مداولات المحامين في هولندا من شأنها أن يكون لها أثر هائل على مستقبل بلد من أقل البلدان استقراراً في إفريقيا. أولاً اتهمت المحكمة الجنائية الدولية الرئيس السوداني، عمر البشير، بتهم تتعلق بجرائم حرب. هذا القرار اعتبره ناشطون في حقوق الإنسان نصرا للعدالة، لكنه عقَّد السعي للسلام في منطقة دارفور، على الأقل على المدى القصير.
لحسن الحظ لم يحدث الشيء نفسه فيما يتعلق بالقرار الأخير الآتي من لاهاي. المحكمة الدائمة للتحكيم خرجت بموقف وسط يمكن أن يساعد على تجنب حرب جديدة. حكم المحكمة يقسم منطقة أبيي الغنية بالنفط، على نحو يعطي السيطرة على احتياطيات النفط المهمة إلى حكومة الخرطوم في الشمال. لكنه مع ذلك يضع مناطق خصبة كبيرة وبعض النفط ضمن منطقة سيكون لها الخيار في الانضمام إلى الجنوب الذي يتمتع بما يشبه الاستقلال الذاتي.
عُهِد إلى هيئة المحكمة برسم الحدود بعد أن كاد الاقتتال في المنطقة أن يُسقِط اتفاقية السلام لعام 2005، التي أنهت أكثر من 20 سنة من الحرب الأهلية. الاتفاقية أعطت الجنوب الحكم الذاتي، وحصة من الثروة النفطية، ووعداً بإجراء استفتاء عام حول الاستقلال في 2011. لكن تطبيق هذه الاتفاقية كان متقطعاً، والمخاوف من اشتعال الحرب الأهلية مجددا ـ ووضعها مزيدا من العقبات أمام الجهود الرامية إلى تسوية نزاع دارفور المستقل ـ أثيرت بفعل ازدياد التسلح على جانبي الصراع. من العقبات الرئيسية أمام التسوية كان النزاع حول السيطرة على أبيي.
شاءت الظروف أن يكون قسم لا يستهان به من الثروة النفطية السودانية في المكان الخطأ، القريب من الحدود بين الطرفين المتحاربين في البلاد. الاحتياطيات في حقل هجليج بالقرب من أبيي في حالة تناقص، لكن الإنتاج الحالي يشكل إضافة مهمة للميزانية القومية، وبالتالي يطيل من بقاء نظام البشير. وبإعطائها النفط للخرطوم، قللت المحكمة ميل النظام للتصرف بطريقة تفسد الاتفاق. كذلك يعطي القرار الخرطوم السيطرة على البنية التحتية لخط الأنابيب، التي تستطيع من خلالها تحصيل دخل حين يتحول قسم كبير من النفط باتجاه الجنوب، كما هو متوقع. من شأن ذلك أن يساعد أكثر في تقليص المبرر لأي عدوان شمالي، في حال قرر الجنوب في نهاية الأمر التصويت لمصلحة الاستقلال.
في لحظة نادرة من التعاون، رحب الجانبان بالقرار. الوسطاء الدوليون لا بد لهم أن يستفيدوا من هذه الفرصة لتحقيق تقدم في مجالات أخرى قبل أن يفوت الأوان. في الغالب كان رد فعل الغرب على تجاوزات الخرطوم باستخدام العصا. لكن اللجوء إلى منهج أكثر واقعية (برجماتية) يمكن كذلك أن يفضي إلى شيء.