القيادي بحركة العدل والمساواة السودانية محمدين محمد اسحق يكتب:-
السودان.. هذا أو الطوفان!
بيان رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان الأخير، عن انسحاب المكون العسكري من المفاوضات السياسية التي تديرها الآلية الثلاثية، وتعهده بحل مجلس السيادة، بعد تشكيل الحكومة المدنية وتكوين مجلس أعلى للقوات المسلحة من القوات المسلحة والدعم السريع، يتولى القيادة العليا للقوات النظامية. هذا البيان له قراءات عدة لكن قبل ذلك دعونا نلخص ردود الأفعال الصادرة من القوي السياسية السودانية المختلفة والآلية الثلاثية.
– تراوحت ردود الأفعال علي البيان كالآتي:-
١- الحرية والتغيير التوافق الوطني رحبت ببيان البرهان مع طرح أسئلة حول مصير اتفاق جوبا لسلام السودان؟ ومحاولة استجلاء بعض الاشياء الغامضة في بيان البرهان.
٢- الحرية والتغيير- المجلس المركزي اختلفت الاراء حول البيان من ناحية التنظيمات المكونة لها. لكن كتحالف جامع فالرأي كان واضحا هو الرفض واعتبار البيان كنتيجة للتصعيد الجماهيري ضد الحكومة.
٣- الآلية الثلاثية أوقفت الحوار الذي ابتدرته بين القوي السودانية وأعلنت انه لا يمكن المواصلة في حوار يغيب عنه المكون العسكري.
٤- قوي الحراك الوطني وعلي لسان د. التجاني سيسي هاجمت قرار الآلية الثلاثية واعترضت علي قرار رفع الحوار.
ما يمكن قراءاته هنا ووفقا للمواقف أعلاه:-
– الحرية والتغيير التوافق الوطني اتاها الرد بشكل غير مباشر من المكون العسكري في قرار إعفاء الأعضاء المدنيين في مجلس السيادة الانتقالي مع الابقاء علي الأعضاء الممثلين لاتفاق جوبا لسلام السودان. هذه إشارة تؤكد التزام المكون العسكري بالاتفاق ومخرجاته.
– بالنسبة للحرية والتغيير المجلس المركزي فهناك تضارب في الرؤي بين مكوناته كتنظيمات بين من يري أن البيان لا جديد فيه وانه تكريس لسلطة البرهان والمكون العسكري. وبين يري انه خطوة إيجابية وهو يتجاوب مع ما دعت اليه هي نفسها من نأي المكون العسكري عن السياسة.
– قوي الحراك الوطني تري في الحوار السوداني مخرجأ للازمة. المآخذ علي هذا التيار أن غالب تنظيماته كانت تقف مع النظام البائد حتي لحظة سقوطه. لكن علينا في نفس الوقت ملاحظة ان بعض هذه القوي السياسية كانت مشاركة في النظام السابق وفقأ لاتفاقيات سلام برعاية ومباركة دولية من الامم المتحدة والاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية. وهذه الحالة مقاربة لمشاركة الحركة الشعبية لتحرير السودان في حكومة المؤتمر الوطني وفقا لاتفاقية السلام الشامل. ولا يمكن اغفال أن هناك قوي سياسية شاركت وفقأ لهذا الاتفاق واتفاقيات اخري معلنة وغير معلنة مع النظام السابق في مؤسساته السياسية والتشريعية.
– باختصار.. آفاق الحلول تبدو واضحة وتتمثل في الآتي:-
١- اعتبار بيان البرهان الأخير فرصة تاريخية للعمل علي وحدة القوي الثورية من اقصي اليمين الي اقصي اليسار علي صعيد واحد ووفق حوار وطني جامع لا يستثني الا المؤتمر الوطني. هذا الحوار يجب يبدأ بإلتقاء الحرية والتغيير – التوافق الوطني والمجلس المركزي، نتيجة هذا الحوار يجب ان تكون في العودة الي منصة التأسيس الاولي. اذ اثبت الواقع انه لا يمكن إقصاء اي مكون منهما من العملية السياسية الحالية والمستقبلية.
– هذا الحوار يجب ان يكون هدفه خلق تحالف سياسي جديد أو الابقاء علي القديم وفق أسس جديدة.
– هذا الحوار قد يحتاج الي أشهر للوصول الي تلك الخلاصات، مما يتطلب والحال هذه أن يكون هناك لقاء عاجل بين هذه القوي لاختيار رئيس وزراء وحكومة تتفق عليه بينها بعيدأ عن أي مصالح حزبية أو سياسية أو مجتمعية ضيقة. اذا قامت هذه القوي السياسية بهذه الخطوة فلن يكون أمام المكون العسكري اي مجال للمناورة أو الحديث عن عدم اتفاق المكون المدني فيما بينه.
– هذه الخطوة اذا حدثت فإنها تعيد عملية الانتقال الديمقراطي السلمي في البلاد الي يد المكون المدني. وتضع عملية التغيير الحقيقي وتنفيذ شعارات الثورة الشعبية (حرية.. سلام وعدالة) في ملعب الساسة مرة اخري.
– غير ذلك السودان ومحيطه الإقليمي مهدد بالدخول في فوضي عارمة تؤدي الي حروب وانفلاتات أمنية في أكثر من جهة ومنطقة. فعالم ما بعد وباء الكورونا وحرب روسيا علي اوكرانيا لن يكون ذلك العالم القديم الذي عهدناه.
– هو عالم ستضمحل فيه قيم العدالة والأخلاق والانسانية وستتلاشي كل هذه الشعارات لتفسح المجال لعالم تسود فيه مفاهيم القوة والبطش والجبروت والانانية مثلما بشر بذلك شارليس داروين (القوي فقط هو من سيبقي) .. وما اوكرانيا الا بداية لهزة اقتصادية وسياسية عالمية ستدق أبواب الاغنياء قبل الفقراء.. نحن إزاء أزمة اخري قادمة من جراء الحرب الروسية- الاوكرانية.. ولا عزاء حينها للجوعي..
– دون استطراد في الحديث فإنما يدور الان في الساحة السياسية السودانية من تفسيرات لحديث البرهان وما يقوم به البعض من اقامة لمحاكم التفتيش في النوايا هو نوع من الترف الفكري والعبث بمستقبل السودان ومواطنيه في وقت لا مجال فيه للعب والعبث بأي شكل من الأشكال..
– علي الساسة اخذ المبادرة في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ البلاد. واتخاذ القرار السياسي وفق معطيات الواقع والمستقبل.. ولنا في الافريكاني العظيم نيلسون مانديلا نموذجأ وقدوة. فحين اتخذ الرجل قراره بالحوار مع فريدريك ديكليرك كان البعض يصرخ ويحاول إثارة الغبار حول الرجل.. ولا زال هذا البعض حتي هذه اللحظة يصرخ ويصرخ.. لكن عجلة التاريخ مضت لتضع نهاية دولة الابارتايد في جنوب أفريقيا بفضل القرار السياسي الشجاع الذي اتخذه ماديبا (مانديلا)..
– السياسي ليس (دي جي) يضع المعزوفات والنغمات وفقا لما يطلبه المستمعون أو الراقصون.. وما فعله البرهان شئنا أم أبينا هو رمي للكرة في ملعب الساسة وعلي هؤلاء أن يكونوا علي قدر المسئولية التاريخية..
-المقال يعبر عن وجهة نظري الشخصية ولا يمثل بالضرورة رأي حركة العدل والمساواة السودانية التي انتمي اليها.