أجرى الحوار فى أبوظبى محمد الجداوى ٢٠/ ١١/ ٢٠١٠
من المعروف أن الطبيعة البشرية تدفع الحكام إلى البقاء فى السلطة حتى فى أكثر الدول ديمقراطية، لكن الفريق عبدالرحمن سوار الذهب، الرئيس السودانى الأسبق، أثبت أنه قائد خارج الطبيعة البشرية، مثله فى ذلك مثل نيلسون مانديلا فى جنوب أفريقيا، ومهاتير محمد صانع المعجزة الماليزية، وغيرهما من الذين تركوا السلطة طواعية دون انقلابات أو ثورات تقوم ضدهم واكتفوا بمحبة الناس.
وسيبقى المشير سوار الذهب نموذجاً لا نظير له فى عالمنا العربى، لأنه عندما اختير رئيساً للمجلس الأعلى العسكرى الانتقالى فى السودان عام ١٩٨٥، تعهد بتسليم السلطة للشعب خلال سنة واحدة فأعاد البلاد للنظام الديمقراطى، وسلم الحكم لمن انتخب عام ١٩٨٦ فى الوقت الذى حدده، رافضا إغراء الحكم، وتاركا منصب رئاسة السودان ليقرره الناخبون.
كما يعد الرجل من أبرز الشخصيات الإسلامية ذات الشهرة العالمية، ويحظى بتقدير عال لمصداقيته فى التخلى طواعية عن الحكم براً بوعده، ولما قام به من جهود فى خدمة الإسلام والمسلمين.
يؤكد «سوار الذهب»، فى حواره لـ«المصرى اليوم» فى أبوظبى، أثناء حضوره مؤتمراً لإحياء الذكرى السادسة لرحيل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أن السودان مستهدف، وأن انفصال الجنوب يفقده سُدس مساحته الغنية، ويؤثر على دول الجوار واتفاقيات المياه، مشيراً إلى أن الحفاظ على وحدة السودان مسؤولية العرب جميعاً، وأن الحدود التى تركها الاستعمار فى أفريقيا يجب ألا تتغير.
وقال: «نقبل أن يكون رئيس السودان مسيحياً طالما كان ذلك فى مصلحة الوحدة، وزمن الانقلابات العسكرية انتهى، ولابد من التغيير السلمى فى العالم العربى»، مشيراً إلى أن دور مصر فى السودان ضعيف واستثماراتها بسيطة.
وفيما يلى نص الحوار:
■ اقترب موعد الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب.. فكيف ترى الوضع حالياً وما رؤيتك لمستقبل السودان؟
ء لو تحدثنا عن الوضع الحالى فى السودان، فإنه بدأ مع اتفاقية نيفاشا التى وقعت عام ٢٠٠٥ فى نيروبى، وحضرها أطراف عديدة من المجتمع الدولى، ولعلهم حرصوا على ذلك لأنه أثناء المباحثات كان هناك نوع من الضغط على السودان من قبل هذه الأطراف كى يكون موضوع تقرير مصير الجنوب متفقاً عليه بين طرفى النزاع، وبالفعل تضمنت اتفاقية السلام فى نيفاشا بنداً ينص على أن للجنوب الحق فى تقرير مصيره بعد نهاية خمس سنوات من توقيع الاتفاقية، وفترة السنوات الخمس تنتهى فى التاسع من يناير المقبل الذى هو موعد الاستفتاء على تقرير المصير.
وبالطبع نحن فى السودان لا نخفى انزعاجنا من أنه ربما يكون هناك توجه من الإخوة الجنوبيين نحو الانفصال، وأن تكون لهم دولة مستقلة، ولو حدث ذلك فسيكون السودان قد فقد سدس مساحته الغنية، التى تتمتع بثروات واسعة من البترول والمياه والمعادن، وما إلى ذلك من ثروات أخرى كثيرة، وسبب انزعاجنا هو شعورنا بأن هناك ضغطاً من أمريكا على الجنوبيين ء وتساندها فى ذلك إسرائيل وبعض الدول الغربيةء كى يختاروا الانفصال وتكوين دولة مستقلة، وبالتأكيد فإن ذلك -كما ذكرت لك- ضار بالسودان، خاصة إذا عرفنا أن ما ينتج الآن من بترول فى السودان ٧٠% منه يأتى من الجنوب، وبالتالى عندما ينفصل الجنوب، يكون السودان فقد مصادر واسعة من هذا البترول.
وأتصور أن الحفاظ على السودان موحداً ليس مسؤولية أبنائه فقط وإنما مسؤولية إخواننا فى الدول العربية والإسلامية الذين يجب أن يساعدوا السودان وأن يقفوا معه فى هذه المرحلة الحرجة التى يمر بها، ونسأل الله أن يقنع إخواننا الجنوبيون بألا ينفصلوا ويبقوا معنا فى سودان موحد.
■ وهل هناك أمل فى أن يتم الاتفاق على خيار الكونفيدرالية حتى لو انفصل الجنوب كما تطالب مصر وبعض الدول فى المنطقة؟
– هناك كلام من هذا القبيل، وفيما أعلم أنه حتى فى مباحثات شريكى الحكم فى السودان، هناك اتفاق على أنه حتى لو صار هناك انفصال لجنوب السودان، فإنه لابد أن تكون هناك علاقات قوية تربط البلدين مع بعضهما البعض، وخيار الكونفيدرالية مطروح، وهناك تفكير فيه، وأتوقع أن يتفق الطرفان على بحش لكن الدول التى تقف وراء الجنوبيين وإسرائيل بالذات لا تريد أن يكون لجنوب السودان أى صلة بشماله، بل تريد أن تكون هناك حروب مستمرة وسؤ تفاهم بين الطرفين، والهدف من ذلك تفتيت السودان والتضييق على بعض دول الجوار وعلى رأسها مصر.
■ انفصال الجنوب – لو حدث- كيف ترى تأثيره على السودان؟
– لو حدث ذلك فسيكون بداية إلى تمزيق وتقسيم السودان إلى دويلات صغيرة، ويجب أن يكون فى تصور الناس أنه لو انفصل الجنوب فستحذو بعض الولايات الأخرى مثل إقليم دارفور وغيره نفس الحذو، مادامت هناك ضغوط وتشجيع من بعض الدول التى تعادى السودان، لذلك يجب أن يتحسب الشعب السودانى لمثل هذه الإجراأت والتطلعات نحو الانفصال.
■ فى رأيك.. هل مصر مقصرة فى دعم وحدة السودان؟
– شخصياً، كنت أتصور أن يكون للإخوة المصريين دور أوسع من ذلك، لأن بقاء السودان موحداً فى مصلحة مصر، كما هو فى مصلحة السودان، وأنا من الذين يتمنون أن تزول الحدود بين مصر والسودان، ونصبح دولة وادى النيل التى كنا ندعو لها ولانزال.
■ وهل مازلت تحلم بهذا الحلم؟
– نعم لقد كنا دولة واحدة تحت التاج المصرى، وأتمنى أن يتحقق ذلك ونعود كما كنا، وأتصور أن مجريات الأحداث فى العالم تدعونا فى البلدين إلى التفكير جدياً فى هذه القضية، لأن التكامل الاقتصادى والزراعى بين مصر والسودان ضرورة حتمية لا مفر منها، ولا بد من توفير الغذاء لشعبينا، والحمد لله السودان يتمتع بوفرة فى الأراضى الصالحة للزراعة، وهناك دعوات كثيرة –فيما أعلم– وجهها الرئيس عمر البشير لفخامة الرئيس مبارك لكى ينظرا معاً فى موضوع زراعة مشتركة فى السودان، من المؤكد حال حدوشا أنها ستفيد البلدين.
■ لكن هناك استثمارات مصرية كثيرة فى السودان وخصوصاً فى مجال الزراعة؟
– نعم هناك استثمارات مصرية فى السودان لكن الخطوات المصرية فى هذا المجال بطيئة، وكان مفترضاً أن تكون أسرع مما هى عليه الآن، وأنا على يقين أن مصر مهتمة بقضية وحدة السودان وبالاستثمار فى السودان، لكن لو نظرنا إلى الواقع المعاش، كنا نتمنى أن يبرز ذلك بشكل أوضح.
■ هل انفصال الجنوب يؤثر على اتفاقيات دول حوض النيل وعلى الأمن المائى فى المنطقة؟
– بالتأكيد سيؤثر، لأنه كما تعلم قبل شهور اتخذت دول حوض النيل السبع، ما عدا مصر والسودان، قراراً بضرورة تغيير الاتفاقيات السابقة التى وقعت فى عهد الاستعمار، ومعنى ذلك أنهم يريدون حصصاً إضافية من المياه، فإذا انضمت لهم دولة جديدة كجنوب السودان، مثلاً، بعد الاستقلال – إن حدث – سيكون الموضوع أكثر تعقيداً.
■ وما أثر انفصال الجنوب على الدول العربية ودول الجوار؟
– سيكون مقدمة لتنامى دعوات الانفصال ليس فى الدول العربية فقط وإنما فى القارة الأفريقية كلها، ففى كل دولة أفريقية هناك تهديد بالانفصال، لذلك فقد كان من ضمن مبادئ منظمة الوحدة الأفريقية، عندما تأثت فى ذلك الوقت، أن تظل الحدود التى تركها الاستعمار حدوداً نهائية ولا يجب التفكير فى تغييرها، وكان ذلك قراراً حكيماً من أولئك القادة الذين أثوا تلك المنظمة التى تسمى الآن «الاتحاد الأفريقى»، لذلك يجب أن تكون الدول الأفريقية فى الوقت الحالى حريصة على هذا المبدأ وهو ألا يتغير وألا يسمح لأى جزء من الدول الأفريقية بأن ينفصل عن وطنه لأنه إذا حدث ذلك ستكون هناك دول أفريقية عديدة مرشحة لمثل هذا الإجراء.
■ معروف أنك شكلت لجنة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السودانيين.. فهل حققت هذه اللجنة نتائج إيجابية فى هذا الإطار؟
– بالفعل شكلنا لجنة قبل ثلاث سنوات سميناها «هيئة جمع الصف الوطنى»، وقد حققت هذه الهيئة نجاحاً فى جهودها لجمع الفرقاء السودانيين على مائدة حوار دائم للتباحث حول القضايا المصيرية للبلاد، وعلى رأسها قضيتا الجنوب ودارفور، وخلال اجتماعاتها المكثفة استمعت لرؤى كل الأطراف بشأن التوافق الداخلى، وصاغت منها أجندة للتفاوض وقامت بتسليمها لكل من الحكومة والمعارضة.
إن هدف اللجنة، التى تشكلت بمبادرة من عدد من الأشخاص الذين يمثلون تيارات مختلفة، هو إخراج السودان من أزماته والتصدى للاستهداف الخارجى، والحفاظ على استقرار السودان ووحدته، التى تعتبر من القضايا المصيرية التى لا تحتمل المزايدات والتكتيكات السياسية، ولا خيار لنا إلا الوحدة الطوعية التى تحفظ سلامنا واستقرارنا.
وعلى الرغم من أن كل الأحزاب تجاوبت مع عمل اللجنة بمن فيهم الرئيس البشير شخصياً والشيخ حسن الترابى، وكذلك قادة الأحزاب ومن بينهم الإمام الصادق المهدى وعصام الميرغنى وقادة الحزب الشيوعى، الذين تجاوبوا معنا، فإنه فى الفترة الأخيرة ولظروف طرأت تعطل الأمر إلى حد ما لكن مازالت الجهود مستمرة لتقريب وجهات النظر بين كل الأطراف حتى يتوافقوا على حل قضايانا المصيرية، خاصة أنها قضايا قومية وليست قضايا تخص حزباً أو جماعة.
■ وهل تتوقع أن يصوّت الجنوبيون لقرار الوحدة كما تتمنى؟
– خيار الوحدة مطروح، لكن هناك صوتاً عالياً يطالب بالانفصال لأن الإخوة فى حكومة الجنوب يكاد يكون معظمهم ممن يدعون إلى الانفصال، لكن أغلبية الشعب الجنوبى، فيما نعلم، توجههم وحدوى.
■ وما الأسباب التى جعلت الأمور تصل إلى هذا الحد فى السودان، هل هى سياسات الحكام السابقين التى كانت تحابى الشمال على حساب الجنوب كما يردد البعض أم ماذا؟
– الاستعمار البريطانى حين جاء واحتل السودان وأدرك أن جنوب السودان يختلف عن شماله، باعتبار أن الجنوب تسكنه قبائل أفريقية لم تتأثر بالدور العربى أو الإنسان العربى، وظل معظمها يعيش على الطبيعة- أصدر قانونا سماه «قانون المناطق المقفولة»، فقفل جنوب السودان، وكذلك ما يسمى جبال النوبة فى جنوب كردفان، ومنطقة النيل الأزرق، لأن معظم القبائل التى تعيش فى تلك المناطق متشابهة، ومعظم أفرادها كانوا وثنيين فى ذلك الوقت.. أغلق الاستعمار كل هذه المناطق فى ذلك الوقت، وسمح للمؤثات الكنسية العالمية مثل كنائس البروتستانت والكاثوليك وغيرهما من الكنائس الأخرى، أن تذهب إلى هذه المناطق وتدعو فيها للتبشير المسيحى، الأمر الذى حرم المسلمين الذين كانوا موجودين فى هذه المناطق، ومن بينها جنوب السودان، من التعليم إلا إذا تنصروا، فنجد مثلاً شخصا مسلما يرغب فى التعليم، فلا يسمحون له بذلك إلا إذا تنصر وصار مسيحياً، وهذا يفسر ما نجده حالياً من أسماء لبعض الإخوة الجنوبيين نصفها الأول مسيحى والنصف الآخر مسلم، فتجد مثلاً عندنا، جورج حسين أحمد مكى، وشارل سعد بلال. مثل هؤلاء درسوا فى مدارس مسيحية وصاروا مسيحيين مع أن أسرهم مسلمة.
أريد أن أقول إن غالبية مناصب الحكم فى جنوب السودان يتولاها هؤلاء المسيحيون الذين تعلموا مبكراً فى ظل الدعوات التبشيرية من قبل الكنائس العالمية، لذلك تجد صوتهم عالياً بالنسبة لقضية الانفصال، ورغم ذلك، أتصور أنه لو كانت هناك شفافية فى إجراء استفتاء التاسع من يناير، فمن المحتمل جداً أن يتم تغليب خيار الوحدة على خيار الانفصال.
■ لكن هناك من يقول إن غياب الديمقراطية وتطبيق الشريعة الإسلامية فى السودان سببان رئيسيان من الأسباب التى تجعل الجنوبيين يسعون إلى الانفصال.. فهل هذا صحيح؟
– الديمقراطية فى السودان، الآن، تكاد تكون عادت بنسبة ٩٩%، وهناك تعددية حزبية، وحرية الكلمة ليست عليها رقابة، وبالنسبة للشريعة الإسلامية، عندما حاول الرئيس جعفر نميرى، رحمه الله، تطبيقها، تعالت أصوات من الجنوب تؤكد أنهم -أى الجنوبيين- صاروا مواطنين من الدرجة الثانية، وهذا غير صحيح، فالآن، ومع تطبيق الشريعة الإسلامية، النائب الأول لرئيس السودان، هو سيلفا كير، وهو مسيحى ورئيس حكومة الجنوب، بل أنا كنت أتمنى أن يتقدم أى شخص جنوبى سواء كان مسلماً أم مسيحياً، فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فليس لنا أى اعتراض عليه، بل كنا سندعمه من أجل الوحدة، وليست لدينا مشكلة فى أن يكون رئيس السودان مسيحياً مادامت بلادنا ستبقى موحدة.
وللعلم، الشريعة الإسلامية ليست مفروضة على كل الولايات السودانية، وحسب نص الدستور فإن لكل ولاية الحق فى تطبيق ما تراه مناسباً، والولايات العشر الجنوبية لا تطبق الشريعة، وحتى فى شمال السودان لا تجد هناك تطبيقاً واسعاً للشريعة الإسلامية، سوى غياب المحال التى تقدم المشروبات الكحولية، وبعض الأشياء المخالفة للشرع، لذلك فتطبيق الشريعة الإسلامية ليس سبباً فيما يحدث ولم يؤثر على الإخوة فى الجنوب فى أى شىء.
■ تعمل الآن فى منصب رئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية فى السودان، فما أهم إنجازات المنظمة؟
– هذه المنظمة، التى أتشرف برئاسة مجلس أمنائها، تهدف إلى نشر الإسلام بين غير المسلمين، وتنمية الجماعات المسلمة الناطقة بغير اللغة العربية فى أفريقيا بشكل خاص، وقد أنشئت المنظمة فى رجب عام ١٤٠٠ هـ الموافق ١٩٨٠، وهى تدار بواسطة مجلس أمناء يتكون من ٦٠ عضوا من دول عربية وإسلامية من بينها السعودية والسودان واليمن والكويت ومصر وقطر والإمارات والبحرين وأمريكا.
ويضم مجلس الأمناء وزراء سابقين وقادة رأى ودعاة ومصلحين، وتتمثل مجالات عمل المنظمة فى إنشاء وإعمار المساجد، وإنشاء دور المهتدين ومراكز تحفيظ القرآن والمدارس القرآنية لتعليم مبادئ الإسلام، بالإضافة إلى توفير الخدمات الصحية للفقراء بدول أفريقيا من خلال إنشاء المستوصفات والمستشفيات وكفالة الأيتام كفالة تامة.
وتتمثل الإنجازات خلال الفترة الماضية فى إنشاء أكثر من ٧٠٠ مسجد بأفريقيا وألبانيا، وفى مجال التعليم شيدت المنظمة ٧٦٥ فصلا دراسيا نظاميا لتستوعب أكثر من ١٥٠ ألف طالب وطالبة ترعاهم المنظمة رعاية كاملة حيث تقدم لهم الغذاء والكساء بجانب التعليم، كما أنجزت المنظمة مشروع التعليم العربى فى زنجبار وتشاد وجامبيا، وتدير المنظمة ١١٢ وحدة صحية تشمل المستوصفات والمستشفيات، وقامت بحفر ٦٠٠ بئر وكفالة ١٢ ألف يتيم كفالة تامة من خلال الجمعية الأفريقية الخيرية لرعاية الأمومة والطفولة بالتعاون مع الهيئات الخيرية والمحسنين، وقد بلغت تكلفة إنشاأت ٢٦٥ مشروعاً خدمياً فى السودان تم تنفيذها خلال العشرين عاما الماضية أكثر من ٥٠ مليون دولار، وفى خارج السودان نفذت ٦٠ مشروعاً فى المنشآت الخدمية بتكلفة تصل إلى خمسة ملايين دولار، وفى مجال المشروعات الإنسانية نفذت المنظمة ثمانية مشاريع بتكلفة تصل إلى نصف مليون دولار.
■ منذ أن تركت السلطة فى منتصف الثمانينيات وأنت تعمل فى مجال الدعوة الإسلامية.. فهل هذا معناه أنك مللت العمل بالسياسة؟
– أنا والحمد لله من أسرة رسالتها نشر الدين الإسلامى، وقد كان جدى محمد عيسى سوار الذهب الذى جاء إلى السودان من الجزيرة العربية، قد التقى فى تلك الفترة الشيخ المؤرخ المغربى التلمسانى، وهو الذى ادخل رواية «عمر الدورى» فى قراءة القرآن الكريم فى السودان عبر مدرسة قرآنية أسسها فى دنقلا العجوز، فور دخوله البلاد عام ١٥٠٤، ومنذ ذلك التاريخ والقرآن يدرس فى دورنا، وكذلك النهج الإسلامى، وفى الحقيقة فإن اتجاهى للعمل الطوعى الإسلامى، يعتبر امتدادا لما كان عليه آبائى وأجدادى فى هذا الموضوع، وبالنسبة لى العمل الطوعى أفضل من العمل السياسى، لكن كمواطن، يجب علىّ أن أشارك فى بعض القضايا، فمثلا توحيد الجهود التى تقود إلى مصلحة السودان، مهمة مصيرية لابد أن أشارك فيها.
■ أفهم من فخامتك أنك تشارك فى العمل السياسى فى السودان فى الوقت الحالى؟
– يعنى، مشاركات محدودة، ليس برغبة منى، لكن كما ذكرت لك، هناك بعض القضايا التى لا يمكن لأى سودانى أن يكون بمنأى عنها، مثل قضية الجنوب ودارفور.
■ السلطة الحاكمة فى السودان.. هل تستعين بك؟
– تستعين بى وبغيرى، ففى بعض الأحيان يستدعوننا للتشاور كما حدث فى أول رمضان الماضى، حيث استدعيت أنا وأكثر من ٧٠ شخصية سودانية، واجتمعنا مع الرئيس البشير للتشاور حول قضية الجنوب، وكانت معظم الأحزاب السودانية ممثلة فى هذا الاجتماع، وبعض الأحزاب رفضت الحضور لسبب أو لآخر، لكن فى رأيى هذا غياب مرفوض، فالكل يجب أن يشارك لأن هذه قضية قومية تهم السودانيين ككل.
■ قدمت نموذجا فريدا فى عالم السياسة، حيث كنت أول حاكم عربى فى الآونة الأخيرة، ترك السلطة طواعية، واكتفى بمحبة الناس.. فهل من الممكن أن نرى حاكما عربياً آخر، يفعل ما فعلت؟
– ضحك.. ثم قال: كما تعلم وعى الناس ومستوى تعليمهم ارتفع فى العالم العربى، وأتصور أنه لن يكون مقبولاً فى الوقت الحالى وقوع انقلابات عسكرية جديدة، لأنها لن تعيش ولن يقبلها العالم، وبالتالى أستبعد أن تكون هناك انقلابات عسكرية فى الوطن العربى خلال الفترة المقبلة، لكن التغيير يجب أن يتم بطريقة سلمية، وهناك دعوة وإصرار على الحكم الديمقراطى السليم فى العالم كله، وشعوبنا ليست أقل من شعوب العالم، ويجب أن تنعم بالديمقراطية.
■ وهل هناك أمل فى التغيير فى بلادنا؟
– لابد أن يكون هناك تغيير وبطريقة ديمقراطية، وهذا وقته.
■ لكن هناك من يقول إن بعض الحكام العرب يخافون من التغيير والإصلاح والديمقراطية؟
– هناك موازنات يجب أن يضعها الإنسان فى اعتباره، فمثلاً إذا كان هناك شعب لا يملك قوت يومه، فقد يقوم الحاكم ببعض التصرفات أو يتخذ بعض القرارات التى لا يفهمها المواطن العادى، لكن فى النهاية تجدها فى مصلحة الدولة، والحاكم فى هذه الحالة يفكر فى الأولويات التى يحتاجها الشعب.
■ وهل تعتقد أن هناك ديمقراطية حقيقية فى الوطن العربى أم أن النماذج الموجودة، مجرد نماذج شكلية لا أكثر؟
– الديمقراطية، الآن، أصبحت من المعايير التى يحرص عليها المجتمع الدولى، فإذا لم تكن هناك ديمقراطية فى بعض الدول، تجد بعض القوى الدولية ومنظمات حقوق الإنسان تتدخل فى هذه الدول بحجة الإصلاح، وهناك مؤسسات دولية ترعى مثل هذه القضايا وربما تقدم المسؤول إلى المحاكمة، إذا تجاوز حدود المسؤولية، أما بخصوص الديمقراطية الموجودة فى العالم العربى فهى ديمقراطية نسبية.
■ على ذكر المحاكمات كيف ترى قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس البشير؟
– مؤخراً، صرح أحد مستشارى الرئيس الأمريكى بأن هذا القرار اتهام سياسى، بمعنى أنه فى واقع الأمر ليست هناك قضية، فخلال سبع سنوات من الحرب الأهلية فى دارفور، لم يتجاوز عدد الذين ماتوا فى هذه الحرب ٩ آلاف شخص، حسب تقرير اللجنة السودانية التى شكلت من أجل هذا الغرض، لكن أمريكا فى ذلك الوقت من خلال هذا الاتهام الذى وجهته للرئيس البشير، أرادت التغطية على فضائحها فى العراق التى ظهرت الآن من خلال «وثائق ويكيليكس»، وأعتقد أن ما لم ينشر حتى الآن أسوأ مما نشر فى هذه الوثائق.
ما قاله الرئيس الأمريكى السابق « بوش الابن» فى ذلك الوقت بأن هناك مجزرة فى السودان أدت إلى مقتل نحو ٩٠٠ ألف شخص، وفاق ضحاياها، ضحايا مجزرة رواندا- «كلام فاضى» لا يستند إلى دليل، وهذه الأرقام غير حقيقية، وهذه الحرب كانت بسبب القتال بين القبائل المختلفة، وليست هناك إبادة من قبل السلطة الحاكمة كما رددت أمريكا.
■ أخيراً.. كيف ترى القضية الفلسطينية، خاصة فى ظل المفاوضات العبثية التى تجرى الآن؟
– يجب ألا نتخلى عن الأمل، وديننا يدعونا إلى التفاؤل، لكن ما تقوم به إسرائيل، حقاً لا يستطيع أن يفهمه أى إنسان، وأمريكا التى جددت عقوباتها مؤخراً على السودان، لم تستطع أن تجبر إسرائيل على تجميد بناء المستوطنات، فهل يتعظ العرب ويوحدون جهودهم وينظرون إلى الوضع بنوع من الجدية حتى نصل إلى حل؟!
المصري اليوم