ترجمة : بابكر فيصل بابكر
أود في البدء أن أتقدم بالشكر لمركز مايكل أنصاري لإتاحته الفرصة لمناقشة قضية هامة تخص علاقة الولايات المتحدة بأفريقيا. أنا مُمتن لجي بيتر فام مدير المركز لترتيب وإدارة لهذه الجلسة.
السودان والسودانيين
عند الحديث عن السودان غالباً ما يتم التركيز على إتفاق السلام الشامل والعلاقات بين السودان وجنوب السودان. على الرغم من أنَّ هذه الموضوعات تشكل أهمية كبرى إلا أنها في بعض الأحيان تطغى على أهمية العلاقة بين الولايات المتحدة والسودان.
[ليمان]
في 12 أبريل من هذا العام وجه الرئيس أوباما رسالة عبر الفيديو إلى الشعب السوداني في السودان وجنوب السودان قال لهم فيها ” إنَّ مستقبلكم مشترك”. ” لن يستطيع شعب منكم العيش بسلام إذا كان جاره يشعر بالتهديد. لن يشهد أياً منكم تنمية وتقدم إذا رفض جاره أن يصبح شريكاً له في التجارة”. كان الرئيس يخاطب جوهر سياستنا تجاه السودان. كان هدفنا من إتفاق السلام الشامل بمجرَّد أن إختار الجنوب الإستقلال هو وجود دولتان قابلتان للحياة تتعايشان بسلام وتستفيدان من فرص التعاون الإقتصادي والتنمية. بدون ذلك, بدون أن تكون الدولتان قويتان ومسالمتان ومتطورتان إقتصادياً فإنَّ حظوظ كلاً منهما ستكون في خطر.
حتى الآن إتسمت علاقاتنا مع السودان بالإضطراب. لقد ظللنا لقرابة عقد من الزمن على خلاف بشأن دارفور, و على وضع المفاوضات مع جنوب السودان, ومؤخراً النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق. في وقت سابق خلال عقد التسعينيات وضعت الولايات المتحدة السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب الدولي. مع تطور الصراع في دارفور و الإتهامات الكبيرة في مجال حقوق الإنسان ضد حكومة السودان فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على السودان. معظم هذه العقوبات تمَّ تحويله إلى قوانين ما تزال سارية حتى اليوم.
هذا ليس وضعاً يفسح المجال بسهولة لتطبيع العلاقات. لقد فرض هذا الوضع قيوداً على تفاعلنا في المستويات العليا, وقد أثر ذلك على قدرتنا على القيام بدور أكثر نشاطاً في المفاوضات في إطار اتفاق السلام الشامل. وقد تولد عنه الشك والعداء العام في كثير من الأحيان بين بلدينا. قبل كل شيء, حرم بلدينا من تحقيق الفوائد المرجوة من وجود علاقة طبيعية : العلاقات السياسية والأمنية,والفوائد الاقتصادية التي يمكن أن يجنيها البلدان. ليس من مصلحتنا أن تكون العلاقات مع السودان سيئة. في أوقات سابقة كان لدينا برامج مساعدة حيوية في مجالات التعليم والزراعة, وغيرها من المجالات. حتى في ظل الظروف الراهنة فإنَّ سفارتنا تساهم في تلبية الاحتياجات الإنسانية وبناء القدرات, ولكن مع التطبيع يمكننا أن نفعل أكثر من ذلك بكثير. ويحزننا نحن الذين نعرف التاريخ الغني والتقاليد, والثقافة, وحسن الضيافة التي يتمتع بها الشعب السوداني أن لا نكون على علاقة دافئة وودية كما كنا في الماضي.
لكن كيف ننتقل إلى علاقة أفضل ؟ ليس من المعقول أن ندعي أن القضايا التي بيننا ليست مهمة أو ليست ذات صلة بطبيعة علاقتنا. كما أنه ليس من السهل الفصل بينها – القضايا – إلى الحد الذي يمكن أن نتجاهل بعضها ونقوم بحل البعض الآخر. علينا أن نكون صريحين مع بعضنا البعض بخصوص مصادر الخلافات وما يتوقعه كل طرف من الآخر.
الاقتراح الذي أريد طرحه اليوم هو أن حل هذه القضايا أمر جيد بالنسبة للسودان كما هو الحال بالنسبة للعلاقة مع الولايات المتحدة. وأعتقد, ويحدوني الأمل أن يعتقد السودانيون كذلك , أنَّ أية شروط, أو اقتراحات، أو توصيات من طرفنا بخصوص تطبيع العلاقات ستكون مفيدة أيضاً للسودان, وهذا ليس لأننا أوسع حكمة, أو أكثر معرفة وخبرة وفهماً للسودان من السودانيين أنفسهم, ولكن لأن هدف التطبيع بالنسبة لنا كما قلت هو وجود دولة سودانية مسالمة وقابلة للحياة, ومتطورة اقتصادياً وشريكة في المجتمع الدولي. الشروط التي نبحث عنها هي تلك التي نعتقد بصدق انها تتفق مع مصالح السودانيين في السلام والتنمية. و قد يختلف السودانيون مع بعض هذه الشروط. لكن أود أن أطلب أن يختلفوا معنا ليس من باب الشك في دوافعنا ولكن لأنهم يرون طرق أفضل لتحقيق هذه الأهداف. وسنكون كلنا آذاناً صاغية.
لبَّ الموضوع
بعد الفراغ من اتفاقية السلام الشامل وانفصال الجنوب كانت أمام السودان فرصة وكذلك كانت هناك بعض التحديات الهائلة. كانت الفرصة هى تجديد نفسه , حيث أضحي بمختلف المعايير بلداً جديداً,بحدود جديدة، و توازنات جديدة في التركيبة العرقية والدينية, و كذلك فتحت أمامه طرقاً جديدة للحكم. هذه العملية لا تزال جارية و يمكن لهذا البلد الجديد أن ينظر إلى الوراء للإسترشاد بلحظات فخر في تاريخ ما بعد الاستقلال . ولكن حجر العثرة في سبيل هذا التجديد يتمثل في النزاعات و تركة السياسات والممارسات الضارة السابقة. لا يمكن للسودان التعامل مع المشاكل المستمرة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق وأماكن أخرى من البلاد بنفس نظام الحكم الذي لا يلبي حاجة ساحة سياسية أكبر، ومطالبة أكبر بتقاسم الثروة والفرص, وبالمزيد من الديمقراطية. إنَّ محاولة قمع هذه المطالب عسكرياً أدى إلى استمرار الصراع. هذه هى الحلقة المفرغة التي تحرم السودان من الفجر الجديد.
لكن لماذا يسبب هذا قلقاً للولايات المتحدة ؟ بصراحة أكثر, ما شأننا نحن ؟ أود أن أقول أن هذه القضايا هي في صلب الخلافات بيننا. إنَّ النظر إلى أشكال القمع العسكرية أو غيرها يضع السودان في صراع ليس فقط مع الولايات المتحدة ولكن مع الكثيرين في المجتمع الدولي. حماية حقوق الإنسان, وقواعد الحرب, والممارسات الإنسانية أضحت مجالاً لإهتمام العالم كله في الوقت الراهن. وقد تم إدماجها في القرارات والقوانين التابعة للأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية الأخرى. وعندما تشكل الممارسات والسياسات التي تنتهك هذه القواعد خطراً على السلام والأمن في المنطقة أو خارجها، فإنها بالتأكيد تؤثر على العلاقات مع الآخرين.
لكن بالعودة إلى مقترحي الرئيسي فإنَّ هذه القضايا تضر كذلك بالسودان والشعب السوداني. السودان اليوم ينفق أكثر من نصف ميزانيته على قوات الأمن لدعم القتال في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور, و لمعالجة الاضطرابات في الشرق, و في الاشتباكات على طول الحدود مع جنوب السودان. هذا في الوقت الذي يواجه فيه السودان اجراء تعديلات إقتصادية كبيرة بسبب فقدان النفط إلذي ذهب لجنوب السودان. لقد اضطر السودان إلى خفض دعم حيوي كان يذهب للفقراء وللطبقة الوسطى. وهو كذلك يعني تقليص البنية التحتية وغيرها من الاستثمارات. حتى قوات الأمن تواجه التخفيضات. التضخم بلغ الآن حوالي 40٪, والكثير من العائلات تواجه صعوبة في وضع المواد الغذائية الأساسية على طاولة الطعام. لقد أدت هذه الظروف إلى احتجاجات واسعة النطاق كان الرد عليها بالإعتقال, وهناك مزاعم بالتعذيب، وقمع المعارضة. ويحزننا أن نعلم أن ما لا يقل عن سبعة طلاب قتلوا في نيالا في 31 يوليو. لا ينبغي أن تكون هذه هى الكيفبة التي يتم بها التعامل مع المعارضة. يمكن للسودان أن يجرب السلام, وليس فقط السلام مع جنوب السودان, ولكن السلام داخلياً. نفس القضايا التي تقف حائلاً في طريق السلام هي التي تعوق تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة. بالتالي كيف يمكننا المضي قدماً ؟ وأنا على يقين إنه بإستطاعتنا التقدم.
دور الولايات المتحدة
كان هناك الكثير من النقاش حول التاريخ الحديث للعلاقات بين الولايات المتحدة والسودان. في الواقع هناك الكثير من الاتهامات من داخل السودان. لقد اتهمت الولايات المتحدة باستمرار ب “تحريك قوائم المرمى”, تغيير الشروط التي تمكننا من إحراز تقدم, على سبيل المثال، موضوعات مثل إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب و دعم تخفيف عبء الديون وما شابه ذلك. هناك اتهامات بأننا في الواقع لا ندعم فقط ولكننا نعمل بنشاط على تشجيع تغيير النظام. و ليس من المستغرب أن الشك يدور في أذهان بعض السودانيين حول المدى الذي سيستغرقه تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة. اريد أن أوضح هذا بجلاء اليوم, وعلى السودانيين أن يقرروا إن كان ما نسعى إليه هو في الواقع يحقق مصلحتهم أم لا، وإذا كان يستحق القيام به أم لا.
بداية لا بد من إعطاء خلفية تاريخية. صحيح أنه في المراحل النهائية من المفاوضات حول اتفاق السلام الشامل أشارت الولايات المتحدة الى انَّ توقيع الاتفاق مصحوباً معهُ تأهل السودان بموجب تفاصيل القانون سيُمكن السودان من أن يرى إزالة إسمه من لائحة الارهاب. لكن دارفور غيَّرت البيئة التي يمكن أن تتحقق فيها هذه المصالحة. طوال السنوات من 2004 إلى اليوم، إستهلك الصراع هناك الكثير من الاهتمام ليس فقط من قبل الولايات المتحدة ولكن كذلك من مجلس الامن الدولي. بشق الأنفس تم الوصول لإتفاق حول المساعدات الإنسانية , وتم نشر قوة لحفظ السلام ذات مصداقية, وبدأ التقدم نحو تسوية سياسية. كان هناك الكثير من الخلاف بين بلدينا حول هذه المسألة. حتى اليوم، لا تزال هناك قضايا المساءلة، وتحقيق الأمن في دارفور، وعودة ما يقارب 2 مليون شخص من النازحين داخلياً.
ومع ذلك عادت الولايات المتحدة لمسألة التطبيع مع اقتراب الاستفتاء في الجنوب والانتهاء من اتفاق السلام الشامل. في نوفمبر 2011 وضع الرئيس أوباما خارطة طريق للتطبيع. في خارطة الطريق قالت الولايات المتحدة انه اذا سمح للاستفتاء المقرر عقده في 9 يناير 2011 أن يمضي قدماً دون تدخل و تم الإعتراف بنتائجه فان الولايات المتحدة سوف تبدأ عملية لإزالة إسم السودان من لائحة الارهاب. لقد كان هناك جدول زمني محدد للقيام بذلك. يتوجب على الإدارة الأمريكية فحص ستة أشهر من النشاط من قبل البلد المعني حتى تتأكد من وجود أي دليل على دعمه للإرهاب الدولي.
إذا قرَّرت الإدارة أنَّ البلد المعني لم يقم بدعم الإرهاب فإنها تقوم بتحويل القرار للكونغرس الذي يعطي رداً خلال 45 يوماً. قام الإستفتاء في موعده, واعترف السودان بنتائجه, صوَّت جنوب السودان للإنفصال. بعد ذلك بدأ الرئيس أوباما فترة الستة أشهر. كذلك طلبت الولايات المتحدة من البنك الدولى تكوين لجنة فنية لبدء عملية التأكد من أحقية السودان في إعفاء الديون, وكذلك أصدر رخصاً للعديد من الشركات الأمريكية لمساعدة السودان في التنمية الزراعية. وعدت خارطة الطريق بالمزيد من الخطوات في حال التوصل لحل للقضايا الأساسية العالقة بين السودان وجنوب السودان, وحقق جنوب السودان إستقلاله في 9 يوليو.
تقاطع تطوران هامان مع خارطة الطريق. التطور الأهم كان إندلاع القتال بين الحكومة والحركة الشعبية – الشمال في يونيو 2011 بجنوب كردفان وبلوغه ولاية النيل الأزرق. عادت الدائرة الفظيعة التي تحدثت عنها سابقاً للحدوث مرة أخرى. تحولت الحكومة – كما فعلت في دارفور – لإستخدام القصف الجوي الذي شمل قصف المدنيين, والأسواق, والمواقع غير العسكرية الأخرى. الجيش والمليشيات شرعت في عمليات للإعتقال العشوائي والقتل وحرق القرى. رفضت الحكومة دخول المساعدات الإنسانية للمناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية – الشمال رغم توقعات المجاعة الطاحنة. حتى اليوم هرب أكثر من 200 ألف لاجىء من المنطقتين, وما يزال مئات الآلاف في الداخل يواجهون الخطر. في مثل هذه الظروف فإنَّ المطالب الشرعية التي تنادي بها الحكومة – مثل الإعتراض على وجود جيشين في دولة واحدة – تم التغطية عليها بإنتهاكات حقوق الإنسان والقواعد الحديثة للحرب التي وقعت في المنطقتين. هذه أمور خطيرة, وتجعل من المستحيل على الولايات المتحدة المضي قدماً في التطبيع مع الخرطوم كما كانت تنتوي. ومع ذلك إستمرَّت الولايات المتحدة.
المشكلة الثانية التي واجهت خارطة الطريق كانت القضايا العالقة بين السودان وجنوب السودان التي لم يتم حلها مع إقتراب 9 يوليو والتي لا يمكن أن نحمل السودان وحده مسئوليتها لأنها قضايا شائكة و تشمل تفاوضاً بين طرفين. لذلك قدمت الولايات المتحدة للحكومة السودانية في نوفمبر 2011 مقترحاً بوقف القصف على المدنيين في هاتين المنطقتين, والسماح بوصول المساعدات الإنسانية, والبدء في محادثات سياسية مع الحركة الشعبية – شمال, مقابل أن تستمر عملية شطب إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. ولكن السودان لم يستجب. خلاصة القول, في كل مرة نكون فيها مستعدون للمضي قدماً في تحسين علاقاتنا, فإنَّ الحرب والإنتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان تعوق جهودنا.
لا أحبذ المضي قدماً في هذه التفاصيل التاريخية لأنها كانت مصدراً للجدل والإتهامات بسوء النية, و إتهامات الطرف الآخر بكسر قواعد السلوك الدولي, وما إلى ذلك. أنا لا أريد إعادة صياغة تلك الحجج هنا. ذلك لن يوصلنا إلى أي نتيجة . بدلاً من ذلك، أريد أن نتطلع إلى الأمام, أن ننظر إلى الحالة و الوقت اللذان لم تكن فيهما العلاقات فقط مطبَّعة بين بلدينا بل كانا يعملان سوياً من أجل السلام والتنمية.
أسمحوا لي أن أعيد التأكيد على أن الولايات المتحدة تريد أن تكون لها علاقات طبيعية و مثمرة مع السودان. لدينا الكثير من التاريخ المشترك. لدينا أهداف مشتركة عديدة. لدينا فرصة للتعاون المثمر من أجل السلام والاستقرار والتنمية.
سيناريو متخيَّل للعلاقة الجديدة
اسمحوا لي أن أطلب منكم أن تتخيلوا تلك العلاقة وما يمكن أن تكون عليه. سيكون في السودان حكومة على استعداد لمعالجة القضايا الأساسية التي سببَّت له النزاع الداخلي ونتجت عنها هذه الظروف الاقتصادية الصعبة. هذه هي القضايا الأساسية للحكم التي ظلت قيد المناقشة في البلد. الحكومة ستظهر نفسها بصورة الحكومة المسؤولة، والملتزمة بالديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، و ستعمل على مأسسة هذه المبادىء من خلال عملية دستورية تستند الى قاعدة واسعة, عملية يتم فيها إشراك الناس من جميع أنحاء البلاد. إذا كانت نوايا الحكومة واضحة وذات مصداقية للشعب السوداني فأنها ستكون ذات مصداقية للمجتمع الدولي. ستنهي الحكومة أي قصف للمدنيين وتدعو إلى وقف الأعمال العدائية في المنطقتين وتشرع في محادثات سياسية مع خصومها هناك. وسترحب بالعرض المقدم من المجتمع الدولي لتقديم الإغاثة الإنسانية الملحة لشعبها في المنطقتين وبالتالي تجنب المزيد من المعاناة الإنسانية. العملية الدستورية ستعالج قضايا الحكم في دارفور ووضع حد للصراع هناك. وسيتم وضع برامج مستدامة إنتظرها الناس طويلاً لتحقيق العدالة , وتسوية قضايا الأراضي والتعويضات والعودة الطوعية . ستسعى الحكومة إلى إيجاد حل سريع وذو مغزى للقضايا العالقة مع جنوب السودان, بما يسمح بإستئناف إنتاج النفط وتصديره, و ترسيم الحدود, والاتفاق على كيفية حل قضايا الحدود المتنازع عليها مثل قضية أبيي. ستستأنف التجارة بين البلدين وهو الأمر الذي سيخفف من المعاناة الاقتصادية للعديد من المواطنين على جانبي الحدود.
تخيَّلوا معي رد فعل المجتمع الدولي و خصوصاً الولايات المتحدة. سنستخدم نفوذنا لضمان إستجابة الحركة الشعبية –الشمال الى وقف القتال في المنطقتين واستعدادها غير المشروط للمشاركة في القضايا السياسية والأمنية التي أدت إلى هذا الصراع. سنستخدم جميع مواردنا ونفوذنا للتأكد من أن جنوب السودان سيرد بنفس الروح وأن تكون هناك مقترحات سريعة وذات مغزى من جنوب السودان لضمان سلمية الحدود , والتجارة، والتعاون. سندعم استخدام قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في اى دور يمكن أن تقوم به في هذا الصدد, كمراقبين, ومحققين, أو بتواجدهم على الحدود أو أى مكان يتفق حوله البلدان. سنقوم – ومعنا شركائنا الدوليين – بإرسال إشارة قوية إلى كل المجموعات المسلحة بأنَّ مبررات القتال لم تعد موجودة, وأنَّ من يواصل منها القتال سيتعرض للعقوبات.
ليس هذا فحسب بل سيكون هناك ما هو أكثر من ذلك بكثير. يمكنني تصور القوات المسلحة السودانية و لم يعد ينظر إليها كأحد الجيوش التي تنتهك المعايير الدولية ولكن كجيش محترف بدرجة كبيرة وله علاقات قوية مع العديد من الدول ذات السمعة المماثلة. وهذا الإصلاح يمكن أن يتم , ولكنه كغيره من التغييرات قد يستغرق بعض الوقت ولكن الاتجاه سيكون واضحاً من التغيير في السياسات المذكورة أعلاه. أستطيع أن أرى عودتنا إلى العلاقات المهنية التي ربطتنا مع القوات المسلحة السودانية في فترة سابقة. ستكون هناك مرة أخرى تبادلات بين مدارسنا و كلياتنا العسكرية. ويمكن أن تساهم القوات المسلحة السودانية في قوات حفظ السلام في أفريقيا وخارجها. وسيتطور اهتمامنا المشترك بمكافحة الارهاب بصورة أقوى.
الأهم من ذلك كله سيكون هناك تعاون اقتصادي. سوف تعمل الولايات المتحدة مع المجتمع الدولي لحشد الدعم الاقتصادي للسودان لمساعدته على تجاوز الفترة الإنتقالية بعد خسارته جزءً كبيراً من إيراداته النفطية السابقة. وهذا سيكون جزءً من التسوية مع جنوب السودان لإستئناف إنتاج النفط. الإدارة الأمريكية سيكون لديها الأرضيَّة لإجراء مشاورات مع الكونغرس لرفع العقوبات التي حالت دون وصول السودان إلى الدعم المقدم من مؤسسات التمويل الدولية, واستخدام النظم المصرفية الدولية. من المؤكد أنَّ هناك بلداناً أخرى ستتحرك في نفس الاتجاه أيضاً. و هو ما سيُمكن السودان من الإستغلال الكامل لموارده الزراعية والمعدنية الغنية . أخيراً, يمكن للولايات المتحدة استئناف عملية إزالة إسم السودان من لائحة الارهاب, وهو الأمر الذي سينهي تلقائياً بعض العقوبات والقيود الأخرى.
قد يجادل البعض في أن توجهات السياسة العامة التي وصفتها أعلاه والتي من شأنها أن تضع السودان في اتجاه جديد هي أهداف أمريكية لا تعكس بالضرورة احتياجات السودان. في الواقع لقد دعت لهذه الأفكار طائفة واسعة من المجتمع السوداني. لقد تمَّت الدعوة إليها من قبل السياسيين وأحزاب المعارضة والطلاب الذين سعوا بشجاعة ليكون لهم صوت مسموع في هذه القضايا, وأولئك الذين حملوا السلاح. وكذلك جرى الترويج لها أيضاً من قبل البعض في الحكومة و في الحزب الحاكم, والأجهزة الأمنية. لقد تحدَّث عضو بارز في حزب المؤتمر الوطني في الآونة الأخيرة عن ضرورة ” قيام وحدة وطنية قوية ودائمة تنبني على دستور توافقي. منظور الدستور الجديد – كما قال – يجب أن يكون واسعاً بما يكفي ليشمل قضايا مثل تقاسم السلطة و اللامركزية و التنمية الاجتماعية والاقتصادية, والعلاقات بين المركز والأطراف, وتعريف أشمل للعدالة “. والمح عضو الحزب الحاكم إلى الجانب المضىء في ثورات الربيع العربي التي أعطت زخماً لقضية الديموقراطية, وقال إنَّ ” صعود الحركات الإسلامية في العديد من البلدان العربية, وفي تركيا قبل ذلك يجب أن يؤكد للإسلاميين الحاكمين في السودان أنَّ النظام الديموقراطي يمكن أن يعمل لصالحهم.”
مسارات التجديد
لقد عاش السودان وقتاً طويلاً من تاريخه في حالة حرب. عندما يتحدث الناس عن التغيير, وخاصة تغيير النظام, فإنهم يعنون في كثير من الأحيان التغيير العنيف, لكن السودان لا يحتاج الى المزيد من الحروب. الالتزام بالحرب لن ييحدث التجديد الذي يستحقه السودان . من المؤكد أنَّ الحل لا يتمثل في المزيد من الحروب و المزيد من الوفيات والنزوح . الحرب و العنف لا يمثلان ضرورة لتحقيق التغيير. ما يتطلبه الأمر ( أى التغيير) هو التزام عدة أطراف من الطيف السياسي داخل وخارج الحكومة, من مختلف الأحزاب والمناطق, وحتى من أولئك الذين شاركوا من قبل في الأعمال القمعية و لكنهم يجدونها اليوم غير مجدية, بالعمل معاً لإيجاد طريقة جديدة للمضي قدماً. تحقيق التغيير لا يعني الحرب إنما يعني التزام من أولئك الذين لديهم الفرصة, والموقف, والجماهير, ونوعية القيادة القادرة على تجميع الأمَّة في صعيد واحد حول المسار الجديد. وهذا بالطبع سيكون تحدياً صعباً من العديد من النواحي. سوف تكون هناك مناقشات, ومقاومة للتغيير من جهات عديدة, الجدل سينصبُّ حول طريقة ومدى سرعة التغيير, وطالما كان هذا النقاش جزءً من العملية السياسية فإنَّ إدارته ممكنة من قبل قيادة قوية وملتزمة.
إذا أمكن تمرير هذا المسار فإنَّ الولايات المتحدة سوف تستجيب. وسوف نعمل على إقامة علاقة جديدة ومثمرة. بالنسبة للولايات المتحدة سيوفر هذا المسار وسيلة لتحقيق هدفنا رقم واحد الذي أكدَّه الرئيس أوباما مراراً وتكراراً : السلام لجميع السودانيين. مع السلام ستزدهر علاقتنا في كل النواحي . مع السلام سيصبح السودان شريكاً مرغوباً فيه من أجل السلام في المنطقة, وفي كل أفريقيا. مع السلام ستعرف حياة السودانيين إمكانيات جديدة، و ستتجدد, وسيعرفون حياة أفضل لأطفالهم, ولأحفادهم, وللجميع .
سودانايل