التطهير العرقى للمسلمين السُود فى صحراءْ الموت بإقليم دارفور – المنطقة الواقعة فى غربْ السُّودان(1-1)
إنّ الأمر كان ومايزال يُشكل كابُوساً من العُنف والإساءة – إنّ الأمر كان مايزال يتسم بخطُورة عظيمة
هلْ يُضام المرءُ لسواد لونه ؟, أو لإنتمائه العرقى أو القبلى ؟
حمّاد وادى سند الكرتى
المحامى والباحث القانونى
[email protected]
عندما تمعنتُ بنظرة ثاقبة حول تاريخ المذابح التى أُرتكبت وماتزال تُرتكبْ فى إقليم دارفور خلصتُ إلى نتيجة مفادها :
إنّ المذابح التى أُرتكبتْ وما تزال تُرتكبْ فى إقليم دارفور, تحت سمع وبصر المجتمع الدولى , الإقليمى والمحلى , لاتقل خُطورة وبشاعة وإجْراما وتخطيطا , عن المذابح التى تعرض لها اليهود والغجر والسُّود والمتخلفين والشواذ , على أيدى القادة النازيين , وعلى رأسهم – أدولف الويس هتلر – وذلك فى الفترة مابين 1933م – 1945م , ولقد أثبت التاريخ أنّ الأشخاص الذين أجْرموا فى حقْ البشريّة , غالباً ما إتسمتْ حياتهم الأُولى , بإضطراب خطير , حيث عاش النازى – أدولف هتلر , طفولة غير مستقرة , بل أنّ والده كان ثمرة علاقة غير شرعيّة , وهكذا…الخ , فإذا ما تمعن القارىءْ تاريخ حياة الطُغاة والمجرمون على مستوى العالم – أمثال – نيرون , قادة الخمير الحمر …الخ .
لقد إرتكب – أدولف هتلر الإبادة الجماعيّة , إنطلاقا من دوافع عُنصريّة بغيضة , فقتل أكثر من ستة الالاف شخص معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ .
إنّ المذابح التى أُرتكبتْ وما تزال تُرتكبْ فى إقليم دارفور, تحت سمع وبصر المجتمع الدولى , الإقليمى والمحلى , لاتقل خُطورة وبشاعة وإجْراما وتخطيطا , عن المجازر التى إرتكبتها الشُرطة العُنصريّة فى دولة جنوب إفريقيا بمنطقة شاربفيل , فى العام 1960م, حيث أطلقت الشرطة النار على السود, حتى تخضبت الأرض بدماء الأبرياء, أما الذين نجوا من المذبحة فقد تم الزج بهم فى سجون مزرية ومهينة بكرامة الإنسان , كل تلك الأفعال الإجراميّة , المرتكبة من قبل نظام الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا , دفع الملايين إلى اللياذ بحركة التحرر الإفريقى ضد نظام الفصل العنصرى , بل ومن اجل الحرية والعدالة والمساواة فى الحقوق والواجبات – إن الوضع كان خطيرا .
إن المذابح التى أُرتكبتْ وماتزال تُرتكبْ فى إقليم دارفور , تحت سمع وبصر المجتمع الدولى , الإقليمى والمحلى , لاتقل خُطورة وبشاعة وإجْراماً وتخطيطاً , عن المذابح التى قام بها القادة العثمانيون , سنة 1915م , ضد الأرْمن والتى راح ضحيتها أكثر من مليون أرمنى , تمّ قتلهم جميعا بدوافع عُنصريّة , لقد تم تهجير الأرْمن بطريقة منهجيّة ومنظمة من أجل تطهير الدولة العثمانيّة من عرق الأرْمن غير المرغوب فيهم , بل ومن أجل تغير الطبيعة الجُغرافيّة والديمغرافيّة .
إن المذابح التى أُرتكبت وماتزال تُرتكبْ فى إقليم دارفور , تحت سمع وبصر المجتمع الدولى , الإقليمى والمحلى, لاتقل خُطورة وبشاعة وإجْراماً, عن الجرلائم التى إرتكبها قادة الخمير الحمر , حيث قاموا بقتل أكثر من 25%, من شعب كمبوديا , وذلك فى الفترة مابين 1969م – 1975م .
إنّ الجرائم التى أُرتكبتْ وماتزال تُرتكبْ , فى إقليم دارفور, تحت سمع وبصر المجتمع الدولى , الإقليمى والمحلى , لاتقل خُطورةً وبشاعة وإجْراماً , عن الجرائم التى إرتكبها قادة الصربْ , ضد المسلمين الألبان فى البوسنة والهرسك , وذلك فى العام 1991م , حيث قُتل أكثر من عشرة الالاف ألبانى فى أفظع المذابح التى تعرض لها الألبان فى منطقة ( سرايبوا) وحدها , فضلا عن تعرض الالاف النساء للإغتصاب الممنهج والمنظم , والتى جرت على أيدى قوات الصرب المعتدية .
إن الجرائم التى أرتكبتْ وماتزال تُرتكبْ , فى إقليم دارفور , تحت سمع وبصر المجتمع الدولى , الإقليمى والمحلى , لاتقل خُطورة وبشاعة وإجْراماً , عن الجرائم التى قام بإرتكابها المتطرفون من جماعة الهوتوا ضد الأقليّة من قبائل التوتسى , وفى خلال مائة يوم فقط , قُتل أكثر من (ثمانية مائة شخص ) , بل وتعرض الالاف النساء والفتيات للإغتصاب .
إن المذابح التى وقعت فى روندا 1994م , أعادة للإذهان على مستوى العالم , المذابح التى تعرض لها البشريّة من قبل ذاك التاريخ .
وفى ظل صمت دولى رهيبْ غير متوقع , بل لمْ ولنْ نجد عذرا لذاك الصمت , وفى ظل تخاذل عربى وإسلامى واضح وفاضح , إرتكب الأشرار , ومايزالون يرتكُبون , مذابح لايمكن وصفها بأى حال من الأحوال , ضد المسلمين السُّود فى إقليم دارفور , المنطقة التى شهدت وماتزال تشهد فصول من العنف والإساءة والإستهانة بأرواح البشريّة .
هل يضام المرءُ , لسواد لونه ؟
هل يضام المرءُ لإنتمائه العرقى ( لقد تم إستهداف قرى الزغاوة والمساليت والفور , لكونهم ينتمون لعرق معين – لذا فإن الأمر يبعث التقزز والإمتعاض , بل وحب الثأر والإنتقام …الخ ).
هل أجاز الدين الإسلامى , إستهداف وحرق بل وتدمير , قرى المدنيين الأمنيين فى قراهم ؟
هل أجاز الدين الإسلامى , إغْتصاب نساء الفور فى مكجر بل وكل شريط وادى صالح ؟
هل أجاز الدين الإسلامى , إغتصاب النساءْ وقتل الأطفال والرجال , بهدف تغير الطبيعة الجغرافيّة والديمغرافيّة لإقليم دارفور ؟
إن الجُناة كانوا لا يأبهون بحرمة القتل وإزهاق الأرواح , بل كانوا يتلذذون بقتل الأطفال البراءة , لقد قتلوهم كالذباب , شردوهم كالحيونات المتوحشة غير المرغوب فيهمْ .
إن الجناة كانوا ومايزالون يسعون لتدمير جماعات عرقيّة معينة فى إقليم دارفور , لذا إرتكبوا القتل الجماعى , وألحقوا بالبعض الأخر أضرار عقليّة وجسديّة شديدة الخطورة .
إن الجناة وضعوا قبائل عرقيّة معينة فى ظروف معيشيّة بقصد إلحاق أكبر ضرر ممكن ضد تلك القبائل , لقد نُهبتْ الثروات لإفقار تلك القبائل لسنوات عدّة مقبلة , لقد تم تشريد الأطفال الصغار , بقصد خلق مجتمع أمّى ( فاقد تربوى) حتى تتاح الفرصة للأخرين لسنوات عدة , لقد تم إغتصاب النساء , بقصد خلق جيل مختلف جينيا عن أسلافهم .
لقد حُرقتْ القُرى بطريقة سببت الصدمة النفسيّة للضحايا , بل ولقتل الروح والعزيمة ذاتها , بل ولمنع الجماعات المستهدفة من تكوين جماعاتهم فى القريب العاجل .
إن الجرائم التى أُرتكبتْ وماتزال تُرتكبْ ضد الضحايا فى إقليم دارفور , لم تكن جرائم عرضيّة , بل تلك الجرائم كانت نتيجة سياسة دولة , مدروسة بطريقة إجراميّة خبيثة بقصد تدمير قبائل عرقيّة معينة .
إن الضحايا يعانُون من الحسرة والألم وفقدان الأمل فى ظل تقلبات المصالح السياسيّة محليا , إقليميا , دوليا .
إنّ الضحايا مايزالون عرضة للتحرش والإغتصاب والإختفاء القسرى والتعذيب , والتجسس .
إنّ جميع الأدلة تُؤكد وتبرهن, وبما لايدع معه مجالا للشك أن حكومة المؤتمر الوطنى والجماعات شبه العسكريّة الموالية لها , أبرزها الجنجويد , قد صممت لقتل أعداد كبيرة من جماعات الفور , الزغاوة , والمساليت
بل أن حكومة المؤتمر الوطنى , ومليشيا الجنجويد , قد سعوا إلى إضطهاد وإذلال تلك القبائل , والدليل على ذلك , أن الجناة كانوا يسبون الضحايا بالقول ( إن هذه الأرض الأن أصبحت محررة ولم يعد لكم أرضا ولا الحقْ فى فلاحة الأرض المحررة , ياأيها العبيد السود أُخرجوا من هذه الأرض – إن حكومة المؤتمر الوطنى هى حكومتنا وهى التى سلحتنى لقتلكم جميعا) وغير ذلك من الأقوال التى تركت أثار وخيمة على نفسية الجناة .
وفى خلال الأسطر القادمة سوف نسلط الضوء على منهجيّة الهجمات ضد قبائل الزغاوة والمساليت والفور – وكيف سعى الجناة إلى إرتكاب التطهير العرقى ضد المسلمين السُود فى صحراء الموت – دارفور – المنطقة الواقعة فى غرب السّودان الذى يشهد كارثة إنسانيّة لم يسبق له مثيل عبر تاريخ البشريّة :
– الإبادة الجماعيّة بإخضاع قبائل الزغاوة – المساليت – الفور لأحوال معيشية بهدف إهلاكهم كلياً , أو جزئياً , وذلك بالأتى:genocide by deliberate infliction on members of the target groups conditions of life calculated to bring about the physical destruction of the group in whole or in part
– 1- تدمير وسائل العيش لقبائل الزغاوة – المساليت – الفور :
– إن الهدف من الهجمات التى كانت تشن على قرى الجماعات المستهدفة , ليس قتل أفراد الجماعة فحسبْ , وإنما أيضا لتدمير وسائل العيش الخاصّة بالزغاوة والفور والمساليت , فقد دمر المهاجمون من مليشيا الجنجويد , والقوات المسلحة التابعين للبشير أبار المياه ومصادر العيش , ومضخات المياه , فضلا عن تدمير أية إنشاءات يمكن أن توفر سبل العيش , والهدف من تلك الأعمال اللاأخلاقية هو منع الناجين من الموت من الإستمرار فى الحياة .
– 2- ملاحقة المشردين فى الصحارى والجبال:
– إن الضحايا الذين نجو من الموت بعد الهجمات , لم يتركو , أى أن الجناة لم يتركوهم , بل يتم ملاحقتهم فى الصحارى , وقد سمع أحد الضحايا صدفة , أحد المهاجمين يقول لزميل له : ( لاتضيع الرصاصة , فإنهم لايملكون ما سيأكلونه , فإنهم سوف يموتون بالجوع ) .
– 3- سلب أراضى قبائل الزغاوة – المساليت – الفور:
– بعد أن هجر الناس أرضيهم فى دارفور نتيجة للهجمات التى كانت تشن عليهم , إستوطن فيها أفراد ينتمون إلى جماعات معينة أخرى حيث يقولو : ( إن هذه الأرض الأن محررة ولم يعد لكم أرض ولا الحق فى فلاحة المنا طق المحررة ) وحتى البشير نفسه ذكر فى إحدى خطاباته قائلا : ( أنا لا أرغب إلا فى الأض ) كان ذلك بتاريخ إبريل من العام 2003 م .
– 4- مهاجمة قبائل الزغاوة – المساليت – والفور:
لم يكتفى الأشرار من إخراج تلك القبائل المستهدفة من ديارهم , بل تتم ملاحقتهم حتى الأن داخل معسكرات المشردين فى دارفور, بل يرفضون تقديم العون الإنسانى لهم , بالإضافة الى وضع العوائق والحواجز البروقراطية أمام المنظمات الإنسانيّة العالمية بهدف إهلاك المشردين قسرا جوعا.
– الإبادة الجماعية بإلحاق ضررعقلى جسيم ضد أفراد قبائل ( الزغاوة – المساليت – الفور) :
– نتيجة للهجمات شُرد قسراً من ديارهم أكثر من مليونين وسبعمائة الف , معظم المشردين ينتمون إلى قبائل – الزغاوة – الفور – المساليت – , وعندما كان يفر الناجون من الهجمات , كان الجناة يلاحقونهم فى الصحارى والجبال , ويتم قتلهم , أو يتركوا لكى يموتوا فى ظروق بالغة القسوة , أما الذين تمكنوا من الوصول إلى مشارف المدن الكبيرة , فكان يتم إخضاعهم لأضرار جسديّة وعقليّة بهدف إهلاكهم جزئياً , أو كلياً وذلك بإرتكاب أعمال معينة ضدهم على هذا النحو :
– 1- الإغتصاب:
– إن آلاف من الضحايا من الفتيات والنساء اللواتى ينتمين إلى قبائل الزغاوة والمساليت والفور , قد أغتصبن , ومايزلن يغتصبن حتى لحظة كتابة هذه السُطور , فقد تم إغتصاب فتيات لم يتجاوزن السابعة من أعمارهن , عندما كن يخرجن لجمع حطب الوقود , أو لجلب الماء , وذكرت إحدى الشاهدات قائلة : ( لقد شاهدت ( أى الشاهدة ) عمليات إغتصاب – ليس مهم من يراهم , وهم يغتصبون الفتيات الصغيرات أمام أبواتهم وأمهاتهم ) .
– 2- التهجير القسرى:
إن التهجير القسرى فى إقليم دارفور , يمارس بطريقة وحشيّة وقاسيّة للغاية , لاتوصف على الإطلاق , كان الهدف من التهجير القسرى هو منع قبائل الزغاوة – المساليت – الفور , من إعادة تكوين جماعتهم من جديد , حيث طردوا من الأرض التى كان يقطنها أسلافهم لقرون طويلة مضت , ونهبت أموالهم , ويعانى الضحايا فى الوقت الراهن من ألم وحسرة جراء طردهم من موطنهم الأصلى , وإحتلالها من قبل أفراد ينتمون إلى جماعات أخرى , ولايوجد
أمل للضحايا فى العودة مرة أخرى الى ارضهم, فى ظل عمليات التجسس والقتل والإضطهاد والتحرش التى تقوم بها قوات الحكُومة ومليشيا الجنجويد .
( لكم الله أهل دارفور- إنه عمل بربرى إجرامى خطير )
حماد وادى سند الكرتى
المحامى والباحث القانونى
[email protected]