ومن يجلد الكبار..؟!!.
خالد ابواحمد [email protected]
أي كلام يمكن أن يكتبه المرء عن الحاكمين في السودان.. ويشفي به صدور أهلنا..؟..
غير أن هؤلاء فقدوا المروءة والرجولة التي اشتهرنا بها في مقابل احترامنا للمرأة أياً كانت ديانتها وسحنتها.. وبالتالي هؤلاء ماتت رجولتهم ولم يبق لهم غير أن يصبحوا ماسكين على مقابض أسلحتهم ليدافعوا بها عن كل اتهام بممارستهم التنكيل والتصفية الجسدية والمعنوية لكل من يصرح في وجههم رافضاً هذا المسلك.
تخلوا عن كل شعاراتهم التي جاءوا بها..فكان الكذب ديدنهم وليس لهم شجاعة تجعلهم يتصرفون بحكمة يواجهوا بها القضايا المصيرية في البلاد.
جلدوا الفتاة..بذات الطريقة التي يتعاملوا بها مع كل الخصوم..
وعندما خرجت الحقيقة لعامة الناس وللعالم قاطبة حاولوا بشتى السبل إبعاد تهمة انتهاك حقوق الانسان عنهم، فتضاربت التصريحات في محاولة لطمس الحقيقة..لكن هيهات..!!.
فكرروا عبارة (تصرفات فردية)..!!.
يُكذب كل من يقول أن حادثة جلد الفتاة التي انتشرت وعمت العالمين هي تصرف فردي من أشخاص عديمي الضمير، إن ضحكة أحدهم بإستهتار مُردداً الآية الكريمة (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين..إلخ)..ومناداته بالتصوير بل المشاركة مع زميله بالجلد في ذات الوقت، وضرب الفتاة على رأسها وظهرها وأرجلها، كلها دلائل تشير إلى أن ما تم إرتكابه سياسة دولة وليس اجتهاد شخصي، فالشرطيان والقاضي كانوا في قمة السعادة وهم يؤدون واجب إطاعة الأوامر العليا..فكيف نقول أنها تصرفات فردية…؟؟.
وبالتالي نسأل..
هل كانت حادثة مقتل 170 طالباً في معسكر العيلفون للخدمة الإلزامية تصرفات فردية..؟؟.
وإعدام الـ 28 ضابط في أواخر رمضان..كانت تصرفات فردية..؟.
وإن محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا..كانت تصرفات فردية..؟؟.
وأن مقتل 300ألف في دارفور..كانت تصرفات فردية..؟؟.
وإلى آخر الاسئلة التي تكذب تصريحات كل المسؤولين في النظام، ثم لا يستحون..فيكرروا “ان هناك مؤامرة ضد (السودان)..!!.
جلد النساء.. وبهذه الطريقة المذلة ليشاهدها كل العالم.. ليست مؤامرة..؟!.
وسرقة أموال الناس بالباطل ليست مؤامرة..؟؟.
إن المؤامرة على السودان موجودة بالفعل لكن من قبل هذا النظام القمعي الظالم الذي جوع الناس وأفقرهم وجعلهم يهتفون باسمه..سير سير..يا بشير.
ومن جانبنا طفقنا نردد كلمات فاروق جويدة:
اشتقت يوما أن تعود بلادي
غابت و غبنا .. و انتهت ببعادِ
في كل نجم ضل حلم ضائع
و سحابة لبست ثياب حدادِ
و على المدى اسراب طير راحل
نسي الغناء .. فصار سرب جرادِ
هذي بلاد تاجرت في ارضها
و تفرقت شيعـًا بكل مزاد
لم يبق من صخب الجياد سوى الأسى
تاريخ هذى الأرض بعض جيادِ
في كل ركن من ربوع بلادي
تبدو أمامي .. صورة الجلاد
لمحوه من زمن يضاجع أرضها
حملت سفاحا .. فاستباح الوادي
لم يبق غير صراخ أمس راحل
و مقابر سئمت من الأجداد
و عصابه سرقت .. نزيف عيوننا
بالقهر و التدليس و الاحقاد
ما عاد فيها ضوء نجم شارد
ما عاد فيها صوت طير شادِ
تمضى بنا الاحزان ساخره بنا
و تزورنا دوما .. بلا ميعادِ
شيء تكسر في عيوني بعدما
ضاق الزمان بثورتي و عنادي
احببتها.. حتى الثمالة بينما
باعت صباها الغض للأوغادِ
لم يبق فيها غير صبح كاذب
و صراخ أرض في لظى استعبادِ
قصص وحكايات فقدان النخوة والمروءة..
الحقيقة التي نعرفها جميعاً أن الحاكمين في بلادنا فقدوا أي إحساس بالنخوة والمرؤة ولم تكن هذه الحادثة الوحيدة التي نستشف من خلالها ذلك، قبل عامين من الآن نشر الفقيد أستاذنا سيداحمد خليفة رسالة أدمت القلب تنادي بمساعدة الاخ صلاح عبدالله صاحب أشهر معامل للتصوير الملون في السودان حيث قبع في السجن بسبب قضايا مالية، وقد عرف عن هذا الرجل مساهماته العملية والتي لا ينكرها إلا جاحد في مجال الطباعة وفك الحصار الاعلامي عن (الجبهة الاسلامية القومية) أيام الفترة الديمقراطية، وللرجل عشرات المواقف المعروفة في تطوير دولاب العمل داخل المنظومة الاسلاموية في فترات صعبة، تم رميه في السجن لأنه لم ينافق (الكبار) الذين صنعتهم الصدف وحياكة المؤامرات الداخلية..!.
كان حظه العاثر أن يكون في السجن فيما من هم فاسدين بالأدلة الدامغة والملفات في ديوان الثراء الحرام لم تمتد إليهم يد العدالة لا نيابة المال العام ولا محافظ بنك السودان، ذلك لأنهم أعضاء في الحزب الحاكم حيث يستظل هناك الفاسدين بنعِم وكرم الحزب لم يمسسهم سوء يعيشون في رفاهية من العيش.
وفي هذا المنحى كتب الأستاذ محجوب عروة “أن صلاح عبدالله الذي يقبع داخل أسوار سجن أم درمان لا لسبب جناه إلا لأنه اقتحم وبادر وعمل بكل الكفاءة والإقتدار والتصميم والعزم على تطوير صناعة من أجمل الصناعات وأكثرها حاجة للعقول النيرة المتفتحة وهي صناعة التصوير الفوتغرافي ثم طباعة الأوفست بأروع ما يكون، فطوّر أعمال والده الذي أنشأ الاستديوهات ثم معامل التصوير الملون كأول معمل في أفريقيا وقدم لوطنه الإبداع والجمال مستفيداً من خبرة واسعة ثم علم تلقاه في أفضل المعاهد الألمانية فلم يغترب ويفيد بلاداً أخرى بل أفاد وطنه وشعبه في ظروف قاسية حتى قيام أعظم صرح صناعي للتصوير الملون والطباعة وأسهم بعد الانتفاضة في طباعة الصحف بمستوى متطور كأول قطاع خاص في هذا المجال عندما كان لستة عشر عاماً محتكراً لمؤسستين حكومتين (الأيام والصحافة المايوية)، الأمر الذي شجع الكثيرين من أمثالنا ليقتحم هذا المجال بعد أن فتح ومهد لنا صلاح عبدالله الطريق حتى وصلت المطابع الصحفية اليوم للعشرات”.
وأضاف عروة أيضاً “لقد دفع صلاح عبدالله ثمن السياسات الاقتصادية المتضاربة خاصة الائتمانية والمالية والنقدية وأخيراً دفع ثمن غيره فانتهى إلى ما إنتهى إليه،صلاح الذي دفع من حر ماله للحركة الإسلامية وهي في حاجة الى القرش الواحد وفي أحلك الظروف”.
وهل كان صلاح عبدالله وحده من كشف عن فقدان النخوة..؟؟.
ومن قبله كان رجل الاعمال الأخ محمد عبد الله جار النبي الذي حاربته العصبة الحاكمة وهي قصة طويلة يطول شرحها ولكن المهم فيها أنهم عندما أدركوا أن (جار النبي) وشركته ستكون هي المستفيدة من تصفية البترول السوداني بما يعود عليها بالاموال الهائلة والضخمة وهو اي (جار النبي) الذي فتح للسودان خيرًا كثيرًا من خلال شرائه لحق امتياز شركة شيفرون، وهو الذي إشترى مصفاة البترول من الخارج وخسر فيها مئات الملايين من الدولارات حتى تصل إلى أرض الوطن، لستستخدم لتصفية الخام السوداني، فما كان منهم إلا أن ابعدوا الأخ محمد جار النبي من الساحة ورموه بالكثير من الاتهامات على طريقة تصفية الحسابات من خلال حرب الملفات الخاصة بضرب الخصوم، ولم يكن جار النبي خصماً لهم، إلا أنه ينتمي لمنطقة غير مناطقهم ويتحدث بلغة غير لغتهم التي اشتهرت بالتصفية وإزالة الخصوم من الطريق بأي شكل كان، وللذين يعرفون جار النبي فهو طيب القلب له مكانة كبيرة بين أعضاء الحركة (الاسلامية) لما لديه من أدب وخلق وتقدير للآخرين، علاوة على الكفاءة المهنية والقيادية، وقد عُرف بعلاقاته القوية والوطيدة في المج ال الاقتصادي الداخلي والخارجي، وهو من الذين أبعدوا أنفسهم عن الخلافات الشخصية والعنصرية التي كانت تحدث داخلياً.
فقدوا النخوة والمروءة..
انتشرت بينهم كل الموبقات التي لا يتم تصويرها بطبيعة الحال وهم يتحدثوا عن تمسكهم بـ(الشريعة) التي نعلم والله يعلم إنهم لكاذبون..
كل أمراض العصر تفشت داخل مجتمعاتهم فلا يغر الناس هذه المظاهر الخداعة التي يظهرون بها بينهم..فالعلاقات المحرمة والمشبوهة تأخذ حيزاً كبيراً في صراعاتهم الداخلية والأحقاد، وفساد أبناء المسؤولين الكبار في الحزب الحاكم بات أمراً معروفاً وبالتفاصيل، لكن الشرطي الجلاد لا يصل إليهم ولا هم يصلون لمراكز الشرطة،فالشقق المفروشة المنتشرة وسط العاصمة هي ميدان كبير لصرف الأموال التي تنهب من ميزانية البلاد وأموال الشعب المغلوب على أمره،و الحرام يذهب من حيث أتى.
المحزن والمؤلم أنهم يشيعون بأن الفتاة التي تم جلدها ارتكبت من الآثام ما تستحقه وكأنهم ملائكة، وكل مافي المسألة أنهم يتلذذون بكشف عورات الناس، بينما الآخرون تمنعهم أخلاقهم من الجري وراء معرفة خصوصيات الغير مهما حصل من خلافات، لكن النفوس المريضة تأبى ذلك وتحل لنفسها ما حرمه الله والتقاليد السودانية الأصيلة..شخصياً أعرف الكثير عن اشخاص فاسدين أخلاقياً في السلطة الحاكمة لكن أخلاقي وتربيتي تمنعني من الخوض في ذلك الأمر، والحمدلله تعالى الذي خلق فينا اليقين الكامل والعزاء في أن كل عورات الحاكمين ستخرج للناس وسيفضحهم الله..بل سينتقم منهم رب العزة والجلالة مثلما (مرمطوا) سمعة الشعب السوداني وشوهوا صورته في العالم.
من يجلد كبارهم..؟؟.
شهدت معسكرات الخدمة الالزامية العديد من حوادث القتل راح ضحيتها شباب فقدتهم البلاد وأسرهم..لم يحاكم حتى الآن من أطلق عليهم النار..بل رفضت وزارة العدل في شخصية د. علي محمد عثمان يسن رفع دعوى قضائية رفعها أهل الطالب غسان أحمد الأمين الذي قتل بدم بارد في معسكر جيل أولياء في مايو 2000م، ولم تكن حادثة واحدة بل عشرات الحوادث..لم يُحاسب فيها من قتل النفس البشرية ولم تكن جريمة دعارة كما ترويج حكومة الكذب والقتل.!!.
علي عثمان محمد طه وصلاح قوش وآخرون حاولوا اغتيال المصري حسني مبارك..وكانت تحتم عملية (أبوالهول) تصفية الذين يمتلكون المعلومات فقاموا بإغتيال شابين سودانيين كانا في اديس ابابا، ثم صّفوا البقية جسدياً.. ولم تمتد إليهم يد العدالة..بل تمت ترقيتهم ورئيس المجموعة الآن يتأهب ليكون رئيساً لجمهورية السودان..!!.
نهبوا البنوك والشركات.. وهناك عشرات المؤسسات الاقتصادية ذات طابع تنظيمي تعمل في السوق لكنها خارج الإطار المصرفي وليس لها اي علاقة بالاقتصاد الوطني، ويحدث داخلها ما لم يخطر ببال أحد من الناس..!!.
فساد المسؤولين الكبار في الحزب الحاكم لا تمتد إليه جهة بالمحاسبة ولا بالمساءلة وتغيب العدالة لكنها حاضرة في محاسبة الصغار والمغلوبين على أمرهم مثل تلك الفتاة الضحية..!!.
فمن يحاكم الكبار سراق القوت والفاسدين أخلاقياً..؟.
قال تعالى: «ولا تحسبن اللّه غافلاً عمّا يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار»..سورة ابراهيم الآية 42.
15 ديسمبر 2010م