حتى زوال النظام

حتى زوال النظام
د.على الكنين
لاياسيادة الرئيس
ثلاثة وعشرون عاما مضت على سلطة الانقاذ ومغامرتها بأنانية وحقد فى مصير السودان، نصف عمر السودان (50% من سنين غالية) بعد استقلاله من الاستعمار وتطلعه الى الاعمار وحياة حرية وديمقراطية وكرامة وتنمية وتعايش والفة بين مكوناته المختلفة، عرقيا ودينيا وثقافيا وسحنة… لقد كان وطن المليون ميل مربع وطنا واسعا غنيا بخيراته فى باطن ارضه وعلى ظهرها، غنيا بتنوعه الثقافى وتسامحه مع الآخر، وعبارته المشهورة ” عفى الله عن ما سلف” دائما يقابل بها كل من اجرم فى حقه واذاقه مرً العذاب من العهود الظالمة، لأن أمله فى مستقبله بعد زوال عائق كل دكتاتور يظن أن الحل لمشكلة تنمية السودان  بين يديه هو الواحد الاحد الباطش للشعب المسالم، فينهبه تائها فى الأنا ويتبلد ناسيا أن السلطة أتت اليه من غيره ولم تدم لمن قبله. لقد فهمها الآن السيد المشير رئيس الجمهورية بعد فوات الأوآن  كما فعل من قبله رئيس تونس هاربا، بعد فهمه المتأخر، بما نهبه من اموال شعبه. الآن وبعد أن فرطت حكومتك ياسيادة الرئيس فى ثلث أرض المليون ميل مربع بعد حرب حصدت مليونى مواطناً لا ذنب لهم فيها غير حلم مشروع دولة الاسلام الكبرى؟ كيف تريد ان تصلح ذلك؟ بطبول الحرب التى صارت تقرع من جديد، ام بمحاولة اسقاط الدولة الوليدة التى فى طريقها، وبدفعها بالاستقواء بدول معادية للسودان، فى طريقها لتكون اقوى من الدولة الأم عدة وعتادا؟ هذا لبن مسكوب لن يبكى عليه شعب السودان ولن يحله من تسبب فيه، هذا الذى فشل حتى فى حل المشاكل التى ترتبت على هذا الانفصال وفى مقدمتها مشكلة قسمة البترول وما صرفته الدولة من مليارات الدولارات على خط انابيب سيظل مدفونا فى باطن الارض يستجدى من يستعمله، ناهيك عن ابيى والحدود الملتهبة والقبائل الرعوية التى تتجه شتاءا بماشيتها جنوبا. لقد فشل خطابك ياسيادة الرئيس فى وضع خطة لحل الضائقة المعيشية غير أنه يذكرنا خطاب السفاح نميرى حاثا الشعب بأن يربط الاحزمة على البطون، ما اشبه الليلة بالبارحة! فبشرنا الخطاب بثلاث سنوات عجاف، تلملم فيها الحكومة العريضة اطرافها وينهب فيها عمالقة الفساد ما تبقى لهم من فتات الكيكة، والاسعار فى ازدياد والعملات الصعبة فى ازدياد والجنيه الاعرج اصبح يعافه السائل. خطابك ياسيادة الرئيس خيب ظن اهلنا المناصير الذين ينادون بمطلب اساسى هو تنفيذ قرار سيادتكم  فى الخيار المحلى عجزت اجهزتك وانت تعلم ذلك او رفضت تنفيذه وفى الحالتين كان أمل اهلنا المناصير أن تُكَون أنت الذى اصدرت القرار للآلية التى تنفذه دون أن تغير القوانين ولا أن تتخلى الحكومة الاتحادية عن حقوقها، ولا أن يكون الزمن كفيل بحل كل ما تعجز حكومة الانقاذ عن حله، هذا مصير شعب يقع على عنقك ياسيادة الرئيس!  وبالتأكيد ليس من ضمن العوائق قيام سد الشريك وكهربته التى لاتتعدى ال375 ميقابايت، ولا أظن أن السيد الرئيس يود ان يغرق أهل المنطقة ليوفر الكهرباء لمنطقة أخرى. إن سد الشريك سيكون خطا احمر بعد أن رأى اهل المنطقة تجربة المناصير بأم اعينهم.
بعد خطاب السيد الرئيس التعبوى الدفاعى ذى الحجج الضعيفة الذى اتضح منه أن قضية الهامش ونصيبهم من الثروة معقد فى ظل نظام يرى ألا يفرط المركز فيما تبقى من الكيكة بعد أن وجد نفسه فاقدا اكثر من 75%  من ميزانيه واصبح مواجها بحروب وهى الهواء الذى يتنفسه فبدون الحروب لا حلول له لمشكلات أكبر من طاقته فى هذا البلد القارة. فى مثل هذه الظروف تطفوا الى السطح التناقضات بينه وبين منسوبيه المكلفين بادارة شئون الهامش وسيستفحل الأمر ويمتد الى اكثر من الاربع او الخمس ولايات المعروفة فهذا فشل لم يستطع خطابك ياسيادة الرئيس أن يجد له حلا. إن قضية الهامش هى التى أدت الى فصل الجنوب وأدت الى حرب دارفور المشتعلة والى وتمرد ولايتى جنوب كردفان والنيل الازرق والى التذمر الموجود الآن فى الشرق والذى لايمكن أن نتجاهله بمجرد النفى وهو الذى ستؤدى دون شك لتمرد اهلنا فى الشمال الذين بدأت سلطة الانقاذ فى التحكم فى أراضيهم وتمليكها للمستثمرين العرب وما المشروع القطرى الذى تحدث عنه السيد الرئيس فى الولاية الشمالية باحثا عن الكهربة له الا دليل على ذلك. الشعب تحت وطأة ظلم يغلى. السيد الرئيس مكررا ماقاله بن على بعد ىفوات الأوان الآن افهمتكم واريد أن ارجعكم لسيرتكم الأولى بجرة قلم: فاتفاقية سلام دارفور سنرجعها لسيرتها الأولى، والسؤال كيف يكون ذلك وقد ارتكبت جرائم (لا اود وصفها) لايمكن أن نتعداها بدون اجراء محاكم عادلة ومصالحة وطنية واعطاء كل ذى حق حقه ولن يتأتى ذلك الا بمشاركة اهل الدم والمتضررين والنازحين واللاجيئن وحاملى السلاح، أهل دارفور عامة.
وقال مخاطبا قادة الخدمة المدنية: بأن سنرجعها لسيرتها الاولى والسؤال كيف يرجع من لاعلم له بالسيرة الاولى، أهل الولاء، والذين خربوا قوانين الخدمة المدنية وشردوا اكفائها الى سيرتها الأولى؟ فالخدمة المدنية قوانين مستقاة من تجربة طويلة ونظم عريقة، وجهاز دولة محايد من المواطنين الأكفاء ينفذوا القوانين المحددة وتدرجوا على سلالمها سنوات عمرهم فى الخدمة لايصل الموظف آخر السلم إلا وهو على اعتاب المعاش. هؤلاء يجوبون الشوارع يبحثون عن لقمة العيش ويجترون ظلم سنين الإنقاذ، هم المعاشيون قبل سن المعاش والمشردون جراء خصخصة المؤسسات التى كانوا يعملون بها لصالح محسوبى النظام والمفصولون لما يسمى الصالح العام وقصد به صالح الحزب الشمولى الحاكم، أما الذين يتربعون على عرشها اليوم بالكاد يعرفون كلمة المدنية بمعناها الواسع وحيادها فعقولهم آحادية ومصلحتهم الشخصية المأخوذة من مصلحة الحزب الشمولى هى فوق مصلحة الخدمة المدنية ومصلحة الوطن، تظنون وربما تأملون بأن الوطن لكم يا أهل الانقاذ وانتم ملاكه ولااحد سواكم. إن  مصلحة الوطن ان ارتموها لكم أن تفهموا أن هناك من يؤمن ويعتز بهذه البقعة من الأرض ويسعى لاعمارها لتسع جميع من عليها  ويقدم برنامجه لذلك. لقد مكنتم كوادركم من الخدمة المدنية وأصبحوا هم الخدمة المدنية ويظنون أنهم سيعودون بها  لسيرتها الأولى وينسون أنهم سيرتها الآنية وهم من أصلً لهذه السيرة التى يريد السيد الرئيس أن يتبرأ منها ومن فسادها الذى اصبح يزكم الأنوف. فعود الخدمة المدنية أصبح معوجا لا تستطيع ايها الرئيس أن تصلح ظله فوق. يعترف السيد الررئيس بأنها لم تكن على اساس المواطنة وأنها تلقت ضربات بسبب التطهير والتمكين وأن التمكين سيكون لكافة شرائح الشعب دون محسوبية، ولكن فاته أن يدلى بمصير الذين تمكنوا واخذوا فرصة غيرهم بسبب المحسوبية وافسدوا الخدمة المدنية وكيف يبعدها من التسيس وبحكم الواقع الموجود والموظفين الموجودين هم ساسة محترفون ينتمون لحزب حاكم كيف يرى السيد الرئيس معالجة أمرهم؟ كيف يرى معالجة من هو فى الشارع وزميله مديرا لمؤسسة. وكيف يريد أن يعيد لوكيل الوزارة هيبته وهو السياسى الذى ينفذ أوامر الحزب؟
ياسيادة الرئيس لقد اعترفت ضمنيا فى مقابلتك التلفزيونية  وفى مخاطبتك لقيادات الخدمة المدنية بأن حكومة القاعدة العريضة الوهمية عاجزة ان تنفيذ برنامج حزبكم الفاشل لحل قضايا البلد الشائكة ومازلت تبحث لمعاضدة احزاب أخرى لتكون تحت إبط المؤتمر الوطنى لتنفذ برنامجه، وتمد أجل بقائه فى  السلطة. لا حل لقضايا السودان التى تزيد تعقيدا وتوترا وضيقا، ياسيادة الرئيس، الا برحيل نظامكم، وقيام حكومة تجعل مصلحة الوطن فوق مصالح فئة غيرها، قومية ، انتقالية، تتفق عليها كل القوى السياسية وعلى كيفية تكوينها (تكنوقراط، سياسين، قوى وطنية مشكلة….)، والمهم هي المهام التى توكل لها وعلى رأسها: الدستور ,المؤتمرات لشكل الحكم واسقلال القضاء، ولحل الضائقة المعيشية الآنية والمستقبلية، ومؤتمر اصلاح الخدمة المدنية وقومية القوات النظامية وابعاد المؤسسات القومية عن السياسة لتصبح مؤسسات دولة تحترم وتحافظ وترعى وتراقب دستورها ونظمها وقوانينها.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *