رأي أخر من تحت اللثام

 

هزم المستعمر وأجبر علي الخروج من كافة أنحاء الوطن نتيجة للنضال الطويل من قبل الأبن البار للسودان .. ابن دارفور الكبري الذي قاوم الأستعمار ابتداءا من الغرب حتي وصل أقصي شمال السودان وفي أثناء ذلك فقد أسر عدد من أخوته بمناطق الشمال السوداني وقبل أن يتحسر علي فقدانهم وقف  قليلا ليتساءل لا علي من أسر بل لماذا هنا فقط يؤسر فيه الابطال .؟؟ ولما لم يحصل هذا طيلة المعارك السابقة ابتداءا من دارفور مرورا بكردفان ووصولا حتي أم درمان .؟؟ وقبل أن يواصل سيره في الكفاح فقد قرأ علي وجوه من حوله من أبناء تلك المنطقة وعرف الاجابة التي كانت متوقعة وتبين له أن من جاء اليهم ليقف الي جانبهم ضد العدو هم حقيقة أقرب الي العمالة للأجنبي منه الي العمل الكفاحي. ورغم ذلك واصل قي كفاحه لانه كان يشعر بالمسئولية . تماما كمسئولية الاب لأبنه .. مسئولية الاح الاكبر لاخوته الصغار .. مسئولية جعله يضع حرية الوطن فوق كل شيء . وبذلك قاتل حتي خروج اخر رجل أبيض من جميع أنحاء السودان . وقتئذ عاد أدراجه تاركا خلفه اهازيج وزغاريد ودق للطبول فرحة بالأنتصارات التي حققها ومستمتعين بطعم الحرية والأستقلال في الوقت الذي هو ذاهب الي الجبهة الاخري المتمثلة في صراعه مع قوي الطبيعة أي الرمال الزاحف وعندما يصل الي دياره لا ليستمتع بطعم الاستقلال فحسب بل ليغير الأسلحة وفقا لطبيعة العدو هناك والتي تتطلب الصمود وعزيمة البقاء علي هكذا حال دون أستسلام لأنه أن أستسلم . هذا يعني فرار أحفاده الي المناطق المجاورة لنهر النيل تاركين خلفهم جزءا عظيما من الوطن عرضة لرمال الصحراء الكبري وبالتالي انعدام الحياة

كل هذه الاسباب جعله لا يأبه بما يجري في المناطق النيلية منذ أن  عادمن تلك المناطق منتصرا وخاصة بعد تكوين حكومة تمثل كل أبناء الوطن . وقد كان أمله  دائما أن يعيش الجميع في ظل وطن يعمه السلام والأمان الدائمين ويبقي هو الوحيد المتصدي لقوي الطبيعة .
بيد أن الحال تغير بعد ظهور جبهة أخرى في جنوب الوطن  فسارع  في ارسال أبنائه الشجعان ليقاتلوا الي جانب الأغلبية من أبناء الوطن والي  جانب الحق بعيدا عن الجوانب السياسية . فقد كان يقوم بذلك من باب حسن النية في اطاعة ولي الامر (وهل كان هناك ولي لولاه) ..!
 فأشتدت المعارك ضراوة وصار يستقبل جثامين أبنائه الشهداء شهيدا تلو الاخر مما أنزعج بما يجرى  وأصبح يفكر في جدوى هذه الحرب وخاصة أنها لم تكن هناك أستعمار مثلما كان يقاتل هو وأن القتال يجري الان بين أبناء الوطن الواحد .......!وبمرور الزمن ومع تطور الاحداث أصبح قلقا وخاصة مع ورود الانباء التي أشارت الي أن هناك تقسيم للسلطة والثروة وحق في تقرير المصير مقابل بقاء النظام الحاكم علي كرسي السلطة . وهذا يعني اتفاق ثنائي بعيدا عن بقية الاقاليم الاخرى حسب ما راه ... أذا فما عليه الا أن يسافر الي الشمال ليس مقاتلا هذه المرة بل ليطالب أيضا بنصيبه في السلطة والثروة . وقد وصل بالفعل ولكنه لم يستقبلوه كما كان يتوقعه ! تري ماذا يفعل ؟ هل يصرخ ويقول أنا هو ذاك الفارس الذي قاتل الأستعمار من أجلكم والذي يتصدي دائما لكل معتدي هل تسمعونني ؟ لم يسمعه أحد.! فصار يجوب الشوارع والطرقات التي سار فيها أيام نضاله بكبرياء وشموخ فقد نكره اليوم كل من قابله حتي الشوارع نفسها كتبت عليها أسماء غريبة بالنسبة له كشارع الزبير ود رحمة وشارع المك الخيالي وو........ألخ .
أخيرا أدرك بأنه أخطأ يوم تعامل مع عناصر النظام الحاكم بحكم نيته الصافية وما عليه الا أن يغادر الي حيث أتي بدلا من التجول في طرقات العاصمة الحضارية الغير قابلة لاستيعاب أبن دارفور الكبري..!
فغادر وليته لم يغادر ... غادر بعد أن أخفي بسمة خفية ساخرة بدت من تحت لثامه.
وليتهم أستجابوا لمطالبه المتواضعة......ليتهم.........ليتهم................ليتهم....!

جمال عبد الرحمن محمد أحمد

[email protected]