قائد استثنائي في زمن صعب!!
بقلم د. زكي محمد البشير
رغم ازدحام برنامجه ورغم الظروف غير الطبيعية التي تمر بها الدولة من جراء الحرب المفروضة على الشعب السوداني وقد أصابت أهم مرفق وأثرت عليه تأثيرا لا تخطئه العين وهو مرفق وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي حيث يجب عليها الايفاء بالالتزامات اليومية والمتجددة للمجهود الحربي ومتطلبات قطاع الصحة ومعاش الناس لا سيما الفصل الأول واستمرار دولاب العمل من الفصل الثاني السلع والخدمات.
دلفنا إلى داخل المكتب الذي لم يكن بفخامة المكان والزمان المتوقع ولكنه بعبق الأثر وحركة السكرتارية التي تدربت على حسن الاستقبال.. تحس في المكان وقع خاص في النفس والتنظيم والترتيب وأعمال السكرتارية أضفت على المكان هيبة وزادت هيبة المكان تلك الاريحية والابتسامة التي تعلو المحيا من الغفير إلى الوزير. دخلنا إلى المكتب وفي مخيلتي وزيرا مثقل بالهموم والمشاكل تحاصره من كل صوب وحدب.. ورجلا يرأس حركة العدل والمساواة ومسيرة طويلة من النضال والكفاح لأجل قضايا حمل همها ومازال على رأس هرمها لا أظنه يجد الوقت الكافي لسماعنا وتقدير مواقفنا.
وعند دخولنا سلم علينا ببساطة السوداني الأصيل وود البلد النبيل مبتسما هاشا باشا ومعتذرا عن دقائق اقتطعها من الزمن المضروب بيننا ولسان حاله مع صراع في شتى الجبهات يقول:
نِحنا سهمنا دايماً في المصادِف عالي
نِحـنا العِـندنا الخُلق البِتاسع التالي
نِحنا اللي المِحن بنشـيلا مـا بنبالي
بِنلوك مُـرهِن لا من يجينا الحـالي
د. جبريل إبراهيم محمد هو سياسي سوداني بارز ووزير المالية والتخطيط الاقتصادي في السودان (اعتبارًا من عام 2021). يُعرف أيضًا بأنه قائد حركة العدل والمساواة، إحدى الحركات المسلحة التي نشأت في إقليم دارفور بالسودان ينتمي جبريل إبراهيم إلى إقليم دارفور فيه سحنات السودان كله.
عميق الفكرة قوي الإرادة سديد الرأي ، وهو من الشخصيات المؤثرة في الإقليم والسودان وفي القرار التنفيذي فهو أحد أركان العمل التنفيذي للدولة، حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من إحدى الجامعات اليابانية شارك في تأسيس حركة العدل والمساواة بعد وفاة شقيقه خليل إبراهيم، الذي كان زعيم الحركة، تولى جبريل قيادتها.
كنت واحدا من الذين عملوا مع د.خليل إبراهيم وهو مؤسس مستشفى المجاهدين بجوبا وقد كان لي شرف إدارة المعمل الطبي بها في ذلك الحين .. وكانت لنا حلقات تلاوة معه وحلقات علم ونقاش مثمرة ومفيدة تعلمنا منه الكثير رحمه الله رحمة واسعه وأبدل الله سيئاته حسنات وطرح البركة في ذريته ومن خلفه.
بعد توقيع اتفاق جوبا للسلام في عام 2020، انخرط جبريل إبراهيم في العملية السياسية بالسودان، وتم تعيينه وزيرًا للمالية والتخطيط الاقتصادي ضمن الحكومة الانتقالية.
وقد واجه العديد من التحديات في إدارة الاقتصاد السوداني الذي يعاني من أزمات هيكلية مثل التضخم المرتفع ونقص العملات الأجنبية وموازنة البنود وغيرها من الإشكالات وقد تناوشته سهام النقد من كل صوب وحدب تارة بالعنصرية وتارة باستنزاف الدولة وتارات أخرى بعدم التخصصية ومعرفة الإدارة وكعادة السودانيين غالبيتنا ومعظمنا يجيدون النقد ولا يجيدون البناء .
وبعد قيام الحرب مازالت الأقلام تتناوشه والرأي العام يتمحور وينقسم حوله وهو ثابت كالجبال الرواسي ولسان حاله يقول (أنا فخور بنفسي وبكل ما أحققه من إنجازات..أنا أؤمن بقدراتي وبقوتي، وأنا أعرف أنني قادر على تحقيق أي شيء أضعه في نفسي..كل يوم، أنا أصبح أكثر ثقة بنفسي واستعدادًا لمواجهة التحديات بكل شجاعة..أنا أعرف قيمتي وأنا أحترم نفسي وأنا أحترم الآخرين).
ونحن معك نثق في قدراتك ونؤمن بأنك واحد من الذين صوبوا سهامهم إلى دحر التمرد وإلى قضايا الوطن المصيرية فالسودانيين من الذكاء بمكان يعرفوا أنك قومي ووطني وغيور معطون بحب الوطن .
ما أردت قوله في هذه السانحة هي من واقع مسؤوليتي في أحد الدوائر الحكومية التي لها علاقة وصلة وثيقة بوزارة المالية التي يصب فيها المال العام من نتاج الخدمات التي تقدمها المؤسسة.. فوزارة المالية هي التي تحدد كيفية الإيرادات والرسوم وطريقة توريدها ومراجعتها ومن ثم تحديد المنصرفات وفقا لآليات تتبعها المالية في إدارة المال العام عبر نظام إداري ومالي محكم ومتوارث في كل الحقب الوزارية المختلفة.
اتيحت لي الفرصة لمناقشة موازنة العام 2023 في وزارة المالية وشهدت بأم عيني كيف تم توزيع فرق المناقشة بنظام وترتيب دقيق يشرف عليه مباشرة وكيل المالية د. عبد الله إبراهيم ولأول مرة كان المناقشات في فرق متخصصة وضعت آليات الموازنة وكنا مستبشرين خيرا بها رغم أنها منعت أي استرداد للإيرادات باي نسبة كانت وتحت أي ظرف كان.
نشأت الحرب واستهدفت المؤسسات والبنى التحتية ووضعت وزارة المالية تحت مقصلة المطالب (المجهود الحربي , مطلوبات الخدمات الصحية ومعاش الموظفين والقوات النظامية وغيرها) والمتمردين لم يقف استهدافهم المؤسسات وإخراجها من دائرة الفعل والإنتاج بل تعداهم إلى إفقار الناس وتهجيرهم قسرا وسلبهم أموالهم وهذا ضاعف من حجم التحديات على وزارة المالية ووضعها تحت ضغط عال .
هذا بجانب ما كشفه السيد وزير المالية الدكتور جبريل إبراهيم عن عدم حصول السودان على عون خارجي على الرغم من ظروف الحرب وتداعياتها على موارد البلاد ومعاش المواطن وأمنه واستقراره.
وكشف الوزير – لدى لقائه بمقر الوزارة ببورتسودان السفير النرويجي المعتمد لدى السودان، عن ضعف استجابة الدول الغربية لمعالجة الأزمة في السودان مبدياً استعداد الحكومة للدخول في المبادرات التي تستهدف تحقيق السلام المستدام والتنمية في البلاد. وأطلع د. جبريل السفير النرويجي على الأوضاع الإنسانية القاسية التي يعيشها المواطن في الولايات المتأثرة بالحرب سيما غرب البلاد مشيراً إلى ضعف استجابة الغرب لدعمه.
نحن أمام قياده فريدة في إدارة ملف الأزمة فقد استطاعت الوزارة أن تفي كل التزاماتها ، كشف ذلك التقرير التالي:
(تم التوقيع على تقرير موقف حسابات الحكومة المشترك بين وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وبنك السودان المركزي للعام المالي 2024م.
وكشف التقرير اكتمال سداد مطلوبات دعم المجهود الحربي ومرتبات القوات النظامية وتحمل الحكومة لكافة تكاليف المساعدات الإنسانية وإيفاء سداد مطلوبات قطاع الصحة ، وسداد كامل تعويضات العاملين بالوحدات الحكومية الاتحادية والتزامات معاشات الحكومة الاتحادية حتى ديسمبر للعام المذكور مع تغطية جزء من متأخرات العام 2023م.
وتضمن التقرير سداد تحويلات الولايات وفقاً لتدفق الموارد والآلية المتبعة بجانب دعم خدمات الصحة والمياه والتعليم للنازحين .
وأسفر التقرير عن سداد دعم التعليم العالي ودعم الجامعات والهيئات الإعلامية وتسيير الوحدات الاتحادية وتحمل تكلفة إيجاراتها.