بقلم/ شريف ذهب
الإعلامية الراحلة نادية عثمان مختار ، شفافة كالماء الزلال ظاهرها كباطنها ، واثقة من نفسها ، متمكنة في مادتها الإعلامية ، الابتسامة لا تفارق شفتيها وهي تستقبل ضيوفها في البرامج التي كانت تُقدّمها ، مما ادخلها قلب كل من تابعها عبر تلك البرامج ، ومن باب أولى من زاملها وتعّرف عليها عن قرب.
إنسانة بهذه الصفات يشك المرء كثيراً أن تكون لها أعداء ، الّلهم إلا من أعداء النجاح الذين مهما بلغ بهم الحال لا يمكن أن تقودهم تلك الغيرة للتخلص منها جسدياً ، ولكن ربما هنالك دوافع أخرى قد تجعلها في موضع الضحية في خضم الصراع السياسي الدائر في السودان اليوم.
قبل سنوات خلت قمت بكتابة مقال تحت عنوان ( حوادث السير والسموم : أدوات النظام في تصفية الخصوم السياسيين ) . والأستاذة الراحلة تعمل في قناة أم درمان الفضائية التي يمتلك امتيازها الإعلامي الكبير الأستاذ / حسين خوجلي ، وحسين خوجلي قد جنّد نفسه هذه الأيام في كشف الفساد والمفسدين من رموز النظام الحالي ، مما أزعج الكثيرين منهم ، لا سيما أنه بدأ يلج في القضايا الخطيرة التي تمس رؤوس في هذا النظام ، ومنها قضية ( التقاوى ) الفاسدة في مشروع الجزيرة ….و و و ….الحبل على الجرار ، وإصراره على المضي في هذا الطريق بهذه الصراحة والصرامة والشفافية يحمل المعنيين بالأمر بتقديم رسالة تحذيرية قوية له.
وحسين خوجلي بالطبع ليس كأي شخص عادي بإمكان توجيه الرسالة إليه مباشرة كمحاولة اغتياله مثلاً ، لأن الأمر سيكون مكشوفاً للجميع ، لذلك يجب أن تأتيه الرسالة بطريقة أخرى ؟! ، وإلا فما معنى أن يتزامن الحادث الأليم للأستاذة نادية ورفيقتها فاطمة خوجلي مع زمن تقديم البرنامج اليومي لحسين خوجلي وتحديداً حينما دخل في لب الموضوع ؟؟.
نعم قد يكون حادث الأستاذة نادية ورفيقتها ناجم بالفعل عن قضاء وقدر ، وأمر الله نافذ لا محال ، ولكن سوابق كثيرة لهذا النظام تدعونا لجعل رموزه في موضع الاتهام في كل حادث من هذا النوع حتى يكشف التحقيقات العكس ، وبالتأكيد المشاهد المروعة لقتل المدنيين العزل في جنوب كردفان بالطائرات ” الموجودة على روابط المواقع الالكترونية حالياً ” وجرائم دارفور وجرائم التظاهرات الأخيرة في الخرطوم تدلل على عدم تورع عصابات هذا النظام في فعل كل شيء لأجل حماية عروشهم المتهاوية من السقوط المدوي.
وبالتأكيد الأستاذ حسين خوجلي بخبرته المتراكمة في مجال التحقيق الإعلامي فضلاً عن قربه من النظام الحاكم لا يمكن أن تفوت عليه مثل هكذا احتمال ، وكل الخيارات متاحة أمامه لكشف الحقيقة.
بيد أنه للشعب السوداني رأي كذلك ، لعظم الفاجعة في الأستاذة الراحلة مما يحملنا للمطالبة بجعل هذه القضية قضية رأي عام حتى تتكشف خيوطها كاملة للشعب السوداني ، كما نطالب كافة الإعلاميين الوطنيين إظهار تعاطفهم وتعاونهم مع قناة أم درمان الفضائية وصاحبها الأستاذ حسين خوجلي في خطواته تجاه كشف مكامن الفساد والمفسدين ، وذلك بالخروج بتظاهرة صامتة أمام مكتب القناة.
فمهما اختلفت المشارب والرؤى السياسية فثمة اتفاق تام حول قضايا الوطن الكلية وبينها قضايا الفساد واجتثاث رموزه ، كل رموزه ، والأستاذ حسين خوجلي قد جعل من نفسه رأس رمح في هذه القضية وسخّر إمكاناته الشخصية والمادية لأجل ذلك وهي نقطة الملتقى التي يجب ألاّ نخذله فيها.
رحم الله الرائعة نادية عثمان مختار التي إن سكبنا مياه كل بحار الدنيا دموعاً وتوشحنا بسواد كل لياليها أثواباً ، لما كفتنا حزناً على فراقها ، ونأمل أن تكون دماءها الطاهرة الزكية مهراً لحياة جديدة كريمة لهذا الشعب الأبيّ الذي طالما عشقها وعشقته عميقا من صميم فؤادها.
[email protected]