بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة الإمام الصادق المهدي
في ذكرى تحرير الخرطوم واستقلال السودان الأول 1885م
( يوم الفرقان)
26 يناير 2011م
سمي القرآن فرقانا لأنه فرق بين الحق والباطل. وتيمنا نسمي يومنا هذا يوم الفرقان بين طريق السودان للتحرير والتعمير أو القهر والتدمير.
وقبل الإدلاء بحديثي أرجو أن تشاركوني الهتاف الوجداني:
عاشت ذكرى التحرير الأول.
دستور جديد لسودان عريض.
شمال جنوب..تيمان برقو ما بنفرقو.
مطالب دارفور مطالب عادلة.
الإسلام نصير الحرية.
الإسلام نصير العدالة.
الإسلام دين الكفاية.
لا استقرار مع نار الأسعار.
الإفلات من العدالة تقنين للجريمة.
ثورة تونس في طريق أكتوبر وطريق أبريل.
التجربة التونسية ملهمة التطلعات الشعبية.
أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي أرحب بكم في هذه الساحة التي كانت قلب الدولة المهدية وأرجوكم أفتحوا لي أبصاركم وآذانكم، فإن كانت دباباتهم وطائراته هي سلاحهم فأنتم ذخيرة الوطن لخلاص الوطن فإرادة الشعوب من إرادة الله:
إن للحق قوة ذات حد من شباة الردى أدق وأمضى
أولا: عزيمة الشعب السوداني استنزلت لطف العناية، وحدت سودان المليون ميل وحررته، ومع إننا اليوم نواجه السودان الناقص بانفصال الجنوب وهجرة خمس السكان للخارج يلزمنا أن نكرر الاحتفال بذكرى التحرير ليلهم الماضي المستقبل. حدثان مهمان وملهمان من تحرير الخرطوم الأول: إن الدعوة انطلقت في كل أنحاء السودان وحرر الثوار مناطقهم في كثير من أنحاء السودان قبل تحرير الخرطوم في 26/1/1885م.
الثاني: كل خطابات الإمام المهدي لغردون المحاصر في الخرطوم منذ شهر نوفمبر 1885م خلاصتها: أنتم محاصرون حصارا واسعا لأن الطريق الشرقي والشمالي كلاهما انحاز للدعوة، وحصاراً مباشراً حول الخرطوم ونحن لا نريد سفك الدماء فاستجيبوا لحقائق الواقع ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة. ولكن غردون تمنى الصمود حتى تدركه النجدة البريطانية القادمة ولكن خبر وصولها عجل بالتحرير وكان ما كان بسبب حماقة غردون.
في كل التاريخ القيادة الحكيمة تقرأ الواقع وتتجنب التهلكة: هذا ما فعله النبي القدوة (ص) في صلح الحديبية وما فعله الفريق إبراهيم عبود في تاريخنا السوداني عندما حاصرته المطالب الشعبية، فالعاقل من اتعظ بغيره وأدرك أن العناد من أعوان الشيطان كما قال تعالى: (وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا)1
ثانيا: نظام الحكم في السودان أمامه خياران: الانفتاح لمطالب الشعب والاستجابة لدستور جديد لسودان عريض أو الانكفاء على مصالح حزبية ضيقة ومواجهة الشعب بأساليب القمع.
ثالثا: الجنوب بإرادة أهله سوف يقيم دولة مستقلة، بعضنا صنف الجنوب والجنوبيين خبثا وعبئا لذلك هم سعداء بالانفصال، وبعضنا اعتبر الجنوب منطقة فتحتها سيوف المسلمين، لذلك هم يحرمون الانفصال ويجرمونه.
هذه المفاهيم خاطئة ومن شأنها أن تجعل الدولة الجديدة عدوة للسودان، الجنوبيون أخوتنا وكانوا معنا في دولة واحدة باختيارهم، وما صدهم عنها سياسيات طاردة، وأمام دولتهم الجديدة خياران:
أن تتجه جنوبا وتتحالف مع:
دول في شرق أفريقيا.
أو أن تتجه شمالا وتقيم علاقة خاصة مع دولة السودان.
الواجب الوطني هو أن نمد لهم أيدينا لعلاقة كسبية في معاهدة توأمة تحقق مصالحنا ومصالحهم ولا تعادي الدول الأخرى من جيراننا في شمال وشرق وغرب أفريقيا، بل تصادقهم في ظل الوحدة الأفريقية المنشودة وربما أفلحت في إقامة كنفدرالية واسعة عربية أفريقية.
لقد قررت قوى الإجماع الوطني انتداب وفد للجنوب يبارك لهم اختيارهم والطريقة الحضارية التي جرى بها الاستفتاء ويحشد التأييد للعلاقة الخاصة المنشودة.
رابعا: يا كُل أهلنا في دارفور من فصائل مسلحة، وسياسية، ومدنية، وقبلية، ومهجرية، ونسوية، نحن منكم وقلوبنا معكم، وقد آن الأوان لاستجابة حاسمة لمطالبكم المشروعة، لذلك نقول لكم إن قضية دارفور قد صارت قومية يدعمها كل شعبنا، وصارت دولية يدعمها العالم. من هذا المنطلق:
أوقفوا أية مراشقات عدائية بينكم.
التفوا جميعا حول إعلان مبادئ يجسد مطالبكم المشروعة كما ورد في الأجندة الوطنية.
اشترطوا إعلان المبادئ أساسا لأية مفاوضات وسوف تجدون في ذلك قوة فاعلة ودعما قوميا ودوليا.
خامسا: السياسيات الاقتصادية الخاطئة دمرت الإنتاج الزراعي، والصناعي، ودمرت القطاع الخاص، والطبقة الوسطى، واسرفت في الإنفاق الحكومي الذي تموّله الجبايات والرسوم والضرائب وجعلت الأغلبية الشعبية تشكو من العطالة وغلاء الأسعار، حرقة توشك أن تدفع لاحتجاجات حركية واسعة، ولا بد من سياسة اقتصادية إصلاحية جديدة، سياسية اقتصادية حددت الأجندة الوطنية معالمها.
سادسا: صار مطلب الحرية كلمة السر الشعبية في كل مكان، التذكرة التونسية تقوم على الحرية – الخبز- والتحرر من الهيمنة الخارجية- كفالة حقوق الإنسان والحريات العامة مطلب وطني.
سابعا: لا سلام بلا عدالة والإفلات من العدالة هو تقنين للجريمة لذلك ينبغي الحرص على تحقيق العدالة في توافق مع مطالب الاستقرار.
وإذا اتفق على هذا البرنامج فالسبيل لإنفاذه هو حكومة قومية انتقالية لا تعزل أحدا ولا تلاحق أحدا.
أمامنا نحن الشعب السوداني خياران: التذكرة القومية أو التذكرة التونسية، والحكمة الشعبية تقول: حل باليد خير من حل بالسنون خاصة في ظروف السودان الهشة الحاشدة بالفصائل المسلحة وبالوصايات الدولية ما يجعل السودان أكثر من غيره عرضة للتفكيك والتدويل على نحو ما حصل ليوغسلافيا السابقة.
إذا اختار الحزب الحاكم التذكرة القومية فسوف يجدنا أحرص منه عليها بل سوف يجد كافة القوى السياسية كذلك.
إن السماح لهذا الحشد دون عرقلة جزء من التمهيد للمناخ القومي المنشود، ويجب أن تتبعه إجراءات أخرى أهمها: إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والكف عن تصريحات طاردة، أو إجراءات انفرادية بخصوص الجنوبيين إذا قرروا الانفصال.
معاملة الجنوبيين في الشمال ومعاملة الشماليين في الجنوب يجب أن تكون جزءا هاما من البرنامج القومي المنشود.
ختاما:
إذا كان أمام الحزب الحاكم خياران إما الانفتاح القومي أو الانكفاء الحزبي، وكان أمام القوى الوطنية خياران إما التذكرة القومية أو التذكرة التونسية وفي الحالين الاستعداد للوفاء بالاستحقاقات، فلماذا حددت أنا لشخصي ثلاثة خيارات؟
أقول:
إذا استجاب النظام للأجندة الوطنية فهذا هو الأسلم للبلاد ويمكن أن يخط لكافة البلدان التي تواجه استقطابا بين الحكام والشعوب نهجا سلميا.
وإذا رفض فإن أمامي النزال بالتذكرة التونسية أو الاعتزال في 26 يناير. أليس في هذا تثبيط للهمم أشبه بالفرار يوم الزحف؟
إذا عرف السبب بطل العجب. لم أك مناورا أو هازلا عندما حددت هذا الموقف. بل إنه يخدم أهدافا هامة في تنمية البلاد السياسية هي:
الهدف الأول: مهما حرصنا على الديمقراطية والمؤسسية في حزبنا ظل قوم يقولون إن حزب الأمة هو الصادق. حرصت أن يدرك الناس أن لحزب الأمة وجودا غير الصادق قادرا على الحركة والفعل في حالة غيابه.
الهدف الثاني: استنهاض قواعدنا لمعرفة مدى استعدادهم لاستحقاقات المرحلة القادمة.
الهدف الثالث: يدرك الحكام أنني ما خيرت بين أمرين إلا اخترت أيسرهما فإذا فقدوا هذا الصوت كمفاوض من أجل الخلاص الوطني أو كمحرض على المواجهة فسوف يكون هذا في ميزان خسائرهم.
كنت ولا زلت أعتبر نفسي من أكثر الناس صلابة في الأهداف الإستراتيجية، ومن أكثرهم مرونة في الوسائل التكتيكية. ونحن أمام موقف يحتاج لأقصى درجة الصلابة في الموقف الإستراتيجي لنجدة الوطن وأكثر درجات المرونة في الموقف التكتيكي:
قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
أقدر رجاء أجهزتنا بالإجماع وكذلك رجاء زملائنا في قوى الإجماع ألا أذكر الاعتزال مرة أخرى. فلهم مني جزيل الشكر، فأنا مع كل ما حصبني به الخصوم من جمرات أجد في نداءاتهم بردا وسلاما.
وسوف أترك خياراتي مفتوحة حتى يتبين الخيط الأسود من الأبيض من موقف النظام من الأجندة الوطنية. فإن تجاوبوا خدموا أنفسهم وبلادهم. وإن اختاروا الانفراد والقهر فبي أو بدوني سوف يجدون أنفسهم في أحرج المواقف. ولا شك عندي أن الديمقراطية راجحة وعائدة وهذا عام الفرقان: لم يبق إلا قليل من الوقت يا وطني فهل من أمة تثب؟
المرحلة الحالية هي مرحلة الإجماع حول الأجندة الوطنية والحشود التي تؤكد السند الشعبي الحماسي لها. هذه التعبئة سوف تستمر لتشمل كافة الولايات وسودان المهجر حتى تتحقق مطالب الشعب عبر الجهاد المدني والتفاوض الجاد من وسائله. لنعمل بكل الوسائل لنجعل من عام فقد الجنوب عام كسب المستقبل.
وفي الختام لا يفوتني أن أكرر التهنئة للشعب التونسي على انتفاضته التي أيقظت الشعوب، والمهم طي صفحة الماضي البغيض وإقامة نظام انتقالي قومي يرسم خريطة الطريق لتونس الديمقراطية فيؤسسون سنة لبن علي وأخوانه في نادي الاستبداد.
كما أهنيء أهلنا في لبنان على اختيار الحبيب نجيب ميقاتي فهو شخصية سنية إسلامية وفاقية، عضو معنا في منتدى الوسطية العالمي واسع الخبرة يقود تيار العزم السياسي وجمعية العزم والسعادة الاجتماعية وأرجو من الأخ الكريم سعد الحريري التعاون معه.
من موقف المشاركة أو المعارضة الدستورية لبناء لبنان والتصدي للعدوان الإسرائيلي.
إن الدرس المستفاد في كل المنطقة هو أن إدارة الحوكمة بصورة فوقية برضاء الهيمنة الدولية وغياب الإرادة الشعبية مرحلة عفى عليها الزمان:
المرحلة القادمة سوف تخط طريقها الشعوب بعد طول غياب: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)2.
والسلام عليكم والرحمة.