر الحكومة والامن جيش مخترق بواسطة ابناء الجنوب والغرب والمناطق المهمشة وبالطبع هذا شيء طبيعي. فالجيش مجهز ومكون في عناصره تكوينا قوميا وهدفه حماية الوطن وتأمين سلامة شعبه واراضيه وليست مسؤوليته ابادة شعبه. فالحكومة تريد توظيف الجيش في حروب اهلية هي في النهاية اما من صنع الحكومة او هي التي فاقمتها بعجزها عن الامساك بزمام المبادرة و(لملمة) القضية في مهدها كما تحاول الآن دول الجوار الحنونة بعد ان اصبح التدويل امرا واقعا. نعم السبب في التدويل هو الحلول الامنية وانعش ذاكرة القارئ بأن حكومة الانقاذ في عمرها غير المديد قد اخذت لمجلس الامن مرتين فقط مرة عندما حاولت اغتيال الرئيس حسني مبارك عام 1996 والمرة الثانية في قضية دارفور وفي المرتين المتسبب في الجرم هو جهاز الامن. لقد تحول حزب المؤتمر الوطني الى ما يشبه الاتحاد الاشتراكي في آخر عهد ما يدعى أواخر عهد النميري والى ما يشبه حزب البعث في عهد صدام حسين. احزاب كرتونية فارغة قائمة على الارتزاق من خزينة الحكومة حتى التخمة دون ادنى استعداد للتضحية والذود عنه كما يرى في بغداد في 9 مارس 2003 وكما شاهدنا خلال الفترة من 26 حتى 6 أبريل 1985 في السودان ايام انتفاضة ابريل حيث انزوى عناصر حزب البعث في العراق وعناصر الاتحاد الاشتراكي. ثانيا: تحويل المعركة للخرطوم:
1- مشكلة حكومة الخرطوم انها لا تبالي بآلام اهل الهامش فعندها ان موتهم او حياتهم سواء بالنسبة لها. كل الذي يعنيها ان تحافظ على صنم السلطة وتحتكر الثروة وتستأثر هي وحدها ودون غيرها بعائدات البترول. وفي سبيل ذلك لا تمانع من ابادة شعب بحاله بالايجار الجنجويد والطيارين الروس والطاجيك لان الجيش السوداني لا يوافق على ابادة اهل دارفور لان معظم عناصره من غرب السودان. ولعل اهل دارفور يدفعون ثمن مشاركتهم في ابادة شعب جنوب السودان بطائرات الانتيفوف المعبأة ببراميل الملتوف البليدة العشوائية والتي يتم قذفها عشوائيا حيث ان الحكومة لا تبالي بمصير المستهدفين. في طرابلس وعلى هامش اجتماعات دول الجوار صرح د.خليل ابراهيم رئيس حركة العدل والمساواة للصحفيين معلنا ثقته في العقيد القذافي وتشككه في بقية دول الجوار التي تربطها بالخرطوم اتفاقات امنية معلنا وبصراحة تامة اعتزام حركته نقل المعركة الى الخرطوم. كما اعلن عن مساع لاكمال توحيد الحركتين في دارفور. ان حكومة الخرطوم لا تبالي بمصير دارفور ولا حتى مدينة واد مدني مادام البترول يتدفق والعائدات تقبض !! فهي فرصة لن تتكرر لذلك فان المماطلة والتسويف عمل مقصود. 2- التهديد بدخول الخرطوم سبق صدوره من يافان اموم احد قادة الحركة الشعبية الجنوبية. فالحركة الشعبية اعلنت تبرمها من تطويل احد المفاوضات.
3- وعلى الجبهة الشرقية كشف الفريق فاروق حسن محمد نور والي ولاية كسلا شرق السودان عن (حشود اريترية) جديدة ــ حسب زعمه ــ على الحدود السودانية الاريترية تقوم بتوفير السلاح للمعارضة هناك. ومعلوم ان الحدود الشرقية في السودان بها اراض محررة وقوات للمعارضة السودانية المختلفة.
4- يتضح من ذلك ان كماشة الفك المفترس لحكومة الخرطوم اصبحت جاهزة من الاتجاهات الثلاثة صوب الخرطوم.
5- ان التدخل الدولي بدأ باتفاقية جبال النوبة 2002 حيث تقع هذه المنطقة تحت الرقابة الدولية الصارمة المجهزة بطائراتها الحربية وأجهزة رصد دقيقة ترصد دبيب النملة على الصخرة الصماء.
في الليلة الظلماء ثم امتد التدخل من دارفور والذي بدأ بقوة افريقية من 150 عسكريا الى 500 بالتدريج ثم جاءت الطفرة لتصير القوة 4500 كقوة افريقية بتدريب اوروبي ــ اميركي ودعم لوجستي اميركي ــ اوروبي. بهذا الاجراء توافرت الامكانات المادية لقرار حظر الطيران الحكومي وشل يد الحكومة المركزية تماما من دارفور ! ان حكومة الخرطوم المشغولة بعائدات البترول في زمن الارتفاع اليومي للاسعار لا تدري بأن التسويف يترتب عليه تعلية سقف الطلبات لأن التسويف يتبعه تدخل دولي وقرارات شرعية دولية ضد الحكومة المعتدية وبالتالي تكون هذه القرارات في مصلحة المعارضة السودانية كلها في الغرب والجنوب والشرق النار التي تحت الرماد في غفلة ونوم العرب العباسيين الحاكمين في الخرطوم.
6- ان العالم لن ينتظر جلابة الخرطوم يحصدون عائدات البترول في الوقت الذي يموت فيه عشرة آلاف شخص شرريا في دارفور منذ مارس 2004 حتى بلغ العدد الآن سبعين ألفا. فهل تسمع حكومة الخرطوم نصائح اولي القربى من الدول المجاورة أم تنتظر مصيرها المحتوم وهي تمارس عناد صدام حسين ؟!!