دارفور: قصة الارض المحتلة وحلم العودة بقلم شاكر عبدالرسول

عندما يعلن المجتمع الدولي في مرحلة من المراحل ,  بان ما حدث او يحدث في اقليم  دارفور تعد بمثابة اسوأ كارثة انسانية في العصر , وعندما يحيل مجلس الامن الدولي بعد مداولات مكثفة ملف الاقليم الى المحكمة الجنائية الدولية, ويبدأ المدعي العام للمحكمة بمباشرة مهامه بمهنية ويستخلص بتوجية اصابع الاتهام الى مجموعة محددة من السودانيين بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية .في مثل هذه الحالة واجب علينا كسودانيين ان نرفع الرؤوس من تحت الرمال وان نبدأ برحلة التقصي والبحث عن الحقيقة , ودرب الحقيقة قصير لمن يريد ان يعرفها . ان الذى حدث في الاقليم بان هنالك مجموعات معينة تعرضت بشكل ممنهج لترحيل قسري , وهنالك قرى احتلت وسكنها اناس غرباء , البعض منهم جُلب من وراء الحدود , وهنالك فتيات تم اغتصابهن بطريقة منظمة . فقصة الطالب الذي ترك حقيبته الدراسية تحت انقاض البيت, هاربا من ازيز الانتينوف وحوافر خيول الجنجويد , ويُعثر عليها من قبل موظف غربي يعمل في احدى  منظمات الغوث,  ويبدا برحلة البحث عن الطالب و يجده في احدى معسكرات اللاجئين في تشاد ,  ويسلمه الامانه هي قصة واقعية. وقصة الشيخ ابراهيم محمد دود الذي التقطه عدسة مراسل صحيفة واشنطن بوست ,  قبل خمس سنوات في معسكر كاري ياري بتشاد , واشرنا اليها في حينها, وهي قصة واقعية ايضا ليس من نسج خيال مصور او صحفي امريكي هاوي . للاسف اليوم نقول بحزن عميق ان الشيخ ابراهيم محمد دود ادم صبي من قرية امبرو بشمال دارفور ,  قد فارق الدنيا قبل ان يتح له الحظ بان يرجع او حتى يزور قريته , تاركا لعائلته مفتاح البيت  عسى ولعل ان يعودوا يوما ما . فقصة مفتاح البيت التي ترددت في يوميات اللاجئين الفلسطينيين وفي ادبيات المقاومة الفلسطينية , بدأت تتردد ايضا بكثرة في حياة اللاجئين والنازحين الدارفوريين ,  ما الفارق بان صانع المأساة هناك يهودي ,  بينما المحتل هنا شخص مسلم وعربي . فقصة احتلال الارض والشرع في التغيير الظواهر الديموغرافية في الاقليم لم تتم بشكل عشوائي كما يعتقد البعض بل تم بتخطيط ودراسة من المسئولين في الحكومة السودانية. وفي هذا الصدد يمكننا ان نستشهد بتقرير المولانا دفع الله الحاج . كلنا نعلم بان الرئيس البشير شكل بموجب قرار رقم 97 لسنة 2004 لجنة سُميت ” بلجنة تقصي الحقائق حول ادعاءات بانتهاكات حقوق الانسان المرتكبة بواسطة المجموعات المسلحة في اقليم دارفور ” برئاسة رئيس القضاء الاسبق مولانا دفع الله الحاج . وقدم اللجنة تقريرا على رغم من اننا لدينا الكثير من المأخذ حوله فنستشهد به عسى ان يفيد اصحاب نظرية المؤامرة . يقول التقرير في بعض مقتطفاته ” ……. تأسيسا على ما تقدم زارت اللجنة عدة مناطق في ولايات دارفور ادعى البعض ان ثمة نقل قسري او تطهير عرقي قد وقع فيها . واستجوبت اللجنة اهالي تلك المناطق وثبت امامها ان بعض المجموعات من القبائل العربية هجمت على منطقة ايرم وعلى وجه تحديد قريتي مراية وام شوكة مما ادى الى نزوح بعض المجموعات ذات الاصول غير العربية منها واستقرت فيها القبائل العربية ” ويقول التقرير ” …..ان ما قامت به بعض المجموعات من القبائل العربية افضى الى نزوح قسري لتلك المجموعات ولذلك ترى اللجنة ان يتم تحقيق قضائي لمعرفة الظروف والملابسات التي ادت لهذا الوضع فاذا ما ثبت ارتكاب جريمة النقل القسري تتخذ الاجراءات القانونية ضد تلك المجموعات , ذلك ان ما حدث يشكل سابقة خطيرة تخل بالاعراف السائدة ” ويقول ايضا  زارت اللجنة الكثير من القرى التي تم حرقها بمحليات كلبس , الجنينة , وادي صالح  , كاس  ووجدت ان اغلبها غير مأهول مما لم يمكنها من استجواب سكانها ” هذا التقرير قدمه قاضي سوداني للحكومة السودانية ولشعب السوداني  , نقول له باختصار بان الانتهاكات المذكورة قد تم بتنسيق مباشر بين طيارين سودانيين وضباط من الجيش بمساندة الجنجويد وباشراف من المسئولين , ويمكن لمولانا ان يستعين بمكتب السيدة فاتو بنسودا للاطلاع على هذا الجانب. هل قرا البشير هذا التقرير وماذا فعل بالتوصيات ؟ بالطبع انه لم يقرأه لانه مشغول باعداد اطروحته في رسالة الماجستير.  لماذا صمت النخبة السودانية حول التقرير؟
 
 عندما نترك كل هذه الالغام وراء ظهورنا, ونقفز نحو حبل العودة الطوعية , تلك قصة اخرى. لكي تكون الصورة واضحة لدينا, بعض الشئ على الاقل ,  احب ان انتقل بكم الى قصة شاب من بلدة كبكابية  التقيتُ به قبل اسبوعين في مؤتمر ديموي بولاية ايوا  حيث مثلتُ مكتب الحركة فيها. نحن كسودانيين عادة في مثل هذه اللقاءات نحب ان نجلس مع اشخاص لهم سابق معرفة معنا, فجأة طلب منا منظم المؤتمر بتغيير المواقع بقصد التعارف مع اشخاص جدد, وشاءت الاقدار هذه المرة ان اجلس بجوار بنتين من جنوب السودان وشاب من دارفور تحديدا منطقة كبكابية . انتقل بنا الحديث الى فصل الخريف وعن العودة , ومن دون سابق انذار انتقل بتشاؤم الى تجربة عائلته  قائلا :  ” استأجرتُ لامي  منزلا في مدينة كبكابية لان بيتنا في القرية سكنها غرباء , وامي كرهت حياة المعسكرات , وعندما جاء فصل الخريف قررت الذهاب الى مزرعته في القرية , قلنا لها لا تذهبي لكنها اصرت , وعندما وصلت الى مزرعته وبدأت بتنظيف الارض , جاء شخص غريب لا تعرفها من قبل حاملا بندقيته, قال لها ماذا تفعلين هنا يا مراة ؟ قالت لها هذه مزرعتي واريد ان ازرعها يا ابني , قال الرجل اذا اردت ان تزرع هذه الارض تعال نتفق اولا , قالت لها ما الاتفاق قال الرجل انا اخليك تزرعي الارض وفي نهاية الفصل نقتسم المحصول بالتساوي هذا الاتفاق الاول , اما الثاني نقتسم المزرعة وانت تشتغلين يوما في مزرعتك ويوم في مزرعتي بعدين كل واحد منا ياخذ النصيب الجابو الله . قالت له امي يا ولدي المزرعة ده كبيرة تعال نقتسمها وكل واحد منا يزرع اتجاهه , الرجل رفض العرض وقال انه مشغول ما عندو زمن لشغلانة ده, يقول الشاب تركت امي المزرعة وعادت الى  كبكابية وعندما اتصلتُ بها حكت لي القصة وقالت انا باقي حياتي ده ما اشتغل في مزرعتي لشخص اخر واخذت الدموع تنهمر من عيني الشاب ” هذه القصة لم اسمعها من جورج كلوني او من مايا فارو ,  رغم اننا التقينا بالاخيرة ذات مرة . كما ان وقائها لم تحدث في جزر الواق واق بل حدثت في بلاد السودان. هذه الام رفضت العرض  ربما لان لديها ابن يعش في امريكا لكن في المقابل هناك امهات اخريات يدفعهن الاضطرار لقبول بمثل هذه القسمة . وفي قرى حول الجنينة و منطقة وادي صالح مثل هذا النوع من القسمة تتم تحت اشراف مسئولين محليين , وبترويج من اشخاص ينتمون الى اتفاق الدوحة , انها حقا قسمة ضيزى وعار في جبين البشرية . نصيحتي لاهلنا في معسكرات اللجوء والنزوح , احتفظوا بمفتاح البيت وبعكرة الدار غدا ستعودون والاجيال تصغى لخطاكم عند الاياب , ستعودون لان الحق معكم . فقصة الارض المحتل وحلم العودة في دارفور تلك قصة اخرى من قصص الحرب في الاقليم لم تفتح كل فصولها بعد … انها نكسة.
 
مدير مكتب حركة العدل والمساواة في امريكا
[email protected]   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *