في الذكر 55 لانتهاء الانكلو-مصري: فرصة سودنة الشماليين اكبر من انفصال الشمال
ليس مشكلة الشمال ان بها شماليون ؛ هذا خطأ .و الصحيح ان الشماليين شعب طيب مسالم عاطفي؛ في غالبه بعيد جدا عن طبيعة الصراع في البلاد التي يحملون صفتها ؛ و عنه افرادا يحملون هويات تعريفية . وحالة عوام سكان الشمال كحال ركاب الدرجة الاولى الممتازة على قاطرة سيئة درجاتها الاربعة الاخرى ؛ ويقودها ربان يثقون فيهم من النخب المتعلمة في الدرجة الاولى . ربان حمق منفوخ باوهام وتغاريد . وعلى ايقاع انغام الموسيقى الصاخبة يتجهون بكل طاقة بالبلاد كلها ؛ وبخطوات ثابتة نحو الهاوية الظلماء.
ومقصورة القيادة رغم بها اخريين من الدرجات الاخرى لكن خدم وعمال فقط. و في نهاية المطاف فان ركاب الدرجة الاولى – و دونما ان يدري غالبهم بالخطر المحدق بهم كما يجهل غالبهم سؤ الاوضاع في الدرجات الاخرى – سيصلون الهاوية بسلام ؛ مثل كل الراكبين .
وهكذا فالشمال امن في زمن تستمر حروبات الدولة باسمهم ؛ وتستفحل الماسي والحرمان في كل الاقاليم الاخرى . والشمال يستظل بظل الدولة وتحت حمايتها ؛ لا يواجه سكانه مشاكل في الصحة او التعليم او المواصلات او الاتصالات ؛ يزيد دخل الفرد فيهم في زمن الفقر من النوع القاسي الذي يعيشه الاقاليم الاخرى بحرقة. والشمال فوق ذلك معفي من دفع الضرائب والجمارك والسجون والغلاء المستشري في الاقاليم الاخرى. وعلى العموم سكان الشمال وان سكنوا في الجهات الاخرى هم بفضل الدولة ونعمتها ليسوا في حاجة الى ممارسة اشغال الطلبجية او بيع الشاي او سخرة الجنقو او خدمات المكوجية او حتى العمل العسكري الخدمي في قواعد تقسيم العمل بالدولة .
حتى معاناتهم –ولابد في السودان من معاناة في ظل دولة الجلابة – من نوع خاص بمقارنتها بمعاناة سكان الاقاليم الاخرى .
الكوكبة التي شكلت القيادة في الدولة الشمالية ؛ ومنذ خمس وخمسين سنة هي نخبة شمالية سياسية وثقافية وفنية واكاديمية اولى الدرجة . مدربة جيدة على يد مدرب اجنبي في عمق مبررات الانشاء والتكوين . تدريبا عاليا باساليب العمل والمعاملة القهرية .وعبر مكنون البنية العقلية المترسبة لديها بالمنهج الدراسي المزيف عملت النخبة على نشر مفاهيمها وترسيخها في بيئتها . و بالة الدولة حمقا وغباء استمرت حرمان شعوب الاقاليم الاخرى من حقوقهم . (حرّم علي بالطلاق ) انها النخبة الجلابية والتي ادمنت الفشل (الاسم الصحيح لكتاب الدكتور منصور خالد النخبة السودانية وادمان الفشل ) .
هؤلاء الحمقى الفاشلون في غرفة القيادة المركزية ؛ (وبجوارهم ركاب الدرجة الاولى ) يعتقدون جازمين انهم ليسوا سودانييين .وانهم بالفعل من طينة اخرى خلقت في اسيا الغربية . وان الزنوج شعوب وامم السودان في الاقاليم الاخرى في تعريفهم : اجناس من نوع اخر هم ليسوا منهم وليسوا مثلهم . وليس سكان الدرجة الاولى مستعدين البتة في التفكير مرة او مرتين في ماذا يعني ان يكون المرء سودانيا ؟ ؛ وماذا يعني بالضبط مصطلح السودان في حد ذاته بالنسبة للانسان الساكن فيه وحامل هوية ورقية عنه ؟
خمس وخمسين عاما من الانانية و الفشل .
فالشماليون ؛ بعضهم يبالغ كثيرا في الاعتقاد الذاتي على انه عربيا قدم مهاجرا او لاجئا او طالبا للطعام او نشارا للدين (الحنيف) في بلاد الزنج/النوبة/ السودان الوثنيون او ببدويا باحثا عن الكلأ والماء . وهكذا كتبت النخب كتبها ونشرت ؛ وتغنى المغنيون منهم وخطب الخطباء فيهم عن تاريخ (اسلافهم) العرب واشكالهم ولسان العرب ؛ وتاريخ اللغة العربية . وكانوا جادين يبحثوا عن موضع لهم في ذلك التاريخ الغريب البعيد في غرب اسيا من الارض ليضعوا انفسهم فيها .
وهؤلاء عاشوا يعانون جدا من نظرة غير مصدقة من العرب الاصليين في اسيا الغربية ؛ في اوربا وامريكا يستمر المعاناة ان العرب لا يعترفون بهم ؛ ويستغربون ؛ بل يبالغ بعض العربان الاسيويين ان قد سمعوا بمثل هذا النوع من الموالي الجريئون . و هل عرب (سود) من هذا النوع يوجد في عالم الدنيا والشهادة .( متاهة قوم سود…ذوو ثقافة بيضاء. للذكتور الباقر العفيف)
الشماليون ؛ بعضهم الاخر يبالغ في الاعتقاد على انه ليس سودانيا فحسب ؛ بمعنى انه ليس زنجيا مطلقا وان ظل يعيش في ارض زنجية وتاريخ زنجي ويحرك لسان زنجي . ويعيش نخب من هؤلاء جد معناة قاتلة على تكييف وجوده ببلاد الزنج وارض النوبة والتاقلم مع التاريخ وابراص الجلد .
ولعلى هذا الخطأ مدخل المعناة النفسية البشرية من صنع نعوم شقير ؛ والابالسة العابرين الى ارضنا عبر مصر فالشمال . نعوم الارنؤوطي ؟؟ هو من صنع طيارة الهواء لهؤلاء الزنوج المستنكرين سوادهم ؛ والهاربين الى عتمة مرتدة.
للتوضيح فان النوبة ؛ هو البطن الذي اخرج كل عرقنا الاسود في العالم اليوم ؛ ولم يكن امون او ازيس واوزريس وحورس شخصيات اسطورية في التاريخ النوبي/ الزنجي بل كانوا بالفعل اشخاص حقيقيون في تاريخ العرق الاسود يمثلون السلف الاول وكانوا ملوكا عظماء فوق عشرات الآلآف من السنين .واستند عليهم اجدادنا الملوك بعانقي وطرهاقا انفسهم في تطورهم الحضاري ؛ وذلك قبل مئات السنين من بتر الصلة و الحاضرون بفعل نعوم شقير في طيارة الوهم. ( اصل الحضارة افريقي : الشيخ انتا ديوب)
ومعادلة الرفض والاثبات في بنية الخطا الذهني النفسي لدى النخب الشمالية ؛هي معناة فعلية. فعلية ان يعيش الانسان يعتقد نفسه غير نفسه ؛ ويدقق في تفاصيل تفاصيل الاختلاف من بشرته القمحية البنية عن البشرة المتفحمة الداكنة في الشمال او جبال او الجنوب او الغرب؛ او النحاسية في الشرق . والتدقيق والتميز بين تركيبته الجسمانية مع شخوص تتقاطع التركيبات في عمق اختلاف السحنات معه هو اكثر من اي مخلوق على شكل اوباما الاسود او اوبرا او باول او ميشيل. وحين ييسوق نظره شطر التاريخ الزنجي العميق للارض الذي يقيم هو فوقه ومنذ ملايين السنوات يكون بعانقي وترهاقا وكيشنا بانوفهم الفطساء وشعرهم الاكرت وجلوفهم الرفيعة هم الجنوب والشمال نفسه وهم الغرب و الجبال والشرق.
نعوم شقير وابو سليم واخريين كتبوا زيفا التاريخ يبدا بدخول العرب الى السودان ؛وحفظه النخب الشمالية سابقة التعليم وحافظوا عليه في منهج مدرسي يوضع بمعهد بخت الرضا التاميري.
الازمة الحقيقة للبلاد كلها هي في الحقيقة ازمة هذه المنطقة . مشكلة السودان هي مشكلة الشمال وصف صحيح. والوصف الخطأ مشكلة الجنوب او مشكلة دارفور او مشكلة ابيي او مشكل الانقسنا . هي مشكلة الشمال المدارة من قصر غردون داخل الخرطوم . وكيف يكون السوداني مشكلة لنفسه الا في الشمال .
أن في غرفة القيادة طوال خمس وخمسين سنة تلك المفاهيم كانت تغذي عقل ونفس الطاقم على شكل زجاجات عرقي وسيكو تولد افكارا نازية ؛ ليست كما المريسة الغبشاء التي يتناولها معهم خدم العقول من الاقاليم الاخرى داخل الغرفة .
والشماليون في غمرة القيادة برغم من ذهاب بعضهم للدراسة في امريكا واوربا في زمن مالكوم اكس وايمي سيزار و مارتن لوثر ؛ وهنريك كلارك ؛ وايفان سارتيما . ووبوب ماري. وسيدني وبتيه وماريان اندرسون لكن من المؤسف لم يتغيروا .ولا يزالون يذهبون و هناك يعاملونهم سودا الا انهم يصرون على ان يعتبروا انفسهم بيضا.
استمر النخب الشمالية تقود كل البلاد معتقدة انها افريكانوز جنوب افريقيا في مستعمرة سوداء ارسلتهم السماء لتحضير الزنوج المتخلفين وقيادتهم روحيا . تستمر الرحلة ؛ و يزيد درجات السرعة في زمن الجنرال (الجعلي البديري الدهمشي امير المؤمنين ) في توجهه (القاصد ) نحو عمق المجهول ؛ وعلى انغام صرخات العهد الاخير للجلابي في هوس فريد ان الطريق سالك الى الجنة والى الله مباشرة بالدولة ومؤسساتها؛ لكن دون اي شك المركب يقترب رويدا رويدا بنا جميعا نحو نهاية الهاوية النهائية .
الشمال ارضنا
التي بلغت فيها حضارتنا الكوشية عوج ذروتها في تسيارها السلس من هضاب القمر في هضبة البحيرات عند منبع نهر النيل نحو نهايته حيث المصب الاخير . والنهر التليد كالحياة في اساطير سلفنا الزنجي في كوش ؛ يرقعد على ارض افريقيا مهد الانسان الاول ؛ و كان الاسلاف يدفعهم الفضول نحو معرفة نهاية جريان النهر ومنهى المياه التي تشكل لهم صيرورة الحياة والخصوبة . ولابد لهذه الحياة من نهاية ؛ وهكذا تتبعوه طوال اربعين الف سنة من تاريخ انطلاقة جنسنا البشري بالتطور ؛ حتى بلغوا الدلتا حيث المصب . وهناك بنى جدنا العظيم نعرمر او مينا او ابا مدينة ممفيس في عين الشمس بالقاهرة اليوم . وذلك قبل خمس الف سنة من اليوم مؤسسا نعرمر اول اسرة فرعونية في الشمال الشمال السوداني /النوبي /الاثيوبي .
في الشمال ؛ اثارنا في مروي مراكب الشمس ؛ ومجد جداتنا الكنداكات في النقعة قرب البجراوية ؛ وفي الشمال كرمة واسطورة البركل حيث بلغت كوش قمتها قبل ان تتخمض العظيمة لتلد ابنة رائعة هي كميت ارض نعرمر الفراعنة الاطهار في ممنف ومنفيس ثم طيبة ثم طل العمارنة ثم نوباتية في دنقلة ثم سوبا في علوة ثم تندلتي ثم طرة وسنار وتمبكتو ثم الفاشر وبت امك ثم ابا ثم امدرمان .
وفي الشمال؛ يرقد تماثيل اسلافنا الاوائل من لدن امون الى بيا ؛ على اجساد الاسد والثيران في الميثيلوجيا الزنجية الاولى ان النقاء والصفاء الاخلاقي في رياضة التروحن البشري يجعل الحيوان القابع في داخل الجسد انسانا ؛ هكذا يتمزاج الحيوان والانسان في جسد واحد صفوي مسالم كما عند اهل التصوف والتقى منذ الالف السنين . (رجل واحد بنهر النيل وعائلته :برفسير يوسف بن جكنان)
في الشمال ؛ ترقد دنقلة بتاريخها التليد . فدنقلة لم يرفع من اسمها واشاع من قدرها المهاجر الاغريقي و الفيلسوف افلاطون ؛ فحين درسة بها الخلوة مع تلامذة اغاريق كثر علي يد كهنة من زنج دنقلة ؛ بل دنقلة هي التي رفعت من شان التلميذ الاغريقي خلاويها التاريخية وعلمائها كاكبر معاهد الزنج للعلوم الطب والرياضيات والفلسفة والكهنوت قبل عشرة الف سنة . (مذكرات افلاطون لهيردوتس)
دنقلة زينة المدن الزنجية في القارة حين يتحلق حول نار التكابة عندها التلاميذ في المسيك يقراون من الواحهم الخشبية و على ضؤ نار الحطب مكتوبات من علم الحساب والفيزياء و وعلم الاحياء ؛ والفلسفة واللاهوت. ودنقلة هي التي الهمت افلاطون قبل ثلاث الف سنة في كتابة رائعته المدينة الفاضلة . المدينة لم تكن سواء ( مدينة زنجية على مجرى النيل في افريقيا ) ليست مدينة من الخيال ؛ كانت بها الديمقراطية والانسانية .
لكن وعلى اقدام بن ابي السرح ومحمد على باشا وابنائه الغزاة وكتشنر .
الشمال هو المنطقة السودانية الوحيدة التي تعرض انسانه لعصف مادي ومعنوي من الغزاة الاسيويين والاوربيين من لدن بداية الانهيار الكبير في عهد الفرعون باسمتيك في طيبة . يومها بدات الامم الزنجية التوغل جنوبا وغربا داخل القارة . مبتعدين عن نهر النيل ؛ تاركين تاريخهم المادي وزمن ينتهي في وثائق حية تمثلها اثرهم ومعابدهم وتماثيلهم ومدنهم ؛ ومدافن اجدادهم ؛ذلك على اثر الغزو الابيض من امم الارض الاخرى . نزحوا جميعا من شمال شرق القارة ولم يتاخر منهم الا من حاصرته الصحراء والعدو فبقى الي اليوم شمال الشمال.
مستعينة بثقافتها وارثها المعنوي شكلت اممنا و شعوبنا الزنجية وهي بعيدة عن النهر المملكات والسلطنات القبلية و بعيدا ولا تقل عنها حضرية ما قامت على يد المستعمر الاجنبي ؛ هناك عاشت محتفظة بقيمها واخلاقها الرشيدة . وبينما استقر النواب او نوبة في الغرب توغلت الامم النوبية الى عمق عمق القارة غربا وجنوبا ؛ والغزاة البيض من اسيا واوربا يتابعون هضم النهر من مصبه والصراع مستمر حتى لم تسلم علوة وتوقفت عند ابواب الجنوب الان .
تواصلت الحضارات الزنجية بنظمها القبلية والاخلاقية والاجتماعية على ضفاف انهر اخرى في النيجر واللمبوبو والكنغوا وتشاد وفري اورنج ؛ شكلت وكوش الاولى في اوجها في مروي على نهر النيل سياق تاريخي متصل .
صحيح
وعبر الهجرات والتهجير من كميت (مصر ) التي تحولت في القرون المتاخرة ليست الى مستوطنة هكسوسية فقط بل الى ارض غزو ومعبرغزاة للامم البيضاء العابرين الى داخل القارة عبر الشمال عربا او تركا اسيويين ؛ او رومان او انكليزي اوربين للسيطرة والنهب والاسترقاق. وبين القرون ايضا استوطن الشمال مماليك شقر وعبرت جيوش الانكشارية على الارض والاجساد والتاريخ والثقافات.
من الطبيعي ان يكون العصف الذهني والنفسي من الغازي في الشمال السوداني ضد السكان المحليين والمهاجرون البربر عبر التاريخ كبيرا وعميقا .
الشماليون شعب بامكانه ان يتسودن ويعتبر نفسه من الشعوب الاصيلة لتقاطيعه الافريقية ولسانه الزنجي وقدرته على صياغة اقلمته مع كل بيئة.
من اراد الرحيل الى بلاد العب في اسيا فسنودعه ؛ لكن ليست هناك شبر من تراب لدينا تقطع او تنفصل بحجة اتباعها لامم اخرى .
الاقليم الشمالي
ذو الرمال صفراء و الذي يتوسطه النهر على هيئة ثعبان اخضر عجوز ؛ يحده من الشرق الاقليم الشرقي ومن الغرب اقليم درافور ومن الجنوب اقليم علوة (الخرطوم والجزيرة ) ؛ وله منفذ واحد خارجي مع صعيد مصر حيث تعيش طبقة اجتماعية دنيا في الدولة المجاورة له شمالا.
الشماليون ؛امم سودانية يبلغون في تعدادهم نحو مليون ونصف في الاقليم الشمالي ؛ ونحو نصف مليون اخرون موزعون في الاقاليم الاخرى والخرطوم . (وتقديراتنا السابقة لعددهم ليس صحيحا مليون ونصف فقط ) و تتوزع مساكنهم على290 قرية ومدينة حضرية اكبرها شندي وعطبرة ودنقلة وادي حلفا توزعت في مقاطعتين هما نوبة الادنى والاعلى .
شعوب النيل الشمالية يسكنون حفافا حول مجرى النهر الذي عاش عبر الزمن و الحرب مع الصحراء. ؛ مساكنه وحقوله ضيقة قرب النيل ؛ وهناك عاشوا يعزفون الربابة بنشوة وعاطفة شجية كل ليل وعند الغروب والشروق وعلى انغام الساقية وبين اشجار النخيل . ويغني اهل حلفا من بينهم حنينا للارض التي غرقت في حلفا ؛ وحتى هم في حلفا الصغيرة ؛ يغنون الحانهم بلغتهم الافريقية ؛ و يرون لاطفالهم قصة الارض وقصة التاريخ الذي غرق في الديار ولن ينسى اي منهما البلد او اللغة.
و الشمال؛ بدون- مجرى النهر الذي يحاصروه التعرية باستمرار- كلها ارض قارية في عالم المناخ ؛ صحراء بمعنى الصحراء تخلو تماما من النبات او الخضرة او الطيور ربما توجد بعض الحيوانات والنباتات البرية التي تكيفت مع الحياة هناك .ويقل فيه تساقط المطر أقل من 250 ملم سنوياً .وبالسبب تنعدم في كل اجزائها الحياة وكذلك في كل الاحيان تكون حاره نهاراً وبارده ليلاً .
الشمال يبلغ مساحته 470 (بدون كرب التوم) بدون مجرى النهر ارض لا تصلح للزراعة او الرعي او التعدين بفعل الصحراء . لكن بلا شك فان الصحراء والجبال المقطمة توجد بها معادن مثل اليورانيوم والذهب كالنفط والغاز الطبيعي.
كل ما ينتجه الشمال اسهاما في الاقتصاد الوطني هي من حقول صغيرة للكفاء الذاتية حول النهر ؛ من قمح ؛ والتمر ليست بالكميات التي تشكل دخلا اقتصاديا للدولة . وان صارت دنقلا اكبر سوق للابل يجدر التاكيد ان الشمال كله لا تربي جملا واحدا ؛ او بقرة ؛ ربما تربي الدجاج الاغنام للاستهلاك المحلي غير الكافي ؛ والحمير بكميات تجارية كبيرة .
سكان الاقليم ربما صاروا كالنباتات التي تأقلمت مع المناخ الصحراوي، وتكيفت على العيش فيه لكن بالنسبة لشعوب تكسوها الخضرة والانهار اقاليمها هذه الحياة تعيسة ؛ و ليست التعاسة والالم ان تحاصرك الطبيعة في كل يوم ؛ وتفتقر الى الطعام وحين تنظر لا تجد سواء صحراء ممتدة وكتاحة وغبرة لكن قمة التعاسة ان يحكم البلاد رجال يتمتعون بحمق والغباء بدرجة واحدة وان يكون هؤلاء الرجال خرجوا من هذه البيئة فهذه ماساة دائمة لهذا الشعب الابي.
في وقت تبحث فيها مصر التي تعيش ضائقة سكانية خانقة عن متنفس لضيق الارض للاحياء والاموات ؛ وقلة الطعام وهي اي مصر صارت منبوذة عربيا لكثرة سؤالها الناس وتسولها عليهم ؛ وهي لا يستفيد منها السودان في اي شئ ولسنا في حوجة الى مصر ؛ لكن النخب من الشماليون الحاكمون بتعليمهم على منهج بخت الرضا يبعون 5 الف فدان من جباريك شعبهم الفقيرة حول النهر لمستثمرين مصرين في نوبة الاعلى (نهر النيل ) . ثم يمارسون قدراتهم الصبيانية في بتجربة فاشلة فوق شعبهم الشمالي ببناء خمس سدود في مروي وكجبار دون دراسة لاضرارها او خطة للمنفعتها ؛ او اثارها المستقبلية ليخسروا مليون فدان ؛ وينزع من شعبه.
فقط حماقة تتحدى كل الحماقات الارضية تنتهي بتشريد الالف من المدنيين عن ارضهم.
كل الدراسات تشير الى ان سدود وخزانات المياه شمال ملمة الانهر في الخرطوم فاشلة من ناحية الجدوى وهي قد تكون اهدافها بمثابة مصفاة للسد العالي في مصر الذي يواحه بعد خمسين سنة ازمة ترسب الطمي بقاع الخزان.
على شاكلة الخدمات السخية المجانية التي يقدمها غلام اسود في مقاهي القاهرة للباشا ؛ قدمت حكومة الجنرال عبود في مقبل الستينات لمصر بالسخاء والرخاء المياه والارض الغارقة في بحيرة النوبة . و الدولة الشمالية التي يديرها رجال على شاكلة حكمدريين يرضى عنهم وبهم خديوية مصر في خدمة مصالحها ؛ الدولة تخسر وبامكان الحكمدار ان لا يطلب التعويض ويرد في بلاهة مبتسما ” ولا يهمك” . هكذا رد جنرال النميري يوم عادت بقايا جيشه الاسود من (ملحمة العبور 1973) على هئية خدم السخرة.
لقد خسر المواطنون الشماليون مدينة باكملها واراضي واثار تاريخية في حلفا الكبيرة ؛ ومصر نكصت عن الاستمرار في الايفاء بوعودها ومواثيقها للضحايا ؛ وعاملت الشماليون الحلفاوييون وهم رعايا دولة اخرى بذات الاحتقار التي عاملت بها وتعامل رعاياها من شعب النوبة في الصعيد .
الدولة الجلابية في الخرطوم تستنسخ ذلك السلوك الاستهبالاتي والانتهازي لتعامل به شعوب السودان في الاقاليم تحت استعمارها في الجنوب والغرب والشرق .
الا انه وللغرابة ان
المتعربون والاعاجم معا من سكان الاقليم الشمالي ؛ وعلى لسان الجنرال عبد الرحيم حسين والجنرال البشير يتحدون في وصف السودانييون في الاقاليم الاخرى بالعبيد والقراقير والفرخات والخدامات. وهم مجتمعون بدرجات يمثلون سكان الدرجة الاولى يجدون انفسهم ارقى واعلى من السودانيين .
و الدولة الجلابية الشمالية تقوم بتعويض المتضررون من اثار السدود الفاشلة في الشمالية نقدا ماديا ومعنويا فرادى وجماعات كما عوضت مصر في البداية المتضررين من اثار السد العالي قبل خمسين سنة ؛ هذا للتوضيح؛ اذ ليست كل المشاكل في الشمال هي نفس المشاكل في بقية الاقاليم ؛ وليست الحلول نفسها . في حالة مقارنة ماساتهم بماسات شعوب السودان في ظل دولة الشماليين المساواة والعدالة حتى في الماسي والاعتبارات تختلف بين الضحايا. فانواع المصائب تتباين في بلادنا هذه المسخة الغريبة بحكم الجلابة
و في الوقت الذي تنبطس ملايين الاراضي الزراعية الخصبة في بلد يجري فيه الانهار والاودية مجرى الشريان والاوردة في جسم الانسان ؛ يستمر الحمقى الشماليون الحاكمون في قصر غردون في اذية شعبهم في الشمالية ويهددونهم بالمواجهة مع اقاليم السودان الاخرى في المستقبل ؛ ويهددونهم بخطر الجوع بالانفصال بارض مثلة الشكل . وبيع الاراضي للاجانب اوغمرها بالمياه بفعل السدود الفاشلة ؛ وياتي الجنرال ليقول لشعب المناصر “انتم سكان من الدرجة الاولى في السودان“.
على الدوام وفي كل الاقاليم السوداء في السودان اعتبر الشماليون التجار المستوطنون مواطنون مثل سكان اي بلدة يعيشون بها في الغرب او الشرق في نيالا او زالنجي او الابيض او كادقلي او ملكال او واو او سنار او القضارف او الرصيرص او بورتسودان او كسلا .
الشماليون حيثما حلوا يسكنون قلب المدن من الاحياء ؛ ويمتلكون المتاجر وتجارة الجملة والمنازل الجميلة المبينة والمؤسسات التعاونية والفنادق الصغيرة في اقاليم الاخريين .والسودانيون بطيبتهم ووفق ثقافتهم واخلاقهم يحترمونهم ولا يعملون على جرح مشاعرهم . الا ان الشماليين المستوطنيين يعتبروا انفسهم مواطنون اعلى درجة من المساواة والاعتبار مع سكان تلك الاقاليم . وهم في اقاليم الاخريين يضعون انفسهم في العزلة والتميز والتكتلات ونقل المعلومات عن السكان الاصليين واتهام الشعوب والامم بالغباء والتخلف . وقد رسخ لدى الشعوب المحترمة ان اسباب وجودهم في الاساس كجواسيس و(معرصين) للاستعمار الانكليزي المصري ثم لدولتهم ؛ ولذلك خطره عليهم في الغد.
والشماليون في اقليمهم متعالون متكبرون ؛ وقد يصادف ان ينتشر في بعض مدنهم السودانيين كمكوجية وطباخين وغسالين وبائعي التمباك في الغالب ونازحون بسبب حرب دولتهم ؛ لكن يبعدون كجزومين عن بلدهم ؛ هم قوم مشحونون بالعجرفة والازدراء يضطر السودانيين يسكنون معزولون في احياء طرفية ويمنعون في بعض قراهم في شندي والمتمة من عبور احيائهم ناهيك من السكن معهم يحرمون من الاختلاط . وفي عطيرة التي يفصل على هيئة كنبوا لسكان الاقاليم الاخرى يمارس الشرطة باخلاق وضيعة منحولة من عقليتهم الاستعلائية التميز والقهر بصورة يندى لها الجبين بالاطفال السود العالمين في مسح الاحزية وعمال المطاعم ويسجنون بلا سبب ؛ ويخدمونهم بلا احر لانهم في تقديرهم الاطفال شلة من العبيد.
تلك العجرفة والازدراء الشمالي على خلفية وهم عقلي مترسب بالضبط ذلك الذي تجدها في انوف عوض الجاز و نافع و على طه و قطبي المهدي ومطرف و بكري وعلى كرتي و مصطفى البنجوس و صلاح غوش . ويمكن لحراستهم الامنية المتعاليين بنفس غير مفهوم البتة ان يطلقوا تعابير جارحة للكرامة الانسانية في وجه المعتقلين الجنوبين او الغرابين من معارفهم ؛ الفاظ متطورة عن عبارت نافع نافع ( العبيد) . ” ديل يصلحوا ندلل عليهم في المتمة” يعرضون على الدلالة بيعا في المتمة عمق دار جعل .
لكن رغم التاريخ الطويل من البطش من دولة النخبة الشمالية ضد كل الاقاليم ؛ ورغم القهر والاستعلاء الاجوف؛ ورغم قساوة الحال فان الشعوب والامم الزنجية / السودانية تتكشف تلك الاخلاق هي تمتلك نفوسا انسانية غنية بالحب والتسامح ؛ ولديها استعدادا كبيرا للتعايش السلمي في مجتمع مدني لا خصام فيه ؛ ولا تعالي ولا ردود فعل ضد الشمالين ؛ فقط حين يعودون بشمالهم الى ذاتهم متسودنين .
والسودانيون مستعدون لطي صفحة الخصام نحو سلام اجتماعي حقيق ومصالحة مجتمعية ابدية تكفل ببناء دولة ديمقراطية يحترم فيها الانسان اخيه الانسان. وتسعى لاظهار مكوننا التاريخي في كوش الاولى ؛ دولة بامكانها ان تصل قمة الرفاه الاقتصادي والعلمي في وقت وجيز .
و الشمال المثقف نفسه ؛ رغم ما تعرضه من عصف وقهر اجنبي في حقه والتي تولدت لديه بسببها العقلية المركبة فوق المنتوج البشري في الاقليم .ورغم مكونه النفسي الذي خلقت من السكان اقلية منعزلة عن التاريخ والجغرافية والانسان الافريقي ؛ وبرغم تاريخ استنساخ نخبه الحاكمين دويلة الافريكانوز لاقلية البيض في جنوب افريقيا ؛ لكن الشمال في ارضه لا يزال يحمل مكونات اساسية ذاتية تساعدالاجيال الشمالية القادمة وتمكنها من العودة الى الذات الزنجية اذ ليس ثمة خيار امام الاجيال الشمالية التالية للعيش محاصرة في عزلة وعلى الاقل الاجيال الحالية والقادمة مدركة لتلك الحقائق بشكل جلي .
دولة واحدة ؛ كانت فرصتها مواتية ؛ ولا يزال امامنا زمن كي نعيدها من جديد اذا تباعدت بعضها بعدا. و ظهور اكثر من دولة في هذه الرقعة لن يتكهن اي حي بمالات المستقبل لكن الفرصة لا تزال موتية ليصلح النخب الشمال نفسها وتتسودن وتتانسن .
ثمة تيارات وسط نحب الشماليين اليوم . الاكثر قابلية للحياة هو التيار التحرري المنتشر بسرعة في الريف والقرى من جيل حديث مستنير مدرك ببعده الزنجي وقابل هو للسودنة ؛ والصراع بينه والتيار الرسمي القوي بالمركز يكون في المستقبل البعيد لصالح التيار التحرري . وبين الفينة والاخرى تخرج بيانات متقطعة لكوش (المدرسة القومية في الافريكانية ) . وما بعد 9 جانوير سيكون الوجود كبير للحركة الشعبية في الشمال ( المدرسة الوطنية في الافريكية ) .
التيار اللبرالي ؛ وبالرغم انه يتمثل في افراد ومجموعات صغيرة ؛ و بقائه داخل الجامعات ؛ لكن لطرحه المتقدم سيكون له رواجا في المستقبل ؛ وهو تيار مؤمن بسودانيته ليس بعيدا عن المدرسة الوطنية الافريكانية . لكنه التيار الوحيد المرشح لكسب فصيل (المراجعاتالوطنية ) في تيار المركز من الشماليين المضطرين للعودة الى الذات السودانية .
التيار المركزي ؛ وهو القوي ماديا ليس شماليا فحسب بل بسيطرته على السودان كله وهو التيار الاسلامي العربي الجلابي موقعه في المركز . وهو المكون القح لعقل الجلابي بنزعته الاجنبية . خطورته في ارتكازه على جهاز الدولة ؛ وواظهاره للفكر المتطرف السلفي في ثوب حداثي ؛ عبر تبنيه المستمر للخطاب الديني والعرقي والتاقلم مع الزمن .
وهو تيار واحد سواء في السلطة القائمة او الجماعات الدينية اوالاحزب الصوفية العمانية ؛ وهذا التيار هو الذي يعطي الوجه الحقيقي لدولة الكيان الجلابي على وزن الكيان الصهيوني في فلسطين ودولة الافريكانوز في جنوب افريقيا .
لن يكون مجدي مهادنة هذا التيار او الصلح معه او التسوية بل بالظهور عليه من المستعمرات الاخرى في الغرب والشرق دون اي طريق ثاني .
التيار المركزي العرقي الثقافي الديني الحاكم والمعارض بنفس اللسان بتفكيكه سيحل اشكالية البلاد وليس امام الاجيال السودانية الا اتباع نهج المقاومة والتحرير عبر كل الوسائل .
بقاء هذا التيار سيضر بالشمال مستقبلا اكثر من اضراره باقليم الشرق و الغرب كما حصل في الجنوب .
وبعد بالنسبة للشماليين
ليس الحل للسودان او الشمال في تفكير النخب في فصل الشمال براي حمدي وذلك عبر التفكير في بناء دولة على شكل مثلث بعد اسقاط الضلعين والاحتفاظ بالضلع الثالث بمقال عبدو حماد .
وليس الحل بالذهاب عدوا الى العرب في المشرق؛ والتهريج بسقوط الاندلس الافريقي ؛ او المساعي في ضم الشمال لمصر براي الباكستاني والطيب مصطفى .
وليس الحل ايضا باسقاط الاعراق الاخرى والاديان وبناء دولة على هيئة جزارة باسم الشريعة الاسلامية اخر ملوك بني الاحمر في الاندلس والدفاع عنها بالسيف براي البشير .
ليس الحل ايضا هو الاستعداء ؛ ومحاولة الاستعداد للقتال على باطل براي جناح نافع و الابتداء في بناء جيش باسم حجر العسل وحجر الطير ؛ وخمس حجار اخرى في الشمال . والبدا بتهجير الاسر والعائلات الى الخارج وانتظار حرب الشوارع مع الجنوبيين والغرابة القادمين .
وليس الحل ايضا بمحاولة تغير اسم السودان وبناء دولة عربية اسلامية معتدلة منفتحة على العصر براي حسن الترابي وعائلته ؛ واصهاره عائلة المهدي .
لكن الحل الحقيقي للشماليين يكمن في عودة نخبه الى السودان بمعناه الزنجي الافريقي النوبي ؛ عودة ذهنية ونفسية وتدمير قاعدة البيانات الاولى في العقل . ويجب الاستفاذة من السنوات الطويلة من القطعية مع النفس بابتداء عداء صارخ للسودانيين ومعاملة السودان كدولة اغتراب ؛ بينما العرب في اسيا تستمر تلفظ الجلابة الشماليين كما يلفظ الشمالي بدوره سفة التمباك ويركله برجله .
العودة الذهنية والنفسية الى السودان والتصالح مع النفس كما بدا سلفا بذلك التيار التحرري والتيار اللبرالي من جيل الشباب في الشمال متحدا ومتعاونا مع كل السودانيين في الاقاليم الاخرى في مواجهة الدولة الجلابي الغريبة في ارضهم .
ان انهاء حقبة نظام الابرتهايد ؛ وتدمير الاستعلاء العرقي والثقافي الموهوم في عقل الجلابي عبر تفكيك اليوم بالسلم قبل الغد هي في مصلحة الشمال قبل مصلحة الاقاليم الاخرى .
ومع هذا وذاك بلا شك ستنهار تلقائيا هذه الدولة ؛ والحراك الحداثي متقدم ؛ لكن العجزة النخب ولا سيما في قصر غردون سيتركون مستقبلا قاتما للاجيال الشمالية بالرغم من تفاني التيار التحرري في الشمال .
منعم سليمان
6.جانوير 2011