أبوقردة يدخل التاريخ من أوسع أبوابه والحرب في دارفور لم تنته / بقلم حاج علي
هذا الشاب الدرافوري الطموح المدعو بحر الدين إدريس أبوقردة , قد كتب أسمه في سجل الخالدين وإلى الأبد بمثوله طواعية أما محكمة الجنايات الدولية بلاهاي , هكذا نفتتح خطابنا وبلا مقدمات إذ أن الأمر برمته ليس أمراً دبلوماسياً ـ كما قال القذافي في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ـ بقدر ما أنه موقفٌ تاريخي وبقدر ما أنها خطواتٍ إجرائية قانونية ستفضي في نهاية الأمر حتماً إلى نتائج ـ لك أو عليك ـ ولنكن صريحين أكثر فإننا لسنا هاهنا لنقل أن أبا قردة مداناً أو بريئاً فهذا ليس بشأننا ولا يقع في دائرة اختصاصنا وإن كنا ننشد البراءة لأبي قردة وكل أخوته المناضلين ممن أفنوا زهرة شبابهم دفاعاً عن حياض محارم دارفور ودماءها التي أزهقتها أيدي جلادٍ زنيم , غير أننا هنا بصدد القول أن مجرد إقدام الرجل على هذه الخطوة الطواعية ـ وهو لم يزل ماضٍ فيها ومستمسك بخيوطها ـ فإنَّ هذا يعني أن الحق ما زال حياً ولم يمت وأن طريق العدالة لم توصد البوابات المؤدية إليه مما يؤكد أن حبل المشنقة لا بد طائل رقاب من ارتكبوا الجرم الحقيقي , فأولئك هم أولى بأن يساقوا إلى المحاكم وأيديهم مكتفة إلى ظهورهم وأعينهم معصوبة لا يبصرون شيئاً سوى الظلام الذي هو منهجهم , ولأبي قردة كل الاحترام وهو يسير مرفوع الرأس وإن سيق إلى حبل المشنقة فليثق أنه عند ذلك ستبكيه كل تلال دارفور وأشجارها , أما الأمر المهم في المحاكمة أو الخطوات الإجرائية نحو محاكمة أبو قردة هو أنها تدق ناقوس الخطر وبقوة في آذان تنظيم المؤتمر الوطني الذي أرقته كثيراً إحالة ملف دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية منذ أن كانت قراراً لدى مجلس الأمن حتى أضحت واقعاً ألتف حول عنق رأس الدولة بل إن هذا هو الأمر الأكثر إزعاجاً لهذا التنظيم وإن تظاهر للعالم بأنه قد تجاوز هذا الملف , ويأتي مصدر هذا القلق الذي يؤرق مضجع التنظيم في تقديم الرئيس ومن أصدرت أوامر للقبض في حقهم إلى ساحات المحاكم الشيء سيجعلهم في مواجهة آلة القانون التي لا ترحم ولا تعرف التراحم والتي لن يهدا لها بال ولن يقر لها قرار حتى تكشف عن كل صغيرة أو كبيرة والمتهمون وتنظيمهم يعلمون ذلك جيداً , يعلمون أنه لو أن بدأت الإجراءات الفعلية لمحاكمة هؤلاء ـ الرئيس وهرون وكوشيب ـ فأنها سوف لن تتوقف عندهم بل ستتلوها قوائم أخرى , الأمر الذي سيجر قيادات أخرى فاعلة في التنظيم إلى دائرة التساؤل ومن ثم الإدانة , وأكثر من ذلك أنهم يعلمون أن مجرد ثبوت الجناية في المتهم وإن تم تعليق العقوبة فإن ذلك سيشكل وصمة عار ستظل عالقة بصاحبها عبر التاريخ ولن تجد لها من مزيل يمحوها , هذا من جهة , ومن جهة أخرى فإن مثول الرئيس وقياداتٍ أخرى أمام المحكمة سيؤدى قطعاً إلى انفراط عقد التنظيم وانهيار بنائه من أركانه , وسيؤدى ذلك بالقطع إلى فقدان السلطة التي هي العضد الرئيس لقوة هذا التنظيم ذي الشعار الديني الزائف , ولأجل ذلك قد كانت موجة كل هذا القلق المتزايد من المحكمة الجنائية والتي صرف عليها التنظيم ملايين مضاعفة من الدولارات وربما مليارات ـ وما فتئ ـ إنفاقاً على رحلات مكوكية ومؤتمرات وربما ـ أو مؤكد ـ صفقات لأجل سحب البساط من تحت أرجل المدعي العام المزعج ” أوكامبو ” , والمؤسف ـ من وجهة نظرهم ـ أنه قد باءت كل تلك المحاولات بالفشل ومنيت بالخيبة والإحباط , والآن ماذا تبقى لهذا التنظيم أن يفعله ؟ ورقة واحدة لا يوجد سواها وهي أن يسابق الزمن للتمسك بالسلطة بثوب مختلف وهو ما يعكسه هذا النشاط المحموم لتنفيذ الانتخابات المقبلة في أبريل القادم وفي هذا الشأن نعلم كلنا ما يمارس من خبث يتمثل في شرخ لصفوف التنظيمات الأخرى وتأجيج للنزاعات القبلية ومماطلات في إجازة القوانين الداعمة للتحولات القادمة وغير ذلك مما يُقدم من تنازلات مثل إطلاق حرية الصحافة وغيرها والتي يمكن أن نسميها ” ببلوفة تنفيس ” , إذ أن هذه حقيقتها تكتيكاتٍ زائفة ومرحلية سينكشف بعدها الوجه الحقيقي للمؤامرة , بل حتى السلام المزعوم مع الحركات الدارفورية المسلحة ما هو إلا لعب على الورق سيُرمى به وكل ما كُتب عليه تحت الطاولة بمجرد انتهاء اللعبة , ولذا نحسب أن هذا سوف لن يفوت على ذكاء من يطئون الجمرة وهم أصحاب المصلحة الحقيقية ـ أبناء دارفور ـ وجميع الحادبين على مصلحة هذا الوطن الجريح في أن تكون هناك عدالة ولأجل كل ذلك نحسب أن ما يسود الطقس العام بدارفور الآن وإن كان هادئاً نسبياً إلا أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة التي لابد أنها ستهب حتى تقتلع آخر حصنٍ للفساد وللظلم , ومخطئاً من ظن أن الحرب قد انتهت وإن خبت نيرانها على الأرض , فهي مازالت مشتعلةٌ في الرؤوس , فالحرب كما يقولون تبدأ من رؤوس الرجال ….
حاج علي ـ Saturday, October 31, 2009
[email protected]