القديم والجديد في العلاقات السودانية التشادية

القديم والجديد في العلاقات السودانية التشادية
هذا المقال قد سبق نشره , بمناسبة عودة العلاقات السودانية الشادية نعيد نشره مرة أخرى
يأتي الحديث عن العلاقات السودانية التشادية , في سياق العلاقات التاريخية
التي تربط  دول الشريط السوداني الممتد من إثيوبيا شرقاً حتى موريتانيا غرباً
ويضم هذا الشريط بالإضافة إلى هاتين الدولتين: اريتريا , السودان, تشاد ,النيجر,مالي
يتداخل كل دولتين متجاورتين من هذه الدول عبر حدودها تداخلاً وتمازجاَ لا
يكاد يشعر المتنقل عبرهما بفارق عرقي أو ثقافي أو اجتماعي ملموس, إذا استثنينا
عنصر اللغة والمزاج القطري بعامل الحدود السياسية المصطنعة  على هوى استعمار
الغربي في مطلع القرن الماضي ,.
تاريخياً يسمى هذا الشريط , بشريط السوداني, ويسميها البعض , بأفريقيا  السمراء
” تحت الحمراء, فوق السوداء ” أي الحد الفاصل بين إفريقيا سوداء القحة , والساحل
الشمالي ذو ملامح خليط من العربية , والأمازيقية , والبربرية ,لا يمكن الحديث عن
العلاقة بين هذه الدول دون النظر إلى طبيعة التداخل الجغرافي والعرقي  والثقافي
لمكونات هذه الدول, وتأثير هذه المكونة في البنية السياسية والاقتصادية والأمنية
لكل دولة, وانعكاساتها على مدى القصير والطويل سلباٌ وإيجابا على جيرانها
بصورة مستمرة سلما وأمنا , طبقاً للرابط التاريخي والجغرافي الباين .
هذه الدويلات التي العبث الغربيون في تفاصيلها , ليس كما يجب أو كما ينبغي أن تكون
بل على هوي استعمار الغربي على قدر تأمين مصالحه واستراتيجياته آنذاك في القارة
السمراء , فصلت الدول والقوميات على النزق الغربي فلذا وجدت المجموعات
المتباينة والمتناقضة نسبياً نفسها في منظومة سياسية واحدة, وآخري  متقاربة
عرقياً ومتجانسة ثقافياً  في دويلات شتى تفصلها حدود سياسية في الرقعة
الجغرافية التي نشأوا فيها , وأفرزت هذا الوضع الغريب صراعاً  وعراكاً
واحتكاكاً مستمراً منذ الاستقلال حتى اليوم على الحدود المشتركة بين هذه الدول
انعكس سلباً على الروابط التاريخية بين هذه الشعوب , وعلى السلطة المركزية
في الدولة , هذا ما حصل ويحصل بين دول القارة السمراء حتى  الآن , .
هذا التوتر الذي يحدث من وقت لآخر في المناطق الحدودية بين هذه الدول , لا
يجب أن يفهم في سياق الخيانة الوطنية أو العمالة لطرف دون الآخر , ولكن
الوضع طبيعي بالنظر إلى جغرافيا التقسيم هذه الدويلات , وربما  تكون هناك
ازدواجية الولاء للدولتين , ليس غريباً بسبب امتداد العرقي والأثني والثقافي  الذي
يربط تاريخ وجغرافيا المنطقة يأبى الفكاك تحت أي ظرف , ولم تستطع  هذه الدول
تغير الواقع الماثل أمامهم مهما قويت قبضتها أو صلبت مركزيتها بأي حال.
إذا كنا بصدد الحديث عن العلاقات السودانية الشادية, هناك تشابه وثيق بين
البلدين في الخلفية التاريخية والسياسية , وفي توزيع الأثني والثقافي على
جغرافيا البلدين تاريخياً , هنالك ممالك إسلامية سبقت قيام الدولتين الحديثتين
شهدت بلاد شاد ممالك إسلامية عريقة , مثل” كانم” “وباقرما” على بحيرة شاد
وبرقو أو “وداي ” على شرقها  , وفي السودان , سلطن الداجو , التنجر , الفور
في غرب السودان وسلطنة الزرقاء أو الفونج في سنار, .
وفي شمال تشاد  تقطن مجموعات إسلامية , شبه رعوية ,عربي الهوى
والثقافة , وفي الجنوب تقطن مجموعات قبلية افريقية الهوى والهوية ,
تعتنق المسحية والإسلام  إلى جانب المعتقدات المحلية , وهذا الوضع يماثل
السودان تماماَ , . سياسياً هناك صراعاً دموياً وحرباً أهلية منذ لاستقلال في
كلتا البلدين , اندلع التمرد في جنوب السودان قبيل إعلان الاستقلال في السودان
في عام 1955م ” حركة أنانيا (1), وفي تشاد  انطلقت جبهة” فرولينا” في
نهاية الستينيات من القرن الماضي بعيد استقلال تشاد على ما أعتقد, واشتدت
وحميت وطيسها في السبعينيات  القرن الماضي, .
منذ الاستقلال حتى الآن تعاقبت ست حكومات على السودان, : حكومة الاستقلال
بقيادة إسماعيل الأزهري , وحكومة الفريق عبود (1958 – 1964م ), وحكومة
الديمقراطية الأولى ( 1964 – 1969م ) , وحكومة مايو من (ة1969 – 1985م )
وحكومة الديمقراطية الثانية ( 1985 – 1989م ) , وحكومة الإنقاذ  من (1989م
حتى الآن ,. وتعاقبت على جمهورية تشاد ست حكومات ايضاً :  حكومة ما بعد
الاستقلال, حكومة “فرنسوا تمبل باي( 1960-1975 م )”  , وحكومة “فلبس مالوم”(1975- 1979) , وحكومة “جكوني عويدي”(1979م – 1982م)
وحكومة حسين هبري (1982م- 1991م ), وحكومة إدريس دبي ( 1991م –  , – )عذراً لا أذكر التواريخ بدقة المطلوبة . وهناك أيضا تماثلاَ
مناخياً , في شمال تشاد مناخ صحراوي قليل الأمطار والنبات , وفي الجنوب مناخ
شبة استوائي ممطر معظم فصول السنة, ويغطى القطاع النباتي مناطق شاسعة في جنوب
البلاد , وكذا المناخ في السودان , هناك تماثل في كثير من ملامح الحياة بين الدولتين
لا يسع الوقت لسردها ونكتفي بهذا القدر , .
لا تستقيم العلاقة بين الدولتين إذا تعاملت الدولتان بردود أفعال الوضع القائم الآن
على الحدود بين البلدين, هذا الوضع الذي يتحمل السودان الجزء الأكبر
في تأجيجه وافتعاله على خليفة ثورة في دارفور ضد المركز في الخرطوم , جعل
العلاقة بين البلدين تخرج من إطارها الطبيعي  إلى مرحلة يتسم بالمساومة والمقايضة
بقضايا ومصالح ومطالب مصيرية وجوهرية لقوميات تقطن هذه المنطقة الحدودية,
ولئن كان الجانب السوداني هو الساعي والمتآمر على تصفية القضية على هذا
النحو إلا أن الجانب التشادي وجد نفسه أمام أمرين أحلاهما مر, أما أن يقاتل
التمرد ( مرتزقة السودان ) المدعومة بمليشيات الجنجاويد ,أو يقطع الطريق
لثوار دارفور , ذلك بطرد القيادات من المدن التشادية , وخاصة العاصمة , وغلق
الحدود أمامهم , وتسير دوريات مشتركة مع القوات السودانية على الحدود الغربية
تلقاء هذا الوضع المتأزم والمتأجج   بين البلدين يجب على الحريصين على علاقة
سوية بين البلدين  أمعان النظر في عمق التاريخي والإقليمي والمكون الجغرافي
لشعوب المنطقة , الذي يجعل التداخل وتبادل المنافع والتعايش أمراً حتمياً لا مناص
منه , بالمعطيات الواقع التي ذكرناها , .
لا تستقيم العلاقة بين البلدين إلا بإعادة النظر, أو تغيير مفهوم السائد لدي السودان
اتجاه تشاد , بأن كل من ينطلق من أرضه بإمكانه تغيير النظام في تشاد , على
غرار, خطة هبري, ورئيس إدريس دبي, وفات على الكثيرين أن ذاك
العهد قد مضى , وما عادت تنفع محاولات النظام في الخرطوم في تغير النظام بالطريقة
التقليدية القديمة, .
تستقيم العلاقة بين البلدين إذا نظر كل منهما الآخر, كبلد شقيق, وأنهما  ذا
ثقافة وتاريخ مشترك, وكذا المستقبل والمصير, ولا ينبغي أن ينظر إلى تشاد
مجرد مستعمرة ( فرانكفونية )  لا تربطه صلة بالسودان, الذي يعتبر عضواً في
جامعة الدول العربية, وصاحب مؤسسات تعليمية ومدنية عريقة مقارنة
بدول الجوار الأفريقية , وصاحب تجربة سياسية وديمقراطية مستنيرة , وٍارث
دبلوماسي متقدم , وموارد اقتصادية ضخمة ,بإجماع العالم , بالمقارنة
مع جارة تشاد, الدولة الصحراوية الغنية بالمعادن غير مستغلة, ليست لها موارد اقتصادية كبيرة
مثل السودان ولم تنعم باستقرار نسبي منذ الاستقلال  بقدر الذي تجعله من ترتيب أولوياتها
فالمستعمر الفرنسي لم يبذل جهداً في تعمير هذا البلد الصحراوي , ولم يترك
مؤسسات تعليمية مقننة  , ولا خدمة مدنية منضبطة , مثل ما ترك الانجليز في
السودان , بل تركوها محض حامية فرنسية أو معسكر استراتيجي لجيشها, ولذا
نجد هناك تفاوت في التعليم  وفي ارث المدني التراكمي بين البلدين, مما جعل
البعض يتخذ من هذا التفاوت النسبي مصدر فخر وإعزاز, ومتهماً الطرف الآخر
بالتخلف والبدائية.
يجب أن تعلم جارة تشاد أن السودان على رغم أن  ” بابه يجيب الريح ” أحيانا مع
ذلك لا تستطيع تشاد أن تستغني عنه بشهادة التاريخ, يعتبر عمقها الاقتصادي والإستراتيجي
وملاذ آمن لكثير من شعبها, و منهل الثقافي ومرجع الديني والمذهبي لها,  بفضل الروابط
التاريخية والجغرافية والثقافية التي ذكرناها , بمثابة الشقيق الأكبر,أو الأخت الكبرى ” عبلة “.
تعتبر المنطقة الغربية المتاخمة لتشاد (دارفور –أو سلطنة دارفور قديماً ) من المناطق
المتميزة تاريخيا, ونشطة تجارياً, إذ يربط السودان بالجماهيرية الليبية الدولة
الغنية بالنفط على ساحل البحر المتوسط , وبمصر عن طريق الصحراء (درب الأربعين )
المشهور عبر التاريخ , وبدول غرب الأفريقي مثل تشاد نيجريا موريتانيا,الخ..
استفادت الدولة السودانية من هذه العلاقة التاريخية أيما فائدة , إذ نشطت حركة
تجارية بين إقليم دارفور وهذه الدول , ولا سيما النصف الأخير من القرن
الماضي , وكانت إيرادات المنافذ الغربية من الجمارك وعائدات الصادر
والوارد تغذي خزين الدولة السودانية  بصورة مستمرة , .في الثمانينيات
كان جمارك مليط , ينافس ميناء بور تسودان , وفي عام 1994م  بلغت الحصيلة
الشهرية لجمارك كتم أكثر من 40مليون جنيه , مع أن إيرادات المحافظة من الضرائب
والزكاة والريع أقل من 6مليون جنية في الشهر, .
لا شك أن إنسان دارفور كابد جور الطبيعة , وظلم المركز, سهوا أو تعمداً
أي أن إنسان دارفور ضحية التاريخ والجغرافيا معاً, تحت هذه الظروف المؤسفة
اضطر النزوح داخلياً والهجرة خارجياً , ودخل الإقليم في سلسة من الاحتجاجات
وانتفاضات, وفي الآخر تشكلت ثورة عارمة اجتاحت الإقليم  برمته , وتستقيم
العلاقة بين السودان وتشاد بمداواة  العلة سياسياً واقتصادياً واجتماعياَ , حينها
تعود المنطقة إلى سيرتها الأولى .
حامد جربو /السعودية
مزيد من المقالات على موقعنا
http://www.jarbo.110mb.com/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *