نظام المؤتمر الوطني الحاكم في السودان وبعد تنفيذ مخططه الاجرامي في دارفور من حرق للاخضر واليابس وسلب للممتلكات والاموال وقتل قارب ضحاياه نصف مليون واغتصاب لعشرات الالاف من حرائر دارفور وطمث لهوية وتراث وتاريخ دارفور والعمل على تغيير دارفور ديمغرافيا. لم يكتف النظام بكل ذلك رغم صيحات المجتمع الدولي ومحكمة الجنايات الدولية بل عمل على ما لم يخطر ببال فقد حاول نظام البؤس والشقاء استغلال الاحداث المؤسفة التي تجري في ليبيا للزج بابناء دارفور فيها مستغلا الاتهامات التي توجهها المعارضة الليبية بان الافارقة قد شاركوا في قمع المظاهرات والاحتجاجات الليبية والذين اسموهم المرتزقة الافارقة ، هذه الانتهازية الرخيصة تعكس حجم البغض والكراهية التي يكنها النظام ضد اهل دارفور ، فلاجل تحقيق غاية رخيصة مؤداها خلق راي عام ليبي ضد الحركات الثورية السودانية ودق اصفين بين هذه الحركات واية حكومة مستقبلية في ليبيا وتضيق الخناق لمن فلح الهروب من جحيم الابادة الجماعية التي تدور رحاها في دارفور ، والفتك بهم قتلا وتقطيعا بالسواتير والخناجر ، سارع النظام بتوجيه تهمة العمالة والارتزاق مستغلا مشاعر الغضب والضغينة في نفوس الاشقاء الليبيين جراء الاتهامات التي تناقلتها وسائل الاعلام وعلى رأسها قناة الجزيرة عن ان مرتزقة افارقة هم من قتلوا المحتجين وفتكوا بهم .
ففي الوقت الذي تسارع فيه حكومات العالم لاجلاء رعاياها في ليبيا وحمايتهم من اية انعكاسات نتيجة الاحداث الليبية ، تكافئ حكومة الابادة الجماعية مواطنيها في ليبيا بتهديد امنهم وسلامهم وترويعهم وتعريضهم للبطش والتنكيل والهلاك بتأليب الراي العام الليبي ضدهم وصب الزيت في النار.
تهمة المرتزقة توجه دون ضبط لكل افريقي او ذوي السحنات الافريقية هذه الايام في ليبيا وحكومة الخرطوم بدلا من العمل على ازالة هذا الالتباس تقوم بكامل وعيها ليس بتاكيد هذا الاتهام فحسب بل تورط رعاياها كي تخلص منها.
مسارعة الحكومة السودانية بتلطيق جريمة قتل الليبين بالحركات الثورية لن تضر هذه الحركات بل ستلحق ضررا بالغا بكل افراد الجالية السودانية بليبيا ، وبأبناء دارفور خصوصا، فالسودانيون برغم اختلاف الوانهم وقبائلهم فان سحناتهم لباقي الشعوب واحدة ومتطابقة ، ليس هذا فحسب بل لا يستطيع كائن من كان في هذا العالم التمييز من حيث اللون والسحنة بين علي عثمان وعلي الحاج وبين الحاردلو ومختار بيلو وبين عبد الله مسار وعبد الله حسن احمد وعلى قول السعوديين ” كلكم أزوال”
ولهذا فمن المؤكد ان تقوم هذم الجموع الهائجة والغاضبة جراء ما لحقت بها من بطش بواسطة مَن يسمونهم المرتزقة الافارقة والذين اكدت الحكومة السودانية بانهم سودانيين ، من المؤكد ان يقوم هؤلاء بتفريغ هذا الغضب والغبن في افراد الجالية السودانية بليبيا لاستعصاء التفريق بين من هو من دارفور ومن هو من طوكر.
المعارضة الليبية و المحتجين الليبيين نسبوا مَن يسمونهم بالمرتزقة الافارقة الى تشاد وغانا والنيجر ونيجريا ، الا ان حكومة الخرطوم وعلى لسان الناطق باسم وزارة خارجيتها خالد موسى اكدت ان مَن يسمونهم بالمرتزقة الافارقة لم يكنوا من تلك الدول فحسب بل من السودان ايضا وادعت ان لها معلومات مؤكدة على ذلك!! فقد اوردت جريدة الصحافة السودانية بتاريخ 23 فبرائر 2011 الخبر التالي نصه:
أكدت الحكومة، ضلوع بعض العناصر من حركات دارفور المتمردة في الأحداث الجارية بليبيا، دون تحديد ما اذا كانت حركات موجودة اصلا داخل الأراضي الليبية أم دخلت عبر الحدود السودانية أثناء الأحداث. وتحدثت تقارير عن استعانة الزعيم الليبي معمر القذافي بمرتزقة من دول افريقية يفتحون نيران اسلحتهم الآلية على المتظاهرين. وقطع المتحدث باسم وزارة الخارجية، خالد موسى، بأن مخرجات التحقيقات التي قامت بها الجهات المختصة أفضت إلى إثبات صحة تلك المعلومات، وقال «وردتنا معلومات مؤكدة ووثيقة تفيد بمشاركة بعض من الحركات الدارفورية في الإشتباكات التي تجري في الجماهيرية الليبية»
هذا الادعاء من شأنه نسف الوجود السوداني بليبيا ، فقد سبق ان قام الليبيون في مدينة الزاوية بقتل المئات من الافارقة من بينهم عشرات السودانيين رغم ان الغضب والغبن كان في الاصل تجاه الافارقة بشكل عام (2000م) ، واليوم تتكرر فصول المشهد من جديد باخراج محتلف وبشكل اشد خطورة من ذي قبل ، فاليوم الغبن اكبر لان التهمة جريمة قتل والمتهم معروف وبأدلة توفرها حكومة السودان
ان إلصاق تهمة فتل الليبيين والبطش بهم الى الحركات تعتبر تدشين لحملة ابادة جديدة خطط لها النظام هذه المرة بدقة وحدد ضحيتها بعناية فائقة واوجد ظرف لا يمكن ان يتوفر مرة اخرى في تاريخ البشرية ، هذه الجريمة التي خطط لها نظام المؤتمر الوطني لها تداعيات مختلفة وتاثيرات عدة ، وتكمن خطورة هذا المخطط في ان مَن ينجو من القتل لا يستطيع البقاء في ليبيا البتة ، لان هول القتل والفظع من الملاحقة والمطاردة من شأنها ان تدفع بهؤلاء الفرار بجلدهم من المحرقة التي خططتها لهم حكومتهم اما الى السودان وبالتالي الى معسكرات النزوح ليقول لهم البشير ان القتل الذي تفرون منه فانه ملاقيكم اذا كان الفارين من اهل دارفور، و بجرائم اخرى لا تقل عن الموت اذا كانوا من باقي ارجاء الوطن.
واما ركوب البحر حيث المجهول الى شواطئ اوروبا بحثا عن حياة آمنة، واذا اخذنا في الاعتبار ان 50 % من السودانيين المقيمين في ليبيا يقيمون مع اسرهم ولغالبهم اكثر من عقدين من الزمان ، هذا يجعل عملية البطش بهؤلاء والتنكيل بهم وقتلهم سهلا جدا ، فمعظم هؤلاء معروفين للمجتمعات التي يعيشون معها او فيها و الحكومة اوجدت الحجة لهذه المجتمعات ان قاتليها هم من يعيشون معها او بينها وفي ظروف هذه مكوناتها ومؤثراتها ، كيف يكون شكل وحجم الجريمة المرتبة حدوثها.
أبناء غرب السودان هم الاكثر وجودا في ليبيا من بين عموم السودانيين وهنالك عدة اسباب لها التواجد، ففي السابق كان غرب السودان ولا زال مقطوعا عن العالم الا من ليبيا ، ونظرا لضيق اسباب الحياة في هذا الجزء من السودان وفي سائر ارجاء الوطن هاجر ابناء غرب السودان الى ليبيا بينما هاجر ابناء الوطن الاخرين الي السعودية والخليج عموما لاسباب جغرافية واخرى مختلفة، ونظرا للحرب التي تدور في دارفور وكردفان ولسياسة الارض المحروقة التي اتبعتها حكومة المؤتمر الوطني في دارفور لاذ مئات الالاف الى ليبيا هربا من هول الظروف السيئة التي اوجدتها الحكومة في رحلة مساعيها لالجام الاصوات المحتجة ضدها في غرب السودان. واصبحت ليبيا ملاذا آمنا لهؤلاء بفضل التوجه الليبي الى افريقيا ومشروعها الداعي الي قيام الولايات المتحدة الافريقية.. وقد يزيد عدد ابناء دارفور وكردفان المقيمين والمستوطنين في ليبيا عن 3 ثلاثة ملايين.
ولهذا فان اطلاق مثل هذه الشائعات والتصريحات المنتقاة بعناية من شانها الحاق اذى جسيما بهؤلاء العزل خصوصا ابناء دارفور كردفان لانهم يمثلون الغالبية الساحقة للسودانيين المتواجدين في ليبيا الا ان الاذى لا يستثني احدا كما اشرنا سابقا. والخوف هنا ليس لتعريض هؤلاء العزل الى روف قاسية فقط بل تعريض حياتهم ايضا للخطر ، لان عملية الانتقام التي ستنفذها اهالي ضحايا العنف في ليبيا والمحتجين الغاضبين لا تقتصر على ابعاد السودانيين عن ليبيا بل تتعداها الي زهق ارواح هؤلاء وتشريد اسرهم .
يخشى العالم من ان تؤدي عملية ايقاف الاحتجاجات بالقوة من وقوع كارثة كبيرة في ليبيا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 6 ملايين نسمة ، ولذلك تصاعدت الاصوات المنادية بعدم استخدام العنف ضد المحتجين في ليبيا والتماس القيادة الليبية من عدم الافراط في استخدام القوة لتفريق المحتجين ، وقد اوردت الوكلات الاخبارية ومصادر مختلفة عن مئات القتلى والجرحى ازاء الاحتجاجات المناوئة للقذافي والمنادية برحيله، وقد سارع الكثيرين باطلاق جريمة ضد الانسانية لما يجري في ليبيا، واذا كانت كل هذه الاصوات تعلو لتفادي كارثة انسانية متوقعة في ليبيا فان الكارثة الحقيقية هي التي ستواجه السوادنيين هناك، ان الخطر الذي يحدق بالسودانيين في ليبيا لهو اكبر من الخطر الذي يخشى العالم حدوثه ضد المحتجين الليبيين ، ذلك ان المجتمع الليبي تغلب عليه البدواة وهو مجتمع مغلق وشبه معزول عن العالم ومعلوم ان مثل هذه المجتمعات تكون تابعها الانتقام والثأر وبالتالي فان من شأن الشائعات التي يطلقها النظام لتحقيق مكاسب سياسية رخيصة من شانها ان تؤدي الى كارثة انسانية حقيقية ضد ما يقرب عن 4 مليون سوداني يمثل 2/3 الشعب الليبي ، وعلى المجتمع الدولي الفطن لمثل هذه الشائعات واستنكارها كما يجب على المعرضة الليبية والاعلام العربي وقيادات المحتجين رفض مثل هذه الادعاءاءت والشائعات وتفنيدها وتبصير المواطنيين الليبيين بان الشعب السوداني وسائر شعوب الارض لا سيما الافارقة تقف معهم في محنتهم وتؤمن بحقهم في العيش الكريم وتحديد نمط حكمهمومَن سيحكمهم. كما يجب على الشعب السوداني استنكار مثل هذه التصريحات التي لا تخدم السودان ومصالح شعبه وعلى المنظمات الحقوقية والسياسية والمدنية والناشطين ومحبي السلام رفض واستنكار هذه الادعاءات المغرضة والسلوكيات العدوانية للنظام ضد امن وسلامة الشعب السوداني.
من غرائب الدهر أن كل دول العالم تجلي مواطنيها من ليبيا فتركيا على سبيل المثال اجلت حتى الآن حوالي 10000 تركي عبر الطائرات العسكرية والسفن وكذلك فعلت مصر ودول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة و…الخ، وذلك حرصا منها على سلامة مواطنيها اما حكومة السودان فتجلي رعاياه بتغييبهم عن الدنيا والتنكيل التحرش بهم والانتقام منهم .. غريب الدنيا.
تفيد المعلومات الواردة من ليبيا ان محجين اقتحموا سجنا يوم امس الاول في ليبيا واطلقوا سراح المساجين الليبيين وقام بعض المتهورين بقتل ما يز عن 143 سجينا افريقيا بينهم عدد من السودانيين وذكر شهود عيان في بنغازي ان 50 سودانيا قد بتر اما ايديهم او ارجلهم كما ان اصحاب العمل في كل من الزاوية وطبرق ودرنة قد تنكروا للعمال الذين يعملون لديهم حقوقهم وهم من الجنسيات السودانية وزكرت الاخبار الواردة من الزاوية ايضا انه تم العثور على جثث 5 سودانيين دون معرفة القاتلين ودوافع القتل.
معتصم أحمد صالح
سودانيزأونلاين دوت كوم