حكومة جنوب السودان ترفع درجات الاستعداد الأمني باستعراض للقوة في طرق جوبا
وزير التعليم العالي الجنوبي لـ«الشرق الأوسط» : نواجه تحديا لاستيعاب الطلاب العائدين
جوبا: موفد «الشرق الأوسط» مصطفى سري
رفعت حكومة الجنوب استعداداتها الأمنية بتشديد الإجراءات في طرق جوبا والولايات الجنوبية العشر، وتم استعراض للقوة بأكثر من 80 سيارة ومصفحات عليها جنود مدججون بالسلاح، طافت الشوارع الرئيسية في المدينة. وسيتم وضع الشرطة على الطرق من أجل تأمين الاستفتاء الذي سيتم إجراؤه خلال أيام، في وقت تواجه فيه حكومة الجنوب مصاعب في التعليم العالي، حيث ينتظر أن ينتقل آلاف الطلاب الجنوبيين من الجامعات في شمال السودان، إلى الجنوب.. الذي تكاد أن تكون البنيات التحتية التعليمية فيه شبه معدومة.
وقال مفتش الشرطة في جنوب السودان إن رفع درجة الاستعدادات في جوبا ومناطق الجنوب الأخرى القصد منه تأمين عملية الاستفتاء في التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي. وقال إن الشرطة رفعت أقصى درجات الاستعداد. وقال وزير الداخلية في حكومة جنوب السودان، غيير شونق ألونق، إن وزارته تعد لنشر أعداد لن تعلن عنها من قوات الشرطة في ولايات الجنوب العشر لحماية عملية الاستفتاء. وتقدر مصادر أمنية القوات الشرطية بنحو 60 ألفا. وأضاف الوزير أن تلك الحماية ستوكل فقط للشرطة دون سواها. وقال إن حكومة جنوب السودان لن تكون مسؤولة عن أية استفزازات.
ووسط هذا الصراع الأمني.. تنتظر حكومة الجنوب، مصاعب جمة في مجالات شتى، من بينها، هجرة آلاف الطلاب الجنوبيين من الشمال إلى الجنوب. وتواجه الحكومة مصاعب جمة في مجال التعليم الجامعي خاصة في مجال إعادة تأسيس الجامعات الثلاث التي كان قد تم نقلها من الجنوب إلى الخرطوم خلال فترة الحرب الأهلية التي انتهت باتفاقية السلام الشامل. وتتمثل التحديات في إكمال المباني، وتجهيز المعامل، وسكن الطلاب والأساتذة، وإعادة صياغة المناهج، خاصة أن التعليم في الجامعات السودانية كان قد تم تعريبه وإدخال مواد ذات طابع عربي وإسلامي فيه. وبدأت حكومة الجنوب في ترحيل الطلاب إلى مقار الجامعات الثلاث في واو وجوبا وملكال، كما أن الجامعات تواجه مشكلات صعبة من حيث وجود مبان للكليات وكل البنيات التحتية للعملية التعليمية. وزير التعليم العالي في حكومة الجنوب جوزيف اوكيل قال لـ«الشرق الأوسط» إن حكومته طلبت منه بعد تعيينه نقل الجامعات الجنوبية إلى الجنوب، وتم التصديق على مبلغ مالي لإنجاز العملية بنقل الطلاب والأساتذة وأسرهم، وأن المجموعة الثانية تتعلق بالطلاب الجنوبيين في الجامعات الشمالية، مشيرا إلى أن الحوار بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حول قضايا ما بعد الاستفتاء تشمل وضعية الطلاب الجنوبيين في الجامعات الشمالية وما إذا كانوا سيواصلون تعليمهم في الشمال أم يتم نقلهم إلى الجنوب.
والدعم لنقل الجامعات تقوم به حكومة الجنوب وحدها. وبحسب اوكيل فإن عملية النقل وبناء الجامعات وتهيئة البنية التحتية لها من معامل ومكتبات تحتاج إلى مبالغ ضخمة. إلى جانب أن بعض الطلاب هم في السنوات الأخيرة في الجامعات الشمالية وقد تصبح أمامهم مشكلة في عملية استيعابهم في الجنوب. وقال إن مؤتمرا للتعليم العالي عقدته وزارته قبل فترة خرج بتوصيات مهمة منها كيفية مواجهة هذه التحديات، ووضع قانون للتعليم العالي في الجنوب في حال صوت الجنوبيون للانفصال. وما زالت وزارة التعليم العالي في الجنوب تعمل تحت قانون التعليم العالي المركزي. وشارك في المؤتمر مديرو الجامعات وعدد من الأساتذة الجنوبيين قدموا من دول مثل كينيا، وجنوب أفريقيا، وقطر، ومن مناطق أخرى للاستفادة منهم في وضع المناهج الجديدة للتعليم العالي في الجنوب.
وقضية المناهج في التعليم العالي واحدة من التحديات الكبيرة. يقول قودفيري فيكتور وهو سكرتير اتحاد الطلاب الجنوبيين العائدين إن تعريب التعليم العالي في السودان كان المقصود به طلاب الجنوب وفق سياسة قديمة من قبل حكومات الشمال، ويضيف أن أسلمة التعليم في الجامعات في تدريس الطلاب غير المسلمين الثقافة الإسلامية كان مقصودا ومتعمدا لأن المنهج الذي يدرس للطلاب باللغة العربية والثقافة الإسلامية كان إجباريا. ويعتقد أن نقل الجامعات الجنوبية والطلاب إلى الجنوب لم يكن إجباريا لكن الإقبال كان فوق التصور، ويقول: «لقد تمت معاملتنا بأسوأ مما تتخيل وكان ينظر لنا على أننا أعداء بشكل دائم من قبل الحكومة في الشمال»، ويضرب مثلا بصندوق مخصص لدعم الطلاب قال إنه لم يقدم دعما للطلاب الجنوبيين رغم الاستقطاعات من مرتبات ذويهم.
غير أن ترحيل الطلاب قبل إجراء الاستفتاء حدثت فيه ربكة، كما يقول أحد الطلاب في السنة النهائية في جامعة جوبا، وقال إن قرار حكومة الجنوب بترحيل الطلاب قبل الاستفتاء ليتمكنوا من التصويت في الجنوب. وفيما يقول وزير التعليم العالي جوزيف اوكيل إن تصريحات سلبية سابقة من بعض قيادات المؤتمر الوطني – في إشارة لتصريحات وزير الإعلام السوداني كمال عبيد بأن الشمال سيحرم الجنوبيين في حال اختيارهم الانفصال من الخدمات بما فيها الصحة – أثر على الجنوبيين وخاصة الطلاب، مستدركا أن التطمينات التي صدرت من الرئيس عمر البشير ونائبه سلفا كير بعدم تعرض الشماليين في الجنوب والجنوبيين في الشمال إلى أي مشكلات وأن حقوقهم ستتم مراعاتها.
وتسييس التعليم في السودان وضعه أمام تعقيدات كبيرة، وقال اوكيل في ذلك إن البشير خلال حملته الانتخابية في أبريل (نيسان) الماضي أعلن عن فتح أربع جامعات في اويل بشمال بحر الغزال، وبانتيو في ولاية الوحدة، ويامبيو في غرب الاستوائية وتوريت في شرق الاستوائية. ووفقا لاوكيل فإن الجامعات لم يتم بناؤها حتى الآن. وقال إنه أرسل مديري الجامعات الذين تم تعيينهم دون منحهم رواتب إلى الخرطوم لمتابعة تنفيذ القرار الذي أصبح بعيد المنال. ويعتقد أن ذلك يعد تحديا إضافيا في التعليم العالي، وقال إن جامعات جوبا، أعالي النيل، بحر الغزال، رومبيك، وجامعة جون قرنق التذكارية في بور، جميعها تحتاج لتمويل ضخم لأن البنيات التحتية معدومة في الجنوب. غير أن سكرتير اتحاد الطلاب العائدين إلى الجنوب قودفيري فيكتور يقول إن ذلك التحدي قبله الطلاب حتى لو نالوا تعليمهم تحت ظلال الأشجار لأن البقاء في الشمال يظل الاختيار الأسوأ.. رغم أن جامعات الشمال أفضل من حيث بنيتها التحتية من الجامعات الجنوبية. وقال إن حكومة الخرطوم قصدت ذلك. ولفت إلى أن أحد الأساتذة الشماليين رفض تدريسه باعتبار أن الجنوبيين سيختارون الانفصال، وتابع: «هذا تسييس للتعليم لا يخدم سوى أغراض مريضة، واستعلاء».