بقلم: عوض الله نواي – مدير وكالة One Press للتحقيقات الصحفية والإعلام*
في زمن الفوضى، تتداخل الرتب، وتختلط الأدوار، ويصبح من الصعب التمييز بين الصحفي والمجند، بين من يُفترض أن يُراقب، ومن يُفترض أن يُطيع.
قصة الصحفي عطاف عبد الوهاب مع الدكتور جبريل إبراهيم – وزير المالية وقائد حركة العدل والمساواة – ليست مجرد حادثة فردية، بل عنوان عريض لخلل أوسع وأخطر.
*من الجبهة إلى المنبر… بلباس مزدوج*
عطاف، الصحفي المعروف، لم يكن مجرد ناقد سياسي، بل كان جنديًا نظاميًا في قوات حركة العدل والمساواة، يحمل رتبة “مساعد”، ويتقاضى حوافزه بانتظام، ويتلقى أوامره من قيادة القطاع الشرقي التي يتبع لها.
سافر إلى كمبالا – على نفقة الحركة – بإذن رسمي، لكنه عاد دون أن يقدم تبريرًا لعدم التبليغ، ثم خرج بعدها إلى المنابر الصحفية، لا ليناقش قضايا الحركة أو يقدّم تحليلًا موضوعيًا، بل ليمارس ما يشبه الاغتيال المعنوي ضد قيادته العسكرية والسياسية، وعلى رأسهم الدكتور جبريل.
*هل كان ناقدًا؟ أم ناكثًا للعهد؟*
المشكلة ليست في النقد، فجبريل نفسه طالما تقبّل الانتقادات في قلب المجالس، وبين يدي الصحفيين، وداخل حركته.
لكن أن يتحوّل مناضل بالرتب العسكرية إلى كاتب بيانات مغشوشة، يُطلق النار على قائدٍ كان بالأمس يقف في صفه…
فهنا يُطرح السؤال المرير: أي شرف للمهنة يبقى، حين يتحوّل الصحفي إلى جندي وقت القتال، ثم إلى مُحرّض عند السلم؟
*جبريل… حلم في مهب العاصفة*
إن الصدمة ليست في موقف عطاف وحده، بل في ردة فعل الدكتور جبريل إبراهيم، الذي لم يُصدر بيانًا، ولم يهاجم، ولم يُشهّر، بل ظلّ كما هو: رجلٌ تسبقه ملامح الحلم، ويحكمه صبر الأنبياء.
أغلب القادة، بل حتى الإداريون الصغار، كانوا ليصدروا عقوبات فورية، أو يفجروا إعلاميًا في الخصومة،
لكن جبريل لم يفعل.
لم يردّ، لا على الاتهامات، ولا على الشتائم المقنّعة، ولا حتى على “الخذلان الأخلاقي” لرجلٍ كان يومًا يقف تحت لوائه.
*حين تُصبح الصحافة سلاحًا مأجورًا*
ما فعله عطاف عبد الوهاب لا يدخل في باب حرية التعبير، ولا في حرية الصحافة.
بل هو نموذج صارخ لتوظيف القلم كـ”سلاح مرتد”، يُهاجم به من ربّاه، ومَن قدّم له الفرصة والظلّ والمنبر.
وفي زمن الحرب، حين يسقط الشهداء في الميدان، وحين تحاول الحركات المسلحة إعادة بناء نفسها كمؤسسات مدنية مسؤولة، يصبح هذا النوع من الانحراف الإعلامي طعنة في الظهر لا تُغتفر.
*الرتب لا تصنع الرجال، ولا الأقلام وحدها تحكم الضمير*
ما بين عاطف وجبريل، مسافة طويلة من الأخلاق والمروءة والصبر.
جبريل لا يحتاج من يدافع عنه، فصمته وحده كان جوابًا كافيًا على صخب المرتدين.
أما عطاف، فربما سيكتشف يومًا أن أكثر ما خسره لم يكن حوافزه، ولا رتبته،
بل الثقة التي كانت تُمنح له من قائد حلمه أكبر من أحقاد المنتفعين.