السودان بين الفرص والمخاطر
ليس من المبالغة في شيء القول إن السودان الشقيق يملك، بحكم موقعه وتكوينه واتساعه، فرصًا كبيرة ليس فقط للنهوض والتطور بخطى واسعة، ولكن أيضًا لاستقطاب الكثير من الاستثمارات العربية، سواء في مجال الزراعة والثروة السمكية أو في غيرها من المجالات ذات الصلة بالإمكانيات السودانية الكبيرة. وحتى بعد انفصال الجنوب السوداني في دولة مستقلة، فإن هذا الانفصال لم يقلل، ولا ينبغي أن يقلل على أي نحو من هذه الفرص المتاحة، خاصة وأن جنوب السودان كان في الواقع جزءًا من السودان، الدولة والشعب، وأنه أيضًا يتوق إلى اجتذاب الاستثمارات العربية والاستفادة منها في العديد من المجالات. وبالتالي فإن الانفصال بين شمال السودان وجنوبه لا يعني استبعاد جنوب السودان من دائرة الاستثمارات أو الاهتمامات العربية، لأن الترابط والتداخل، واعتبارات الأمن القومي العربي ستظل قائمة ومستمرة، رغم أية تطورات أو أحداث أو تغيرات في الجغرافيا السياسية.
جدير بالذكر أن السنوات الأخيرة شهدت بالفعل اهتمامًا وتوجهًا عربيًا واضحًا وملموسًا لزيادة وتطوير الاستثمارات في السودان في مجالات عديدة، وتم أيضًا التوقيع على عدد غير قليل من الاتفاقيات في هذا المجال بين السودان الشقيق وأكثر من دولة عربية، وبينها وبين جامعة الدول العربية أيضًا. ومن الطبيعي أن يحتاج السودان إلى الكثير من الجهود والعمل من أجل تفعيل تلك الاتفاقيات والوصول بها إلى نتائج عملية على الأرض، وعلى نحو يفيد الشعب السوداني والشعوب العربية الأخرى. وبالرغم من أن حكومة الرئيس السوداني تسعى من أجل ذلك، إلا أن هناك مخاطر عديدة بدأت تطرح نفسها بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، وعلى نحو يمكن أن يؤثر سلبًا على قدرات السودان من ناحية، وعلى فرص تفعيل وتنشيط الاستثمارات العربية فيه من ناحية ثانية، وذلك على أساس أن التطور والتقدم والتنمية لا يمكن أن تتحقق وتزدهر إلا في ظل الاستقرار السياسي من جانب، وحشد الطاقات المتاحة من جانب آخر لتحقيق أهداف واضحة ومحددة ومدروسة بشكل علمي.
وإذا كان انفصال الجنوب السوداني قد كلف السودان نحو ثلث مساحته تقريبا، فإنه كان من المأمول أن يؤدي الانفصال إلى إتاحة الفرصة لبناء علاقات جديدة أفضل وأقوى وأكثر قدرة على التكامل بين شطري السودان، ولصالح السودانيين جميعهم في الجنوب والشمال أيضًا. غير أنه يبدو أن الأمور تسير في اتجاه آخر، سواء بسبب الخلافات حول النفط الذي يتم إنتاجه في جنوب السودان وتصديره عبر خط أنابيب يمر بشمال السودان، أو بسبب الخلافات التي لم تتم تسويتها بعد حول بعض المناطق الحدودية بين شطري السودان. وإذا كان الجميع قد تفاءل بالاتفاقية الأمنية التي تم التوصل إليها بين السودان وجنوب السودان في أديس أبابا قبل أيام، والتي تمت بوساطة من جانب الاتحاد الإفريقي، فإن تجدد الاتهامات بين الخرطوم وجوبا حول قصف بعض المواقع الحدودية من شأنه أن يثير التساؤل حول جدية الرغبة في بناء علاقات أكثر استقرارًا وتعاونًا بين الجانبين اللذين لا يمكن إلا أن يتعاونا معًا وبكل السبل الممكنة، بحكم ما يربط بينهما من وشائج وصلات ومصالح لا يمكن التفريط فيها أو التقليل من أهميتها. يضاف إلى ذلك أن السودان بشطريه ليس في حاجة إلى مشكلات أخرى، خاصة في هذه الظروف.
المصدر: البيان الإماراتية