لم يجد كتاب السودان ومثقفوه سبيلا لمعالجة الأوضاع السياسية والثقافية المتباينة في البلاد إلا بعرض رؤى سياسية وثقافية ربما نجحت في وضع لبنة جديدة يرتكز عليها السياسيون لتفادي ما سموه بالسير نحو المجهول.
ففي وقت تتباين فيه رؤى الساسة حول أنجع السبل لحكم بلاد تتعدد فيها الأعراق والثقافات والأديان، شكلت دعوة الكتاب نقطة جديدة وجهت الأنظار بشدة إلى هذا الكيان.
فقد دعت ورقة تتحدث عن إشكالية الحكم وجدلية الهوية والتعددية الثقافية السودانية إلى دستور ثقافي لتقنين التعددية الثقافية دستوريا لتصبح قانونا تعمل به الدولة وتلتزم بنصوصه روحا ومضمونا “لأنه لا يكفي الاعتراف المتكرر بالتباين العرقي والإثني والديني والثقافي ليصبح جزءا من كل البرامج السياسية المطروحة”.
تحرك الكتاب السودانيين إزاء أزمات البلاد يوجه الأنظار بشدة إليهم
خصائص لغوية
وأشارت الورقة إلى أن تيار الهوية الثقافية والتعددية يؤكد أن السودان دولة تتكون من حوالي 570 قبيلة تتوزع على 56 فئة إثنية على أساس الخصائص اللغوية وتتحدث نحو 114 لغة منها نحو 50 لغة بجنوب السودان.
وقالت الورقة إن مشروع السودنة المطروح لن يحقق الاستقرار المنشود لعجزه عن تحقيق الاعتراف بالآخر وبثقافته والتعايش معه في تسامح بدون استعلاء أو هيمنة، داعية إلى ضرورة طرح برامج لتحقيق واقع التعددية الثقافية وتأصيل هوياتها وفق دستور يحميها ويضمن حقوقها.
من جهة أخرى أكدت ورقة التشريعات الدولية والوطنية وتطويرها أن التنوع الثقافي والاجتماعي للشعب السوداني هو أساس التماسك القومي “ولا يجوز استغلاله لإحداث الفرقة”.
وطالبت تلك الورقة بحصر ومراجعة وفحص ودراسة التشريعات الثقافية والتشريعات ذات الصلة لإبداء الرأي حولها واقتراح تشريعات ثقافية للعمل بها.
أما ورقة التشكيل السوداني الحديث وأسئلة الهوية فقد أشارت إلى التناقض بين الإنتاج النظري والتطبيقي بين بعض التشكيليين السودانيين، مشيرة إلى عدم وجود تيار يحمل سمات وطرح الرؤى الزنجية.
ومن جهته أكد الكاتب عبد الله آدم خاطر في ورقته حول “الواقع السياسي السوداني ونظام الحكم الفدرالي التحديات وفرص النجاح” أن هناك فرصا حقيقية أمام السودانيين لإنجاح تجربة الوحدة واللامركزية في إطار الديمقراطية الدستورية رغم الصعوبات وتدني الروح المعنوية لدى قطاعات واسعة من الشعب.
الكتاب السودانيون قدموا أوراقا تتناول عددا من قضايا البلاد
فرصة أخيرة
وقال إنه لكي تمضي مسيرة الوحدة بضمانات الفدرالية فإنه لا مناص من أن تتطابق اللامركزية الإدارية المالية مع اللامركزية السياسية والثقافية، داعيا إلى إجازة قوانين عادلة للعمل الصحفي والإعلامي والأمني، وطالب بالاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى في التلاقي وبناء الكيان الوطني الموحد.
من جانبه حذر الكاتب كمال الجزولي في ورقته حول “حدود الفرصة الأخيرة لبقاء الدولة السودانية موحدة” مما سماه بالتناقض العميق بين المقومات النفسية والثقافية والتاريخية التي ظلت تدعم خيار الوحدة لدى المواطن الجنوبي من جهة وبين سياسات الاستعلاء والتهميش ونقض العهود من الجهة الأخرى.
وأشار إلى أن هذا التناقض يرجح فعليا أن يصبح الذهاب إلى الاستفتاء بهذا الوضع المزري “ذهابا في الغالب إلى المفاصلة في لحظة جنون تاريخية حيث تنعدم أدنى ثقة في إمكانية أن يفضي إلى دولة وطن موحد”.
وقال “إذا بقيت اتفاقية السلام الشامل في السودان نهبا للانفصاليين الجنوبيين يدعمهم الانفصاليون الشماليون فلا مناص من إجراء الاستفتاء على الوحدة أو الانفصال في التاريخ المحدد بعد أقل من عامين بنتيجته الواضحة منذ الآن”.