غازي صلاح الدين في أوسلو، هيلدا جونسون في الخرطوم، وكبار المفاوضين في أديس أبابا
قام معهد الشئون الدولية النرويجي (Norwegian Institute of International Affairs) بدعوة الدكتور غازي صلاح الدين كمتحدث أول (ووحيد) في محاضرة يوم الاثنين 29 مايو بعنوان “الربيع العربي وتداعياته على منطقة الشرق الأوسط” (the Arab Spring and its aftermath in the middle east and beyond)، ولم تسمح إدارة الندوة للحاضرين بالتعقيب على المحاضرة إلا لشخص واحد مؤيدا للاطروحات التى قدمها المحاضر!
بعد ندوته، توجه غازي صلاح الدين إلى وزارة الخارجية النرويجية واجرى محادثات مطولة لم تعلن تفاصيلها بعد. وتدور تكهنات نستعرضها لاحقا.. والمدهش ان غازى كان يسير في شوارع أوسلو (آمناً مطمئناً) وبدون أي حراسة غير رفقة الطريق، باعتباره غريبا على البلد ويحتاج من يدله على شوارعها. المفارقة انه قبل أربعة أشهر عند مراسم دفن قريبه “راجي العتباني”، تم تسييج مقابر فاروق تماما بالحراس تامينا لغازي ، وكذلك تم تطويق منزل العزاء الكائن بالديوم الشرقية طوال فترة وجوده.
يكتنف الزيارة غموض متزايد ولم تنجح المحاضرة كغطاء ,. فغازي ليس أفضل من يتحدث عن الربيع العربي ليدعوه المعهد الرسمي للسياسات الخارجية بالنرويج. ولا كونه إسلاميا متشددا يبرر للحكومة النرويجية الإحتكام إليه في الحدث الأهم سياسيا وإعلاميا، فهناك من هو أكثر تشددا منه. هذا غير أن مسئوليته عن ملف دارفور الذي تم بسببه طلب عديد من المسئولين الحكوميين السودانيين على رأسهم رئيس الدولة لمحكمة الجنايات الدولية، تضعه في خانة تتطلب الحذر في التعامل معه على أقل تقدير.
السؤال الملح والذى تدعمه تكهنات ترشيح غازى لوزارة الخارجية “ماذا يفعل غازي صلاح الدين في أوسلو”، هو سؤال “لماذا تحديدا غازي صلاح الدين؟” ومن ثم لماذا يكون المتحدث عن الربيع العربي من السودان الذي يفترض وفق حسابات قطار الربيع العربي نفسه أن يكون السودان هو المحطة القادمة؟
تدور في أحاديث متفرقة أن شركات نرويجية ربما تكون في طريقها لعقد صفقات تتعلق بإستخراج نفط من منطقة البحر الأحمر السودانية. وتتسع التكهنات فى العاصمة اوسلو أن شركات نرويجية ربما تكون في طريقها لعقد صفقات تتعلق بإستخراج نفط من منطقة البحر الأحمر السودانية. وتشير الدلائل إلى أن هذا الأمر ليس مجرد شائعات. دلل على هذا حديث غازي عند لقائه ببعض السودانيين في منزل السفيرة السودانية. فقد برر عدم إهتمام الدولة بالزراعة لأن السودانيين “شعب كسول ويحب (النسنسة)”-على حسب تعبيره-. ولذلك فإنهم “يعملون على إستقطاب الشركات الأجنبية للإستثمار في مجال التنقيب عن البترول والذهب”. والجليّ أن نظام الخرطوم يحاول استثمار هذا التوجه سياسيا.
فحرص النرويج من ناحية، على توطيد علاقاتها مع شمال السودان بعد الإنفصال يرجح أن هناك مصالح تحتم على النرويج الحفاظ على مستوى متقدم لعلاقتها مع الدولة التي تسببت النرويج (بطريقة أو بأخرى) في فقدانها لثلث مساحتها وثلثي مواردها البترولية. وحرص شمال السودان من الناحية الأخرى على توطيد علاقاته مع الغرب (كما إعترف بذلك غازي خلال السمنار) تأتي من كونه يمثل مخرجا له من ضائقات سياسية وإقتصادية قادمة. خاصة باعتبار ضبابية الوضع الإقتصادي والذي صرح غازي بأنه (حقيقة لا يعلم مستقبله) على حد تعبيره.
المعروف أن علاقة النرويج مع حكومة جنوب السودان قد وصلت الى مرحلة متطورة ومتقدمة. فوزيرة التعاون الدولي السابقة بحكومة النرويج، قد أصبحت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس بعثة الأمم المتحدة في دولة جنوب السودان.
وفي ذات الوقت الذي أتي فيه غازي العتباني إلى النرويج بحجة المحاضرة في سمنار الربيع العربي، كانت هيلدا قد وصلت إلى الخرطوم لبحث سبل تحسين العلاقات بين السودان ودولة الجنوب وهي تحمل تفويضا كاملا من رئيس حكومة الجنوب لتفاوض حكومة البشير عنه. وكان وزير الداخلية السوداني “إبراهيم محمود حامد” يلتقي سفير دولة النرويج “يانس بيتر” بغرض بحث أوجه التعاون المشترك وسبل تعزيز وتفعيل البرتكولات الموقعة في مجال التدريب الشرطي ضمن برنامج منحة قدمتها الحكومة النرويجية للسودان!
يعتبر غازي صلاح الدين والذي بدأ حياته السياسية بمشاركته في قوات الجبهة الوطنية (المعروفة بالمرتزقة) عام 1976، وكان على راس القوة التى احتلت دار الهاتف فى الخرطوم ونسبة للون بشرته , حسبه نظام النميرى اجنبيا ومن ثم راج مصطلح المرتزقة !. والمعروف ان غازى كان الممثل الأول لحكومة الخرطوم في التفاوض مع الحركة الشعبية قبل أن يتم تحويل الملف إلى علي عثمان. ويعتبر من أقوى المرشحين لحقيبة الخارجية كما يدور في الأروقة داخل الخرطوم بعد أن قام وزير الخارجية علي كرتي ومن داخل البرلمان، في الأسابيع القليلة الماضية، بانتقاد مصطلح العصا الذى ردده البشير بعد وصفه للجنوبيين بالحشرات اضافة الى ذلك فهو المستشار الخاص للرئيس والمسئول في الحكومة السودانية عن ملف إدارة الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية مما يجعل وصوله (دون غيره) للنرويج، ومحادثاته التى لم يعلن عنها رسميا، ذات مدلولات بعيدة المدى ومحاولات جديدة للخروج من الشراك التى نصبها مجلس الامن للخرطوم والتى قد تؤدى الى تفعيل الفصل السابع ومايترتب عليه من حظر للطيران قد يؤدى الى التدخل العسكرى المباشر.
ويربط مراقبون بين زيارة غازى للنرويج، وسحب نظام الخرطوم لقواته من أبيي مؤخرا، في خطوة بدت حينها غير مفهومة للكثيرين. إلا أنها محاولة من الخرطوم لابداء حسن نيتة في الوصول إلى إتفاق جديد. وليس على خلفية قبول الجنوب للإنسحاب من هجليج في الشهر الماضي بعد حوالي أسبوع واحد من سيطرتة عليها، كما قد يبدو في ظاهر الأمر.
كذلك فإن ترحيب وزارة الخارجية السودانية بقرار مجلس الأمن الصادر في يوم الأربعاء الماضي وموافقتها على “خارطة الطريق”، التي أجازها مجلس السلم والأمن الأفريقى وإعلان الخرطوم بأنها “سوف تلتزم بما جاء في القرار بوقف العدائيات مع دولة جنوب السودان، وفق الفترة المحددة”، خاصة أن وفدي كبار المفاوضين لحكومتي شمال وجنوب السودان قد وصلا بالفعل إلى أديس أبابا أمس مما يجعل المعادلة تبدو في غاية الوضوح.
وفي خطوة لا تنفصل عن هذا، فقد تم الإفراج عن مسؤول الإغاثة البريطاني ببرنامج الأغذية العالمي (WFP) “باتريك نونان” بعد 86 يوما من إعتقاله في جنوب دارفور، والذي كان من المعتقد أن جماعة مسلحة قد قامت باختطافه وأن مساعي حكومية قد أدت لتحريره من خاطفيه وفق الرواية الرسمية. إلا أن تزامن إطلاق سراحة في هذا التوقيت يثير التساؤلات، ويشير إلى التنازلات التي قدمتها ومن الممكن أن تقدمها الحكومة السودانية في الفترة المقبلة من عمر المفاوضات بأديس أبابا وما يليها.
جدير بالذكر أننا وكنشطاء حقوقيين سودانيين، قد حضرنا السمنار المذكور وقد أصر مدير الجلسة على عدم منحنا فرصا للمداخلة على الرغم من قلة عدد الحضور. نعتقد وبشكل جازم أن أمن السفارة قد حذر المنصة بحجة أننا سنغير مجرى الحوار أو بأي مسببات أخرى ربما يكون قد سوغها لهم تفكيرهم. حاولنا كذلك الإحتجاج لدي إدارة المعهد إلا أنهم وللأسف رفضوا الإستماع إلينا.
في بلد مثل النرويج فإن هذا الحدث لن يمر بسهولة وقد قمنا بمخاطبة عدد من الصحف المحلية وعازمون على تصعيده إعلاميا لإثبات (أو نفي) كون إدارة المعهد قد إنحازت في السمنار لصالح المتحدث وتابعية من السفيرة وطاقمها الذي كان حاضرا.
المهم في الأمر أن رسالتنا قد وصلت للحضور. فقد قمنا بتوزيع نشرة على جميع حضور السمنار (بما فيهم طاقم السفارة) فيها بعض من تاريخ غازي المخزي وما تقوم به حكومته في الخرطوم. الأمر الذي يجعل كونه متحدثا في أوسلو أمرا محرجا للغاية للمعهد والحكومة النرويجية التي تعتبر واحدة من أكبر دعاة السلم في العالم، وتحتضن معهد نوبل للسلام.
بعد نهاية السمنار نشرنا صورا لغازي (كتبت عليها شعارات مثل قاتل، إرهابي وعار على السودانيين) على أرضية ممر الخروج بحيث داس عليها جميع الحضور بأقدامهم بما فيهم غازي نفسه.
نشطاء حقوقيون سودانيون – أوسلو/ النرويج
[email protected]