سنعالج بحول الله في الفصل الأول من كتابنا (التمرد والتغيير.. من حامية توريت حتى الدعم السريع) تحت رؤوس المواضيع التالية:
++ المسكوت عنه الذي لا يقال.. ولكنه هو الذي يفرق بين الزرقة والجلابة في السودان.. معاهدة البغط هي أس البلاء في تكريس (علاقة العبد بالسيد) بين الزرقة و الجلابة!
++ محمد علي باشا يغزو السودان من الجل الذهب والعبيد !
++ اقبل الجنوبيون على الثورة المهدية ولكنها أحبطتهم بتعيين كرم الله الكركساوي اميرا علي أمراء الجنوب!
++ كتاب الرق في السودان للراحل محمد ابراهيم نقد يتحدث في (المسكوت عنه- اقتصاد وعلاقات الرق في السودان).
++ في تعريف كلمة الجلابة:
++ التمرد والتغيير.. لماذا تمرد المهمشون الزرقة منذ حامية توريت حتى الدعم السريع؟
++ السلم المجتمعي الأهلي بين الإدارات الأهلية للقبائل العربية وقبائل الزرقة في السودان حتى قبيل خروج الاستعمار الثنائي الإنجليزي المصري:
++ الشيطان الذي افسد الود بين المتحابين من اصحاب المهنة الواحدة (الرعي) هو العقل الجمعي للجلابة عسكريين وأحزاب!
++ حركة انانيا ون : من اجل العدالة الاجتماعية وازالة الغبن الاجتماعي المرتبط بالقسمة غير العادلة لوظائف السودنة .. ومناهضة تنكر حزبي الاتحادي الديموقراطي وحزب الامة لمطالب الجنوبيين المتعلق بالفيدرالية:
(١) المسكوت عنه او (الذي لا يقال) في العلاقة بين (الزرقة ) والمستعربين في السودان منذ معاهدة البغط بين دولة الخلافة الاسلامية ومملكة المقرة المسيحية النوبية.. مرورا بدولة محمد علي باشا؟!! العنف اللفظى ضد الزرقة كلمة (يا عب بدون حرف الدال) هذا العنف جعل الزرقة يحاربون من اجل الاعتراف كبشر لهم كرامةً وليسوا سلعة (عبيد) :
معاهدة البغط هي اس البلاء في تكريس (علاقة العبد بالسيد) بين السودانيين ودولة الخلافة الإسلامية ، المقتطف التالي يعطي خلفية موجزة عن هذه المعاهدة:
(عقدت المعاهدة عام 651 بعد الميلاد. في تلك السنة، قاد عبد الله بن أبي السرح جيشًا بإتجاه الجنوب ضد الممالك المسيحية في النوبة. بعد معركة دنقلا، أدرك ابن أبي السرح صعوبة الاستيلاء على هذه المنطقة. لذا عقد المعاهدة التي تم التفاوض عليها بين أبي سرح وملك المقرة «كالديرات».[1]) انتهى المرجع: معاهدة البغط /يكبيديا .
معاهدة البغط هي معاهدة بغيضة بمعنى الكلمة لان ثمنها المقبوض هو (٣٦٠ عبدا سنويا) لدولة الخلافة الإسلامية + ٤٠ عبدا لنبلاء مصر.. بإجمالي (٤٠٠ عبد سنوياً) .. وقد كانت هذه المعاهدة (الظالمة بمقاييس عصرنا الحالي) عادلة بمقاييس زمانها بدليل أنها استمرت لمدة (٧٠٠ سنة ) .. ومن ايجابياتها بالنسبة لمملكة المقرة المسيحية انها سمحت ببقاء مملكة المقرة حية مستمرة.. في حين اكتسحت دولة الخلافة الإسلامية الناشبة امبراطوريتي الفرس والروم تباعا. واسوأ ما في معاهدة البغط انها (اساسها العبودية والرق ) .. ولمدة ٧٠٠ عام.. لذلك بقيت آثارها النفسية والاجتماعية على ضحاياها سارية المفعول حتى دولة ١٩٥٦ !!
(٢) محمد علي باشا (١٨٢١ -حتى ١٨٨٥) غزا السودان من اجل الذهب والعبيد/الرقيق) :.
لقد درسنا فى مناهج وزارة التعليم السودانية ان اسباب غزو محمد علي باشا للسودان عام ١٨٢١ بقيادة ابنه اسماعيل تتمثل في المال (الذهب من جبال بني شنقول..والرجال (العبيد ذكور وإناث مع التركيز على الشباب المحارب) .. وبذلك كرست حملة محمد علي باشا (علاقة العبودية والرق ) في ذاكرة الزرقة في الدولة السودانية السابقة لدولة ١٩٥٦ . اسوأ ما فعلته التركية السابقة- دولة محمد علي باشا أنها فرضت الضرائب الباهظة وكلفت قبيلة الشايقية التي قاومت جيش اسماعيل باشا الغازي أشرس مقاومة بجمع الضرائب من السودانيين وقامت بإعفائها من الضرائب (عقابا لها) لكي تحمل وجه القباحة للسودانيين.. وهو نفس العمل القبيح الذي فعله الإنجليز لاحقاً في الحكم الثنائي (الانجليزي/المصري ) مع المصرييين .. حيث اسند الإنجليز للمصريين جميع الاعمال الادارية القبيحة التي من شأنها إثارة غضب المواطنين مما يتيح للإنجليز عزل الإداري المصري وإستبداله بمصري آخر بقصد امتصاص غضب المواطنين، وإلقاء اللوم على المصرييين ومنح الفضل للإنجليز .
(٣) اقبل الجنوبيون على الثورة المهدية ولكنها أحبطتهم بتعيين تاجر الرقيق كرم الله كركساوي اميرا عليهم!!
لم تفلح الثورة المهدية ، وهي اول ثورة للمهمشين في الدولة السودانية الحديثة- لم تفلح في تصحيح الصورة النمطية لعلاقة (العبد بالسيد ) بين السلطة الحاكمة في الخرطوم والزرقة في الدولة السودانية الثورية الوليدة ، لاسيما لدي سكان جنوب السودان . السؤال كيف استقبل الجنوبيون الثورة المهدية؟ المقتطف ادناه يجيب علي هذا السؤال:
(بعد اندلاع الثورة المهدية انتقلت أصداؤها للجنوب بواسطة التجار والجنود، ووجدت التأييد من بعض الأفراد من القبائل الجنوبية ورفعت أعلامها الخضراء، ولبست زي جيوش الأنصار وقلدتهم في صيحات الحرب، وسافر عدد من السلاطين إلى قدير والأبيض وبايعوا المهدي ومن ثم عينهم المهدي أ مراء على مناطقهم، وبذلك بدأ انتشار الإسلام في الجنوب. وحدت الأيدلوجية المهدية من التقدم النسبي لانتشار المسيحية، لكنها لم تنتشر بصورة واسعة للأسباب الآتية:
1. كان توجه اهتمام المهدية الغالب منصباً نحو الحبشة والعالم العربي والإسلامي في الشمال.
2. إرسال كرم الله الكركساوي أميراً على أمراء الجنوب أصابهم بخيبة الأمل، لا سيما أن سمعة الكركساوي مرتبطة بتجارة الرق.
3. كان هم المهدي إصلاح حال المسلمين، ولم يكن همه نشر الإسلام في المناطق التي لم يصلها الإسلام.) انتهى.
المرجع: موقع مقاتل من الصحراء/ المبحث الثالث- جذور وأسباب الصراع جنوب السودان الفترة من ١٨٩٨ -١٩٨٤ .
شاهدنا.. فقد اقبل الجنوبيون على الثورة المهدية بعد انتصاراتها في كردفان.. ولكن المهدية اثبطت همة الجنوبيين حين عينت عليهم تاجر الرقيق كرم الله الكركساوي اميرا على أمراء الجنوب الذين بايعوا المهدي .. مما وضع حاجزا نفسيا كبيراً بين الجنوبيين والثورة المهدية والإسلام والعروبة .. وبهذا التعيين فقد اعادت المهدية للعقل الجمعي للزرقة السيرة الوقحة لمعاهدة البغط المنوه عنها في الفقرة (١) اعلاه. وهكذا بقيت علاقة الرق والعبودية هي حاجز الصد المنيع بين الزرقة في السودان عموماً وفي جنوب السودان بصورة خاصة .. من طرف.. وبين العقل الجمعي لسكان (المركز في الخرطوم والشمال عموماً) !!
(٤) كتاب الرق في السودان للراحل محمد ابراهيم نقد (يتحدث في المسكوت عنه – اقتصاد الرق ) :
آلشيء الذي يفرق بين السودانيين هو علاقات واقتصاد الرق الذي كان سائدا في السودان بين دولة الخلافة الاسلامية العربية من طرف ..،وبين السودانيين من طرف آخر ، وذلك من خلال معاهدة البغط التي تحدثنا عنها والتي قامت على معادلة (السلام.. وترك مملكة المقرة المسيحية لحالها مقابل ٤٠٠ من العبيد سنويا) وقد استمرت هذه المعاهدة لمدة ٧٠٠ سنة متصلة .. وقد لعب ابناء الشمال النيلي دور الوسيط او السمسار او الجلابي مثل (مكاتب جلب الخادمات في دول الخليج العربي) .
بالنسبة لسكان الجزيرة العربية والشام والشمال الأفريقي البيضان من خليج ليبيا وحتى المغرب وموريتانيا ينظرون الى السودانيين مطلقا (نظرة دونية) أساسها (علاقات الرق التاريخية) بدون تمييز إيجابي لصالح الشماليين السودانيين .. وقد قام سكان السودان النيلي بإسقاط سمة الرق هذه على بقية السود من سكان الجنوب وجبال النوبة والانقسنا ودارفور ! وعلى قاعدة (المساواة في الظلم عدل) تجد الجنوبيين في ليبيا مثلاً يضحكون على السودانيين الشماليين.. يقولون لهم (هنا .. اي في ليبيا – كلنا عبيد !!) .
من حق الجنوبيين في الدولة السودانية ان يتمتعوا بحقوق (المواطنة المتساوية) بين المواطنين السودانيين وكذلك من حقوقهم التمتع بكافة حقوق الانسان المضمنة فى الإعلان العالمي لحقوق الانسان لاسيما في المادة الاولى التي تنص: (يولد جميع الناس احرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم ان يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء).
تنسب للدبلوماسي الجنوبي فرانسيس دينق مقولة (الذي لا يقال هو الذي يفرقنا) .. والذي لا يقال هو الكلام الشين (عبارة: يا عب ) بدون حرف الدال. ومختصر كلام مولانا فرانسيس دينق هو ان الذي يفرق بين الجنوبيين والشماليين ويحول دون التعايش السلمي والعيش المشترك في دولة واحدة هو الاستعلاء الزائف الكائن في ذهن الانسان الشمالي الذي ينسب نفسه إلى قبيلة قريش بالانتساب إلى العباس. بن عبد المطلب، ويمارس العنف اللفظي الاستعلائي ضد الجنوبيين ويصفهم بالعبيد ، ويحرض علي عزلهم اجتماعياً بمثل هذا المثل القبيح : (لا تبول في الشق ولا تصادق العب .. الشق دساي والعب نساي) .
فقد ظلت كلمة (العبد ) تلاحق الجنوبيين حتي تاريخ انفصال الجنوب .. وحين ذهب عمر البشير الى جوبا للتوقيع على انفصال الجنوب لوح بعصاته واستخدم لغة الجسد ليذكر الجنوبيين بقولة المتنبي لكافور الإخشيدي: (لا تشتر العبد إلا والعصا معه ان العبيد لانجاس مناكيد )وفي تلك الفترة طالب سفراء الدول العظمى من وزارة الخارجية السودانية تقديم توضيح للغة الجسد التي استخدمها الرئيس البشير في جوبا حين قام بالتلويح بعصاته بطريقة استفزازية للجنوبيين بلغة جسد فهمها كل من شاهد ذلك المنظر بان البشير اراد ان يشتم الجنوبيين بانهم عبيد مناكيد !!
اما المفكر والمثقف السوداني محمد إبراهيم نقد المفكر الماركسي المسلح بالرؤية والتحليل الماركسي لعلاقة العبد بالسيد ، والقارئ الجيد لتاريخ السودان فقد تصدى بشجاعة لملف الرق في السودان، والكاتب مجدي الجزولي يحدثنا في مقاله الرصين بعنوان: نقد استاذ علم الثورة السودانية عن هذا الكتاب ، اقتطف من مقال الجزولي الاتي :
( وهو يدبر للحزب تطبيقا خلاقا للماركسية في الواقع السوداني بعبارة المرحوم عبد الخالق محجوب اهتدي نقد إلى ثلاثة مباحث رئيسة قال بأولويتها لفهم حركة الاجتماع السوداني، علاقات واقتصاد الرق في السودان، ونشوء الدولة السودانية وتطورها، وتاريخ الطرق الصوفية واتصالها بسواها من الهياكل الاجتماعية والسياسية. توافق هذه المستويات الثلاث عند رجع البصر ترتيب ماركس للبنى الاجتماعية، القاعدة الاقتصادية، وجهاز الدولة العلوي، وما يصل بينهما من مؤسسات المجتمع المدني. فالرق مثل نظاما للإنتاج ووسيلة لتجنيد القوى العاملة القسري، ما سمح بدرجة من التراكم البدائي خلف أثرا حاسما في العلاقة بين وسط السودان النيلي ومسارح الاسترقاق في جنوب البلاد وجبال النوبة والانقسنا. أما جهاز الدولة السودانية فقد نهل خلال تطوره التاريخي من ريع الرق وقام على حماية نظامه الاقتصادي وما ترتب عليه من تبعات في العلاقة بين الطبقات الحاكمة .) انتهى. المرجع: مجدي الجزولي/ مقال : نقد : استاذ علم الثورة السودانية/ سودان تريبيون/ مارس ٢٠١٣ .
فالأستاذ الراحل محمد ابراهيم نقد كان يدرك تماما (حضور تاريخ اقتصاد الرق في واقعنا السوداني، وفي علاقات الحرب بين الزرقة في الهامش السوداني الذين يصطلون بعنف اللسان العنصري النتن في وطنهم السودان..وبين دولة الجلابة الشماليين في الخرطوم. وشاهدنا أن الاستاذ محمد ابراهيم نقد قد تعمّد الحديث في المسكوت عنه لان الجروح النتنة العميقة تحتاج إلى معالجات جراحية مؤلمة ولكنها شجاعة وضرورية .. وبين أيدينا تجارب الشعوب الأخرى مثل تجربة جنوب إفريقيا ورواندا.. الحل في تنظيف الجرح النتن من الجذور ومعالجته وفقاً للأصول المهنية، من خلال المكاشفة والإعتراف والإعتذار، وبالقطع الانفصال ليس هو الحل الجذري، لأن الحدود بين الدول هي حدود وهمية.. وسيظل الناس جيران بعد الانفصال وجارك القريب اكثر تأثيراً في حياتك من ود أمك البعيد . وشكراً للحكيم محمد إبراهيم نقد في عليائه فحكمته حية بين ايدينا.. تلهمنا.
وقبل ان نخوض في ملف التمرد المسلح وأسبابه.. فمن المناسب تعريف كلمة (جلابة) لان التمرد منذ حامية توريت عام ١٩٥٥ حتي الدعم السريع كان ضد (دولة الجلابة ) التي ورثت السلطة من الاستعمار الإنجليزي المصري.
(٥) في تعريف (كلمة الجلابة) :
(في تفسيره لكلمة ” جلابة ” يقول الدكتور يوسف فضل: “الجلابة تعني التجار والعير التي تحملهم. وقد تطورت هذه الكلمة حتى صارت تعني علي وجه الخصوص من يعملون بالتجارة من الدناقلة أو العناصر النوبية المستعربة في مناطق كردفان، دارفور وجنوب السودان وبعض المناطق التي لم ينتشر الإسلام فيها بعد في السودان”.
ويبدو أن المقصود بالعناصر المستعربة من جانب د. يوسف فضل قبائل مثل الجعليين والشايقية وآخرين غيرهم. وفي تعريف د. يوسف فضل إشارة لتطور الكلمة وظهور مكوناتها الجهوية. كما ظهرت المكونات الجهوية للفظ أيضاً في تعريف د. عون الشريف حيث أورد في تفسيره للاسم: “والجلابة القافلة أو الذين يجلبون، وتطلق فى غرب السودان على الذين جلبوا الى المنطقة من جهات اخرى كالهوارة والجعليين وغيرهم. ولعل التسمية من اشتغالهم بالجلب اي التجارة”().) آنتهى.
المرجع: د. مبارك مجذوب الشريف /الجلابة ..ظالمون ام مظلومون /صحيفة الراكوبة / ٢٢ مايو ٢٠٢٠
(٦) (التمرد والتغيير) – لماذا تمرد المهمشون الزرقة تباعا منذ حامية توريت ثم جبال النوبة والانقسنا ودارفور .. حتى تمرد الدعم السريع ؟
هذا الكتاب موضوعه (التمرد والتغيير) .. منذ تمرد حامية توريت عام ١٩٥٥ حتى الدعم السريع) .. والكتاب بذلك يهدف إلى تقديم ( الرواية الاخرى) لحروب الهامش من ( منظور المقتول .. اي تمثل وجهة نظر المتمردين ) .. في مقابل الرواية التاريخية الرسمية لذات حروب الهامش بصورتها النمطية التي تعبر عن وجهة نظر (القاتل – الجيش السوداني) والتي / أي الرواية رسّخها الإعلام الحكومي الرسمي في أذهان السودانيين بما فيهم الكثير من أهل الهامش انفسهم والذين يخضعون جميعا لغسيل الدماغ اليومي للإعلام الحكومي المرئي، والمسموع والمكتوب .. وعبر تاريخ التمرد كان إعلام الحكومة المركزية هو الاقوي والطاغي بحيث صار المواطن السوداني يلقن فقط الرواية الرسمية الحكومية عن حروب التمرد.. ولا يتلقى المواطن إلا اليسير جداً من المعلومات التي تعبر عن رواية المتردين في الاتجاه المعاكس.. وذلك من خلال حديث المجالس .. ومواقع التواصل الاجتماعي بعد دخول الانترنت والهواتف الذكية.
حين اندلعت ثورة ديسمبر المجيدة من حواضن نظام الإنقاذ في الشمالية وعطبرة مثلا.. واستهدف الجيش أحد طلبة الجامعة في عطبرة واستشهد احد الطلاب .. هتف سكان عطبرة (مرقنا.. مرقنا.. ضد القتلوا ولدنا ) .. وتم نقل هذا الهتاف البائس الينا هنا في بريطانيا حيث عشرات الآلاف من انصار وجهة نظر رواية التمرد من لاجئي دارفور وجبال النوبة وجنوب السودان الذين تعرضوا للابادة الجماعية والتطهير العرقي.. لذلك سخر (العقل الجمعي للمهمشين) من هذا الهتاف العطبراوي البائس الذي يعكس حقيقة اننا لسنا شعب واحد، وليس لدينا (وجدان وعقل جمعي واحد لكل السودانيين في الاتجاهات الاربعة للدولة السودانية .. فنحن عمليا نمثل قريقين متناقضين هما (القاتل والمقتول) .. باختصار اتضح ان العقل الباطن لأهل عطبرة ينكر تماما واقعة وحقيقة الابادة الجماعية في دارفور تبعا لما يقوله له الإعلام الرسمي للجيش وتلفزيون السودان وراديو هنّا أمدرمان!! بعد هذه الفضيحة (العطبراوية) ظهر هتاف (كلّ البلد دارفور) .. وهو (هتاف تضليلي.. اعتذاري) لا يجدي نفعا .. ولكن هذا الهتاف (كل البلد دارفور) كان (فألاً سيئا لكل البلد -السودان) فعن طريق قانون الجذب.. تحول هذأ الفأل السيء إلى واقع.. (كل البلد صارت دارفور).. إبادة جماعية وتطهير عرقي واغتصاب وجرائم حرب في كل انحاء البلاد .. الخ !!
وعودة الى سؤالنا: لماذا تمرد المهمشون الزرقة ؟ ونجيب :
** تمر الزرقة من اجل الاعتراف بهم كبشر ولدتهم امهاتهم أحرارا كسائر البشر لهم كرامة .. ولكنهم لم يعاملوا بكرامة في دولة الجلابة ووجدوا أنفسهم مواطنين من الدرجة الثانية.. وقد سبق بيان علاقات الرق في الدولة السودانية الحديثة.
** تمرد الزرقة من اجل (العدالة الاجتماعية) والقسمة العادلة في وظائف الدولة السودانية وقسمة الموارد الطبيعية والثروة.. وبسبب تنكر النخب الحاكمة في الخرطوم لوعد الفيدرالية للجنوبيين قبيل التصويت داخل البرلمان بانفصال السودان ومن اجل ان يكون التصويت داخل البرلمان بالإجماع على الاستقلال.
(٧) السلم المجتمعي الاهلي بين الإدارات الاهلية للقبائل العربية وقبائل الزرقة في السودان حتى قبيل خروج الاستعمار الإنجليزي المصري:
توجد علاقة ودّ وانسجام وتناغم بين اصحاب الحرفة الواحدة ، وتحديدا بين رعاة البقر المتنقلين بحثا عن الكلأ والماء لابقارهم .. وهم عادة القبائل العربية واذكر منها علي سبيل المثال عرب المسيرية لانتشارهم الواسع ومجاورتهم للقبائل الإفريقية في جنوب السودان-دينكا نقوق ، وكذلك مجاورتهم للنوبة في منطقة جبال النوبة في جنوب كردفان… وسر هذا التناغم بين (المسيرية ودينكا نفوق ) يعود إلى (الحب المشترك للأبقار) .. فالدينكا نقوق يقولون بلسان حالهم نحن الدينكا اصحاب سعية – ما لا نرضاه لأنفسنا (من نفوق أبقارنا جوعا وعطشا ) لا نرضاه لغيرنا من رعاة الأبقار) لذلك ليس من الحكمة ان نمنع إنسانا آخر صاحب سعية مثلنا من ان يرعي ويرتع ويحافظ على حياة ثروته الحيوانيه.. بمعنى ان الدينكا : (يخافون مكر الطبيعة والبيئة) .. وهذا تحالف طبيعي طبقي مصدره المصالح المشتركة.. لقد سجل التاريخ علاقة صداقة وود بين دينق مجوك زعيم دينكا نقوق وبين بابو نمر زعيم قبيلة المسيرية.. وهي صداقة قائمة على التوافق في المصالح الطبقية محورها طريقة كسب العيش (البقرة والحليب) ..وحالة الود بين (دينق مجوك وبأبو نمر) ليست حالة استثنائية ، وانما هو ظاهرة عامة (بين رعاة البقر ) في المناطق الاخرى من الدولة السودانية.. لان اساسها هو توافق المصالح.
بالمقابل .. نعرف التنافر الكبير بين (الرعاة والمزارعين) .. لان البقرة هي اكبر مهدد للزراعة.. الامر الذي يقتضي اتخاذ تدابير وقائية وفتح المسارات لتجنب الصدام والحروب بين الرعاة والمزارعين.
(٨) الشيطآن الذي افسد الود بين المتحابين من اصحاب الحرفة الواحدة (الرعي) هو (العقل الجمعي للجلابة) عسكريين وأحزاب سياسية:
السؤال هو من هو الشيطان الذي فتن ، وخرب السلم الأهلي القائم على التناغم والود المقيم بين الرعاة العرب من طرف وبين الرعاة الزرقة (السود) ؟ . . ومن كلمة (الزرقة) جاءت عبارة السلطنة الزرقاء ، ومن الزرقة جاء اسم السودان. اجيب على السؤال المذكور بأن الشيطآن الذي فرق بين الاصدقاء من اصحاب الحرفة الواحدة هو : ( لعقل الجمعي للجلابة- جيش وأحزاب) + الرأي العام لمجتمع الجلابة (المتواطئ بالدعم العلني للجيش وعدم استنكار جرائمه في ابادة الحواضن المدنية للمتمردين في جنوب السودان وفي جبال النوبة والانقسنا ودارفور . وقد خرب الجيش السوداني/المليشيا – خرب السلم الأهلي بين الزرقة والعرب بان قام بتسليح القبائل العربية وأطلق يدها لتبيد المتمردين الزرقة وحواضنهم المدنية ورخص لها الغنيمة واستباحة اموال الزرقة وأعراضهم !!
(٩) حركة انانيا ون : من اجل العدالة الاجتماعية.. وازالة الغبن الاجتماعي المرتبط بالقسمة الغير عادلة لوظائف السودنة ، ومناهضة تنكر حزبي الاتحادي والديمقراطي وحزب الامة لمطلب (الفيدرالية) :
اننا في مشروع الهامش لا نحتفل بالاستقلال الزائف في الاول من يناير كل عام ، لاننا نعتبر هذا اليوم-الاول من يناير- هو بداية لاستعمار جديد- هو استعمار (الجلابة الشماليين- من الجيلي الى حلفا ) – لبقية مديريات/ أقاليم السودان .. واداة هذا الاستعمار الجلابي الشمالي النيلي هو ما يسمى زورا بالجيش السوداني وهو في حقيقته عبارة عن (مليشيا النخبة النيلية الشمالية) لكون ان ٧٥٪ من ضباطه من ابناء الجلابة . وكل حركات التمرد منذ حامية توريت حتى اليوم- وباستثناء الدعم السريع- كل حركات التمرد .خرجت من رحم (الحركة الشعبية لتحرير شعوب السودان) .. اما الدعم السريع فقد خرج من رحم الجيش السوداني- عفوا مليشيا الجلابة. وخلاصة القول هي حركة أنانيا ون قد حملت السلاح في وجه الحكومة المركزية من اجل العدالة الاجتماعية وازالة الغبن الاجتماعي الناتج عن استحواذ النخبة النيلية الشمالية على وظائف السودنة البالغة (٨٠٠ وظيفة.. نال الجنوبيون منها فقط 4 وظائف!! والهدف الاخر لتمرد توريت هو تحقيق وعد الفيدرالية الذي نقضه حزبا الاستقلال- الاتحادي الديمقراطي وحزب الامة.
في الحلقة (٢) من سلسلة فصول كتاب (التمرد والتغيير.. من حامية توريت حتي الدعم السريع) سوف نتاول: مقاومة التمرد في الجنوب لمشروع الأسلمة والتعريب لنظام عبود .. وبيان ان تمرد الجنوبيين هو السب الاساسي لثورة أكتوبر ١٩٦٤ .. وسوف نبيّن ان ثورة اكتوبر لم تكن سلمية أبداً .. وانما كانت مخضبة بدماء ودموع الجنوبيين المتمردين وحواضنهم الاجتماعية التي عانت من ويلات اللجوء الي دول الجوار.
ابوبكر القاضي
- ويلز/نيوبورت /UK