وفود مصرية رفيعة تعد لجولات في دول «حوض النيل» بعد زيارة ليبرمان لـ5 دول أفريقية
وزير الري في الخرطوم.. نظيف إلى إثيوبيا الشهر المقبل.. مخاوف مصرية من تأثير انفصال الجنوب على توزيع المياه
تل أبيب: نظير مجلي القاهرة: محمد عبد الرازق لندن: مصطفى سري الخرطوم: إسماعيل آدم
ربطت مصادر مطلعة في الخرطوم والقاهرة تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، الجولات التي تقوم بها وفود مصرية إلى الخرطوم حاليا، وإلى عدد من دول حوض، النيل، الأفريقية لاحقا، بالجولة التي تمت من غير ضجيج، وقادت وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إلى خمس دول أفريقية، بينها 3 تقع في منطقة حوض النيل، واستغرقت 10 أيام، بحث خلالها إنشاء مشروعات مياه مشتركة إلى جانب تطوير العلاقات الاقتصادية معها.
ويزور وزير الري المصري محمد نصر الدين، الخرطوم منذ أيام، في زيارة غير مرتبة، في وقت تستعد فيه وفود مصرية أخرى، لجولات في عدد من دول حوض النيل. ومن أبرز تلك الجولات زيارة رئيس الحكومة المصرية أحمد نظيف إلى إثيوبيا، التي تمد القاهرة بنحو 85% من مياه النيل، وجولات أخرى عديدة تقودها مساعدة وزير الخارجية، للشؤون الأفريقية، السفيرة، منى عمر، إلى عدد من دول حوض النيل، لكن جهات مصرية عديدة تنفي بشدة ربط تلك الجولات بجولة ليبرمان الأفريقية.
واختار وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، إثيوبيا وكينيا وأوغندا، وغانا ونيجيريا، كمحطات لجولته التي استغرقت 10 أيام اختتمها، يوم الجمعة الماضي. وحسب المصادر الإسرائيلية فإن ليبرمان بحث سبل إنشاء مشاريع مياه. وقالت إن الدول التي زارها الوزير تعاني من مشاكل مياه، وإن إسرائيل لها تجربة جيدة، في مجال تحلية المياه، وعرضت خدماتها على مسؤولي تلك الدول. وقال ليبرمان في لقاء مع الإذاعة الإسرائيلية، قبل أيام، إن جولته الأفريقية كانت ناجحة وفوق التوقعات. وأن قادة الدول الأفريقية سألوه عن سبب إهمال أفريقيا في السياسة الخارجية الإسرائيلية. وقد رافق ليبرمان وفد ضخم من كبار موظفي وزارات الخارجية والدفاع والمالية والتجارة والصناعة والزراعة، ووفد من رجال الأعمال، نصفهم من العاملين في حقل الصناعات العسكرية. ووقع على عدة اتفاقيات للتعاون في مختلف المجالات.
ويرى ليبرمان أن إسرائيل أهملت في الماضي دول أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا وتركزت على العلاقات مع دول الغرب، وبهذا خسرت دولا حصتها من الاقتصاد العالمي تزيد على 40%. وقال إن غولدا مائير كانت آخر وزير خارجية إسرائيلي يزور أفريقيا، في نهاية الستينات، أي قبل حوالي 40 سنة، وفي حينه كان لإسرائيل 30 سفارة في أفريقيا، بينما يوجد لها اليوم تسع سفارات فقط. وتحصل مصر بموجب اتفاقية توزيع مياه النيل التي وقعت عام 1929، على 48 مليار متر مكعب في العام، فيما يحصل السودان على نحو 18.5 مليار متر مكعب، في وقت تطالب فيه 7 دول أفريقية تقع على حوض النيل، بزيادة حصتها الضئيلة من المياه، بينها كينيا، وأوغندا، والكونغو، ورواندا، باعتبار أن اتفاقية مياه النيل، وقعت عندما كانت ترزح تحت حكم الاستعمار الغربي، وليست لديها إرادة وطنية. وترفض دول أخرى في حوض نهر النيل تعديل الاتفاق من بينها مصر.
وقالت مصادر سودانية مطلعة في الخرطوم لـ«الشرق الأوسط» إن وزير الري المصري يسعى من خلال مباحثاته مع المسؤولين السودانيين، للحصول على ضمانات من السودان لمساندة موقف مصر حول الخلافات بين دول حوض مياه النيل. وينظر للزيارة على أنها تمهيدية للمشاورات بين البلدين قبل جولة مفاوضات جديدة لخبراء دول حوض النيل المقررة في 27 سبتمبر (أيلول) الجاري في العاصمة الأوغندية.
وقال وزير الري المصري الدكتور محمد نصر الدين علام في تصريحات في الخرطوم بعد أن شارك في اجتماع الهيئة الفنية المشتركة لمياه النيل مع نظيره السوداني كمال علي، إن بلاده لا ترى أي تأثير لزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان إلى عدد من دول حوض النيل منها أوغندا، إثيوبيا وكينيا، على الأمن المائي لدول حوض النيل. وأضاف أن التحركات التي يقوم بها ليبرمان غير مقصود بها مصر وأمنها المائي، وتابع «نحن نرصد تلك التحركات».
وتقول السفيرة منى عمر مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية إن الدول الأفريقية التي زارها ليبرمان لها مصالح وروابط مع مصر والعرب أقوى منها مع إسرائيل. وأضافت في تصريحات أمس قبيل إعلانها لجولة تقوم بها في دول الحوض: «لا مجال للمقارنة بين العلاقات الوثيقة التي تربط مصر ودول حوض النيل وبين علاقات إسرائيل بهذه الدول». وأشارت إلى أن مصر تولى اهتماما كبيرا بإثيوبيا التي يأتي منها 85% من حصتها في مياه النيل، منوهة بالزيارة التي سيقوم بها رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف لإثيوبيا الشهر المقبل، برفقة العديد من الوزراء ورجال الأعمال المصريين، والتي بحسب تأكيدها ستكون بداية لزيارات أخرى لدول أخرى في حوض النيل. وشددت مساعد وزير الخارجية المصرية على أن مصر لم تكن أبدا غائبة عن منطقة حوض النيل بشكل خاص وعن قارتها الأفريقية بشكل عام، مشيرة إلى أن وزير الخارجية أحمد أبو الغيط قام بأكثر من 25 زيارة للدول الأفريقية وخمس جولات لمناطق أفريقيا المختلفة.
وحول المخاوف المصرية من إعادة توزيع المياه إذا قامت دولة جديدة في جنوب السودان، قال السفير المصري لدى السودان عفيفي عبد الوهاب لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يحبذ الحديث عن انفصال الجنوب، وقيام دولة جديدة هناك، وقال «نريد أن نركز على خيار الوحدة رغم قصر الفترة الانتقالية»، وأضاف أن القاهرة تقف بشدة مع تحقيق الوحدة الجاذبة عند الاستفتاء على حق تقرير المصير للجنوبيين عام 2011. ورفض التطرق إلى ما إذا كان اجتماع وزيري الري في البلدين بالخرطوم ناقش حصة دولة جنوب السودان، من مياه النيل في حال الانفصال. وقال «دعنا نتحدث عن كيفية تحقيق الوحدة الجاذبة خلال ما تبقى من الفترة الانتقالية وهذا ما تعمل له مصر». وكانت السفيرة منى عمر قالت في تصريحات سابقة إن مصر استعدت لسيناريو محتمل بانفصال جنوب السودان، لكنها قالت إنها لا تعلم ما إذا كان سيتم تقسيم حصة السودان وهي 18.5 مليار متر مكعب من المياه سيتم تقسيمها بين الشمال والجنوب، أم سيحصل الجنوب على حصة من مياه النهر غير محددة. وأضافت أن بلادها قامت بدراسة كل الاحتمالات لهذا الموضوع، ووصفت الوجود المصري في جنوب السودان بالقوي جدا. وتابعت «إحنا في الجنوب مش قليلين.. وأتقل من أي حد، ولدينا علاقات قوية مع الأخوة في الجنوب، وعدد من المشاريع والمستشفيات والخبراء الموجودين هناك»، مشيرة إلى أن الاتفاقية الإطارية تحقق مصلحة جميع الدول، بما في ذلك جنوب السودان إذا انفصل، معتبرة أن أزمة حوض النيل ليست في نقص المياه ولكن في سوء استغلالها.
من جانبه قال وزير الري والموارد المائية في حكومة جنوب السودان جوزيف دوير جاكوك لـ«الشرق الأوسط»، إنه لا يرى خطورة من الجانب السوداني في حال انفصل الجنوب أو بقي موحدا على مياه النيل. وأضاف «لدى الجنوب من المياه الجوفية ومياه الأمطار كميات كبيرة جدا غير متوفرة لمصر التي تعتمد على مياه النيل أكثر من أي بلد في حوض النهر». وتابع «لا يعقل إطلاقا أن يشكل السودان كدولة موحدة الآن أو إذا انفصل الجنوب خطورة على مياه النيل، وليس هناك سبب يدعو الجنوبيين لإيقاف جريان النيل إلى مصر». وأوضح أن الجنوب حاليا يستخدم حصة المياه الممنوحة إلى السودان وأن سلطات المياه العابرة والإقليمية هي الآن من مسؤولية الحكومة المركزية في الخرطوم ولا صلة لجوبا بها.
وقال جاكوك إن حكومة الجنوب منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل في عام 2005 لم تبنِ أي سد مائي في الجنوب. وأضاف «ليس لدينا حوجة لإقامة سد مائي ولكن لدينا خطة مشتركة مع مصر لنظافة حوض بحر الغزال في الجنوب (تحتجز الخرطوم معداتها في ميناء بورتسودان)». وقال إن إنجازه هذا المشروع، سيكون من أسباب استمرار تدفق مياه النيل، مشيرا إلى وجود العديد من مشاريع التنمية والمساعدات تقدمها مصر إلى جنوب السودان في النواحي الصحية والتعليمية والفنية الخاصة بالمياه واستغلالها، وتابع «لا تفريط في حصة مصر من مياه النيل».
الشرق الأوسط