بقلم : عثمان نواي
منذ بداية الشهر الجارى تنفذ القوات الحكومية اضخم حملة عسكرية شهدتها منطقة جبال النوبة منذ بداية الحرب, حيث حشدت الحكومة قواتها اضافة الى المرتزقة من دول الجوار فى ما اسمته بضربتها الاخيرة للتمرد. فى ذات الوقت فان الطائرات السوخوى والانتنوف ظلت تلقى بالقنابل على قرى المدنيين على مدى الايام الماضية, فى تناقض يشبه حكومة المؤتمر الوطنى والتى كانت قد اعلنت خلافا لما ابطنت وقفا للعدائيات فى شهر نوفمبر لتسهيل حملة تطعيم الاطفال فى مناطق الحركة الشعبية فى جبال النوبة والنيل الازرق. وبينما كان من المقرر للحملة البدء فى الاسبوع الاول من نوفمبر وتستمر لحوالى اسبوع الا ان الحكومة رفضت لقاء الحركة الشعبية للتنسيق معها لقيام الحملة , مما ادى بالامم المتحدة لاعلانها فشلها فى القيام بالحملة وتبليغها مجلس الامن بحاجتها لمساندته للقيام به فى اقرب وقت ممكن.
وكانت الامم المتحدة تامل فى تطعيم 165 الف طفل فى المنطقتين الا ان تعنت النظام منعها من الوصول اليهم. وما كان التعنت المزمن للنظام الا جزءا من خطته المتواصلة لكسب الوقت من اجل محاولة الحصول على انتصارات عسكرية. وفى الوقت الذى كان العالم مشغولا بالتفاوض مع النظام لحثه على المساعدة لتنفيذ الحملة كانت الته العسكرية تواصل قصفها لاولئك الاطفال معجلة بقتلهم , فهى لا تابه بحياتهم فى الاساس , فكيف ستساعد فى حمايتهم من الامراض الفتاكة !!
وفى خلال الاسبوعين الماضيين تعرضت القوات الحكومية لهزائم عسكرية متتالية, ومعظم متحراكتها التى وصلت الى المنطقة وجدت نفسها فى مواجهة تحدى كبير , غير ان القوة الغير النتساوية والمتمثلة امتلاك النظام للقوة الجوية, هى المكسب الرئيسى والجبان لنظام الخرطوم وهى القوة التى ظل يستغلها منذ بداية الحرب الاهلية فى جنوب السودان مرورا بدارفور وحتى الحرب الحالية فى جبال النوبة والنيل الازرق. فسلاح القصف بالطيران هو الميزة النوعية الوحيدة لنظام الخرطوم , وهو السلاح الذى لا يفتا النظام فى محاولة توسيعه وامداده بالمزيد رغم الحصار الدولى لاستيراد السلاح على الخرطوم, الا ان دولا لا تحترم حقوق الانسان مثل ايران وروسيا والصين , ظلت تمد النظام بالطائرات وقطع الغيار والمعدات ليستمر فى حملات الابادة للمدنيين العزل والذين لا يملكون مضادات لذلك السلاح. ومن المعروف ان ما قلب المعادلة ضد الجيش الروسى الضخم فى معركته فى افغانستان , كان امداد الامريكان لحركة طالبان بالاسلحة المضادة للطائرات والتى انهت الحرب فى النهاية لصالح الافغان واجبرت الروس على الانسحاب, وفى السنوات الاخيرة كانت تجربة اغلاق المجال الجوى فى ليبيا هى القشة التى انهت نظام القذافى, وبالمقابل هى التى ما زالت تبقى على نظامين مثل نظامى الاسد فى سوريا والبشير فى السودان فى ظل تخاذل العالم عن فرض خظر جوى لحماية المدنيين فى السودان او القيام باى مجهود حقيقى اخر يؤدى لحماية المدنيين العزل على الارض لفرض شكل من اشكال توازن القوة.
خلال الايام الماضية تواترت الانباء عن الاوضاع الانسانية التردية فى مناطق مختلفة من جبال النوبة بسبب القصف اليومى المتواصل ليل نهار, وحسب بعض الاحصاءات فان اكثر من 30 طلعة قامت بتنفيذها الطائرات العسكرية الحكومية منذ بداية نوفمبر ادت الى مقتل ما لايقل عن 15 شخص اغلبهم من النساء والاطفال وجرح العشرات , بينما فر الالاف من منازلهم خاصة مناطق كجورية والبرام ودلامى والعباسية تقلى والدلنج والقرى المحيطة بها. ووفقا للمواطنين فى مناطق الدلنج وماحولها فان القصف المتواصل منذ اكثر من اسبوع ادى توقف الحياة تماما فى مدينة الدينج ونقص فى المواد الغذائية والكهرباء اضافة الى انقطاع الطريق بين الدلنج والابيض ومنع القوات الحكومية حركة المواصلات.
وفى ظل هذا الوضع الانسانى الماساوى تكمن التساؤولات حول الصمت المطبق للمجتمع الدولى الذى فشل فى مسؤوليته فى حماية المدنيين فى جبال النوبة وتجاهل اكثر من مليون شخص فى حاجة حقيقية الى الغذاء والدواء والامن بالدرجة الاولى. وبينما تلعب الحكومة باوراق المفاوضات وتضغط على المجتمع الدولى بورقة جنوب السودان تزداد الازمة الانسانية فى جبال النوبة وتتحول الى كاؤثة غير مسبوقة يوما بعد يوم , بينما لا يحرك العالم ساكنا لانهائها او تحميل المسئولين عنها وزر جرائمهم ومحاسبتهم عليها كما ينبغى.
[email protected]