السودان بلد المليون أزمة!

لا يهم من الذي يحاول إشعال طرف الثوب السوداني بعود الكبريت، الأهم من كل ذلك أن السودان اليوم كله مهدد، وقد يقول البعض إن الخطر الذي يحيق بالسودان ليس بجديد، وهذه هي الأزمة، حيث باتت أزمات السودان تولد أزمات متتالية.

والخوض في تفاصيل مطالب المعارضة السودانية، أو الفرقاء، سواء جنوبا أو شمالا، لن يقدم أو يؤخر في واقع الحال، لكن ما أبرز ما يحدث في السودان مؤخراً هو اتحاد الجميع، داخلياً وخارجياً، ضد الحكومة السودانية، وهذا أمر يشي بصعوبة قادم الأيام في الخرطوم، كما أنه دليل على سوء إدارة الأزمة السودانية من قبل النظام.

خارجياً هناك المحكمة الدولية، وقبل أيام توعد اوكامبو بملاحقة مجرمي الحرب في دارفور، ومن يتستر عليهم، وبالأمس خرج الجنوبيون والشماليون في مظاهرات وصفها النظام بأنها غير شرعية، على اعتبار أنه لم يرخص لها، والغريب أن النظام الذي يطالب بترخيص المظاهرات اليوم كان يقول أيام المسيرات التي عمت السودان بعد قرار المحكمة الدولية بملاحقة الرئيس السوداني بأنها كانت عفوية!

وهذا الحديث بالطبع ليس دعماً للمظاهرات التي خرجت قبل أمس، أو تأييداً لما قيل عن تنظيم مظاهرة مليونية، فمطالب المتظاهرين، أو ما وصف بمذكرة المسيرة المحظورة، أمر تعجيزي الآن، وإن كان مشروعاً، لأن تلك المطالب تعني عقداً سودانياً جديداً.

وما نراه اليوم في السودان، للأسف، ما هو إلا تشبث بالسلطة، والخوف كل الخوف أن ينهار المعبد على من فيه، فالجنوب قطع مشواراً في الانفصال، وهناك من يقول إن الانفصال قد وقع وبقي الإعلان عنه، وهناك أيضاً أزمة دارفور، وما يترتب عليها بحق النظام السوداني خارجياً، ناهيك عن معاناة الأبرياء، كما أن هناك الصراع بين حلفاء الأمس من النظام الحاكم نفسه، وبالطبع فإن ضحية كل ذلك هو السودان، ومواطنوه.

ولذا فعندما نقول إن أزمات السودان باتت تولد أزمات أخرى، فإن السبب يعود إلى سوء الإدارة من قبل النظام السوداني، والتشبث بالسلطة حتى ولو أدى ذلك إلى تقسيم البلاد، وفك لحمتها، وتعريضها إلى خطر ساحق، فحتى لو نجحت المعارضة بكل أشكالها في إسقاط النظام الحاكم في السودان، بحسب ما يقوله بعض مريدي النظام من أن الهدف الحقيقي من تلك المظاهرات والمطالب ليس إنجاز المتفق عليه بقدر ما هو إسقاط النظام الحاكم، فإن ذلك لن يقود إلى تحسن أوضاع السودان؛ فالانقلابات، والإطاحة بالرؤساء، أو الأنظمة لم تأتِ بجديد للسودان، بل زادت في تعقيد الأوضاع فيه.

محصلة الحديث أن السودان أهم من النظام الحاكم، وأمنه واستقراره أهم ممن لديهم أطماع في الحكم، فللأسف أن المتنافسين اليوم في السودان يتنافسون على بقايا دولة، لا على دولة متماسكة قوية، وبالتالي فإن لم تُغلّب لغة العقل، وتراعَ مصالح البلاد، وخصوصاً من قبل نظام البشير، فعلينا أن ننتظر كارثة عربية أخرى في بلد عزيز كان يعتبر في يوم من الأيام سلة الغذاء العربي!

طارق الحميد
*نقلاً عن “الشرق الاوسط” اللندنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *