تمهلوا ايها الوسطاء !! الكلمة لحركة العدل والمساواة
مع بوادر اطلاق جولة جديدة من المفاوضات وبالتزامن مع اعلان بعض الاطراف عن عدم رغبتها بالمشاركة ، هذا فى حين لم يخف طرف مهم عن امتعاضه الشديد وتبرمه من مقاربة الوسطاء فعليه تبدوالصورة الكلية للوضع فى الاقليم المنكوب اكثر قتامة من ذى قبل فالكل متربص بموقعه ويرمق الفضاء بعين متوجسة ، وبات من المؤكد فى غمرة هذا السكون والاضطراب ان شبح تجربة ابوجا لن يجد ادنى مقاومة من التقدم باتجاه فضاء المنطقة الامر الذى ستترتب عليه عواقب وخيمة على مسار العمل التفاوضى السلمى برمته . وعليه ان احتمالات الفشل فى الجولة القادمة قائمة لا محالة واولها الخطا التقريرى للاسرة الدولية والوسطاء على نحو خاص فيما يتعلق بطبيعة الثورة وما طرا عليها من تغيير بعد تجربة ابوجا ، ولهذه القضية بٌعدين مهمين ، الاول يتعلق بمسالة ترتيب اولويات الثورة فهنالك من الوسطاء من يعمل بوعيه او من دونه على تصفية الثورة من خلال تركيزه فقط على نتائج الصراع دون النظر فى اسبابه الحقيقية ، والبٌعد الثانى يتصل باختلاف موازين القوى داخل منظومة الثورة الدارفورية وهذا الاخير لا يحتاج الى برهان فالامر واضح لكل ذى عينين . مظاهر هذا الخطا يتمثل بالدعوة الى اشراك مجموعات ضعيفة لم يعرف لها رصيد ثورى معين خلال مسيرة الثورة الدارفورية ، هذا الاصرارغير المبررسيصطدم لا محالة بعقبة المطالب الثورية لحركة العدل والمساواة ذات التاريخ النضالى البارز ، فحركة العدل والمساواة من جانبها قدمت للوسطاء اطروحة عمل واضحة لاشراك هذه المجموعات وذلك فى اطار اساس تفاوضى منضبط على ان يراعى فيه فقط الاستحقاق الثورى . واستهلت الحركة رؤيتها بالمطالبة بدمج هذه المجموعات وتوحيدها قبل الدخول فى اية مفاوضات قادمة وذلك لقطع الطريق على سماسرة الحرب و للحيلولة دون الوقوع مجددا فى فخ النظام السودانى . ومن ناحية اخرى تعتبر مطالب الحركة بمثابة اشارة مغاضبة لجهود مبعوث السلام الامريكى فى المنطقة ، و رسالة اخرى للمجتمع الدولى مفادها ان اى تقاعس عن ادراك هذه الحقيقة من شانه ان يعيد انتاج تجربة ابوجا على نحو غير مسبوق بل سيصيب العملية التفاوضية بنكسة كبيرة .
وبالرجوع الى موقف حركة العدل والمساواة من المفاوضات نجده يقف على طرفى نقيض من ذلك الذى تتبناه حتى الان منظومة الوسطاء ونكتشف ان حجم التباين بين الموقفين هائل مما يعنى ان فرص تماهى هاتين الرؤيتين تكاد تكون مستحيلة ما لم تتدارك الاخيرة الموقف وتعمل على انقاذه ، هذا مع الاخذ فى الاعتبار ان مهمة تحيق هذا الهدف ليس بالامر الصعب ولا يتطلب من الوسطاء اكثر من التعاطى المسؤول وتوخى الموضوعية ازاء مطالب الحركة . كما ينبغى على الاسرة الدولية والقوى الاقليمية ذات الصلة مساعدة فرق الوساطة بمختلف منطلقاتها ومدها بالمعلومات الحقيقية شرط ان تكون تلك المعلومات صحيحة و مجردة من الغرض .
من ناحية اخرى تتسم مطالب حركة العدل والمساوة بالواقعية والاتزان فهى لم تجنح الى اعتماد المثالية الطوباوية فى تعاملها مع الاخر مع انها تمتلك القدرة والارادة ان شاءت تطوعيهما لبلوغ تلك النهايات ، بل على العكس من ذلك فهى تبطئ سفينتها ليتلحق بها من شاء من الناس قبل ان تمخر بعيدا فى اعماق البحر . والجدير بالذكران موقف الحركة الداعم للوحدة والاندماج لم يلحظ اى تبدل منذ البدايات الاولى للصراع والى الان مما جعله محل احترام وتقدير كبيرين من قبل المراقبين والمهتمين . ولم يكن فقط الموقف القوى هو من انتزع الاحترام لحركة العدل والمساواة بل كان للنهج السلس والاسلوب المرن تجاه الاصدقاء ورفاق السلاح الاخريين اثرهما البالغ فى اعلاء قامة الحركة وتوسيع دائرة الحظوة لديها.
وكما اسلفنا فان الحركة لم تغتر بقوتها كما ان قادتها سلموا من لوثة البطر و فيما يلى اضع بين يدى القارئ الكريم بعض الشواهد لتعضيد ما ارمى اليه:- امتنعت حركة العدل والمساواة بعد عملية ( الذراع الطويل) عن ملاحقة الذين سددوا لها طعنات الغدر القاتلة من الخلف فى جبل مون ، وعوضا عن ذلك مدت اياديها لمصافحة المعتدين فى سابقة لم تعد معهودة فى المنطقة . قامت الحركة بفتح ممرات امنة لبعض القوى الصغيرة وترك لها حرية التنقل عبر اراضيها المحررة دونما ادنى مقابل . كما لم تتوان الحركة عن نجدة الملهوفين من الرفاق فقد قام بواسلها النجاد بافشال طوق الموت المضروب على رقابهم من قبل سيوف نظام الخرطوم فى اماكن ومواقع عديدة . وايضا ارخت الحركة اجنحة الرحمة ليرك عليها من اراد ففى غضون شهور معدودة اصبح للحركة جيش جديد قوامه شباب وكهول قدموا من كل اصقاع السودان لنصرة خيار الوحدة وعلى اثره تحولت الحركة الى قوة هائلة بفضل انبعاث الروح الثورية لرجالها وايضا بفضل تمازج اندفاع الشباب بعصارة التجربة الطويلة.
ومن الشواهد ايضا اللمسة الانسانية البارعة لقائد الحركة الدكتور خليل ابراهيم تجاه اخوته من ابناء دارفور، فلم يستنكف قائد الحركة عن لقاء ممن كال اليه بالامس القريب مر الشتائم واقزع العبارات لا لحركته فحسب بل لشخصه ورغم ذلك دعاهم الى طى صفحة الماضى والنظر الى افاق المستقبل بعقل مفتوح .
ولكن كعهدنا بهم رجع ثوار الفنادق والانترنت فى اليوم التالى الى يبابات انفسهم لالتماس الاسباب وتقديم المبررات وذلك للتدليس على الناس ولكن فات عليهم ان الشعوب بوعيها المتقدم باتت اكثر حساسية لاختبار الحقيقة ولا اعتقد ان مثل هذه الالاعيب الصبيانية سوف تنطلى على احد . وبما ان حق الرد المناسب مكفول لقيادة الحركة فلا يخالجنى ادنى شك ان حركة العدل والمساواة سوف لن تنجر الى هكذا خطل ، فمجاراة هؤلاء فى السفه هو السفه بعينه كما ان للحركة ميداين ومعارك اخرى غير تلك التى يٌراد لها ان تتمرغ فيها . بل على النقيض ان هذا السلوك يشكل لديها تحد جديد ويلزمها بالضرورة مضاعفة الجهود لتقويم الثورة والعمل على غربلتها وتنقية روحها من الترسبات التى علقت بها و اعادة صياغة مفهوم الثورة على اسس واضحة وقوية .
بالالتفات الى دعوة حركة العدل والمساواة لتوحيد الثورة نقول انها اتت تلبية لرجاء طال امده فوحدة حركات دارفور هى الحلقة المهمة ضمن هذا السياق الاحترازى لانقاذ الثورة واعادة تفعيل نشاطها . وكانت الحركة سباقة فى هذا المجال فالمرء يستطيع بسهولة تلمس نتائج ذلك التوجه من خلال ملاحظة الحراك السياسى الذى تشهده اروقة الحركة فعلى الصعيد الميدانى بلغ عدد الحركات والمجموعات التى توحدت تحت قيادة حركة العدل والمساواة ثمانية عشر حركة مسلحة وعلى صعيد العمل السياسى تشهد قطاعات الحركة المختلفة انشطة دائمة اذ تقوم الحركة باستنفار اجهزتها وتفعيل مكاتبها وذلك بهدف اعادة تاهيل هذا المد البشرى الهائل واستيعابه بناءا على حاجياتها المختلفة .
وامام هذه النجاحات يسوء المرء ان يكتشف ان لحظة الاحساس بالتعافى السياسى لم تحن بعد لمعظم حركات دارفور الاخرى ومما يؤسف له ايضا ان البعض اضحى شاغله الاول والاخيرالاتجار بقضية اهله والسعى بين الناس بالفتنة و المداهنة الناعمة و سقط القول ظنا منه ان ذلك وحده يضمن له مجدا ومكانا بين الاخرين ، الا ان مثل هذا السلوك الموغل فى اللجاجة لايعود على صاحبه بشئ سوى الوبال والخزى والهلاك . وغنى عن القول ان ظاهرة الانشقاقات و الاخفاقات الداخلية ادت بدورها الى تعميق النظرة السالبة للمجتمع الدولى تجاه بعض مكونات الثورة بدارفور فانعكس ذلك سلبا على عدالة قضية دارفور .
وهنا لا اريد ان يٌفهم من هذه الجزئية فى ختام مقالتى اننى بصدد ممارسة العتاب ضد الاسرة الدولية فهى ليست معنية بالدرجة الاولى لما آل اليه الوضع من تردى وبعبارة اخرى هى مبراة من اى قرع اوملامة وبالمقابل ابناء دارفور هم وحدهم من يتحمل اوزار وتبعات هذا التشرذم . وعلينا جميعا ان اردنا انقاذ بلادنا الرجوع الى انفسنا وما احوجنا اليها ونحن نودع هذا الشهر الفضيل وعلينا ايضا ان نتواضع على معادلة جديدة للتعامل مع الاسرة الدولية فالعالم الحر اليوم اسما من ان ينخدع بسحرالشعارات او ان ينقاد تحت تاثير الابتزازات .
وهنا اعيد ما قال به بعض الحكماء ان بعض الخطر يربض كامنا بجوارنا..فهل انتبهنا ..؟؟؟؟
ادم على اسحاق/ هولندا
[email protected]