الميرغني لـ «الشرق الأوسط»: الانسحاب من الحكومة «ليس نزوة»
رئيس الحزب «الاتحادي» السوداني طالب بوضع دستور بمشاركة كل القوى تمهيدا لانتخابات عامة
محمد سعيد محمد الحسن
استبعد رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني، محمد عثمان الميرغني، انسحاب حزبه من الحكومة في الوقت الحاضر، قائلا في حوار مع «الشرق الأوسط» إن «الانسحاب من الحكومة ليس نزوة ولا مغامرة ولا استخفافا.. فهو مسؤولية وطنية وقومية تماما كمسؤولية قرار المشاركة الذي فرضته الاعتبارات الوطنية ومواجهة المخاطر المحدقة بالوطن».
وأعلن الميرغني استعداده لزيارة جوبا إذا تعهدت حكومة الجنوب بوقف العدائيات ضد المواطنين وممتلكاتهم داخل حدود السودان، والتعامل كدولة بجدية في الحفاظ على الحدود المشتركة للبلدين. ووصف الميرغني المفاوضات بين وفدي دولتي السودان بأنها مثيرة للقلق، لأن الجانب الجنوبي يأتي بمفاجآت تربك المفاوضات وآخرها تقديمه لخريطة جديدة للجنوب تضم مناطق داخل حدود السودان. وأضاف «إذا أخذت الخريطة الجديدة بمحمل الجد فإنها ستكون بمثابة إعلان حرب».
وطالب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي بالتعجيل بوضع دستور السودان بمشاركة كل القوى السياسية والوطنية للترتيب للانتخابات العامة وإنهاء الفترة الانتقالية. وحذر من المهددات التي يمكن أن تطيح باستقرار ووحدة السودان، وحث على وضع معالجات اقتصادية فورية لرفع المعاناة عن المواطنين.
وبالنسبة لمصر التي يرتبط حزبه بها تاريخيا، طالب الميرغني الرئيس المصري الجديد الدكتور محمد مرسي، بأن يكون رئيسا لكل المصريين، وأن يعمل على تحقيق أهداف ثورتها.
* هل صحيح ما تردد عن اعتزام «الاتحادي» الانسحاب من الحكومة؟
– عندما قررنا المشاركة في الحكومة، خضع الأمر لمناقشات متأنية ومداولات متريثة ومشاورات كثيفة، وجاءت الحيثيات أن المشاركة تمليها وتفرضها الاعتبارات الوطنية البحتة وضرورة مواجهة الأخطار والمهددات التي تحدق بالوطن، ووقعنا برنامجا وطنيا مع المؤتمر الوطني (الحاكم) ليحقق الأهداف العليا، وفى إطار هذه الخلفية فإن قرار الانسحاب ليس نزوة ولا مغامرة ولا استخفافا، إنما هو أيضا مسؤولية وطنية وقومية بالدرجة الأولى خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي يواجه فيها السودان مهددات ومخاطر حقيقية تتطلب تماسك الجبهة الداخلية والوفاق الوطني الشامل لمواجهة الأخطار كافة.
ولا بد أن أذكر أن المواقف المبدئية تجاه الوطن غير قابلة للمزايدة وللافتراض، والاستخفاف. وستظل قضية الوطن وحمايته راية مرفوعة غير قابلة للانتكاس. وسنظل متمسكين بالبرنامج الوطني المتفق عليه.
* كيف تنظرون للأوضاع الاقتصادية والمعيشية؟
– نعتبر الوضع المعيشي والاقتصادي لكل المواطنين صعبا للغاية، وقد كانت رؤيتنا واقتراحاتنا للشريك المؤتمر الوطني في الاجتماعات المشتركة بأن أي إصلاحات اقتصادية يتحتم أن تكون لصالح تخفيف معاناة المواطنين وليس زيادتها بأي حال من الأحوال، وضرورة إيجاد البدائل التي توفر الدخول والعائدات لصالح الاقتصاد الوطني وبوجه خاص جذب تحويلات واستثمارات السودانيين العاملين بالخارج مثلما تفعل دول كثيرة، وذلك بتوفير المحفزات والتسهيلات التي تجعل تدفقها سهلا وممكنا، لصالح الاقتصاد الوطني ولصالح السودانيين العاملين بالخارج، ولا بد أن تكون قضية معيشة المواطنين لها الأسبقية واهتمام الدولة، وضرورة رفع المعاناة عن الجماهير الصابرة.
* ما هي أولويات الحراك السياسي على المستوى الداخلي؟
– نعتقد أن التحولات والتغييرات المتلاحقة تقتضي التعجيل بوضع الدستور الجديد الذي تشارك في وضعه وصياغته كل القوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني، لأن الدستور الانتقالي استنفد أهدافه بعد إجراء الاستفتاء وتقرير المصير وانفصال الجنوب، ولا بد من التعجيل في إنجازه لترتيب الانتخابات العامة المقبلة للمؤسسات الديمقراطية المنتخبة، فلا يمكن أن تستمر الفترة الانتقالية إلى أبعد من العام الحالي، أي 2012، لترسيخ عملية تداول السلطة عبر صندوق الاقتراع.
ولا بد أن نصطحب الجهد المخلص على كل المستويات لتوحيد الجبهة الداخلية ولتحقيق الوفاق الوطني الشامل لمعالجة القضايا العليا وإحلال السلام والتنمية في دارفور والاستقرار التام في مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان. ومن دون ذلك سنظل نواجه المخاطر والمهددات في المحافظة على السودان.
* هل حددتم موعدا لانعقاد المؤتمر العام لحزب الاتحادي الديمقراطي؟
– تقوم الأجهزة المعنية في الحزب بالترتيب لعقد المؤتمرات في كل مناطق وأقاليم السودان لاختيار ممثليه للمؤتمر العام الذي سيعقد بنهاية العام الحالي بإذن الله.
* هل تزور جوبا إذا جددت دعوتها الرسمية للقاء الفريق سلفا كير؟
– عندما قدمت إلينا الدعوة قبل إجراء الاستفتاء وتقرير المصير عام 2011 قبلنا الدعوة ورحبنا بها، وطلبنا أن تسبق حضورنا لجوبا تأكيدات بالتمسك بوحدة السودان شماله وجنوبه وضرورة تأمين التواصل والتعاون بين المواطنين كافة في وطن واحد. ولم تتم الزيارة لأن جوبا لم تستجب أو لم توف بتعهداتها ولا التزاماتها، ومع ذلك سأقبل الدعوة لزيارة جوبا إذا تعهدت حكومة الجنوب بوقف العدائيات ضد السودان وضد المواطنين وممتلكاتهم داخل حدود السودان، وأن تتعامل كدولة معنية بإقامة جوار حسن وتواصل وتعاون، وتؤمن السلامة والاستقرار لكل المواطنين والقبائل على الحدود المشتركة، ولا بد أن تؤكد جوبا أنها دولة تحترم علاقات الجوار. وأي زيارة لدولة جوبا التي كانت جزءا من وطن واحد هو السودان يجب أن ترتبط بأهداف ومصالح مشتركة والمنافع العليا للبلدين، ويجب أن تلتزم باتفاقيات وقعناها.
* كيف تنظرون لجولات المفاوضات بين وفدي السودان ودولة الجنوب في أديس أبابا لمعالجة القضايا المعلقة؟
– ننظر إليها بشيء من القلق، لأن الجانب الجنوبي في المفاوضات يأتي بمفاجآت تربك المباحثات كما تربك الوسيط الأفريقي خاصة في جولة المفاوضات في مطلع يونيو (حزيران)، حيث قدم وفد دولة الجنوب خريطة جديدة للجنوب تضم مناطق هي في الأصل مناطق داخل حدود السودان حسب خريطة أول يناير (كانون الثاني) 1956، المعترف بها إقليميا ودوليا، وأمنت عليها اتفاقية السلام الشامل التي وقعت في مطلع 2005، أي أنها حدود ومناطق لا خلاف عليها، وهو أمر يعكس أجندة عدائية وعدم الرغبة في تفاهمات بحسن الجوار، بل إذا أخذت الخريطة الجديدة لدولة الجنوب على محمل الجد فإنها بمثابة إعلان حرب. فكيف تقدم دولة على وضع خريطة تضم مناطق داخل حدود البلد الأخرى؟ إن جوبا تحتاج إلى إعمال الحكمة والتعقل في التفاوض لأنه ليس في مصلحة الشمال ولا الدولة الجديدة الناشئة أن يحل العداء والمواجهة محل التقارب والتعاون والتواصل الذي هو أساس العلاقات بين دول الجوار.
* هل أنتم راضون عن أداء مفاوضي حكومة السودان؟
– وفد التفاوض السوداني يضم عناصر ذات خبرة وكفاءة، ومعرفة خلفيات الملفات العالقة، ولا غبار على أدائها، ولكن نلفت النظر إلى أن طبيعة القضايا موضوع التداول مع حكومة جوبا تعتبر قضايا وطنية وقومية ومصيرية، ولذلك نرى ضرورة مشاركة القوى المؤثرة الأخرى في الحكومة وفي خارجها بحيث تكون معبرة ومتفقة معا في رؤيتها تجاه القضايا المعلقة، لأن السودان قضاياه تهم كل القوى الوطنية والسياسية وليس المؤتمر الوطني وحده، ولا بد من تفادي إخفاقات حدثت بسبب عزل الآخرين عن المساهمة والمشاركة المطلوبة.
* كيف تنظرون إلى نتائج انتخابات رئاسة الجمهورية في مصر؟
– نحن تربطنا علاقة تاريخية طويلة مع الشقيقة مصر، ونحن دعاة الاتحاد بين شطري وادي النيل منذ حقبة الأربعينات، وأحرزنا الأغلبية البرلمانية في مجلس البرلمان والشيوخ على أساس شعار وحدة وادي النيل، وذلك في أول عام أجريت بموجب اتفاقية الحكم الذاتي وتقرير المصير عام 1953، ولذلك فنحن معنيون تماما بما يجري في مصر، ونحن مع الشعب المصري في خياره واختياره لرئيس الجمهورية، ونأمل أن يكون رئيسا لكل المصريين، وأن يتحمل مسؤولية قيادة البلاد بالحكمة والحسم الذي يضع مصالح مصر واستقرارها وأمتها وأهداف ثورتها الشعبية نصب الأعين وفوق كل اعتبار. لقد كانت لنا اتصالات مع القيادات السياسية، وبعثنا برسائل للقيادة في مصر تمنينا فيها توحيد الجبهة الداخلية والتصدي للقضايا العليا بروح المسؤولية، لأن مصر لها مكانتها وصدارتها وتجب المحافظة عليها. ونأمل من رئاسة مصر الجديدة أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في تحقيق أهداف مصالح شعب مصر في الأمن والاستقرار والرفاهية والحرية والعدالة والمساواة.
* لماذا لم تشارك هذا العام في احتفالات العيد الوطني لإريتريا؟
– نحن لدينا صلات تاريخية قوية ومستمرة مع قيادة وشعب إريتريا، وتواصلنا معه مستمر، ولم أستطع شخصيا المشاركة في احتفالات العيد الوطني لظروف صحية، ولكن وفدا كبيرا برئاسة أحمد الميرغني (نجله) شارك في احتفالات العيد الوطني في أسمرة، وأجرى لقاءات واسعة مع القيادات السياسية، ونقل التهاني الصادقة باسمي للرئيس أسياسي أفورقي.