الجنوبيون بين نشوة الانفصال في جوبا وحيرة الانتظار في الخرطوم
فيما يحتفل جنوبيو جوبا بقرب تأسيس دولتهم الوليدة، يعيش إخوانهم في الخرطوم في الحيرة بسبب صعوبة اتخاذ قرار بالعودة أو البقاء.
دخلت عملية الاستفتاء يومها الرابع، وظل شعب الجنوب داخل وخارج السودان يعلو صوته بالانفصال، ويطالب أهله بدولة قائمة بذاتها، بعيدة عن دولة الشمال التي وصفوا القائمين على أمرها في الحكومة المركزية بأنهم يريدون دولة عربية وإسلامية، مؤكدين أنهم ليسوا كلهم مسلمين، وهذه الدولة لن تمثلهم، لذا هم يحرصون على إقامة دولة جديدة.
ومنذ انطلاقة عملية الاستفتاء، هب شعب الجنوب بمدينة جوبا والمدن الأخرى في الجنوب للاحتفال بقدوم الدولة الجديدة، بالرغم من أن نتيجة الاستفتاء لم تعلن بعد.
الشاب ادورد من مواطني مدينة جوبا قال إن قلت لكم (باي باي) فهذا يعني أنه صوت للانفصال، وقال إنهم الآن يحتفلون ـ كل ليلة حتى الصباح ـ بمولد دولتهم الجديدة، وأكد أنهم فرحون بذلك وكل شخص في الجنوب يبحث عن اسم لهذه الدولة الوليدة وكذلك.
وفي ذات السياق قال دكتور لوكا بيونق رئيس رئاسة مجلس الوزراء والقيادي بالحركة الشعبية أن هناك ترتيبات لاختيار اسم الدولة وعمل دستور، مناهج، وقال إن اللغات الرسمية سوف تكون الانجليزية والعربية واللغة السواحلية.
ولكن رغم الاستعدادات التي تجري في الجنوب على قدم وساق، واحتفال المواطنين في الجنوب وفرحتهم بالانفصال وكذلك ـ بحسب اعتقادهم ـ سيصبحون مواطنين من الدرجة الأولى، ما زالت الكثير من الأسر الجنوبية تفترش الأرض في مناطق الترحيل بالخرطوم تنتظر العودة، والبعض في حيرة من أمره ولا يدري ماذا يفعل!! هل يؤيد الانفصال أم الوحدة أم يبقى في الشمال؟!! وهذه الحيرة جعلت الكثيرين لا يدلون بأصواتهم بسبب عدم تمكينهم من التسجيل.
صحيفة (الخرطوم) التقت انجلينا وهي ربة أسرة تسكن الحاج يوسف، ولها اثنتان من البنات، الكبرى في السنة الأخيرة بالثانوي مقبلة على امتحان الشهادة وتدعى ماريا التي قالت رغم إنها ولدت بالشمال، ولها الكثير من الأصدقاء، لكنها تريد الانفصال، مؤكدة أنها لا تشبه الشمال لا في العادات ولا التقاليد. وقالت إنها تشعر بأنها غريبة في وطن لا يناسب عاداتها ولا تقاليدها الجنوبية، وأيدتها أختها (واشال) التي تليها، وهي في الصف الثامن. قالت إنها كذلك تريد الانفصال، وزادت: أريد الحرية التي قالت إنها تفتقدها في الدولة الحالية، كما قالت إن الشماليين ينظرون لنا على أننا أقل منهم، ولكنهم يعاملون كأفضل ما يكون من باب العطف، وأضافت: لنا أصدقاء نزورهم ويزوروننا، وفي المدرسة نأكل مع بعض، لكن رغم ذلك أؤيد وأفضل الانفصال.
أما الأبناء وهم تومي في الصف الرابع وجورج في الصف الثاني، فقالا: “نحن لا نعرف الشيء الجيّد ولكن هنا في الشمال لنا أصحاب ونلعب معاهم الكورة وبنمشي المدرسة ومبسوطين”.
“على الأقل استطعت شق طريقي هنا، في نفس الوقت أنا خايفة من أن يفقد أبنائي حقوقهم في الجنوب. وكذلك أخشى إذا بقينا في الشمال أن نجد أنفسنا وحيدين في المستقبل وسط شعب لا يشبهنا.”
أما ربة الأسرة انجلينا، فتحدثت والدموع تتساقط من عينيها: إنه قرار الاختيار الصعب، وهذا جعلنا في مفترق الطرق، وأنا شخصيا (تايهة) ومحتارة في ماذا أفعل!! أولا لأن زوجي توفي منذ ثماني سنوات، وترك لي هذا المنزل وهو ملك لنا، ولم يترك لنا شيئا غيره، وذهبت إلى إحدى المدارس وفتحت البوفيه لأوفر وجبة الفطور للطلاب، وبه استطعت أن أعول أبنائي وأربيهم، وهم الآن صغار السن ويحتاجون الرعاية الكثيرة مني، إلى جانب أهل الخير الذين يساعدونني في تربيتهم، لكن الآن إذا ذهبت إلى منطقتنا وتدعى توريت، فماذا أفعل وكيف اعلم أبنائي ومن أين آتي لهم بالقوت؟!! هذه الأسئلة كلها لا أجد لها إجابة، وأنام واستيقظ ولا تفارقني برهة، وقالت: على الأقل هنا عرفت أن أشق طريقي، لكن أبنائي كما سمعت منهم يريدون أن يذهبوا إلى الجنوب، ودائما يقولون لي نحن جنوبيين لازم نمشي خاصة البنت الكبرى، وفي نفس الوقت أنا خايفة هنا من أن يفقد أبنائي حقوقهم في الجنوب. وكذلك أخشى إذا بقينا في الشمال أن نجد أنفسنا وحيدين في المستقبل وسط شعب لا يشبهنا في الشكل أو الثقافة أو الدين وسيأتي أبنائي ويحملونني المسؤولية، وأضافت: ابنتي الكبرى ظلت وباستمرار تقول لي إذا فضلتي البقاء في الشمال فانا سوف اذهب للجنوب وأتركك، وقالت إن القرار كسياسي سهل ولكن بالنسبة لنا كمواطنين صعب.
وفي ذات السياق التقيت ببعض الشباب من أبناء الجنوب، قالوا انهم لم يصوتوا لأنهم لم يسجلوا، معللين ذلك بانهم لا يعرفون لمن يصوتون للوحدة أم للانفصال، وفي ذات الوقت قالوا سيتقبلون النتيجة التي تأتي.
وفي منطقة الشقلة بالحاج يوسف وجدت كثيرا من المواطنين يجمعون أمتعتهم في انتظار ترحيلهم وقالوا انهم قضوا في هذا المكان اكثر من شهر لكن أغلبهم يقول انه يريد أن يذهب بحثا عن حقهب الجنوب، والبعض منهم يؤكد انه سوف يعود مرة أخرى.